إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات عسكرية / دور شارل ديجول Charle's de Gaulle في الحرب العالمية الثانية









دور

ثالثاًً: دوره في الحرب من خارج فرنسا عام 1940

بتكليف من بول رينو، سافر ديجول في 9 يونيه 1940، إلى لندن لمقابلة ونستون تشرشل، لإخطاره بالتطورات، التي حدثت في فرنسا، وإقناعه بإشراك السلاح الجوي الملكي البريطاني في المعارك الفرنسية مع العدو. تركت هذه المقابلة انطباعاً في نفس ديجول بأن بريطانيا، وعلى رأسها ونستون تشرشل، لن تتراجع عن القتال ضد دول المحور، على الرغم من رفض تشرشل إشراك الطيران البريطاني في القتال إلى جانب فرنسا.

في اليوم التالي 10 يونيه 1940، وصل تشرشل فجأة إلى فرنسا، وقابل القيادات الفرنسية، ولم يسفر ذلك عن شيء يذكر. ثم سافر ديجول، في 16 يونيه 1940، إلى لندن للتباحث مرة أخرى مع تشرشل، واتفق معه على الصمود والمقاومة، ثم ذهب إلى بوردو، وهناك علم باستقالة بول رينو وحكومته، وتشكيل حكومة جديدة برئاسة هنري بيتان، سارعت إلى إعلان وقف الحرب، وطلب الهدنة من الألمان.

وباستقالة حكومة رينو، لم يعد ديجول في الحكومة، ولم تكن لديه أي رغبة للاشتراك في الحكومة الجديدة، ومن ثم قابل سفير إنجلترا، السير رونالد كامبل، وأخبره بنيته السفر إلى لندن، وحوَّل إليه بول رينو مبلغ مائة ألف فرنك، من الاعتمادات السرية. وفي صباح 17 يونيه 1940، استقل طائرة بريطانية إلى لندن.

في لندن، قرر ديجول رفع راية المقاومة، واستخدام الإذاعة في ذلك، وعرض فكرته على تشرشل يوم 17 يونيه 1940، فوافق على الفور، ووضع إذاعة البي. بي. سي. B.B.C. في لندن تحت تصرفه.

في الساعة السادسة من مساء اليوم التالي، 18 يونيه 1940، وجه ديجول نداءه، عبر إذاعة الـ BBC في لندن، إلى الشعب الفرنسي، بضرورة مواصلة القتال ضد الألمان الغزاة، وأنّ شرف فرنسا أسمى من كل اعتبار، (أُنظر ملحق نداء إلى الفرنسيين Appel aux Francais في 18(حزيران) يونيه 1940). وكان أهم ما فيه قوله: "إن كل العوامل، التي تسببت في هزيمتنا سوف تأتينا بيوم النصر… لا يجوز مهما حدث أن تنطفئ شعلة المقاومة الفرنسية.

وأرسل ديجول برقية إلى الجنرال نوغيس، القائد الأعلى للعمليات الحربية في شمال أفريقيا، في مقره بالمغرب، يعرب فيها عن وضع نفسه رهن أوامره، إذا رفض الهدنة، (أُنظر ملحق برقية إلى الجنرال نوغيس القائد الأعلى للعمليات الحربية في أفريقيا الشمالية في عاصمة الجزائر، لندن في 19 (حزيران) يونيه 1940). أما الحكومة الفرنسية فكان جوابها على ديجول، أن وصلته برقية من الجنرال بيتان، وزير الدفاع الفرنسي الجديد، تأمره بالعودة دون إبطاء، فرد ديجول في 20 يونيه 1940، ببرقية، يبدي استعداده للعودة فوراً، إذا رفض بيتان الاستسلام. وأعلن المقاومة ومواصلة الحرب، (أُنظر ملحق برقية إلى الجنرال فيجان، لندن في 20 (حزيران) يونيه 1940).

وفي 24 يونيه 1940، أرسل ديجول ببرقيات إلى كلٍ من الجنرال نوغيس، والجنرال ميتلهاوزر، القائد الأعلى للعمليات في شرقي المتوسط، والسيد بيو، مفوض فرنسا السامي في سوريا ولبنان، والجنرال كاترو، حاكم الهند الصينية العام، يخبرهم بعزمه تشكيل منظمة وطنية للدفاع عن الإمبراطورية، ويطلب مشاركتهم وتعاونهم، (أُنظر ملحق برقية إلى الجنرال نوغيس القائد الأعلى للعمليات الحربية في أفريقيا الشمالية، لندن في 24 (حزيران) يونيه 1940) و(ملحق برقية لندن في 24 (حزيران) يونيه 1940). وقد أرسل إليه الجنرال كاترو بموافقته وتعاطفه معه، أما الجنرال نوغيس فقد أرسل إلى الجنرال فيجان يطلب منه إعادة النظر في مسألة الهدنة، ثم بعد ذلك أيده في قبولها. أما كاترو، والجنرال لوجانتيوم، قائد قوات الساحل الصومالي، فقد أصرا على رفض الهدنة، فصدر القرار بعزلهما.

لم تكن استجابة الفرنسيين لنداءات ديجول مشجعة في أول الأمر؛ فبعد ثمانية أيام من ندائه إلى الفرنسيين، لم يرتفع عدد المتطوعين، الذين تمركزوا في قاعة أولمبيا، التي وضعها الإنجليز تحت إمرته، إلاّ إلى بضع مئات. ولم تبخل إنجلترا بدعمها المباشر لحركة ديجول، وتحملت جميع نفقات القوات الفرنسية في حركة ديجول، بهدف أن يتمكن ديجول من اجتذاب عدد كبير من المتطوعين الفرنسيين، لمواصلة الحرب، التي أعلنها تشرشل بكل رباطة جأش، عكس كل التوقعات بأن بريطانيا سوف تواصل الحرب ضد النازية، ولو منفردة. كذلك أعلنت بريطانيا في 28 يونيه 1940، اعترافها بحركة التحرير الفرنسية، بزعامة الجنرال ديجول، وكان نص البيان كالتالي:

"تعترف حكومة صاحب الجلالة بالجنرال ديجول قائداً لجميع الفرنسيين الأحرار، حيثما وجدوا، وحيث يلتفون حوله، تأييداً لقضية الحلفاء".

واختار ديجول، رمزاً لمنظمته، صليب اللورين المزدوج، وشعار عام 1871 وهو "المجيد دائماً وإلى الأبد". وقد أصدرت السلطات البريطانية منشوراً، إلى العسكريين الفرنسيين في إنجلترا جميعاً، أنهم مخيرون بين العودة إلى فرنسا، أو الالتحاق بالجنرال ديجول، أو الخدمة في بلاط صاحب الجلالة في إنجلترا.

في يوم 29 يونيه 1940، تمكن ديجول من مقابلة قائد فرقة فرنسية خفيفة، في ترانتهام بارك، وتمكن من إقناعه بضمها إلى قواته. وهكذا أُتيح له أن يلحق بقواته قسماً كبيراً من فوجين تابعين للواء الثالث عشر، ومائتين من القناصة، وثلثي سرية دبابات، وبعض عناصر المدفعية وسلاح المهندسين والنقل، وعدة ضباط أركان حرب. وفي اليوم التالي 30 يونيه 1940، انضم إليه نفر كبير من البحارة، منهم ضباط وبحارة الغواصة "روبي"، التي كانت قابعة عند سواحل النرويج، والغواصة "نارفال"، التي غادرت تونس لحظة سماعها نداء ديجول، والزورق الحربي بريزيدان ـ هوندوس. كما تجمع بضع عشرات من الطيارين في سانت ـ أثام، بعد أن هربوا بطائراتهم من شمال أفريقيا، وبدأ المتطوعون الفرنسيون، من أماكن شتى من العالم، يصلون فرادى إلى إنجلترا.

تمكن ديجول كذلك من جمع ألفين من جرحى الحرب، من دنكرك، وأُتيحت لهم فرص استكمال علاجهم في مستشفيات إنجلترا. وأعلن ديجول إنشاء منظمة فرنسية وطنية، وأرسل بذلك مذكرة في 26 يونيه 1940، إلى السيدين تشرشل واللورد هاليفاكس، (أُنظر ملحق مذكرة إلى السيدين تشرشل وهاليفاكس، لندن في 26 (حزيران) يونيه 1940). ثم أَرسل، في اليوم التالي 27 يونيه 1940، برقية إلى كل من القائد الأعلى الفرنسي لميدان العمليات في شرق المتوسط، ومفوض فرنسا السامي في سوريا ولبنان، والقائم بالأعمال في تونس، يدعوهم إلى المشاركة في المنظمة، راجع الملحق الرقم (أُنظر ملحق برقية لندن في 27 (حزيران) يونيه 1940).

إلى نهاية شهر يوليه عام 1940، لم يكن قد انضم إلى المنظمة أي زعيم سياسي مرموق، ولا انضمت إليها قيادة عسكرية بارزة، اللهم إلا فليكس إيبوبه، حاكم تشاد، كما ظلت إمبراطورية فرنسا موالية لحكومة المارشال بيتان، التي أصبحت تسمى حكومة فيشي، نسبة إلى المدينة، التي انتقلت إليها الحكومة الفرنسية، بعد احتلال الألمان لباريس العاصمة. وفي الأول من يوليه 1940، أرسلت حكومة فيشي إلى ديجول، مذكرة عن طريق القائم بالأعمال في لندن، تأمره بأن عليه أن يعتبر نفسه مقبوضاً عليه، وأن يسلم نفسه في تولوز. وأرسل القائد بالأعمال المذكرة إلى ديجول، فرد عليها بالرفض، (أُنظر ملحق رد ديجول على مذكرة القائم بالأعمال في لندن بالأمر من حكومة فيشي، بأن يسلم نفسه رهن الاعتقال في تولوز، لندن في 3 (تموز) يوليه 1940).

وفي اليوم الثاني من أغسطس 1940، أصدرت محكمة عسكرية، في فيشي، حكماً بإعدام ديجول، بتهمة التمرد والعصيان. ولم يأبه ديجول بذلك، بل أرسل بتعليماته إلى مندوبيه في المستعمرات الفرنسية بأفريقيا، في 5 أغسطس 1940، يبين لهم مهامهم الأساسية، وسبل الاتصالات معه، (أُنظر ملحق تعليمات وجهها الجنرال ديجول إلى مندوبيه في المستعمرات الفرنسية بإفريقيا، لندن في 5 (آب) أغسطس 1940). وفي يوم 7 أغسطس 1940، وقع ديجول مع تشرشل وثيقة اتفاق، بعد مباحثات بين الطرفين، تتعهد فيها بريطانيا بتأكيد عزمها على تأمين إعادة كيان فرنسا واستقلالها، (أُنظر ملحق رسالة إلى السيد ونستون تشرشل، لندن في 7 (آب) أغسطس 1940).

بانتهاء النصف الأول من أغسطس 1940، كان جيش منظمة فرنسا الحرة، بقيادة ديجول، يتكون من 140 ضابطاً، و2100 جندي فقط، ولكن حدث تحول مهم، قرب نهاية أغسطس 1940، حيث حقق ديجول تقدماً ملحوظاً، وحصل على الولاء من المستعمرات الفرنسية، في أفريقيا الاستوائية، بفضل مجهودات بعض القادة العسكريين الفرنسيين، وعلى رأسهم الحاكم العام لمستعمرات تشاد الفرنسية، فليكس إيبويه. وتحدث ديجول في إذاعة لندن ينوه بذلك، (أُنظر ملحق تنويه بـ"تشاد" في إطار الإمبراطورية 27 (آب) أغسطس 1940). وبدأ كثير من مناطق أفريقيا الاستوائية تعلن ولاءها لمنظمة فرنسا الحرة، ومنها تشاد، والكاميرون، وساحل العاج الأعلى، وجزر هيريد الجديدة، والكونغو، ونيجيريا، وبرازفيل، وسان ـ مار. وأرسل ديجول في 29 أغسطس 1940، إلى الجنرال كاترو، حاكم الهند الصينية، يبشره بهذه النتائج الطيبة، (أُنظر ملحق رسالة إلى الجنرال كاترو 29 (آب) أغسطس 1940).

معركة دكار

اتفق ديجول مع تشرشل على ضرورة خوض معركة بهدف ضمّ دكار إلى منظمة فرنسا الحرة، وهكذا تحركت القوات الفرنسية في حملة، قوامها 2700 فرد من أفراد منظمة فرنسا الحرة، و4200 فرد من القوات الفرنسية، يرافقها ديجول نفسه، ويتولى الجنرال البريطاني إيروين قيادة القوات البرية، ونائب الأدميرال جون كاننجهام للقوات البحرية. وغادرت سفن النقل الإنجليزية والمدرعات، ومعها حاملة الطائرات أراك رويال، وناقلة بترول ميناء ليفربول، في 31 أغسطس 1940، وبدأت العمليات العسكرية يوم 23 سبتمبر 1940، بإنزال جوي وبحري، ومفاوضات مع حكومة دكار للتسليم دون قتال، ولكن حكومة دكار رفضت ذلك، وأصرت على المقاومة، وأُصيبت السفن البريطانية إصابات خطرة من جراء قذائف غواصات دكار، وأُسقطت أربع طائرات إنجليزية، وغرقت مدمرة وغواصتان أخريان. وقرر الأميرال جون كننجهام وقف القتال والرحيل، ووافقه ديجول. وهكذا فشلت الحملة، بل كادت أن تحدث أثراً سلبياً يهدد مستقبل ديجول وحركته، لولا وقوف تشرشل ودعمه الكامل لديجول. وهكذا خابت آمال ديجول، وأبحر بعدها إلى دوالا في الكاميرون، وزار عدة مواقع في أفريقيا الاستوائية.

وكاد اليأس يتسلل إليه، وقوبل بعاصفة من الغضب والاستياء في لندن، وراحت وسائل الإعلام الأمريكية تسخر منه، وتتهكم عليه. وأخذت حكومة فيشي تشيد بانتصارها في دكار، وتنشر صحفها أعداداً لا تُحصى من برقيات التهنئة إلى حكومة دكار.

قام ديجول بعد ذلك بجولة في أفريقيا، في أواخر شهر أكتوبر 1940، واستقبله كثير من القادة العسكريين وأفراد الجالية الفرنسية هناك. ثم في 27 أكتوبر 1940، أصدر من برازفيل الأمر الرقم (1)، بإنشاء مجلس دفاع الإمبراطورية الفرنسية، (أُنظر ملحق الأمر الرقم (1) بإنشاء مجلس دفاع الإمبراطورية). تمكنت القوات الموالية لديجول من السيطرة على ميترنيك، وبعد أن ألقى جيشها السلاح نهائياً في 5 نوفمبر 1940. وانطلقت السفن الفرنسية والإنجليزية من دوالا؛ لاحتلال ليبرفيل بقيادة ليكليرك، بينما اتجهت القوات البرية الإنجليزية والفرنسية، بقيادة كوينج، إلى أراضي ليبرفيل، ودار قتال عنيف، في ليلة 8 نوفمبر 1940، وتمكن الأسطول البريطاني من إغراق الغواصة "بونسليه" التابعة لحكومة فيشي، عند ميناء "جانتيل". وهكذا سقط ميناء جانتيل يوم 12 نوفمبر 1940، ودخل ديجول في 15 نوفمبر 1940، ليبرفيل ثم جانتيل. وتم اختيار فليكس إيبويه حاكم تشاد قائداً عاماً للمنطقة الفرنسية في أرض أفريقيا الاستوائية، مع تعيين عدد من كبار الضباط، لتولى السلطة في بعض البلدان، تحت شعار اللورين.

ثم وضع ديجول خطة لشن حملة عسكرية على منطقتي مرزوق والكفرة في ليبيا، براً وجواً، وحملة أخرى على إريتريا، قوامها لواء تسانده القاذفات الجوية، وكانت الغاية من هذه الحملات دعم الوجود القوي للقوات الموالية لديجول في منطقة الشرق الأوسط.