مقترحات البحث الأشكال والخرائط الصور المحتويات

مقاتل من الصحراء

الجيوش تسير على بطونها (تابع)

          ولا أريد أن أُطيل على القارئ بسرد المنجزات التي حققتها المملكة في إقامة بنْية أساسية حديثة، فمن دون هذه المَرافِق من مطارات وموانئ وطرق واتصالات وما شابه ذلك، لواجَهَت التحالفَ مصاعب جسيمة، ربما كان التغلب عليها مستحيلاً. أدت مطاراتنا الرئيسية الواحد والعشرون دوراً أساسياً لا غنىً عنه في استقبال آلاف الطائرات التابعة لقوات التحالف. كما أنشئ عدد كبير من المهابط الإضافية في المنطقة الشرقية، وفي مدينة الملك خالد العسكرية، وفي أماكن أخرى. كما أضيفت مدارج جديدة، وعُدّلت أطوال بعض المدارج القديمة في المطارات، لتصبح صالحة لاستقبال طائرات النقل العملاقة c-5.  كما أدّت موانئنا السبعة الرئيسية دوراً حيوياً منذ بدء الغزو حتى مغادرة القوات. ولابد من توجيه الشكر إلى المقدم علي الشعيبي، ضابط الارتباط في الموانئ، لتفانيه في عمله وإخلاصه طوال الأزمة.

          شحَن الأمريكيون الكثير من عتادهم إلى ميناء الملك عبد العزيز في الدمام، وهو من أحدث الموانئ في العالم تقنية وتجهيزاً، فَشَغلُوا ثلاثة أرباع مراسيه التسعة والثلاثين، ولم يتركوا من المراسي سوى العشرة الأولى منها للحركة التجارية! وبلغ عدد السفن التي كانت تصل كل يوم محملة بالعربات والعتاد الحربي 15 سفينة. أمّا الجنود، فكان يتم نقلهم جواً إلى قاعدة الملك عبد العزيز الجوية في الشرقية أو مطار الملك فهد، الذي تم استكمال بنائه، بمنشآته الرائعة الممتازة، شمالي الظهران. ثم ينقلون من المطارات إلى الموانئ، بالعربات لاستلام عتادهم ومعداتهم. وكانوا يقضون هناك نحو يومين قبل التحرك إلى مناطق انتشارهم. وفي بادئ الأمر، كانت القوات الأمريكية القادمة تضطر إلى النوم في مخازن البضائع، ولكن هذا الوضع لم يستمر طويلاً، إذ تسلّمت بعد فترة قصيرة مجمعاً سكنياً جديداً في الدمام، كان قد أُعد لإيواء 3500 من عمال تحميل السفن وتفريغها.

          أحضر الأمريكيون معهم بعض معدات التحميل والتفريغ، لتوقعهم حدوث بعض الصعاب في عملية تفريغ إمداداتهم، ولكنهم لم يُضطروا إلى استخدامها قط. وقد تم تفريغ 28 ألف حاوية خلال الأزمة بكل يسر وسهولة، يضاف إليها 114 ألف عربة ذات عجلات، و12 ألف دبابة وعربة مجنزرة ( ناقلات جنود مدرعة )، و1500 طائرة عمودية و360 ألف طن من الذخيرة. وتم تعيين ضابط سعودي في الدمام، بصورة مستديمة، ليتولى تنسيق إجراءات الإفراج الجمركي عن العتاد والمعدات من الميناء. وكانت القوافل تغادر الميناء بمعدل قافلة كل خمس عشرة دقيقة، وكان في وسع مَن ينظر من طائرة عمودية أن يرى خطوطاً طويلة من الشاحنات لا نهاية لها على مدى البصر. كذلك، استخدم الخط الحديدي بين الظهران والرياض لنقل القوات والمعدات للتخفيف من الضغط على الطرقات المتجهةّ شمالاً.

          وفي البداية، وصل مشاة البحرية الأمريكية إلى ميناء الجبيل التجاري، وعلى مضض منهم شاركتهم الميناء الفرقة المدرعة البريطانية عند وصولها بعد ذلك ( اضطررنا إلى التدخل لدى الفريق والتر بومر walter boomer، قائد مشاة البحرية، لكي يفسح المجال أمام البريطانيين لإنزال دباباتهم وعرباتهم المدرعة ). وتم تسليم البريطانيين ثمانية أو تسعة مبانٍ سكنية جديدة لإيواء جنودهم القادمين إلى المملكة. كما أُغلق ميناء الجبيل التجاري تماماً أمام الحركة التجارية. أمّا ميناء الجبيل الصناعي، الذي يحتوي شبكة معقدة من الأنابيب المخصصة لنقل المواد البتروكيماوية، فقد افتُرض أنه غير صالح للاستخدام العسكري.

          وفي الطرف الآخر من الجزيرة على ساحل البحر الأحمر، وصل الفرنسيون إلى ميناء ينبع الصناعي، بينما وصل المصريون والسوريون إلى ميناء ينبع التجاري. واستخدمنا ميناء القضيمة، وهو ميناء عسكري صغير بالقرب من جدّة، قد لا يعرفه الكثيرون، مَرْفِقاً احتياطياً. كانت موانئ البحر الأحمر تحت سيطرتي أثناء مشروع الصواريخ الصينية، حين لجأنا إلى الخداع تفادياً لاكتشاف سلاحنا الجديد. وفي تلك الفترة، أُتيحت لي فرصة التعرف بهذه الموانئ وبالمسؤولين عنها، وأفادتني هذه المعرفة كثيراً خلال أزمة الخليج.

          وعند التخطيط لإنشاء هذه الموانئ في جدّة و والجبيل وينبع، حَرِصَتْ المملكة على توفير الأموال والأماكن، وكذلك سُبل الحصول على التقنية الحديثة اللازمة لبناء مرافق في المستوى العالمي. وسوف تبقى هذه المرافق صالحة حتى القرن القادم؛ لأنها موانئ ضخمة وجيدة التصميم، ولن تصل إلى حد التشبع، مهما تضاعفت حركة التجارة والشركات، ولن تصبح عتيقة الطراز لعقود عدة قادمة. وقد أثبتت هذه الموانئ فائدتها العظمى خلال الأزمة.

سابق بداية الصفحة تالي