مقترحات البحث الأشكال والخرائط الصور المحتويات

مقاتل من الصحراء

هُدوء العاصفة (تابع)

          ولا شك أن خبرة الحرب تُعَد أمراً حيوياً للقائد، إذ تعلمت في تسعة أشهر، هي فترة الأزمة، ما لم أتعلمه خلال ربع قرن من الزمان في وقت السلم. لقد أُتيحت لي فرصة التعامل المباشر مع أكبر التنظيمات العسكرية في العالم الغربي: القوات المسلحة الأمريكية متعاونة مع القوات المسلحة البريطانية والفرنسية. ورأيت، عن كثب، كيف تُدار حرب عالية التقنية، وكيف تُنقل أعداد ضخمة من القوات المقاتلة والقوات المساندة وكميات هائلة من الأسلحة والإمدادات، وكيف تُنشر في مواقع نائية. وفوق ذلك كله، شاهدت سرعة إيقاع الحرب الحديثة وتطوراتها، ومن ثم لمست فداحة الدمار الذي تُحدِثه.

          أسهمت تلك الخبرة في وضوح الرؤية أمامي في شأن معرفة وتحديد المتطلبات اللازمة لتحسين وتطوير قدراتنا الدفاعية على مستوى المملكة، ومستوى شركائنا في مجلس التعاون لدول الخليج العربية. فالمنطقة التي نعيش فيها منطقة خطرة وسريعة الاشتعال، ولم ينجح انتصار قوات التحالف في القضاء على التهديدات الإقليمية، أو ضمان أمن الخليج في المدى البعيد، وعلينا أن نكون متأَهِّبين للتعامل مع الأحداث المستقبلية وأن نأخذ في الاعتبار أسوأ الاحتمالات. إذ ليس هناك ضمان أن أشقاءنا أو أصدقاءنا سوف يهرعون إلى مساندتنا في المرة القادمة، كما فعلوا هذه المرة. إن النظرة الواقعية واحترام الذات يحتمان على كل الدول العربية في الخليج الاهتمام بأمنها ببناء قوات مسلحة محترفة. وهذه قضية أظن أنه يمكنني، لِمَا لي من خبرة، التحدث عنها بشيء من التفصيل ( وسأتطرق إليها في الفصل التالي ). فأنا، وإن كنت قد ولدت أميراً، إلاّ أن طريقي إلى القيادة كان محفوفاً بالعمل والكفاح.

          عندما شرفني خادم الحرمين الشريفين وولي العهد والأمير سلطان بقيادة القوات المشتركة ومسرح العمليات، لم يكن أمامي إلاّ أحد بديلين، إما أن أكون رمزاً فقط، أي دُمْية في يد القوات الشقيقة والصديقة التي جاءت لمساندتنا، أو أن أكون قائداً حقيقياً، أمارس ما فُوِّض إلي من صلاحيات كاملة. وقرّرتُ اختيار البديل الثاني. كنت قائداً عسكرياً، ولم أكن رجل سياسة. كانت مهمتي رفْع الروح المعنوية والكفاءة القتالية لقواتنا، لتكون قوية حتى نحافظ على شرف بلدنا واستقلاله.

          أدّى احتياجي إلى إنجاز بعض المهام على جناح السرعة إلى اتخاذي بعض الإجراءات التي ربما أثارت حفيظة بعض الناس أو غضبهم، بمن فيهم المقربون. ظنّ بعضهم أني كنت أسعى إلى الشهرة والظهور والأضواء. ولعل عذْرهم في هذا الظن أنهم لم يدركوا أهمية العمل الذي كنت أؤدّيه وخطورته. على كل حال، فبعد انتهاء الأزمة وزوال الخطر، لم تعد هناك ضرورة لـ "قيادة القوات المشتركة ومسرح العمليات". وكان من غير المقبول أن أعود إلى موقعي القديم في المؤسسة العسكرية، بعد أن كنت أتولى أضخم المسؤوليات، فأُصبح، مرة أخرى، تحت قيادة ضباط كانوا هم أنفسهم، بالأمس القريب، تحت قيادتي ويأتمرون بأوامري. وثمة دافع آخر جعلني أتجه إلى التخلي عن القيادة بعد تحمل المسؤولية وإنجاز المهمة، وهو أن تكون تلك سابقة عزّ أن يوجد لها مثيل في العالم الثالث، حيث يتشبث الناس بالمناصب والألقاب، فلا يتخلّون عنهـا، إلا بعد عشرات السنين، أو قُل إن شئت ما داموا على قيد الحياة.

          وكما أسلفت في أكثر من موضع في كتابي هذا، أنني لن أكون إلاّ خادماً مطيعاً لمليكي، وأحد أعضاء العائلة المالكة، ومستعداً لخدمة بلدي في أي موقع وبكل ما أُوتِيتُ من قوة ما دمت حياً. فبعد أن أدّيت واجبي، قدْر طاقتي، في حرب الخليج، أصبح الوقت ملائماً لأن أغادر الساحة في هدوء.

          فكرت طويلاً في الأحداث التي مرّت بي.

          لقد أكرمني الله - سبحانه وتعالى - بأعلى مركز قيادي عسكري يمكن أن يشغله ضابط في العالَمَين العربي والإسلامي.

          لقد كُرمت بالتكليف من قِبَل مليكي قائداً للقوات المشتركة ومسرح العمليات، ثم كُرمت بثقته وثقة الرؤساء الذين أرسلوا قواتهم لمساندة المملكة وتحرير دولة الكويت فأيّ منصب أَصْبُو إليه أعلى من منصبي الذي شغلته خلال الحرب؟ وأيّ شرف أحلم به أكثر من الشرف الذي نلته عقب تحرير الكويت وتحقيق النصر؟ وأية فرصة أنسب من هذه الفرصة لأترك المسرح لغيري، ليستكمل المسيرة؟ والله أحمد وأشكر أن وفَّقني في تحمل المسؤولية، وأداء الواجب، وتنفيذ المهمة.

          وفي 27 مايو 1991، رفعت خطاباً إلى خادم الحرمين الشريفين، القائد الأعلى للقوات المسلحة السعودية، أطلب إليه الموافقة على إحالتي إلى التقاعد. كان أصعب قرار اتخذته في حياتي. كنت أضحّي بكل ما ناضلت من أجْـله، وأنا لا أزال في ريعان الشباب، ( إذ لم أتجاوز الثانية والأربعين ) وأترك رفاقي الذين أمضيت معهم أحلى سنيِّ العمر، وأضع نهاية لحياتي العسكرية التي طالما عشقتها وعشتها بكل جوارحي.

          كان رفْع الخطاب مباشرة للقائد الأعلى للقوات المسلحة تجاوزاً للقواعد العسكرية المتبعة، وخروجاً على التسلسل القيادي العسكري. فكان عليَّ، حسب التسلسل العسكري، أن أرفع طلب إحالتي إلى التقاعد إلى الأمير سلطان، النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء ووزير الدفاع والطيران والمفتش العام، الذي يرفعها، بدَوره، إلى الملك إذا ارتأى ذلك. ولكنني آثرت ألاّ أسبب حرجاً لوالدي، وألاّ أثقِل عليه بتحمل أية تبعة أو مسؤولية في هذا القرار. كما خشيت ألاّ يقبل إحالتي إلى التقاعد، فلا يكون أمامي خيار سوى السمع والطاعة. فهو، بالنسبة إليّ، الوالد، والمعلم، والمربّي، والمثل الأعلى الذي لا يمكن ولا أستطيع ردّ كلمته. فضّلت أن أضع القرار بين يدي خادم الحرمين الشريفين. فإذا كنت مصيباً في طلبي ؛ كان الفضل لمن وافق عليه. وإذا كنت مخطئاً فلأتحمل وحدي مسؤولية خطئي.

          ذكرت في خطابي الذي رفعته إلى الملك: "أنني لم أقدِم على هذه الخطوة طمعاً في منصب ما، فالمنصِب لم يكن هدفاً لي في الماضي، ولن يكون هدفاً لي في المستقبل. فيكفيني ما وصلت إليه من تشريف وتكريم من مولاي. لقد كان المَطمَع الوحيد في حياتي هو خدمة ديني، ثم خدمة مليكي ووطني، والنهوض بقواتنا المسلحة كي تكون قوات مسلحة محترفة".

          أرسلت نسخة من طلب الإحالة إلى التقاعد إلى الأمير سلطان مشفوعاً بخطاب أعتذر فيه عن رفْع طلبي إلى القائد الأعلى للقوات المسلحة مباشرة، وكتبت: "أعتذر لسموكم عن رفْعي هذا الطلب مباشرة إلى مولاي دون اتِّباع التسلسل العسكري، وذلك حتى لا أكون سبباً في إحراجكم، وحتى لا تتغلب عليكم عاطفة الأبوة الفياضة، التي يشعر بها سموكم في مثل هذه المواقف". بعد ذلك، لخصت لسموه الدروس العسكرية التي تعلمتها خلال الأزمة، ومقترحاتي لتطوير قواتنا المسلحة. وفي نهاية خطابي، وجدت نفسى أكتب عبارات تعبر عمّا يجيش في صدري من مشاعر الفخر والاعتزاز بهذا الوالد العظيم: "لن ينسى التاريخ لكم ما تتحملونه وتبذلونه وتصبرون عليه، وسيدوّن لكم أنكم وراء كل نصر، وخلْف كل نجاح، ومثال كل كفاح، تعملون في صمت، وتبنون بلا ضجة".

          وفي اليوم نفسه الذي أرسلت فيه الخطابين، قمت بزيارة تفقدية إلى الكويت لأودِّع بعض الوحدات من القوات السعودية والعربية التي قاتلت تحت قيادة القوات المشتركة. أمضيت الليلة في حفر الباطن، ثم زرت معسكر اللاجئين قرب رفحا، يرافقني ما يقرب من ثلاثين مراسلاً صحافياً. وأثناء إجابتي عن أسئلة الصحفيين، صدرت عني زَلّة لسان، فقلت ما معناه، إن هذه آخر مرة أزوركم فيها، فهذه آخر قيادة لي. تلقَّفَتْ مراسلة أمريكية تلك الملاحظة وسألتني: "ماذا تقصد بقولك إن هذه هي آخر قيادة لك؟". حاولت أن أتدارك خطئي، فأجبت أن ما قصدتُه هو أن هذه هي آخر جولة لي بصفتي قائداً للقوات المشتركة ومسرح العمليات. ولكنها بدت غير مقتنعة تماماً بهذه الإجابة.

          أقيمَ في اليوم الثاني من شهر يونيه، عرض عسكري ضخم، كمهرجان ختامي لأزمة الخليج، استمر ثلاث ساعات في مطار الملك فهد بن عبد العزيز في الظهران. مُثِّلت في العرض كل وحدة سعودية وكل نظام سلاح رئيسي اشترك في الحرب. وكان ذلك أول عرض عسكري في تاريخ المملكة يضم، جنباً إلى جنب، وحدات من القوات المسلحة والحرس الوطني ووزارة الداخلية. كانت مناسبة حقَّ لنا أن نحتفل بها. لقد قَبلتْ بلادنا التحدي، وخرجتْ من الحرب مرفوعة الرأس موفورة الكرامة. وفي تلك المناسبة، مَنَحني الملك فهد القائد الأعلى للقوات المسلحة "وشاح الملك عبد العزيز من الطبقة الأولى"، وهو من أعلى أوسمة المملكة.

          في صباح اليوم التالي، اليوم الثالث من شهر يونيه، وفي العاشرة، نزلتُ إلى غرفة الحرب في وزارة الدفاع للاستماع إلى أحدث التقارير عن الموقف في مسرح العمليات، وأصدرتُ آخر أوامري العسكرية. كانت لحظة حزينة، لأن الضباط الذين قدّموا إيجازهم استشفّوا أنني لن أعود إليهم. أخرجوا آلات التصوير وطلبوا أن تلتقط لهم الصور التذكارية مع قائدهم. صعدت، بعد ذلك، للاجتماع الأخير إلى ممثلي الصليب الأحمر، لمراجعة أوضاع أسرى الحرب واللاجئين الذين أَوْلَيْتُهم جلَّ اهتمامي أسابيع عدة.

          بعد ذلك، وفي حضور ما يقرب من 30 من كبار الضباط، ألقيتُ كلمة وداع قصيرة. ثم أَعْلنتُ حَلّ "قيادة القوات المشتركة ومسرح العمليات" رسمياً. وهي القيادة التي كافحت من أجْل بنائها، والتي أسهمتْ إسهاماً فعالاً في تحقيق النصر. وبعد الثانية والنصف بقليل، غادرتُ القيادة للمرة الأخيرة. وتوقفت برهة قبل خروجي، لآخذ معي لوحة الاسم والشعار، ذلك الشعار الذي كان مصدر إلهام لي خلال حياتي العملية كلها: "ومن يتهيَّب صعود الجبال... يعِشْ أبد الدهر بين الحفر". لم يكن يعلم بقرار طلب الإحالة إلى التقاعد سوى نائبي اللواء عبدالعزيز آل الشيخ، ولاحظت دمعة تترقرق في عينيه، وهو يرافقني إلى الباب الرئيسي، وعانقني للمرة الأخيرة مودِّعاً.

          كان أول مكان توجَّهت إليه هو بيت أبي. ذهبت لأقبِّل يَدَيْ والدتي وأطمئن على أخواتي. ثم ذهبت إلى منزلي، إلى زوجتي وأطفالي. كانت فَرْحَة أسرتي بعودتي إليهم، بعد تلك الفترة الطويلة في وزارة الدفاع، فَرْحَة لا توصف. زَيَّنوا المنزل برايات كُتب عليها عبارات الترحيب: "أهلا بك"، "مرحباً بك في بيتك يا أبى". كان من عادتي أن أخلع ملابسي العسكرية لدى دخولي المنزل، ولكن خلْعها هذه المرة استغرق مني أكثر من ساعة. كنت أدرك أني أخلعها للمرة الأخيرة!

          مرت أربعة أشهر على رفْع طلبي بالإحالة إلى التقاعد، قبل أن يوافِق عليه مولاي القائد الأعلى للقوات المسلحة. وفي غضون تلك الأشهر الطويلة، وبينما كان طلبي قيد الدرس، كان وضْعِي مقلِقاً، وعانيت من الشعور بعدم الاستقرار. هل انتهت حقاً حياتي العسكرية التي نذرت لها نفسي، أم أن الأمر سيُرجَأ إلى حين؟

          مرت سنوات خدمتي أمام مخيلتي كأنها شريط سينمائي، وأنا أتقلب في فراشي، لا يغمض لي جفن... التحدي الذي واجهته في ساندهيرست السعادة بالنجاح في أول قيادة لي في تبوك، سنوات الدراسة الشاقة في الولايات المتحدة، التنقل في كل أنحاء المملكة للتفتيش والتدريب والبناء ومشاركة رجالي في كل خبرة من الخبرات أو تجربة من التجارب، المسؤوليات المتنامية التي اضطلعتُ بها في الدفاع الجوي، المعركة الطويلة المريرة التي خضتها ليكون الدفاع الجوي قوة مستقلة، الحصول على الصواريخ الصينية وإنشاء قوة الصواريخ الإستراتيجية، تقلُّبي في المنَاصِب من قائد سرية دفاع جوي، إلى ضابط تدريب، إلى رئيس قسم التخطيط والمشاريع، إلى مدير إدارة المشاريع، ثم إلى مساعد قائد الدفاع الجوي، إلى نائب قائد قوات الدفاع الجوي، إلى قائد قوات الدفاع الجوي. وأخيراً تعييني قائداً للقوات المشتركة ومسرح العمليات، في وقت كانت بلادي تتعرض فيه لِمِحْنَة عصيبة. وكان هذا التعيين أسمى شرف تَصْبُو إليه نفس كل رجل عسكري. لم تكن الخدمة في القوات المسلحة ممارسة لهواية محبَّبة، أو مطيَّة للشهرة، أو الكسب الشخصي. كانت بالنسبة إلىّ، مهنةً واحترافاً، أعطيتها كل ما أملك خلال ما يزيد على عقدين من الزمن. لم أدَّخر وسعاً في سعيي لتصبح بلادي حصينة مُحصَّنة ضد طمع الطامعين، وبذلت في سبيل ذلك كل مرتخص وغالٍ. والآن أترك الراية عالية خفاقة... أُسَلَّم اللواء إلى الآخرين ليتحملوا المسؤولية ويواصلوا المسيرة. ويرجع أمر تعيين هؤلاء الآخرين إلى الملك، قائدنا الأعلى، يعاونه ولي عهده الأمين الأمير عبد الله والنائب الثاني الأمير سلطان.

          وبينما كنت أنتظر قرار الملك في شأن طلب إحالتي إلى التقاعد، قرَّرت مغادرة البلاد لبضعة أسابيع، تهدأ فيها نفسي، وتستريح أعصابي، بعد هذا الخضم الهائل من الأحداث التي شاركت فيها. كنت محتاجاً إلى الانفراد بنفسي بعض الوقت، أن أكون بعيداً عن الجميع، حتى عن أسرتي. ولا أخفِي على القارئ أنه كانت تنتابني كوابيس القتال والموت والمسؤوليات الجِسام التي كانت تُثقِلُ كاهلي، كان جسمي أحياناً يتفصَّد عرقاً. كنت أسأل نفسي: "هل كنت مسؤولاً عن استشهاد رجالي؟ هل وُفّقت في أداء عملي؟". ولعلّي أترك الإجابة عن هذين السؤالين وسواهما لمن شهد معي تلك الأحداث، ثم أتركها كلها، آخر الأمر، في ذمة التاريخ.

          وفي يوم الرابع والعشرين من شهر سبتمبر 1991، صدر مرسوم ملكي بترقيتي إلى رتبة فريق أول وإحالتي إلى التقاعد بناءً على طلبي. وأعلن ذلك رسمياً في وسائل الإعلام. أُقيم لي بعد ذلك عدد من حفلات الوداع بما في ذلك دعوة غداء في نادي الضباط في الرياض، أقامها الشيخ عثمان الحميد مساعد وزير الدفاع، وحضرها رئيس هيئة الأركان العامة وكبار القادة من فروع القوات المسلحة، كما حضرها الفرقاء هورنر، ودي لابليير، وروكجوفر وألقيتُ كلمة في الحفلة، تكرَّم الملك وأمر ببثِّها كاملة على شبكة التليفزيون المحلي. كانت لحظة مؤثِّرة بالمشاعر الجياشة، وأنا أخاطب زملائي قائلاً: "أقف بينكم لا لأودِّعكم، ولكن لأحيِّيكم، أُحيِّي فيكم سِنيَّ العمر التي قضيناها معاً، وزهرة الشباب التي أفنيناها عملاً، وسِنيَّ الرجولة التى قضيناها تضحية". واختتمتُ كلمتي: "وداعاً، وإلى الأمام دائماً يا رفاق العمر وزملاء السلاح، وشركاء النصر".

          ولا يفُوتُني، قبل أن أنهي حديثي عن حياتي العسكرية، أن أقول بكل الصدق والأمانة، ومن صميم قلبي أنني، مثلي في ذلك مثل كل قائد آخر، ما كنت لأحقِّق شيئاً مما حقَّقته، في السلم أو في الحرب، دون مساندة وجهْد الجنود وضباط الصف الذين عملوا معي، والذين هم، حقاً، العمود الفقري لقواتنا المسلحة. ولا يَسَعُنى إلاّ أن أسجل لهم كل التقدير والاعتزاز لولائهم وتفانيهم واستعدادهم للتضحية بالنفيس في سبيل الله، ثم المليك والوطن. "والجود بالنفس أقصى غاية الجود".

سابق بداية الصفحة تالي