مقترحات البحث الأشكال والخرائط الصور المحتويات

مقاتل من الصحراء

الجيوش تسير على بطونها (تابع)

          وإلى جانب متعهدِي التموين الذين أدوا واجبهم على الوجه الأكمل، فإننا لا ننسى، أيضاً، فضل المسؤولين عن إدارة وتشغيل الصناعات النفطية في المملكة، بدءاً بمديرِي الإنتاج والتكرير، وانتهاءً بعمال الإنتاج في حقول النفط وسائقي الناقلات (الصهاريج).

          كانت المملكة هي المصدر الأول للوقود لقوات التحالف. ولولا الملايين من جالونات الوقود التي وفرتها للقوات، لظلت الكويت ترزح تحت الاحتلال، ولبقيت جيوش التحالف في معسكراتها أو في الموانيء والمطارات التي وصلت إليها، ولظلت الطائرات جاثمة على الأرض. وعلى الرغم من أن القوات الأمريكية شحنت معها بعض الوقود من الولايات المتحدة ومن أماكن أخرى، فالحقيقة التي لا مراء فيها، هي أنه لولا الإسهام الهائل الذي قدمتْه المملكة، لأصبحت هذه الحرب ضرباً من المستحيل، أو على الأقل لَمَا كانت حرباً في هذا المستوى.

          إضافة إلى ما ذكرتُه من قبل، كنت أتلقى إيجازاً يومياً من فريق الإمداد والتموين عن الصورة الكاملة لمسرح العمليات، شمالاً وشرقاً على حدٍّ سواء. وكان يُقَدّم إليّ، في الوقت نفسه، تقرير يومي منفصل عن موقف الوقود. ولما كان الوقود يمثِّل مشكلة كبرى لها أهمية خاصة، أنشأت "مركز عمليات الوقود"، لمراقبة توافر كافة أنواع الوقود، يوماً بيوم وساعة بساعة، ومتابعة خط سير إمدادات النفط عبر البحار، وتوزيع هذه الإمدادات.

          ضم "مركز عمليات الوقود" ممثِّلين للقوات المسلحة السعودية، ووزارة البترول والثروة المعدنية، وشركة أرامكو السعودية ( شركة إنتاج النفط السعودية )، وشركة سمارك ( شركة تكرير النفط وتسويقه ). كما ضم المركز ممثِّلين للقوات الأمريكية والبريطانية والفرنسية وكان هؤلاء الثلاثة، يقدِّمون إلينا بياناً باحتياجاتهم اليومية من الوقود، فنقارنها بما هو متوافر لدينا. وكانت خطة عملنا تقوم على تحديد مخزوننا من الوقود، والكمية التي استهلكت في اليوم السابق، والكمية المطلوبة في اليوم التالي، والكمية التي سنحتاج إليها على مدى الأسبوع، والخمسة الأسابيع، والعشرة الأسابيع، والخمسة عشر أسبوعاً التالية.

          طرحتُ على المخطِّطين "سيناريو" متشائماً، افترضت فيه أن العدو هاجم اثنتين من مصافينا النفطية الأربع، وألحَق بهما أضراراً بالغة أوقفتهما عن العمل، أو أنهما تعرضتا لأعمال إرهابية، فكيف نتصرّف عندئذٍ؟ صحيح أن قوات الدفاع الجوي تتولى حماية مصافي النفط وجميع المنشآت الحيوية من الهجمات الجوية، وقوات الحرس الوطني السعودي تحميها من العمليات الإرهابية، لكن يجب علينا أن نُدخل في حسابنا احتمال تعرضها للهجوم وإصابتها بأضرار ( فخِلال الحملة الجوية الإستراتيجية، أطلق العراقيون صواريخ فْرُوجْ  frog على مصافي النفط السعودية، ولكنها لم تُلحِق بها أية أضرار ). وبدراسة مثل هذا "السيناريو" المتشائم، واجهتنا مفارقة واضحة مؤداها أن المملكة الغنية بالنفط، قد تُضطر إلى شراء وقود من الخارج! وأن توفير إمكانات احتياطية منه يكلفنا مبالغ طائلة، ولكنه إجراء وقائي كان علينا أن نتخذه لمواجهة أسوأ الاحتمالات. وبالفعل، اشترينا منتجات بترولية - وقوداً للمحركات النفاثة على وجه التحديد - بما قيمته 700 مليون من الدولارات، وقمنا بتخزينه في البحر، فضلاً عن زيادة الطاقة الإنتاجية لمصافينا من الأنواع المختلفة من الوقود. كنّا قلقين أيضاً من أنه إذا طال أمد الحرب، فقد تصبح المملكة غير قادرة على الوفاء باحتياجات قوات التحالف من الوقود. كنت أنتقد شوارتزكوف لمبالغته في تقدير احتياجات قواته، ولكني ربما ارتكبت الخطأ نفسه.

          ولَمّا كان استمرار تزويد قوات التحالف بالوقود من مسؤوليتنا، ولكي نضمن التدفق المستمر للوقود إلى مستودعات التخزين، تعاقدنا مع شركات أمريكية لمدّ خط أنابيب بطول 200 كيلومتر من مصفاة السفانية إلى مطار الملك فهد بن عبد العزيز في شمالي الظهران، وخط أنابيب آخر من السفانية إلى المستودعات في القيصومة بطول يزيد على 500 كيلومتر. كما كانت أساطيل من الصهاريج ( أكثر من 2500 صهريج )، تنقل الوقود يومياً من مصافينا في رأس تنورة والرياض وجدّة وينبع والجبيل، إلى نقاط الوقود المتقدِّمة، والموزعة على طول طرق الإمداد، حيث أُقيمت خزانات تتراوح سعتها بين 10 آلاف و250 ألف جالون. أمّا نقل الوقود إلى الوحدات الأمامية في مختلف مناطق القتال، فكان من مسؤولية الوحدات المختلفة لقوات التحالف. ولم يتطلب الأمر من السائقين أكثر من ملء خزاناتهم بالوقود ثم الانطلاق عائدين إلى وحداتهم. أنشأنا، إضافة إلى ذلك، حقولاً من خزانات الوقود يحتوي كل منها 200 - 300 خزان، لتزويد الوحدات بما تحتاج إليه من الوقود. وبلغت النفقات الإجمالية للوقود الذي زوَّدنا به قوات التحالف 1.9 ملياراً من الدولارات!

سابق بداية الصفحة تالي