إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / العراق والكويت، الجذور ... الغزو ... التحرير / تطور الأوضاع السياسية، الدولية والإقليمية والعربية، في ضوء تصاعد الأزمة









مقدمة

المبحث الأول

تطور الأوضاع على ساحة الأمم المتحدة

يستحيل فهْم تطور الأوضاع على ساحة الأمم المتحدة، وفهْم حقيقة ردود الفعل الدولية وأبعادها ودوافعها، وهي الردود التي تعاقبت لدى تناقل وكالات الأنباء العالمية خبر الغزو العراقي للكويت، فجر 2 أغسطس 1990 من دون سبْر عميق لدلالات توقيت الأزمة. فقد اندلعت الأزمة في وقت، كان النظام العالمي، الذي استقر عقب الحرب العالمية الثانية، يمر بتحولات عميقة، أثّرت في هيكل قواه وموازينها.

فمنذ وصول الرئيس السوفيتي، ميخائيل جورباتشوف (Mikhail Gorbachev)، إلى السلطة، عام 1985، وشروعه في تغييرات جوهرية، في هيكل النظام السوفيتي وسياساته، وفقاً لرؤيته هو إلى ضرورات المكاشفة "الجلاسنوست"، وإعادة البناء "البيروسترويكا" ـ كان من الواضح، أن النظام العالمي، بدأ يدخل مرحلة جديدة. وتتمثل أهم سمات تلك المرحلة، الممتدة منذ وصول جورباتشوف إلى السلطة، وحتى اندلاع أزمة الكويت، في قرار الاتحاد السوفيتي، تقصير خطوط علاقاته الخارجية، والبحث عن أسلوب جديد لمعالجة المشكلات الدولية وحلها على أساس "توازن المصالح"، بدلاً من "توازن القوى"، ونبذ محاولات السيطرة والهيمنة والصراع الأيديولوجي، وتلمس صيغ جديدة للتعاون الدولي، تضمن الحدّ من سباق التسلح، والتفرغ لمعالجة المشكلات الكونية. وكانت النتيجة الأساسية لهذا التوجه الجديد، بصرف النظر عن دوافعه أو أسلوب تطبيقه، هي الانحسار التدريجي للنفوذ السوفيتي عن مَواقع عدة للتركيز في مشكلات الاتحاد السوفيتي الداخلية.

وقبْل أن تندلع أزمة الخليج، كان موقف الاتحاد السوفيتي من العديد من المشكلات الإقليمية في العالم، قد تغير، كلية، بعد أن أبدى استعداده للذهاب إلى أبعد مدى ممكن، لإيجاد حل مشرِّف، ومعقول، يأخذ في حسبانه مصالح جميع الأطراف. ثم بدأ موقفه يتغير من قضايا ومشكلات أوروبا الشرقية نفسها، وهي منطقة نفوذه المباشر، وخط دفاعه الأمني الأول، إلى حدّ أنه تخلّى، نهائياً، عن أنظمة الحكم الشيوعية، الموالية له، وتركها وحيدة تحت رحمة جماهيرها الغاضبة. ولم يكن في وسْع أحد، أن يشكك في عمق التغير، الذي طرأ على سياسة الاتحاد السوفيتي، حين بدا وكأنه غير راغب في أن يحرك ساكناً، في مواجَهة اندفاع الجماهير الثائرة، في ألمانيا الشرقية، إلى تحطيم سور برلين، في 9 نوفمبر 1989، وهو اليوم الذي يكرّس، عملياً، نهاية الحرب الباردة. وكان من الطبيعي أن تنعكس هذه التطورات نفسها، على الأمم المتحدة، وأسلوبها التقليدي في معالجة الأزمات الدولية.

وكانت الحرب الباردة، قد أدت إلى إصابة نظام الأمن الجماعي، كما تصوَّره واضعو ميثاق الأمم المتحدة، بالشلل التام، وحل محلّه نظام النفوذ. وفي هذا السياق، استحال على الأمم المتحدة، أن تتدخل في أي أزمة، تندلع داخل منطقة النفوذ المباشر لأيٍّ من القوّتَين العظمَيَين: مجموعة حلف وارسو، ومجموعة حلف شمال الأطلسي. فضلاً عن استحالة تدخّلها في أي أزمة، تكون إحدى القوّتَين العظمَيَين طرفاً مباشراً فيها (الأزمة الفيتنامية، الأزمة الأفغانية ... إلخ). أمّا في الأزمات الأخرى، فقد توقفت فاعلية الدور، الذي يمكن أن تضطلع به الأمم المتحدة، على عوامل كثيرة، أبرزها اتفاق موسكو وواشنطن، بصرف النظر عن اختلاف الدوافع والأسباب، على احتواء أيّ أزمة، وإفساح المجال أمام الأمم المتحدة لكي تؤدي دوراً ما. حتى في هذه الحالات، يلاحظ أن مجلس الأمن، لم يستخدم السلطات، التي يخوله إياها الفصل السابع من ميثاق المنظمة الدولية، إلاّ نادراً. فلم تفرض عقوبات اقتصادية، في تاريخ الأمم المتحدة، إلاّ في حالتَين فقط (روديسيا وجنوب أفريقيا). وكانت هذه العقوبات محدودة في نطاقها، ولم يصحبها فرض حظر، بحري أو جوي، للتأكد من التزام المجتمع الدولي بها. كما لم يلجأ مجلس الأمن إلى استخدام صلاحياته، في قمع العدوان، من خلال العمل العسكري المباشر، وفقاً للترتيبات المنصوص عليها في هذا الميثاق. ونادراً ما كانت قرارات مجلس الأمن تميل، صراحةً، وتُلمح إلى مواد الفصل السابع من الميثاق. بل اتسمت، في كثير من الأحيان، بالغموض المتعمد (القرار 242، لسنة 1967)، وهو ما كرّس العدوان، ومكّن المعتدي من الاحتفاظ بالأراضي، التي احتلها، إلى أن يتمكن من فرض التسوية وفق شروطه. وكان سلاح النقض (الفيتو)، مشهراً دائماً، من جانب أيٍّ من القوّتَين العظمَيَين، للحيلولة دون صدور أي مشروع لا يرضيها.

وما لبث هذا الأسلوب التقليدي، في معالجة الأزمات الدولية، أن بدأ يتغير تغيراً واضحاً، خلال النصف الثاني من الثمانينيات، قبْل أن تندلع أزمة الكويت. فقد هدفت "بيروسترويكا" جورباتشوف، في بُعدها الخارجي، إلى "نظام عالمي جديد"، تضطلع فيه الأمم المتحدة بدور رئيسي، في النظام الدولي، قوامه " توازن المصالح " بدلاً من "توازن القوى".

ومن هذا المنطلق، بذل الاتحاد السوفيتي قصاراه، تدليلاً على حسْن نيته، وقدم العديد من التنازلات، من جانب واحد. بل انبرى يمارس ضغوطاً مكثفة على حلفائه، لحثّهم على تبنّي مواقف أكثر مرونة، والتخلص من قدر كبير من طموحاتهم. وهكذا، أصبح للأمم المتحدة دور جديد، في مجال تنشيط البحث عن تسوية سياسية، لعدد من النزاعات الإقليمية (أفغانستان، أنجولا، كمبوديا). ومما يدل على عمق التحولات، التي طرأت على سياسة الاتحاد السوفيتي تجاه "الأمم المتحدة" أنه لم يستخدم أبداً، خلال الفترة من 1986 إلى 1990، حق النقض، الذي طالما استخدمه، منذ نشأة الأمم المتحدة وحتى نهاية السبعينيات. بينما استخدمت الولايات المتحدة هذا الحق، في النصف الأخير من الثمانينيات، 24 مرة، وبريطانيا سبع مرات، وفرنسا ثلاث مرات. أمّا الصين، فلم تستخدم هذا الحق، خلال تلك الفترة. وهو ما يدل على تحوّل في سياسة الاتحاد السوفيتي الخارجية.

أولاً: دور الأمم المتحدة

·   اضطلعت الأمم المتحدة، في أزمة الكويت، بدور، يختلف اختلافاً جذرياً عن أدوارها التقليدية، في إدارة الأزمات الدولية. وغدت، خلال الأشهر الأولى لاحتلال العراق الكويت، وكأنها هي المسرح الرئيسي لإدارة الأزمة. ويتضح ذلك مما يلي:

·   أصبح مجلس الأمن، منذ اللحظات الأولى للغزو، في 2 أغسطس، وحتى 29 نوفمبر (حين صدر القرار "الرقم 678"، المتعلق بالتصريح للدول المتعاونة مع حكومة الكويت باستخدام القوة المسلحة)، في حالة انعقاد شبه دائم.

·   انعقد مجلس الأمن، خلال تلك الفترة، مرتَين، على مستوى وزراء الخارجية. إحداهما برئاسة وزير الخارجية الأمريكي، جيمس بيكر، والأخرى برئاسة وزير الخارجية السوفيتي، إدوارد شيفرنادزه، وهو ما لم يعهده مجلس الأمن، خلال تاريخه، إلاّ مرتَين فقط.

أصدر مجلس الأمن، منذ بداية الأزمة حتى اندلاع العمليات العسكرية، (عاصفة الصحراء) اثنَي عشر قراراً، كلها ملزمة، وجميعها تشير، صراحة، إلى مواد الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، في سابقة، لا عهد لها بها. ويمكن تقسيمها إلى ثلاث مجموعات، على النحو التالي:

1. مجموعة القرارات المتعلقة بالتكييف القانوني للغزو، وبأساس تسوية الأزمة

بعد ساعات قليلة من الغزو العراقي، اتخذ مجلس الأمن (القرار 660)، الذي عَدَّ الغزو العراقي عدواناً سافراً على الكويت، وانتهاكاً خطيراً للقانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة، وتهديداً للسلم والأمن الدوليَّين وإخلالاً بهما. ومن ثم، دان الغزو، وطالب العراق بسحب قواته، من الفور، من دون قيد أو شرط، إلى المَواقع التي كانت فيها، في أول أغسطس. وإذا ما تحقق هذا الانسحاب، فإنه يتعين أن يعمد العراق والكويت إلى مفاوضات مكثفة، لحل خلافاتهما. كذلك، أيد القرار جميع الجهود، المبذولة في هذا الصدد، ولا سيما جهود جامعة الدول العربية.

وفي 9 أغسطس 1990، وبعد أن قرر العراق ضم الكويت، وعَدّها " المحافظة الرقم 19 " بين محافظاته، دان قرار مجلس الأمن، (الرقم 662)، هذا الضم، وعَدّه مُلغى وباطلاً، وليس له أي صلاحية قانونية. وأكد تصميم المجلس على إنهاء الاحتلال، واستعادة سيادة الكويت واستقلالها وسلامتها الإقليمية. وكذلك استعادة حكومتها الشرعية سلطتها (أُنظر وثيقة نص قرار مجلس الأمن الرقم 660 في 2 أغسطس 1990 بشأن الغزو العراقي للكويت)، (وأُنظر وثيقة نص قرار مجلس الأمن الرقم 662 في 9 أغسطس 1990).

2. مجموعة القرارات المتعلقة بالإجراءات التحفظية

أثناء الاحتلال، انتهكت الممارسات العراقية، القانون الدولي انتهاكاً صارخاً. ولم يقتصر ضررها على مصالح الشعب الكويتي، بل تجاوزها إلى مصالح وحقوق أطراف أخرى كثيرة. لذلك، اتخذ مجلس الأمن مجموعة من القرارات، تدين هذه الممارسات، وتلقي على العراق المسؤولية الكاملة عن تلك الأضرار. وانطوت، في الوقت نفسه، على إجراءات تحفّظية، تستهدف حماية الحقوق والمصالح، التي تعرضت للخطر. ويدخل في إطار هذه المجموعة من القرارات:

أ. القرار 664، الصادر في 18 أغسطس، الذي يطالب العراق بأن يسمح ويسهل، من الفور، مغادرة مواطني الدول الأخرى كلاًّ من الكويت والعراق.

ب. القرار 667، الصادر في 16 سبتمبر 1990، الذي يدين العراق بسبب أعماله العدائية ضد مقارّ وأعضاء البعثات الدبلوماسية، المعتمدة لدى الكويت، ويطالب بإطلاق المحتجزين، كرهائن، من الفور.

ج. القرار 674، الصادر في 29 أكتوبر 1990، الذي يدين ممارسات سلطات الاحتلال في الكويت، ويحمّل العراق المسؤولية عن أي خسائر أو أضرار، يلحقها احتلاله بممتلكات الدول أو الشركات أو الأفراد.

د. القرار 677، الصادر في 28 نوفمبر 1990، الذي يدين الإجراءات، التي اتخذتها سلطات الاحتلال، مستهدفة تغيير البِنية والخريطة السكانية في الكويت. ويقرر بطلان هذه الإجراءات (أُنظر وثيقة نص قرار مجلس الأمن الرقم 664 في 18 أغسطس 1990) ، (وأُنظر وثيقة نص قرار مجلس الأمن الرقم 667 في 16 سبتمبر 1990) ، (وأنظر وثيقة نص قرار مجلس الأمن الرقم 674 في 29 أكتوبر 1990) ، (وأنظر وثيقة نص قرار مجلس الأمن الرقم 677 في 28 نوفمبر 1990).

3. مجموعة القرارات المتعلقة بالعقوبات

وهي القرارات التي استهدفت ممارسة الضغوط المختلفة على العراق، لإجباره على الانسحاب من الكويت. وتشمل:

أ. القرار 661، الصادر في 6 أغسطس 1990، والمطالب بفرض المقاطعة الشاملة على العراق، تجارياً ومالياً وعسكرياً.

ب. القرار 665، الصادر في 25 أغسطس 1990، الذي صرح باستخدام القوة، لإحكام الحظر، وضمان احترام قرار المقاطعة.

ج. القرار 666، الصادر في 13 سبتمبر 1990، الذي يستثني شحنات الغذاء والأدوية، من نطاق الحظر، بشرط أن تتولاها الأمم المتحدة ومنظمة الصليب الأحمر.

د. القرار 669، الصادر في 24 سبتمبر 1990، الذي يخوّل " لجنة العقوبات " حق فحص الطلبات، التي ترد إليها، لمساعدة الدول المتضررة من تنفيذ الإجراءات، المنصوص عليها في قرارات المقاطعة والحصار.

هـ. القرار 670، الصادر في 25 سبتمبر 1990، الذي قرر فرض الحصار الجوي على العراق، والسماح باحتجاز السفن العراقية، التي تنتهك الحظر.

و. القرار 678، الصادر في 29 نوفمبر 1990، وهو أشد هذه القرارات خطراً؛ إذ يأذن للدول الأعضاء، المتعاونة مع حكومة الكويت، ما لم ينفِّذ العراق، في 15 يناير 1991 أو قبْله، القرارات المذكورة آنفاً تنفيذاً كاملاً، في أن تستخدم جميع الوسائل اللازمة، لدعم القرار 660 وتنفيذه، وكذلك جميع القرارات اللاحقة، ذات الصِّلة، وإعادة السلم والأمن الدوليَّين إلى المنطقة. وهذا القرار، هو الذي أضفى المشروعية الدولية على العمليات العسكرية ضد العراق، التي بدأت، بالفعل، فجر 17 يناير 1991 (أنظر وثيقة نص قرار مجلس الأمن الرقم 661 في 6 أغسطس 1990) ، (وأنظر وثيقة نص قرار مجلس الأمن الرقم 665 في 25 أغسطس 1990) ، (وأنظر وثيقة نص قرار مجلس الأمن الرقم 666 في 13 سبتمبر 1990) ، (وأنظر وثيقة نص قرار مجلس الأمن الرقم 669 في 24 سبتمبر 1990) ، (وأنظر وثيقة نص قرار مجلس الأمن الرقم 670 في 25 سبتمبر 1990) ، (وأنظر وثيقة نص قرار مجلس الأمن الرقم 678 في  29 نوفمبر 1990).

ثانياً: دور مجلس الأمن

نهض مجلس الأمن، خلال هذه الفترة، لدور أساسي كبير، مرّ بأطوار شتّى، متميزة، ومختلفة، تتلخص في مرحلتَين:

المرحلة الأولى: تمتد منذ بداية العدوان العراقي، حتى تفويض استخدام القوة، في 29 نوفمبر 1990، إلى دول التحالف المناهض للعراق. وبدا مجلس الأمن، في بداية هذه الفترة، وكأنه يستعيد دوره، ويبدأ، عبر الأمم المتحدة، مرحلة جديدة، لإعادة إحياء نظام الأمن الجماعي، وضمان فاعليته، وفقاً للإجراءات المنصوص عليها في ميثاق المنظمة الدولية. غير أن أسلوب الولايات المتحدة الأمريكية، في إدارة الأزمة، والأهداف التي تبتغي تحقيقها، حملت مجلس الأمن على التخلي عن إدارة الأزمة، في أشد مراحلها حرجاً، وهي مرحلة الحسم العسكري. في حين عَهِد إلى الدول المتحالفة، بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية، باستخدام القوة المسلحة، ومن دون إشراف أو رقابة من جانبه.

المرحلة الثانية: تمتد منذ قرار تفويض استخدام القوة، في 29 نوفمبر 1990، حتى إعلان الحرب وبدء "عاصفة الصحراء"، في 17 يناير 1991. ولم يكن لمجلس الأمن، خلالها، أي دور أو تأثير في مسار الأزمة. وأصبح مصير الحرب والسلام في المنطقة رهين تصرفات عدد محدود من رؤساء الدول. فلم يستشِر الرئيس الأمريكي أحداً، حين بادر إلى اقتراح عقد التقائه، في واشنطن، وزير الخارجية العراقي، والتقاء وزير خارجيته الرئيس العراقي، في بغداد. وهي المبادرة، التي انتهت، بعد مناورات عديدة، إلى عقد اللقاء الشهير بين طارق عزيز وجيمس بيكر، في جنيف. بل إن زيارة " الفرصة الأخيرة "، إلى بغداد، التي نهض لها الأمين العام للأمم المتحدة، قبْل انتهاء المهلة المحددة للعراق، وبداية الحرب، كانت بناء على طلب الرئيس الأمريكي وإلحاحه، ولم تكن بتكليف من مجلس الأمن، ولا مبادرة ذاتية من جانب الأمين العام نفسه. أمّا صدام حسين، فسدر في موقفه. وأخفقت، كذلك، محاولات الوساطة، من قِبل أطراف عدة، خارج إطار مجلس الأمن والأمم المتحدة، في وقف الانزلاق نحو الهاوية. وأصبحت خطط الحرب، والقرارات المتعلقة بتوقيتها، ونوع الأسلحة المستخدمة فيها، ونهايتها، كلها قرارات أمريكية خالصة، مع استشارة خادم الحرمين الشريفين، في بعض منها. لكن أكثر اللحظات تعبيراً عن عجز مجلس الأمن وشلله التام، اتضحت أثناء سير العمليات العسكرية، حينما طلبت الدول العربية الخمس، الأعضاء في اتحاد المغرب العربي، عقد جلسة عاجلة للمجلس، في 23 يناير، فرفضت واشنطن طلبها.

ويطلق كثير من الباحثين تعبير "مجلس الأمن المختطف"، لوصف هذه المرحلة؛ لأنه كان، خلال تلك الفترة، أشبه بطائرة مختطَفة، مضطرة إلى التوجه حيث يريد خاطفها، تحت وطأة السلاح. فلم يتمكن مجلس الأمن من عقد جلسة خاصة مغلقة، "للتشاور"، إلاّ في 15 فبراير 1991. وكانت الولايات المتحدة الأمريكية، وحدها، هي التي قدرت، في 27 فبراير، ووفقاً لحسابات خاصة، أنه آن الأوان لوقف العمليات العسكرية، وأعقب ذلك إعلان دول " التحالف "، تباعاً، وقف الحرب.

لقد وقف الغرب كله موقفاً واحداً، تحت قيادة الولايات المتحدة الأمريكية، التي كانت تحركاتها، العسكرية والسياسية، قاطعة في ما تعنيه. واقتصر دور مجلس الأمن على التصديق على مشروعات قرارات، تقدِّمها واشنطن، وتؤكد هيمنتها على "الشرعية الدولية". وبدا الاتحاد السوفيتي، وكذلك الصين، على استعداد لمجاراتها إلى آخر الشوط.