مقترحات البحث الأشكال والخرائط الصور المحتويات

مقاتل من الصحراء

تحليق الصقور (تابع)

          تزوجت للمرة الأولى، لُولْوَة، ابنة عمي الملك فهد ( الأمير فهد آنذاك )، وأنا في العشرين من عمري. وكنت لا أزال عضواً في فريق التفتيش في الدفاع الجوي. كانت شابة في السابعة عشرة من عمرها.

          رُزقنا خلال عام من زواجنا ببنت سمَّيناها ريماً. وكانت زوجتي وابنتي تقيمان في بيت والدي في الطائف. كنت أزورهما من حين إلى آخر بين جولات التفتيش وأمكث معهما بضعة أيام في كل مرة. وحدث في إحدى تلك الزيارات، وعُمْر ابنتي وقتئذٍ أربعة أشهر، أن استيقظت في منتصف الليل وأيقظت زوجتي وأخبرتها برغبتي الشديدة في أخذ ريم إلى الرياض في اليوم التالي ليراها والدايَ. وكانا لم يرياها منذ ولادتها. ولَمّا لم تكن صحة زوجتي تسمح لها بالسفر إلى الرياض وقتها، فقد سافرت ومعي ريم ومربيتها. وصلت إلى الرياض وزرت والديَّ، فلما رآها والدي قال: "ما شاء الله. تبدو كملاك طاهر، تفيض جمالاً ورقة. أخشى عليها من الحسد. أدعو الله أن يحفظها ويبارك فيها". عادت ريم ومربيتها بالطائرة إلى الطائف، ولحقتُ بهما من طريق البر، إذ كان لديّ بعض الأعمال في طريقي إلى هناك. استغرقت رحلتي الليل كله. وعندما وصلت إلى البيت وجدت ريماً تعاني نزلة برد وفاضت روحها في اليوم التالي. وكأنما حركني هاجسٌ خفيٌ في تلك الليلة لأصطحبها إلى الرياض حيث أحَبُّ الناس إلى نفسي وقلبي: أبي وأمي.

          كنت وقتها شاباً في مقتبل العمر، وكانت هي مولودتي الأولى. حز فراقها في نفسي، وترك موتها في قلبي جُرحاً لم يندمل.

          واريتها في التراب وأنا أحاول جهدي أن أبدو متماسكاً. كنت حريصاً على ألاَّ أُبدي جزعي. ولكن حدث أمر زادني ألماً على ألم. فقبل دفن ابنتي، جاء رجل إلى بيتي وطلب مقابلتي "لأمر هام". نزلت من غرفتي حيث كنت أحاول أن أحبس دموعي. بادرني الرجل قائلاً: "أريد أن أسألك معروفاً. لقد علمت أنك اشتريت سيارة لابنتك وأريد أن أطلبها منك قبل أن يطلبها غيري، هل لي أن آخذها؟".

          كنت فعلا اشتريت سيارة لخروج ريم ومربيتها للتنزه، ولم يكن مستغرباً أن يقصدك أناس يطلبون المساعدة، ولكن في وقت كهذا؟! أثارت كلمات ذلك الرجل حنقي وكدت أفقد أعصابي. تمالكت نفسي بجهد جهيد. قلت له: "من الأفضل لك أن تنصرف الآن وفوراً". وغادرت المكان.

          جاءني أخي فهد في تلك الليلة مع بعض الأصدقاء لتعزيتي. وتوجهت في اليوم التالي إلى مكّة لأداء العمرة. كنت حقاً محتاجاً إلى تلك الوقفة الروحانية. ثم عُدت بعد ذلك إلى جدّة ثم إلى العمل.

          عوضنا الله خيراً، فرُزقنا بعد ذلك بطفلين، فيصل الذي وُلد عام 1973 وسارة التـي وُلدت عـام 1976. وهمـا مناط حبي وعنايتي. وإن كنت قد انفصلتُ عن أمهما عـام 1978، فلا أزال أغمر ولديَّ بفيض حناني. وتبقى أمهما، ابنة عمي. فكلانا جزء لا يتجزأ من العائلة. وإذا حدث وطلبت مني أمراً فإنني أُسرع إلى تلبيته عن طيب خاطر.

سابق بداية الصفحة تالي