مقترحات البحث الأشكال والخرائط الصور المحتويات

مقاتل من الصحراء

القيادة الموازيَة (تابع)

          في بداية شهر سبتمبر، ناقشت مع شوارتزكوف استكمال الخطة الدفاعية العاجلة التي وضعتها مع الفريق يوساك بعد الغزو مباشرة، وقبل وصول شوارتزكوف إلى المملكة. ففي ذلك الوقت، ومع وصول مزيد من القوات وانحسار خطر الهجوم العراقي، كان من الضروري تحسين تلك الخطة وتطويرها إلى خطة "درع الصحراء". حَرِصتُ على إشراك شوارتزكوف وضباط أركانه في خطتنا الدفاعية، لأنني أيقنت أن الأمريكيين سيبدأون فوراً التخطيط لعملية هجومية، وأردت أن أكون مشاركاً فيها أيضاً. وبالفعل، كان لنا إسهام كبير فيها، تخطيطاً وتنفيذاً وإدارة.

          كما أكدتُ إصراري على ضرورة إجراء تدريبات مشتركة مع القوات الأمريكية. كان شوارتزكوف يُعدُّ جنوده لخوض المعركة، وأردت أن تستفيد قواتي من التدريب معهم. أبدى ضباط أركاني شيئاً من التردد، إذ لم يسبق لنا أن اشتركنا في تدريبات مشتركة مع الولايات المتحدة من قبل، لكني رأيت في ذلك فرصة سانحة ينبغي الاستفادة منها. وفي الـواقع، أردت أن تكون التدريبات المشتركة على مستوى الكتيبة واللواء، وليس على مستوى الفصيل أو السرية.

           ولكن المشكلة كانت تَكمْن في أن القوات السعودية ومعظم القوات الأخرى تحت قيادتي، لم تكن لها خبرة بالإسناد الجوي القريب. ومع ذلك، أردت أن تكون التدريبات واقعية وأقرب ما تكون إلى ظروف المعركة الحقيقية مع استخدام ذخيرة حية. أردت أن تعتاد القوات على أصوات المعركة الرهيبة. ولكن إذا أردنا للتدريبات أن تكـون أكثر واقعية، فعلينا مواجهة احتمال حـدوث خسائر في الأرواح. أخبرت شوارتزكوف استعدادي لقبول نسبة ضئيلة من الخسائر في الأرواح، لكنه أصرّ على اتخاذ احتياطات السلامة 100%. كـان حـريصاً على تجنب أية دعاية معادية قد تنشأ جـرّاء وقوع خسائر بشرية، سواء أَفي صفوفنا كانت، أم في صفوف القوات الأمريكية، ولعله كان مُحِقّاً في ذلك. في نهاية المطاف، اتفقنا على خطة بسيطة لتقليل المخـاطر مع الحفاظ على الواقعية في الوقت نفسه. تقتضي تلك الخطة أن تعمل أطقم السيطرة الجوية التكتيكية الأمريكية مع وحداتي، وصدرت الأوامر إلى الطيارين بإلقاء قنابلهم على مسافة 300-400 مترٍ من الحد الأمامي لقواتنا. وتمّ تنفيذ التدريبات المشتركة بكفاءة، وسارت الأمور على ما يرام.

          طَرَحْتُ بعد ذلك سؤالاً على شوارتزكوف أثار دهشته. قلت له: "لِمَ لا نعلن عن تخطيطنا المشترك وتدريباتنا المشتركة لوسائل الإعلام؟". فقال: "أنتم لديكم حساسية تجاه هذه الأمور. أمّا أنا فلست كذلك".

          أجبته قائلاً: "أنا لم أعد حساساً تجاهها". وكما أسلفت، فقد أدركت فوائد التدريب المشترك مع الوحدات الأمريكية ذات الخبرة في هذا المجال، ورحّبت بتلك التدريبات بالفعل.

          كانت تقوية العلاقات الدفاعية بالولايات المتحدة إحدى النتائج الحتمية التي نتجت من أزمة الخليج. كانت علاقاتنا بها متحفظة، قبل تلك الأزمة، تجنباً لإثارة الرأي العام العربي، ونحن جزء منه، لأنه يشعر باستياء عميق بسبب الصِّـلة الأمريكية الوثيقة بإسرائيل. والجدير بالذكر، فإن الشركات الأمريكية البارزة والمعنية بشؤون الدفاع، وكذلك سلاح المهندسين الأمريكي، قد قاما بدور رئيسي في بناء البنْية الأساسية الدفاعية للمملكة. وخلال المراحل الأخيرة من الحرب العراقية- الإيرانية، لا سيما أثناء أزمة رفـع الأعلام الأمريكية على الناقلات الكويتية لحمايتها من الهجمات الإيرانية، تقاربت خططنا الدفاعية مع الولايات المتحدة أكثر فأكثر. ولكن على الرغم من ترحيبنا واستقبالنا عدداً كبيراً من المستشارين العسكريين والفنيين الأمريكيين في المملكة، ظل موقفنا الرسمي حتى ذلك الحين يقضي ببقاء القوة العسكرية الأمريكية بعيدة إلى حدٍّ ما، ومن الأفضل أن تظل "وراء الأفق!".

          ولكن، بعد تدفق نصف مليون جندي أمريكي إلى المملكة، لم يَعُد من المجدي التمسك بذلك الموقف، أو إضفاء أية مصداقية عليه.

سابق بداية الصفحة تالي