إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / العراق والكويت، الجذور ... الغزو ... التحرير / تطور الأوضاع السياسية، الدولية والإقليمية والعربية، في ضوء تصاعد الأزمة









مقدمة

المبحث الثالث

تطور الأوضاع السياسية، في ضوء تصاعد الأزمة، بدءاً من 11 أغسطس 1990

أولاً: إرسال قوات عربية إلى المملكة العربية السعودية

غداة انعقاد مؤتمر القمة العربية، أعلنت مصر، في 11 أغسطس 1990، أن وحدة عسكرية تابعة لها، غادرت إلى المملكة العربية السعودية، تنفيذاً لمقررات القمة العربية، ولتكوين "مظلة عربية لتأمين أراضي المنطقة". كما أرسلت سورية قوات إلى المملكة العربية السعودية.

وأعلنت باكستان، أنها وافقت على إرسال قوات إلى المملكة العربية السعودية، بعد زيارة مبعوث خاص للملك فهد، هو الأمير عبدالعزيز الثنيان، إلى العاصمة الباكستانية، واجتماعه إلى الرئيس الباكستاني، غلام إسحاق خان.

ثانياً: مبادرة صدام حسين، وردود الفعل

بعد يومَين من انتهاء قمة القاهرة، طرح الرئيس العراقي، صدام حسين، في 12 أغسطس 1990، مبادرة عراقية، تربط بين قضية الكويت والصراع العربي ـ الإسرائيلي، وهو الربط الذي أصر عليه حتى اللحظات الأخيرة، قبْل اندلاع الحرب (أنظر وثيقة مبادرة الرئيس العراقي، صدام حسين في شأن ربط القضية الكويتية بقضية الصراع العربي ـ الإسرائيلي 12 أغسطس 1990).

وأكدت المبادرة على النقاط التالية:

1. حل قضايا الاحتلال، أو التي صورت بأنها احتلال، في المنطقة كلها، وفق أسس ومبادئ، يضعها مجلس الأمن، وهذه القضايا هي:

أ. انسحاب إسرائيل من الأراضي العربية المحتلة.

ب. انسحاب سورية من لبنان.

ج. الانسحاب المتبادل بين العراق وإيران.

د. وضع ترتيبات لحالة الكويت.

2. انسحاب القوات الأمريكية، والقوات الأخرى، من أراضي المملكة العربية السعودية. وتحل محلها قوات عربية، شرط أن لا يكون من بينها قوات مصرية.

3. تجميد قرارات المقاطعة والحصار ضد العراق.

4. تعود الأمور إلى مجراها الطبيعي، في التعامل، الاقتصادي والسياسي والعلمي، بين العراق ودول العالم.

في اليوم نفسه، رفضت الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وإسرائيل، هذه الأفكار. بينما أعلنت إيران، في اليوم التالي، 13 أغسطس 1990، رفضها إياها. أمّا الحكومة الإسرائيلية، فوصف رئيسها، إسحاق شامير، مبادرة ربط قضية الكويت بالصراع العربي ـ الإسرائيلي، التي أعلنها الرئيس العراقي، بأنها "مناورة لإضعاف التحالف الدولي القائم ضده ". وأمّا في الضفة الغربية وغزة، فقد استُقبل اقتراح الرئيس العراقي بحماسة شديدة.

وعرض السفير العراقي إلى الأمم المتحدة، عبدالأمير الأنباري، مبادرة الرئيس صدام حسين، على الدول السبع، غير المنحازة، الأعضاء في مجلس الأمن. وقال إنه يتمنى أن يتعامل المجلس مع المبادرة بجدية.

وفي موسكو، صرح المتحدث باسم وزارة الخارجية السوفيتية، يوري جريميتسكيخ  (Yuri Gremitskikh)، بأن الاتحاد السوفيتي، لا يرى واقعية في الاقتراحات الأخيرة، التي طرحها الرئيس صدام حسين،، في مبادرته، في 12 أغسطس. وأن الحكومة السوفيتية، تواصل اتصالاتها، على جميع المستويات، لإقناع العراق بتنفيذ قرارات مجلس الأمن.

وحول رفض الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وإسرائيل، مبادرة الرئيس صدام حسين، أدلى طارق عزيز، في اليوم التالي، بتعقيب، جاء فيه: "إن هذا الموقف السريع، الذي اتخذته الولايات المتحدة وبريطانيا والكيان الصهيوني، من المبادرة التاريخية العادلة، التي أعلنها الرئيس القائد، صدام حسين، والتي تنطلق من مبادئ العدالة والإنصاف والمساواة في المقاييس ـ يعزِّز وعي الجماهير العربية بحقيقة المؤامرة، ويدفعها إلى مواصلة النضال الباسل، من أجْل مقاومة المخطط الإمبريالي الصهيوني، الذي يطبق، الآن، في المنطقة ... إننا نناشد الدول والشعوب والقوى الحرة في العالم، التي طالما رفضت المقاييس المزدوجة والسياسة الانتقائية، التي سعت الولايات المتحدة إلى فرضها على المنظمة الدولية والمجتمع الدولي ـ أن تدرك المغزى الحقيقي للموقف في المنطقة، والدوافع الحقيقية للقرارات، التي دفعت بها الولايات المتحدة ضد العراق، في مجلس الأمن، في الأيام الماضية. وأن تعيد النظر في المواقف، التي اتخذتها سابقاً، في إطار حملة التضليل، التي دبّرتها الولايات المتحدة، واتخاذ الموقف المنصف، الذي تحتمه مبادئ العدالة والإنصاف والمسؤولية، تجاه الأمن والسلام في العالم ...".

لقد اتكأ النظام العراقي، في مبادرته، على موطن الألم الرئيسي، في الوطن العربي. وبدا أمام الرأي العام، أن هناك حلاً جذرياً، وثورياً، مفاجئاً للمسألة الفلسطينية، يتمثل في الضغط على المصالح، الأمريكية والغربية، في الكويت والخليج. وعُدّ هذا الموقف استمراراً لخط المتشددين من الراديكاليين العرب، في الدعوة إلى القضاء على المصالح الغربية، والأمريكية منها خاصة، في الوطن العربي، رداً على الدعم الأمريكي الكامل لإسرائيل، والإذلال المتواصل للكرامة العربية.

واستند القائلون بالربط إلى عدد من الحجج، أهمها:

  • مع الاعتراف بمعاناة الشعب الكويتي، فإن غزو الكويت، يمثل فرصة نادرة للتعامل مع الغرب، والولايات المتحدة الأمريكية خاصة، من موقع القوة، فيما يتصل بالقضية الفلسطينية؛ إذ إن العرب باتوا لا يملكون كثيراً من عناصر الضغط على الموقف الأمريكي، حيال هذه القضية.
  • لو أجمع العرب على فكرة الربط، لأمكن خلق تيار عالمي، يؤيد هذه الفكرة، ليصير من غير الممكن تجنّبها. وكانت هذه الفكرة، قد حظيت، فعلاً، ببعض القبول لدى أطراف دولية مهمة في إدارة الأزمة، ولا سيما فرنسا، التي أعلن رئيسها، أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، في بداية أكتوبر 1990، مبادرة تأخذ مسألة الربط في الحسبان. وليس من المعقول، أن يدفع بعض القوى الغربية إلى تنفيذ فكرة الربط، في حين يرفضها بعض العرب.
  • لو أمكن الضغط، العربي والدولي، تطبيق فكرة الربط، على أنها قلب أي تسوية، لأصبح صعباً على الولايات المتحدة، أن تواصل رفضها الفكرة؛ إذ إنها لن تستطيع الدفاع عن موقفها، الذي يكافئ المعتدي الإسرائيلي، ويعاقب "المعتدي "العراقي. ولو أمكن تحقيق تسوية، من خلال الربط، لفاز العرب بكل ما يطمحون إليه، من تحرير فلسطين، وتحرير الكويت وإنقاذ العراق، في آنٍ معاً.

رفضت أغلبية الدول العربية مقولة الربط رفضاً تاماً، على الأقل في مواقفها المعلَنة. وقد استند رفضها إلى مبررات وحجج، أبرزها:

  • لا يمكن النظر إلى الكويت، كرهينة غربية، يمكن أن تقايض بها الأرض المحتلة في 5 يونيه 1967؛ ولا تغير أنقى النيات في تفسير فكرة الربط، من حقيقة العدوان العراقي، كعدوان على دولة عربية وشعب عربي.
  • تمثل فكرة الربط دعاية، تستهدف تعبئة الرأي العام، العربي والإسلامي، وراء غزو الكويت، أكثر مما هي سعي جاد، حول مستقبل الشعب الفلسطيني. والمؤكد أنه لو قبلت الولايات المتحدة الأمريكية ضم العراق الكويت، لَما طرح العراق اصطداماً، سياسياً وعسكرياً، معها، حول حقوق الفلسطينيين. ففي سياق المداولات، بين الرئيس العراقي والسفيرة الأمريكية، ثم القائم بالأعمال الأمريكي، في العراق، أوضح الرئيس نيته في احترام المصالح الأمريكية وصيانتها، في المنطقة العربية.
  • لا يمكن القبول برهن مصير الكويت، الواقعة في يد دولة عربية معتدية، بمصير الأرض العربية المحتلة، الواقعة في قبضة إسرائيل. فضلاً عن أن إسرائيل، لن تقبَل، حتى لو ضغطت عليها الإدارة الأمريكية بأقصى ما لديها من قوة، بالانسحاب من الأراضي المحتلة من أجل تحرير الكويت.

بيد أن استحسان أقلية من الدول العربية، لشعار الربط، كان قصير العمر. فاليمن، الذي وافق، رسمياً، على مبادرة الرئيس صدام حسين، على أثر إعلانها. وتبنّى في مبادرته، في أول سبتمبر، هذا الشعار، سرعان ما تنكّر له، فأسقطه من مبادرته، المعلَنة في 19 أكتوبر 1990[1]، ومن مشروع القرار، الذي قدّمه، مع عدد من دول عدم الانحياز، إلى مجلس الأمن، في 7 أكتوبر؛ وهو المشروع الذي رفض المجلس تمريره. كما اتخذت المبادرات الأردنية المسار عينه.

وعلى الرغم من رفض دول الخليج ومصر وسورية، رسمياً، مقولة الربط، فإنها حثّت، في مفاوضاتها مع الجانب الأمريكي، وبعض الأطراف الأوروبية، على إعلان التزامٍ ما، من جانب الولايات المتحدة الأمريكية، أو مجموعة من الدول الغربية، أو مجلس الأمن، بتحريك القضية الفلسطينية، وتسوية الصراع العربي ـ الإسرائيلي، بعد الانتهاء من أزمة الخليج، وإعلان هذا الالتزام في وقت مبكر.

وتمثّل رد الملك فهد على مبادرة الرئيس صدام حسين، بقوله: "إنها زادت الأمور تعقيداً، فضلاً عن أنها غير قابلة للتنفيذ". وشدد خادم الحرمَين الشريفَين على أن المملكة العربية السعودية، "ليست لقمة سائغة ولن تسمح لكائن، من كان، أن تمتد يده بالعدوان على شبر واحد من أراضيها. وأن المملكة العربية السعودية، كانت، وستظل دولة محبة للسلام، وتدعو له، وتطبقه في كل علاقاتها، على مستوى التعامل الدولي، إقليمياً وعربياً وإسلامياً ودولياً".

وبعد مقابلة الملك فهد وزير الداخلية الكويتي، الشيخ سالم الصباح، في جدة، يوم الإثنين، 13 أغسطس 1990، أُغلق أنبوب النفط العراقي، المارّ عبْر الأراضي السعودية، إلى البحر الأحمر، بعد أن امتلأت خزاناته، البالغة سعتها 11 مليون برميل. وغادرت ميناء "المعجز"السعودي، الناقلة العراقية، "القادسية"، من دون أن تحمل أي كمية من النفط.

ثالثاً: العقوبات الاقتصادية، وتطبيق الحظر الاقتصادي

في 13 أغسطس، أعلن السفير الكويتي إلى الأمم المتحدة، محمد عبدالله أبو الحسن، أن الكويت أبلغت مجلس الأمن، أنها طلبت، بموجب المادة (51 )، من بعض الدول، ومنها الدول الدائمة العضوية فيه، اتخاذ الإجراءات، العسكرية وغير العسكرية، الضرورية لتنفيذ القرار الرقم 661، الذي يفرض المقاطعة على العراق.

وصرح الأمين العام للأمم المتحدة، خافيير بيريز دى كويلار، بأن تحرُّك الأساطيل، لمنع العراق من تصدير منتجاته، "ليس حصاراً بحريا ً"، تفرضه الأمم المتحدة. وقال: إنني أفضّل أن تنتظر الدول المعنية صدور تقريري، قبْل اللجوء إلى المادة (51 ). أمّا ما تفعله الدول، فليس عندي موقف ضده، ما دامت الدول المعنية موافقة عليه، سواء كانت المملكة العربية السعودية أو الكويت.

وفي 14 أغسطس 1990، ناقش الرئيس جورج بوش، في اجتماعات، عقدها مع كبار مستشاريه ومساعديه وأركان إدارته، الإجراءات، التي تُتَّخذ لتطبيق قرارات مجلس الأمن الدولي، التي تفرض عقوبات على العراق، وحصاراً شاملاً، يحُول دون تصدير نفطه، أو حصوله على الأسلحة.

وأكدت فرنسا، على لسان متحدث باسم وزارة الخارجية، التزامها الكامل بالقرارات، التي يصدرها مجلس الأمن، وتضامنها مع المجتمع الدولي، على تنفيذ القرار الرقم 661، الذي ينص على فرض الحظر على التعامل، التجاري والاقتصادي، مع العراق.

وهكذا كان الحشد الأمريكي قريباً من هدفه، وأصبح واضحاً، أن الثغرة التي كانت مفتوحة أمام العراق، يجري إغلاقها وبسرعة. بينما تسارعت قرارات الحصار الاقتصادي ضد العراق، إذ انبرت قِطع الأسطول الأمريكي، تشاركها قِطع من الأسطول البريطاني، توقِف البواخر والسفن، الداخلة والخارجة من ميناء البصرة، بطلقات النار الإنذارية، وتفتشها، وتصادر حمولاتها. وكذلك ناقلات النفط.

وفي الوقت عينه، توقفت أنابيب نقْل النفط الثلاثة، التي رأى العراق أنها قادرة على حمل نفطه إلى الخليج والبحر الأبيض المتوسط. وكان خط الأنابيب، العابر لسورية، متوقفاً، منذ الحرب العراقية ـ الإيرانية. وفي 7 أغسطس توقف الخط العابر لتركيا. وفي 13 أغسطس 1990، توقف، كذلك، الخط العابر للمملكة العربية السعودية. وأصبح النفط العراقي ممنوعاً منعاً باتاً من الوصول إلى الأسواق. ولم يكن العراق يتوقع، فيما يبدو، حجْب نفطه ونفط الكويت، مرة واحدة، عن الأسواق، لأن من شأن ذلك، أن يحدِث نقصاً في الطلب، تزيد معه الأسعار زيادة هائلة. ولأيام قليلة، بدا أن ما يتوقعه العراق، يوشك أن يحدُث؛ إذ توالى ارتفاع سعر برميل النفط من 12 ـ 13 دولاراً للبرميل، حتى بلغ 37 ـ 40 دولاراً. ولكن الولايات المتحدة الأمريكية عمدت إلى خطة، يبدو أنها كانت جاهزة، ومعدَّة للطوارئ. فتدفقت إلى الأسواق كميات من الاحتياطي الإستراتيجي الأمريكي. وطلبت واشنطن إلى حلفائها، أن يحذوا حذوها.

ثم عقدت دول "الأوبيك"اجتماعاً استثنائياً، تقرر فيه عدم الالتزام بحصص الإنتاج السابقة، وإطلاق الحرية للدول المنتجة في ضخ الكمية التي تشاء. وفي غضون أيام، ارتفع إنتاج النفط في المملكة العربية السعودية، من 3.5 ملايين إلى 6 ملايين، ثم إلى 8 ملايين برميل، في اليوم. وقبَيل نهاية عام 1990، كان إنتاج النفط السعودي، قد وصل إلى 10 ملايين برميل، في اليوم. وكان هذا كافياً لتعويض النقص النفطي، الناجم عن انقطاع نفط العراق والكويت معاً. وكانت قرارات تجميد الأرصدة، العراقية والكويتية، في الخارج، قد استكملت كل تفاصيلها. فأمسى العراق عاجزاً عن شراء شئ من العالم، إلى جانب عدم قدْرته على نقْل ما يشتريه أو يبيعه للعالم.

رابعاً: العراق وسياسة التهدئة مع إيران

كان الخطاب السياسي الإيراني، قبْل الغزو العراقي للكويت، قد تغيرت مفرداته؛ فبعد أن كان يتسم بالتشدد، أصبح أكثر ودية ومرونة. وقد تعززت هذه المرونة مع انفجار أزمة الخليج (الثانية)، إذ اتسم السلوك الإيراني، إبّانها، بالتمييز بين قضايا أساسية: السلام مع العراق، وإدانة الاحتلال العراقي للكويت، وبقاء القوات الأجنبية في الخليج، بعد انتهاء الأزمة، ودور إيران في الترتيبات الأمنية المستقبلية. وقد شكلت هذه القضايا محور التفاعلات الإيرانية، مع الأطراف المعنية بالأزمة.

ولم تأت الإدانة الإيرانية لغزو العراق الكويت، إلاّ بعد زيارة علي أكبر ولايتي، وزير خارجية إيران، إلى سورية، في 6 أغسطس 1990. وبعد مباحثات بين الجانبَين، أعلنت إيران، في بيان رسمي، رفضها قرار ضم الكويت إلى العراق. ورأت في احتلال الكويت خطراً على الخليج والشرق الأوسط والعالم الإسلامي كله. وأكدت رفضها أي تغيير في جغرافية المنطقة.

وبعد صدور البيان الإيراني، اجتمع المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني، في 13 أغسطس 1990، وحدد موقف إيران على النحو التالي:

1. رفض الاحتلال العراقي للكويت.

2. الانسحاب الفوري، غير المشروط، للقوات العراقية من الكويت.

3. استعداد إيران للدفاع عن مصالحها، تحت أي ظروف.

وفي 15 أغسطس 1990، أعلن العراق، في رسالة، مؤرخة في 14 أغسطس، بعث بها الرئيس صدام حسين، إلى الرئيس الإيراني، على أكبر هاشمي رفسنجاني، اعترافه باتفاقية الجزائر، الموقعة مع إيران، عام 1975، موضحاً فيها، كدلالة إلى حسن النية، انسحاب القوات العراقية من أماكنها، على طول الحدود، والاقتصار على ما هو رمزي منها، مع حرس الحدود والشرطة فحسب، لتنفيذ الواجبات اليومية، في ظروف طبيعية. إضافة إلى التبادل الفوري، والشامل، لكل أسْرى الحرب المحتجزين في كل من العراق وإيران، وسيكون العراق أول المبادرين إلى ذلك. وختم صدام حسين رسالته بقوله: "وبذلك، تحقق كل ما أردتموه، وما كنتم تركزون عليه. ولم يبقَ إلاّ ترويج الوثائق، لنظل معاً، من مَوقع إشراف، بين حياة جديدة، يسودها التعاون، في ظل مبادئ الإسلام، ويحترم كلٌ منا حقوق الآخر، ونبعِد المتصيدين في الماء العكر عن شواطئنا، وربما تعاونا بما يبقي الخليج بحيرة سلام وأمان، خالية من الأساطيل الأجنبية وقوى الأجنبي، التي تتربص بنا الدوائر، بالإضافة إلى ميادين الحياة الأخرى" (أنظر وثيقة رسالة من الرئيس العراقي، صدام حسين إلى الرئيس علي هاشمي رفسنجاني في شأن السلام مع إيران، والموافقة على اتفاقية 1975 يوم الأربعاء، 15 أغسطس 1990).

وحظيت مبادرة الرئيس صدام حسين بقبول القيادة الإيرانية، التي عَدَّتها انتصاراً سياسياً لها؛ فهي تنص على تسوية النزاع حول الحدود بين البلدَين، على أساس اتفاقية الجزائر، لعام 1975، وانسحاب العراق من مساحة ألفي كيلومتر مربع، كان يحتلها، وتبادل الأسْرى بين البلدَين، أي أن قوام المبادرة العراقية، هو التسليم بكافة المطالب الإيرانية.

وقد هدفت مبادرة الرئيس صدام حسين إلى تحقيق عدة أهداف، تتلخص في الآتي:

·   سحب القوات العراقية، الموجودة على الحدود مع إيران، وإرسالها إلى منطقة الكويت والحدود الجنوبية للعراق.

·   تحييد إيران، ودفعها إلى عدم الاستجابة للجهود الأمريكية، الرامية إلى إحكام الحظر الاقتصادي الدولي على العراق.

·   توحيد جهود إيران والعراق، في مواجهة دول الخليج، والقوات الأجنبية في المنطقة.

خامساً: أزمة الرهائن الأجانب في العراق

ازدادت المخاوف على وضع الرعايا الأجانب، في العراق والكويت. وحمّلت بريطانيا العراق، رسمياً، مسؤوليته عن تأمين حياتهم. كما استدعت الخارجية البريطانية سفير العراق إلى لندن، الدكتور عزمي شفيق الصالحي، في 14 أغسطس 1990، وأبلغته مسؤولية العراق عن حماية الأجانب. ويبلغ عدد البريطانيين في الكويت 4 آلاف بريطاني، ويقدّرون في العراق بنحو 600 بريطاني. بينما قال عبدالرازق الهاشمي، السفير العراقي إلى باريس: "إن وضع الأجانب، هو جزء من كلّ. ومرتبط بموقف بلدانهم من النزاع "، مما أثار بوادر "أزمة رهائن".

وفي 13 أغسطس 1990، قرر الرئيس جورج بوش، أن يبدأ إجازته الصيفية، في "كينيبنكبورت Kennebunkport "، على شاطئ ولاية "ماين Maine "، وقبل أن يذهب إلى مصيفه، وقّع قراراً مكتوباً، يخول وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية، صلاحية المبادرة إلى أي نشاط، تراه ملائماً لإسقاط النظام في بغداد، والتخلص من صدام حسين، مشترطاً فقط أنه "إذا كان محتوماً اغتيال الرئيس العراقي، فلا بدّ أن يكون بيَد عراقية".

وأحست بغداد، أن رد الرئيس بوش على رسائلها إليه، هو مزيد من التصعيد. وكان قرارها، هو التصعيد، في مواجهة التصعيد. ولم يكن العراق يملك من وسائل التصعيد أكثر من تكثيف حمْلته على الولايات المتحدة الأمريكية، من خلال إثارة الجماهير، وتذكيرها إمّا بماضي العداء الأمريكي للطموحات العربية، وإمّا بإعادة إحياء القضايا المعلقة وتسخينها، وهي المؤدية، باستمرار، إلى التوتر بين واشنطن والعرب.

ثم تنبّهت بغداد لوسيلة تصعيدية أخرى، سبق أن اتبعتها إيران، وهي احتجاز الرعايا الغربيين، ولاسيما الأمريكيين، سواء كانوا في العراق أو في الكويت، وعددهم بالآلاف. وانتهزت الولايات المتحدة الأمريكية فرصة، لإصدار قرار ثالث عن مجلس الأمن، وهو القرار الرقم 664، المعبِّر عن "قلق المجتمع الدولي من احتجاز رعايا دول أطراف ثالثة، في العراق والكويت ". وطلب القرار من العراق، أن يؤمِّن، من الفور، سفر الرعايا الأجانب جميعاً، سالمين، إلى بلادهم، وحمّله مسؤولية كل ما يمس "سلامتهم وصحتهم".

وسبق هذا القرار وأعقبه حملة إعلامية عنيفة، تندد بحالة "حقوق الإنسان "في العراق. وحاول العراق أن يدحض الادعاءات الموجَّهة إليه، فقرر إخلاء كل فنادق الدرجة الأولى، في بغداد، لكي ينزل فيها "الرهائن "، كما كان يسميهم الإعلام الغربي، و"الضيوف"، كما شاء أن يسميهم الإعلام العراقي.

سادساً: بوش يصعد حمْلته على العراق

وفي واشنطن، صعد الرئيس جورج بوش حمْلته على العراق. واستبعد إمكانية التوصل إلى حل دبلوماسي للأزمة. كما هدد بإقفال ميناء العقبة، إذا استمر تدفّق البضائع، عبْره، إلى بغداد. ووصف انتشار القوات، الأمريكية والحليفة، في المنطقة، بأنه الأهم منذ الحرب العالمية الثانية. وقال الرئيس بوش: "لقد دفعنا ثمناً غالياً، حينما حاولنا استرضاء ديكتاتور، في الحرب العالمية الثانية. ولن نكرر الخطأ نفسه". وأصرّ على انسحاب القوات العراقية، من دون قيد أو شرط، من الكويت، وعودة الحكومة الشرعية إليها. وأضاف: "لا بديل من الزعامة الأمريكية. وإن الزعامة الأمريكية، لا يمكن أن تكون فعالة، في غياب القوة الأمريكية".

كما تحدث الرئيس جورج بوش عن وضع المواطنين الأمريكيين، في العراق والكويت. وقال إنهم غير مرتاحين ويرغبون في الخروج من البلدَين. وأبدى قلقه على مصيرهم. ولكنه لم يصفهم بأنهم "رهائن". وكانت مصادر الخارجية الأمريكية، قد أكدت عدم حصول الأمريكيين، في العراق والكويت، على تأشيرات خروج. وقدَّرت عدد الأمريكيين، الموجودين في العراق، بحوالي 500 شخص، وفي الكويت بحوالي 2500 شخص، يضاف إليهم الدبلوماسيون في البلدَين، وعددهم حوالي 120 شخصاً. كما أكدت، تواصُل الحشد العسكري الأمريكي، في منطقة الخليج، وعلى الأراضي السعودية، إذ وصل، حتى الأربعاء 15 أغسطس 1990، إلى حوالي 50 ألف جندي، داخل المملكة العربية السعودية، ومن المنتظر أن يرتفع، في القريب، إلى 250 ألف جندي. تساندهم 1200 دبابة، وعدد مماثل من العربات المدرعة، فضلاً عن مئات الطائرات المقاتلة والعمودية.

وفي يوم الجمعة، 17 أغسطس 1990، شرعت البحرية الأمريكية تعترض السفن التجارية، المتوجهة إلى العراق والكويت والخارجة منهما بغية تضييق الحصار على العراق، وتنفيذ العقوبات الاقتصادية. وقال ناطق باسم وزارة الدفاع الأمريكية، إن السفن التي ترفض الاستجابة، ستُتَّخذ حيالها الإجراءات الضرورية.

سابعاً: تصاعد أزمة الرهائن

وتصاعدت أزمة الرهائن الأجانب. وبدأ هذا التصعيد من خلال تصريح لرئيس المجلس الوطني العراقي، سعدي مهدي صالح، في 18 أغسطس 1990، قال فيه، "إنه لن يدع الرعايا الأجانب يغادرون أراضيه أو أراضي الكويت، وإنه سيوزعهم على منشآته، الحيوية والعسكرية، لحمايتها من أي ضربة، يمكن أن توجه إليها". (أُنظر وثيقة نص تصريح رئيس المجلس الوطني العراقي، سعدي مهدي صالح بثته وكالة الأنباء العراقية في شأن احتجاز الأجانب في العراق والكويت، كرهائن يوم السبت، 18 أغسطس 1990) وردت واشنطن بأن هذا الإجراء غير مقبول. ودعت بغداد إلى التراجع عنه، من الفور، من دون تأخير أو شروط.

واتجه الموقف إلى المزيد من التصعيد، بدعوة الولايات المتحدة الأمريكية، في 18 أغسطس، إلى الإفراج عن الأجانب، المحتجزين في العراق، واستدعاء الاحتياطي العسكري. بينما أعلنت بريطانيا السماح لبحريتها باستخدام القوة في فرض الحظر على السفن العراقية. وقد عَدَّت بغداد ذلك، "عملاً من أعمال الحرب".

وفي 19 أغسطس 1990، عقد الرئيس الأمريكي اجتماعاً موسعاً مع مستشاريه، لبحث التطورات في منطقة الخليج، والخيارات المتاحة للولايات المتحدة الأمريكية، في مواجَهة منع العراق سفر الرعايا الأجانب، وتوزيعهم على المنشآت العسكرية. وندّد البيت الأبيض، في بيان له، بهذا المنع.

ثامناً: محاولات عربية لحل الأزمة

وفي 12 أغسطس 1990، طار الملك حسين إلى بغداد، للوقوف على تقدير الرئيس صدام حسين للموقف وتصوراته ورؤاه. وعاد الملك، في اليوم عينه، إلى عمّان. وفي اليوم التالي، 13 أغسطس، اتصل بالرئيس الأمريكي جورج بوش، هاتفياً، في مصيفه "كينيبنكبورت"، طالباً مقابلته. وكان رد الرئيس الأمريكي، أنه في انتظاره، خلال الأيام الثلاثة القادمة.          

ومن الفور، انطلق الملك حسين، بطائرته، إلى "كينيبنكبورت"، مصطحباً السفير الأمريكي لدى الأردن، روجر هاريسون، الذي لم يكن قد قدم أوراق اعتماده بعد، حيث وصلها في 14 أغسطس.          

وفي اليوم التالي، عقد اللقاء بينهما، وتكلم الملك حسين، والرئيس بوش يسمع. وبلغ الملك الأردني، في حديثه، نقطة، قال فيها: "إن الحشود الأمريكية في الشرق الأوسط، قد رفعت درجة التوتر في المنطقة إلى حدٍّ كبير ". فقاطعه الرئيس بوش، قائلاً: "لم نكن نحن الطرف، الذي رفع حدّة التوتر في المنطقة. وحشودنا العسكرية، التي تتحدث عنها، كانت رداً على احتلال عسكري عراقي للكويت، سبقها. إن النفط، بالنسبة إلينا، هو أكثر من ضرورة، هو أسلوب حياة. وأنا لن أسمح لهذا الرجل (يقصد صدام حسين) أن يسيطر على ثلث إنتاج الخليج، اليوم، وعلى ثلثَي احتياطي العالم من النفط، غداً. إن هذا الرجل، أثبت أنه عدو للولايات المتحدة الأمريكية. ولن أسمح لنفسي، أن أترك ديكتاتوراً، يضع يده على شريان حياتنا. أنتم، العرب، تعيشون على برميل بارود. هذا الرجل هددكم، وما زال يهددكم. وهو يستطيع أن يفعل ذلك معكم، ولكن ليس معنا. نحن بعيدون عنه، ولكن لنا في المنطقة مصالح حيوية، ونحن هناك لحمايتها.

وعندما قال الملك حسين للرئيس بوش: "إن صدام حسين على استعداد للانسحاب". رد بوش: "الانسحاب بشروط؟ وقد جاءتنا هذه الشروط. ونحن نرفض كل شرط فيها: فقد اشترط أن ينسحب طبقاً لجدول، يضعه هو. وأن ينسحب إلى المَواقع المختلف عليها، حقل البترول، والجُزُر المتنازع عليهما. فات أوان هذا الكلام. فإذا كان يريد أن ينسحب، فنحن لا نمسك به، ولن نمنعه. فلينسحب، فوراً، وبلا قيد أو شرط، وتعود أُسرة الصباح إلى الكويت. ثم نرى، بعد ذلك، ما يلزم عمله".

ثم بادر الرئيس جورج بوش إلى القول: "إن ميناء العقبة، ما زال مفتوحاً للعراق، رغم قرار صادر من الأمم المتحدة. والأردن لا يستطيع أن يخالف قراراً، يعبّر عن إرادة الشرعية الدولية. ولهذا، فإن الأردن يجب أن يطبق إجراءات الحصار، وإلاّ وجد نفسه يواجه الإرادة الدولية ". وهذا القول لا يحتمل اللبس. فهو يعني أنه إذا لم ينفّذ الأردن إجراءات الحصار، فإن القوات البحرية، التي تنفّذه، سوف تضطر إلى فرض إحكامه على ميناء العقبة. ورد الملك حسين، بأن الأردن، ليس خارجاً عن الشرعية الدولية، ولا عن قرارات مجلس الأمن[2].

وغادر الملك حسين "كينيبنكبورت"محبطاً بأكثر مما وصل إليها ـ عائداً إلى عمان، فبغداد، ليعود، بعد ساعات إلى عاصمة بلاده.

وفي يوم السبت، 18 أغسطس 1990، وصل إلى صنعاء الفريق عمر حسن البشير، رئيس مجلس "ثورة الإنقاذ"في السودان. وعقد اجتماعاً مع الفريق علي عبدالله صالح، بحضور نائب الرئيس اليمني، علي سالم البيض. وأكد الجانبان "أهمية تنسيق مواقف البلدَين، لاحتواء أزمة الكويت وتطويقها، سلمياً، في الإطار العربي، بما يجنّب المنطقة العربية كارثة المواجَهة العسكرية المحتملة، ويكفل حماية الأمن القومي العربي".

تاسعاً: مبادرة جديدة للرئيس صدام حسين

وفي يوم الأحد، 19 أغسطس 1990، وجّه الرئيس صدام حسين رسالة إلى عائلات الأجانب، الموجودين في العراق، وإلى شعوب أوروبا وأمريكا، طلب فيها منهم التعاون على منع الجريمة الواسعة. واشتمل خطابه على مبادرة جديدة، تتلخص في الأتي: (أُنظر وثيقة نص الرسالة المفتوحة، من الرئيس صدام حسين إلى عوائل الأجانب، الموجودين في العراق، وإلى شعوب أوروبا وأمريكا يوم الأحد، 19 أغسطس 1990)

1. يتعهد مجلس الأمن، أن تسحب الولايات المتحدة الأمريكية قواتها من المنطقة.

2. في الوقت نفسه، يتعهد مجلس الأمن، بأن يقف، عسكرياً، في وجه العراق، إن حاول الاعتداء على المملكة العربية السعودية. وأن يتعهد كلٌ من العراق والمملكة العربية السعودية، بعدم اعتداء أي منهما على الآخر.

3. أو أن يتعهد مجلس الأمن بضمان السلام والأمن، في المنطقة كلها، وَفق الأُسُس العامة، التي وردت في مبادرة الرئيس صدام، في 12 أغسطس 1990.

4. عند تحقيق الشروط السابقة، يسمح للأجانب بالسفر، من الفور.

5. إذا لم يصدر مجلس الأمن هذه التعهدات، يكتفي أن تصدر من رئيس الولايات المتحدة، خطياً، فيتعهد بسحب قواته، وعدم استخدام القوة ضد العراق، واحترام القانون الدولي، وفك الحصار عن العراق، ومعه كل الأطراف الأخرى. وفي هذه الحالة، سيُسمح بسفر الأجانب.

6. ترك موضوع الكويت، ليعالجه العرب.

لقد كانت مبادرة الرئيس صدام حسين الجديدة، في 19 أغسطس 1990، أقرب إلى رد العراق على آخر قرارات مجلس الأمن، الرقم 664، الصادر في 18 أغسطس 1990، الذي طالب العراق بالإفراج الفوري عن الأجانب، في الكويت والعراق، والسماح لهم بالمغادرة. كما أصر القرار على أن يلغي العراق أوامره بإغلاق مقارّ البعثات في الكويت.

عاشراً: الموقف السوفيتي

كان الموقف السوفيتي، منذ البداية، مخالفاً لكل التوقعات:

1. دان العدوان العراقي.

2. أعلن أنه ليس هناك ما يبرر استخدام القوة.

3. دعا إلى ضرورة استعادة استقلال دولة الكويت.

4. أيد قراري مجلس الأمن، الرقمين 660، 661.

5. قرر إيقاف شحن أي أسلحة سوفيتية إلى العراق.

6. ولكنه لم يلغ معاهدة الصداقة والتعاون مع العراق، ولم يقطع الاتصالات معه.

في 20 أغسطس 1990، وصل نائب رئيس الوزراء العراقي، سعدون حمادي، إلى موسكو، سعياً وراء الدعم السوفيتي، ولكن وزير الخارجية السوفيتي، إدوارد شيفرنادزه، أكد له ضرورة إخلاء سبيل الرعايا الأجانب، وانسحاب العراق من الكويت. كما اتصل شيفرنادزه، كذلك، بوزير الخارجية الأمريكي، جيمس بيكر، طالباً منه تأجيل التصويت على أي قرارات جديدة للأمم المتحدة، حتى 27 أغسطس 1990، ريثما يتضح أثر رسالة الاتحاد السوفيتي تلك في صدام حسين. وفي الوقت عينه، حصل جيمس بيكر على موافقة شيفرنادزه على استصدار قرار، في 24 أغسطس 1990، بعدما حاول الوزير السوفيتي، على ما يبدو، أن يحذر جيمس بيكر، من أن الضغوط على الرئيس جورج بوش، من أجْل التحرك السريع في الخليج، تقابلها ضغوط في الاتجاه المعاكس، في الاتحاد السوفيتي، حيث تحث المؤسسة العسكرية السوفيتية على التريث.

حادي عشر: العراق وحرب السفارات

وفي 20 أغسطس، وجه العراق إنذاراً إلى البعثات الدبلوماسية الأجنبية في الكويت، بوجوب مغادرة البلاد، قبْل يوم الجمعة، 24 أغسطس 1990، وإلاّ فإنهم سوف يعاملون كأي مواطن أجنبي، بعد فقدان حصانتهم الدبلوماسية .

وأصدرت وزارة الخارجية الأمريكية بياناً، رفضت فيه طلب العراق إقفال البعثات الدبلوماسية في الكويت. وأعلنت أن الإدارة الأمريكية، سوف تحافظ على وجود دبلوماسي فيها، وأن السفير الأمريكي، سوف يبقى هناك. وشدد البيان على أن العراق، يتحمل مسؤولية حماية الرعايا الأمريكيين، وتأمين سلامة الدبلوماسيين الأمريكيين في الكويت، بموجب القانون الدولي. وكرر الرئيس بوش، في تصريحات صحافية، إصراره على "انسحاب العراق من الكويت انسحاباً غير مشروط، وعودة حكام الكويت الشرعيين".

وفي بغداد، صرح رئيس المجلس الوطني العراقي، سعدي مهدي صالح، يوم الأربعاء، 22 أغسطس 1990، بأن السلطات العراقية، قررت السماح لعدد من الرعايا، الفرنسيين واليابانيين، بمغادرة العراق. وقال إن القرار يشكل "بادرة حسن نية جديدة، أملاً في إيقاف انسياق بعض الأطراف خلْف الموقف الأمريكي الأهوج، ضد العراق".

وفي يوم الجمعة، 24 أغسطس 1990، انتهت المهلة، التي أعطاها العراق لسحب الدول سفاراتها من الكويت، على أساس أن هذا البلد، أصبح جزءاً من الجمهورية العراقية. وقالت مصادر في لندن، إن الجيش العراقي سوف يحاصر السفارات، التي ستبقى في الكويت، وسيمنع دخول أي مواد غذائية إليها.

ومع انتهاء المهلة التي منحها العراق السفارات، العربية والأجنبية، في الكويت، لكي تغلق أبوابها، تحولت قضية هذه السفارات إلى نقطة مواجَهة أساسية، بينه وبين معظم دول العالم، بعد محاصرة القوات العراقية عدة سفارات في الكويت، وقرار العراق عدم السماح لدبلوماسييها بالمغادرة، إذا لم تعلن حكوماتهم إغلاق سفاراتها في الكويت.

وبعث الرئيس السوفيتي، ميخائيل جورباتشوف، برسالة خطية إلى الرئيس صدام حسين، دعاه فيها إلى احترام قرارات مجلس الأمن، من دون إبطاء، لتجنّب "حمل المجلس على تبنِّي إجراءات مناسبة". وقال إنه من الضرورة الملحّة، أن تعمل الحكومة العراقية على احترام قرارات مجلس الأمن. وأجلى الاتحاد السوفيتي دبلوماسييه من سفارته في الكويت، "لأن الوضع الحالي، جعل إنجاز مهامهم متعذرا ً".

كما أبلغت بريطانيا العراق، رسمياً، أنه "سوف يكون مسؤولاً عن أي عمل غير شرعي، قد يتعرض له رعايا أجانب، طبقاً للقانون الدولي. وأن أي عراقي، سواء كان مدنياً أم عسكرياً، ينفّذ أي عمل، يخالف القانون الدولي، سوف يكون مسؤولاً بصفة شخصية".



[1]  ذكرت صحيفة "26 سبتمبر، اليمنية، نص المبادرة اليمنية، والتي تتلخص في الآتي: ـ انسحاب القوات العراقية من الكويت. ـ النظر في الأسباب التي أدت إلى اجتياح العراق للكويت، ومعالجتها في صورة عادلة، في إطار جهة عربية أو في إطار المجتمع الدولي. ـ سحب القوات الأجنبية من منطقة الجزيرة العربية والخليج. ـ احترام حق السيادة والاستقلال وتقرير المصير للشعب الكويتي الشقيق. ـ إنهاء الحصار الاقتصادي على العراق. ـ إقامة وضع اقتصادي جديد وعادل في المنطقة. ـ العمل على إيجاد سلام عادل ودائم في المنطقة، وذلك بحل قضايا المنطقة، وفي طليعتها القضية الفلسطينية.

[2] روى الملك حسين فيما بعد خلال اجتماع مغلق عقده مع أعضاء مجلس الأمن بعد عودته من الولايات المتحدة ـ أن الرئيس بوش تلقى أثناء لقائه معه مكالمة تليفونية، وأن الرئيس الأمريكي قال له بعد انتهاء المكالمة: "هذا أحد زملائك يحثني على سرعة العمل بالقوة قبل أن تؤثر الدعاية العراقية على الشارع العربي".