مقترحات البحث الأشكال والخرائط الصور المحتويات

مقاتل من الصحراء

قراءة في فكرِ صدّام (تابع)

          خلال أزمة الخليج والفترة التي أعقبتها، قال بعض المفكرين العرب إن بعض الدول العربية، مثل المملكة العربية السعودية ومصروسوريا، ارتكبت جريمة في تحالفها مع الولايات المتحدة ضد دولة عربية. وإنها بفعلتها تلك أساءت إلى مبادئ القومية العربية ومزّقت الإجماع العربي. وأضاف هؤلاء أن مصدر الخطر الحقيقي الذي يهدد الأمة العربية ليس صداماً بل الدول الغربية. وذهب بعضهم إلى أبعد من ذلك، وصوروا صداماً بطلاً للقومية العربية، عمدت إلى إذلاله مؤامرة غربية أو صهيونية.

          تعكس مثل هذه المواقف، بداهة، إحساس العرب بالنقمة على الاستعمار الغربي، الذي تعرض له الوطن العربي في بداية هذا القرن. كما تعكس استياءهم لدور الغرب في خلق إسرائيل في أعقاب الحرب العالمية الثانية، والتأييد المطلق الذي تمنحه الولايات المتحدة لها منذ قيامها، ولو كان ذلك على حساب المصالح الأمريكية نفسها. كما أن كثيراً من العرب ما زالوا يشعرون بالحنين، الرومانسي الحالم، إلى ماضيهم حين لم يكن لحضارتهم مثيل، ولا لقوتهم منافس.

          لكن هذه الآراء لا تَمُتّ إلى الواقع بِصلة. فمن المؤسف أن "القومية العربية"، وهي شعار يرفعه معظم العرب، لم تسفر حتى الآن عن عمل سياسي موحَّد، وكان "الإجماع العربي"، غائباً أكثر مما كان حاضراً، في معظم الأحداث المهمة التي أثرت في منطقتنا.

          وفي اعتقادي، أن صداماً بغزوه الكويت حاول من طريق العنف والإرهاب تعزيز مصالح العراق وتحقيق طموحاته الشخصية على حساب الدول العربية الأخرى. ولا علاقة لأهدافه تلك بوحدة الصف العربي، ولا بالقومية العربية، ولا بالقضية الفلسطينية. وقد يقول قائل إن جميع الأنظمة الديكتاتورية العربية، بما فيها نظام صدّام هي نتاج للقضية الفلسطينية. فالعدو الإسرائيلي، دون شك، أسهم في ظهور النزعة العسكرية ووصولها إلى السلطة. ولكن من الحماقة أن يعتقد بعض القائلين، والفلسطينيون منهم، أن الطريق إلى فلسطين يمر عبر الكويت ومن السخف القول بأن صداماً باحتلاله الكويت كان يسجل انتصاراً للفلسطينيين! وعلى العكس من ذلك يجب أن نسأل أنفسنا: * هل حاول صدّام مرة واحدة أن ينتقم من إسرائيل لهجومها على المفاعل النووي العراقي في عام 1981؟ * وهل قدّم السلاح لشعبه للقتال ضد إسرائيل؟ * وهل خاض أية معركة ناجحة ضد إسرائيل؟

          وفي حقيقة الأمر، كان كل ما فعله صدّام على الصعيدين الداخلي والخارجي منذ جاء إلى سدة الحكم في العراق في مصلحة إسرائيل ومما لا شك فيه أن غزوه دولة الكويت قد ألحق بالعرب أضراراً بالغةً. ففضلاً عن الخسائر الجسيمة في الأرواح، تسبب كذلك خسائر مادية بلغت مئات المليارات من الدولارات، كما أرغم مئات الألوف من الناس على النزوح من بيوتهم، وخلق صدْعاً عميقاً في العالم العربي تمثَّل في إذكاء مشاعر الكراهية وبذر بذور الشك بين الشعوب العربية. ولعلّ هذا الصدْع هو أشد عواقب الأزمة خطراً.

          أمّا نحن في المملكة، فقد اضطررنا إلى قتال صدّام وحاولتُ خلال الأزمة أن أضع نفسي مكانه لأعرف دوافعه. لكني توصلت إلى نتيجة مفادها أن صداماً لـم يكن سوى مُعْتدٍ، بكل ما تحمله هذه الكلمة من معنى، مُعتدٍ على العرب جميعهم. كان من الضروري إيقافه عند حده دفاعاً عن النفس، ودفاعاً عن الحق، وردعاً للباطل. وفي الحقيقة، أننا لم نشغل أنفسنا كثيراً بجنسيات الجنود الذين قدموا لمساعدتنا في مِحْنتِنَا، فلو كان بيتك يحترق فلن نسأل، بداهة، عن جنسية أو هوية من يساعدك على إخماد النيران!

          وأعتقد أن من واجب العرب جميعاً، وليس واجب السعوديين أو المصريين أو السوريين أو المغاربة فقط، أن يقاوموا صداماً، وألاّ يتركوا طاغية متهوراً، يداه ملطختان بالدماء يسيطر على العالم العربي. إذ لو حدث ذلك لانتهى الأمر إلى سوآتٍ لا حصر لها في المستقبل، ولألحق العار بالأمة العربية. إنها حقاً حرب فُرِضَتْ علينا ولم نسعَ إليها.

سابق بداية الصفحة تالي