إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / العراق والكويت، الجذور ... الغزو ... التحرير / أزمة الحدود العراقية ـ الكويتية، من استقلال الكويت حتى انضمامها إلى الأمم المتحدة، ( من 19 يونيه 1961 إلى 14 مايو 1963)









أولاً: استقلال الكويت وأزمة الحدود العراقية ـ الكويتية (1961)

المبحث الأول

استقلال الكويت وأزمة الحدود العراقية ـ الكويتية (1961)

أولاً: بريطانيا واستقلال الكويت

    ما لا شك فيه أن الحركات التحررية، التي ظهرت في بعض دول الخليج العربي، في الخمسينيات والستينيات، ولّدَتْ قناعة لدى بريطانيا، مفادها أن المعاهدات التي عقدتها مع إمارات الخليج، منذ القرن التاسع عشر، أصبحت عاجزة عن المحافظة على الأمن في الخليج، أو استمرار سيطرة لندن عليه. وأدركت أن علاقاتها أمست لا تنشأ، كما كان عليه الحال من قبْل، بينها وبين الحكام فقط، بل مع أطراف أخرى ظهرت في الخليج، تتمثل في أبنائه، وفي تيار القومية العربية، الزاحف إلى هذه المنطقة.

    وهكذا، تزعزعت مقولة اللورد جورج ناثانيل كيرزون، حاكم الهند ونائب الملكة فيها، عام 1903، عن منطقة الخليج، "إن سلطان الحكومة البريطانية، ينبغي أن يكون هو الأقوى". كما أصبح هارولد ديكسون، الوكيل السياسي البريطاني في الكويت، يعترف، علناً، بتأثير التيارات القومية في الكويت، ومنطقة الخليج العربي بأسْرها، في النفوذ البريطاني، حتى أصبح الشعار السائد في الكويت، أن "الجزيرة للعرب"، و"الكويت للكويتيين". وفي ذلك إشارة واضحة إلى ضرورة التخلص من النفوذ البريطاني. ولقد أرجع ديكسون قوة المدّ القومي العربي في دول الخليج، والكويت على وجه الخصوص، إلى محاولات شعب مصر للتحرر، وإلى قضية فلسطين، والثورة في الجزائر، والعدوان الثلاثي على مصر، عام 1956، والوحدة بين مصر وسورية، التي أيّدتها شعوب الخليج، وطالبت بعض الدول العربية بالانضمام إليها.

    وإزاء هذه التطورات الداخلية، والمتغيرات الإقليمية، بدأت المطالبة الكويتية بالاستقلال، منذ أواخر الخمسينيات. وفي مطلع عام 1961، كثّف الشيخ عبدالله السالم الصباح، أمير الكويت، ضغوطه لتأمين الاستقلال الدائم. مما يوضح تأثير المد القومي في الضمير الشعبي العام في الكويت، بما هيأها، مجتمعاً ونظام حكم لإعلان استقلالها.

    ولقد أخذت بريطانيا المطالبة الكويتية بشكل جدي، إذ أعدَّ إدوارد هيث Edward Richard George Heath، المسؤول عن مكتب الشؤون الخارجية في الحكومة البريطانية، آنذاك، مذكرة سِرية، تدارستها الحكومة البريطانية، في 6 أبريل 1961، في شأن ما يجب عمله تجاه مطالب أمير الكويت. وجاء في المذكرة: "إن العلاقات بين الكويت والمملكة المتحدة، تستند إلى الاتفاقية الخاصة، لعام 1899. وإن الاتفاقية، في حدّ ذاتها، لا تعني أن الكويت تحت الحماية البريطانية"، لكن موضوع الحماية، أشير إليه في 3 نوفمبر 1914، ضمن رسالة من المقيم السياسي البريطاني في الخليج، لدى اندلاع الحرب العالمية الأولى، حملت اعتراف الحكومة البريطانية بأن مشيخة الكويت، هي حكومة مستقلة، تحت الحماية البريطانية. وقد جرى تأكيد ذلك، في رسالة غير منشورة، في 21 أكتوبر 1958، من الوكيل السياسي البريطاني في الكويت إلى أميرها، تقول: "إننا سوف نظل مستعدين، كما كنا في الماضي، لتوفير أي دعم، قد يكون ضرورياً، في ما يتعلق بعلاقات الكويت بالدول الأخرى. وجرت الإشارة، في البرلمان البريطاني، في 4 فبراير 1959، إلى أن مشيخة الكويت، هي دولة مستقلة، تلتزم حكومة صاحبة الجلالة بحمايتها.

    وينتقل إدوارد هيث، في الجزء الثاني من مذكرته، إلى مناقشات، جرت في مجلس الوزراء، في نوفمبر 1958، وصدر، بعدها، بيان، في مارس 1960، يشير إلى أن الكويت، أصبحت مسؤولة تماماً عن إدارة علاقاتها الدولية. وقد أنهى ذلك الإعلان مفعول اتفاقية عام 1899. ويشير هيث إلى أن وزير خارجية بريطانيا، اقترح، في مايو 1960، نتيجة لهذا الإعلان، أنه "إذا أثار أمير الكويت موضوع إعادة النظر في الاتفاقية الخاصة (1899)، فإنني أرى منح المقيم السياسي في الخليج، أو الوكيل السياسي في الكويت، صلاحية الإجابة بنفسه، وتأكيد، أن حكومة صاحبة الجلالة، ستكون مستعدة لدراسة هذا الأمر".

    ويشير هيث، في الجزء الثالث من مذكرته، إلى أن أمير الكويت، أثار هذا الموضوع بالفعل، وهو يرغب في الحصول على الاستقلال التام. وأبلغ ذلك إلى المقيم السياسي البريطاني في الخليج، في 4 يناير 1961. وذكر الشيخ عبدالله السالم، أمير الكويت "أن الظروف شهدت تغيرات أساسية، عمّا كانت عليه، عندما وضعت اتفاقية عام 1899، وأنه لم يبقَ من تلك الاتفاقية، إلاّ علاقات الصداقة القوية، التي تربط بين البلدين". ولذا، فإنه يرغب في عقد اتفاقية مع حكومة صاحبة الجلالة، الآن، تستبدل اتفاقية عام 1899، تؤكد هذه الصداقة، واستعداد بريطانيا لمساعدة الكويت.

    وحدد هيث، في مذكرته، مجموعة من النقاط، التي يجب على الحكومة البريطانية أن تأخذها في الحسبان، وهي:

1. تفاقية1899، لا تتفق مع مسؤولية الكويت عن شؤون علاقاتها الدولية.

2. إن استمرار الوصول إلى موارد النفط الكويتية، وبالأسعار الأفضل، هو أمر حيوي، بالنسبة إلى المصالح البريطانية. وإن هذه المصالح، سوف تتعرض للخطر، إذا خسرت الكويت استقلالها. فمن الواضح، أنه بينما تنمو الشخصية الدولية للكويت، فإنها سوف ترغب، بوسائل شتى، في إظهار أنها باتت لا تعتمد علينا. لكن يجب أن نستغل الفرص، التي يوفرها لنا دورنا في الحماية، وذلك حتى نضمن، قدر الإمكان، ألاّ ترفض الكويت، وتفشل ترتيباتنا المالية، وتظل حاملة بشكل جيّد للجنيه الإسترليني.

3. إن الاتفاقية الجديدة، بين المملكة المتحدة والكويت، التي ذكرت، أن حكومة بريطانيا ملتزمة بمساعدة الكويت على صيانة استقلالها، سوف تُعَرض طرفَي الاتفاقية لهجوم، على أساس أنها تمثّل "علاقة إمبريالية"، ولا تتفق مع التطورات، الجارية في أماكن أخرى من العالم المعاصر. وقد يزيد ذلك من ضغوط القوميين العرب على الكويت، لإدانة الحماية البريطانية، أو على الأقل، جعل الكويت أقلّ اعتماداً على بريطانيا في سياستها، النفطية والمالية.

4. من الأفضل للجانبَين عقد اتفاقية جديدة، بدل اتفاقية 1899، تتجنب إثارة الاعتراضات، الواردة في الفقرة السابقة.

5. في حال قبول الحكومة البريطانية، إنهاء اتفاقية 1899، وقبولها إصرار الأمير على الحصول على بعض التأكيدات، أن الإنهاء، لا يقلّل من التزام بريطانيا بحماية الكويتيين، فهناك ثلاث صيغ، يمكِن مناقشتها مع أمير الكويت، لتوقيع اتفاقية دولية مُلزمة، يتعين تسجيلها لدى هيئة الأمم المتحدة. وهذه الصيغ هي:

أ. تبادل مذكرات بين المقيم السياسي البريطاني، وأمير الكويت، تُبطل، ببساطة، مفعول اتفاقية 1899، مرفقة بتأكيد شفهي حول اعتراف حكومة صاحبة الجلالة، باستمرار التزامها بمساعدة الكويت على صيانة استقلالها، وأن تُنشَر وتسجَّل المذكرات المتبادلة، لدى الأمم المتحدة. أمّا التأكيد الشفهي، الذي يمكِن تسجيله في المذكرة، فلا يُنشَر، ولا يسجَّل في الأمم المتحدة. واقترح هيث، أن الحكومة، إذا سُئلت في البرلمان، عمّا إذا كانت المذكرات تؤثر في التزاماتنا القائمة، أن تجيب بالنفي.

ب. تبادل مذكرات، تشير إلى إبطال مفعول اتفاقية 1899، مع تأكيد أن هذا الإبطال، لا يؤثر في الالتزام البريطاني المستمر بمساعدة الكويت على صيانة استقلالها. والهدف من ذلك إيضاح أن الالتزام البريطاني قائم ومستمر، من دون أن يحدد زمن معيّن لصلاحية هذا الالتزام.

ج. عقد معاهدة، بعيداً عن الصيغ الرسمية، تضمن الالتزامات البريطانية نفسها، ويكون لها الأثر القانوني عينه، كما في البند (2)، لكنها تكون خاضعة للتصديق في البرلمان.

        واقترح هيث، في مذكرته كذلك، ضرورة عرض بريطانيا لاتفاقات بديلة مع الكويت، في مجالَي الصداقة والتجارة، بعد الاتفاق على إنهاء مفعول اتفاقية 1899، بأي صيغة من الصيغ الثلاث المقترحة.

        ولقد تضافرت مجموعة من العوامل والمعايير، الوطنية والإقليمية والدولية، أدت، جميعها، إلى جعل استقلال الكويت ضرورة لا غنى عنها. وهو أمر سلمت به بريطانيا، بهدوء، لأنها أمست غير قادرة على الحفاظ على وضعها الخاص في الكويت، خاصة بعد أن دخلت دول أخرى حلبة الصراع حول الخليج، والمنطقة، وثرواتها، وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية، والاتحاد السوفيتي. ومن ثم، جاءت الحصيلة النهائية، لتفاعل جميع العوامل سالفة الذكر، في ضرورة استقلال الكويت، وإنهاء الحماية البريطانية عليها، إذ أُعلن، صباح  19 يونيه 1961، في كل من لندن والكويت، تبادل رسائل بين أمير الكويت، الشيخ عبدالله السالم الصباح، والسير وليم هنري توكير لويس (1961 - 1966) Sir William Henry Tucker Luce ،المقيم السياسي البريطاني في الخليج، انطوت على إعلان استقلال الكويت، وإنهاء اتفاقية 23 يناير 1899، على أساس أنها تتعارض وسيادة الكويت (أُنظر مذكرة السير وليم لوس، المقيم السياسي البريطاني في الخليج إلى الشيخ عبدالله السالم الصباح، حاكم الكويت في 19 يونيه 1961 التي تنص على إلغاء اتفاقية 23 يناير 1899 (اتفاقية الحماية البريطانية على الكويت).) و (وثيقة مذكرة الشيخ عبدالله السالم الصباح، حاكم الكويت رداً على مذكرة السير وليم لوس، المقيم السياسي البريطاني في الخليج في 19 يونيه 1961 التي تنص على إلغاء اتفاقية 23 يناير 1899 (اتفاقية الحماية البريطانية على الكويت))، واستبدال معاهدة جديدة بها، تُبنى على الصداقة والتعاون بينهما.

        أذاعت الحكومة الكويتية في اليوم عينه (19 يونيه)، البيان الكويتي، حول إلغاء معاهدة 23 يناير 1899.(أُنظر وثيقة البيان الكويتي المعلن في 19 يونيه 1961، بإلغاء اتفاقية 23 يناير  1899 (اتفاقية الحماية البريطانية على الكويت)) وتُعرف المعاهدة الجديدة، بين الكويت وبريطانيا، باتفاقية "التشاور"، بينما وصفها العراق باتفاقية "المساعدة".

        هكذا، وبتبادل الرسائل، في 19 يونيه 1961، بين حاكم الكويت، والمقيم السياسي البريطاني في الخليج، نيابة عن حكومة صاحبة الجلالة، الملكة اليزابيث الثانية Elizabeth II ، ملكة بريطانيا، حصلت الكويت على استقلالها التام. وفي اليوم التالي، 20 يونيه 1960، ألقى أمير الكويت خطاباً، عبْر الإذاعة، هنأ فيه الشعب الكويتي بالاستقلال، ثم قال: "ولا يفوتني، هنا، أن أنوّه بالروح الطيّبة، التي سادت المباحثات. وأن أسجل للجانب البريطاني، الصديق، ما تحلى به من رحابة الصدر، وحُسن التفهم للأمور، والرغبة الصادقة في التفاهم، مما جعل الوصول إلى الغاية المنشودة، في سهولة ويسر، مؤكداً ومضموناً، منذ البداية".

        في 21 يونيه 1961، أُرسلت اتفاقية التشاور إلى نيويورك، لتسجيلها في الأمم المتحدة، كاتفاقية ومعاهدة بين الكويت وبريطانيا. وبدأت الكويت، من الفور، تمارس سيادتها، فطلبت، في 23 يونيه 1961، الانضمام إلى كلٍّ من جامعة الدول العربية، والأمم المتحدة.

ثانياً: الدوافع والعوامل البريطانية، لإنهاء الحماية على الكويت

    حمل بريطانيا على إنهاء حمايتها للكويت، بعد 62 عاماً، مجموعة من المتغيرات، الاقتصادية والإستراتيجية والنفسية، التي من أجْلها عُقدت معاهدة الحماية في 23 يناير 1899.

1. دوافع الاقتصادية

    تلخص أهم العوامل الاقتصادية، التي دفعت بريطانيا إلى قبول استقلال الكويت، فيما يلي:

أ. انعدام الأهمية الاقتصادية لاحتكار صيد اللؤلؤ من الخليج، نتيجة لازدياد قيمة اللؤلؤ الصناعي.

ب. تراجع أهمية احتكار بريطانيا لتصدير السلاح، بدخول أطراف أكثر منها قوة وقدرة إلى السوق.

ج. ظهور النفط كان من أهم العوامل، التي أدّت إلى سرعة إعلان بريطانيا استقلال الكويت، وعدم تمسكها بها. فلقد أدركت لندن أهمية التغيرات، التي طرأت على دول الخليج، ومنها الكويت. وأصبح لزاماً عليها أن تغيّر أسلوب تعاملها مع حكام تلك الدول. فعملت على أن تكون الشركات البريطانية حائزة عقوداً احتكارية، وامتيازات، في هذا المجال، لفترات مستقبلية طويلة. مما يحقق أهدافها تحقيقاً أفضل مما لو كانت موجودة وجوداً مباشراً، ويؤمن سيطرتها على المنطقة، خاصة أن حركات التحرر الوطني رافضة لهذا الوجود، أي أن بريطانيا، فضّلت أن تمارس أسلوب الاستعمار غير المباشر، أو الاستعمار الاقتصادي.

2. العوامل الإستراتيجية

    وقد تمثلت فيما يلي:

أ. فقْد الخليج، إثر استقلال باكستان في 14 أغسطس 1947، والهند في 15 أغسطس 1947، أهميته التقليدية، المنبثقة من كونه خط الدفاع الأمامي، بالنسبة إلى إمبراطورية بريطانيا السابقة في الهند.

ب. قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة، الرقم 1514، في 14 ديسمبر 1960، بإعلان منح الاستقلال للبلدان والشعوب المستعمرة، وذلك نتيجة للعدوان الثلاثي على مصر، عام 1956[1]. (أُنظر وثيقة قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة 1514، في 14 ديسمبر 1960 بإعلان منح الاستقلال للبلاد والشعوب المستعمرة)  

ج. ازدياد النفوذ الدولي المنافس لبريطانيا، في الخليج العربي، من قِبَل ألمانيا والاتحاد السوفيتي وفرنسا والولايات المتحدة الأمريكية، نظراً إلى تدهور مركز بريطانيا، وعدم قدرتها على تحمل مسؤوليتها في المنطقة، أو حمايتها.

د. ازدياد حركات التحرر الوطني المناهضة للوجود البريطاني في المنطقة.

3. الدوافع النفسية

    وأهمها:

أ. الاقتناع بأن اتفاقية عام 1899، تتعارض مع مسؤولية الكويت عن شؤون علاقاتها الدولية.

ب. رغبة بريطانيا في الحفاظ على علاقات الود والصداقة، ضماناً لمصالحها، مع الأسرة الحاكمة في الكويت.

ج. رغبة بريطانيا في عدم إثارة المشاعر العدائية العربية تجاهها، في المنطقة.

        وهكذا، حاولت بريطانيا، قدر جهدها، أن تجد طريقة تموّه بها وجودها الاستعماري. فمنذ عام 1961، أخذت تمنح بعض إمارات الخليج مظهر الدول المستقلة، للحفاظ على مصالحها في المنطقة، تحت هذا الستار، وقد كانت البداية في 19 يونيه 1961، بإعلان استقلال الكويت.

ثالثاً: موقف العراق من استقلال الكويت

    عقب إعلان ما توصلت إليه الحكومتان، الكويتية والبريطانية، بادر كثير من الدول العربية إلى تأييد تلك الخطوة. إلاّ أن العراق اتخذ موقفاً مختلفاً. فقد أرسل عبدالكريم قاسم، رئيس الحكومة العراقية[2]، برقية تهنئة، في 20 يونيه 1961 (أُنظر وثيقة برقية عبدالكريم قاسم، رئيس وزراء العراق إلى الشيخ عبدالله السالم الصباح، حاكم الكويت في 20 يونيه 1961 يهنئه فيها باستقلال الكويت) إلى شيخ الكويت، صيغت بطريقة لم يتم فيها الإشارة إلى استقلال الكويت، وإنما عمد إلى إثارة "المطالب التاريخية" للعراق في الكويت. إذ تضمنت البرقية ترحيب العراق بإلغاء اتفاقية 1899، على أساس أنها اتفاقية غير شرعية، عُقدت من دون علم الدولة العثمانية، التي كانت الكويت تابعة لها، وأن الذي عقد هذه ا لاتفاقية، هو الشيخ مبارك بن صباح، قائمقام الكويت، التابع لولاية البصرة. وفي نهاية البرقية، حذر عبدالكريم قاسم شيخ الكويت، من تقبّل استعمار جديد.

    ولم يلبث أن اتضح الموقف العراقي، حين عقد عبدالكريم قاسم مؤتمراً صحفياً، في مقره الدائم، في وزارة الدفاع، يوم الأحد 25 يونيه 1961، طالب فيه بضم الكويت إلى العراق، على أساس أنها مقاطعة تابعة للبصرة، بل إنها تشكل جزءاً متكاملاً مع العراق، وبعدم وجود حدود بين البلدَين. وطلب من شيخ الكويت، أن يعاون على إعادة الأمور إلى مجراها الطبيعي. وأعلن أن الجمهورية العراقية، قررت "حماية الشعب العراقي في الكويت"، وأنه في صدد إصدار مرسوم جمهوري بتعيين شيخ الكويت قائمقاماً لقضاء الكويت، الذي سوف يتبع لواء البصرة. وأكد أن لدى الحكومة العراقية من الوثائق التاريخية، ما يثبت تبعية الكويت للبصرة، وأن العراق سيطالب بحقوقه في كل شبر من الأراضي، التي انتزعها المستعمر. وكان هذا تلميحاً إلى المطالبة بمناطق أخرى، جنوب الكويت، كالأحساء، وقطر. كما صرح بأن الجمهورية العراقية، لن تتنازل، قيد أنملة، عن أي قطعة من أرض الكويت، مؤكداً أنه عندما يصرح بذلك، فإن له القدرة التامة على تنفيذ ما يقوله.

    وقبْل هذا المؤتمر الصحفي، كان مجلس الوزراء العراقي، قد عقد عدة جلسات، بحث خلالها مسألة الكويت، والطريقة التي يجب اتّباعها، لإعادتها إلى الوطن الأم. وظهر في مجلس الوزراء رأيان:

الأول: ويمثله العسكريون، وعلى رأسهم عبدالكريم قاسم. وكانوا يرون أن الكويت لن تعود، إلاّ من طريق الحل العسكري، باحتلال الكويت، وإعلان ضمها إلى العراق.

الثاني: ويمثله المدنيون، ويؤكدون ضرورة اتّباع السُبل الدبلوماسية، لضم الكويت. وكان من أشد أنصار هذا الرأي، وزير الخارجية العراقي، هاشم جواد، إذ أوضح أن السُبل الدبلوماسية، هي أسهل الوسائل وأضمنها لعودة الكويت، ولا حاجة إلى التدخل العسكري. كما أكد أنه يستطيع أن يحصل على تأييد 70% من دول العالم. وبعد مناقشات طويلة، اقتنع الوزراء العسكريون بوجهة نظر وزير الخارجية. وكذلك اقتنع عبدالكريم قاسم. ولهذا، عُقد المؤتمر الصحفي، من دون أي تحرك عسكري.

    وفي 26 يونيه، استدعت وزارة الخارجية العراقية الممثلين الدبلوماسيين لدى بغداد، وسلمت إليهم مذكرة رسمية، تؤكد فيها، أن الكويت جزء لا يتجزأ من العراق.(أُنظر وثيقة مذكرة الحكومة العراقية التي وزعت على سفراء الدول، العربية والأجنبية، لدى بغداد في 26 يونيه 1961، والتي طالب فيها عبدالكريم قاسم بضم الكويت) كما وزّعت مذكرات رسمية، من طريق سفارتها في القاهرة، على الدول الأعضاء في الجامعة العربية، تؤكد فيها، أن المعاهدة التي أبرمتها بريطانيا مع الكويت، في 19 يونيه 1961، لا تستند إلى أُسُس سليمة، وأن بريطانيا تعمل على المحافظة على نفوذها، تحت غطاء منح الاستقلال الشكلي للكويت، الذي تعمدت فيه فصل الكويت عن العراق.

    وبعد أن طالب العراق بضم الكويت، هدّد عبدالكريم قاسم بقطع العلاقات الدبلوماسية بأي دولة، تعترف باستقلال الكويت، أو تتبادل معها التمثيل الدبلوماسي.

    وعلى الرغم من ردود الفعل، الرافضة للدعاوى العراقية من قِبَل الدول العربية، ومن قِبَل دول أخرى، كبريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية، فإن العراق استمر في دعواه، مطالباً بضم الكويت إلى العراق، ومعلناً قرب القضاء على الاستعمار وأعوانه في الكويت، وقرب استرداد "القضاء العربي السليب". بل إنه أخذ يهدد بأنه سوف يشعل "حرباً ضروساً في الشرق الأوسط، إذا لم تضم الكويت إلى العراق". وتحولت أقوال عبدالكريم قاسم إلى أفعال وسلوك عدائي، حينما استولت القوات العراقية على 10 سفن كويتية، أثناء رسوّها في ميناء البصرة العراقي. كما أصدرت الحكومة العراقية قراراً بتجميد أموال الكويتيين في المصارف العراقية. بل نفّذ العراق تهديده بإعادة النظر في علاقاته الدبلوماسية بالدول، التي تعترف بالكويت، وتنشئ علاقات دبلوماسية بها. فقطع علاقاته بلبنان، والولايات المتحدة الأمريكية، وإيران، والأردن، واليابان، وتونس. كما رفض مبدأ الاستفتاء في الكويت، مدعياً أن أغلبية سكانها من الباكستانيين والإيرانيين والأجانب، مؤيدين للشيخ عبدالله السالم.

رابعاً: الادعاءات العراقية بأحقيته في تبعية الكويت له

    فشل العراق، خلال الفترة من 19 يونيه 1961 إلى 8 فبراير 1963، في أن يقنع المجتمع الدولي بادعاءاته في شأن الكويت. ومن دراسة التصريحات والبيانات والخطب العراقية العديدة، التي نشرت، خلال هذه الأزمة، يتضح أن المطالب العراقية، استندت، إلى جانب الادعاءات التاريخية، إلى بعض المبررات، ومن بينها:

1. رغبة العراق في توصيل المياه العذبة إلى الكويت. ومن ثَم، شدّد هجومه على حكام الكويت، لاستخدامهم محطات تحلية مياه الخليج، للحصول على مياه الشرب، مما حقّق للشركات الأجنبية مكاسب طائلة، نتيجة بيع آلات التقطير، بينما نقْل المياه من شط العرب إلى الكويت، هو أقلّ نفقة وأكثر نفعاً، من وجهة نظر العراق.

2. محاولة العراق، أن يقنع العالم العربي، بأنه يحمل اتجاهات تقدمية، من بينها أن من واجبه إنقاذ الشعوب العربية، وفي مقدمتها  شعب الكويت من مستغلّي مواردها.

3. ترديد العراق، أن كلمة "الكويت"، كلمة لا تستخدم إلاّ في العراق، ولا تزال تطلق على الكثير من المواقع فيه، مثل "كوت العمارة"، و "كوت الزين"، وغيرهما.

4.     تبرير العراق دعوته إلى ضم الكويت، بأنه لا يمكِن التفريق بين أهالي الكويت، والبصرة، والزبير، بحكم الصِّلات اليومية، والمصاهرات القائمة بينهم، وأنه إذا ما اجتمع أهالي البصرة والكويت، فلا يستطيع أحد أن يفرق بينهما. وعلى الرغم من تركيز عبدالكريم قاسم في تلك الروابط، إلاّ أنه أعلن رفضه لمبدأ الاستفتاء الشعبي في الكويت، متعللاً أن أغلبية سكان الكويت من العناصر الوافدة.

5. ركز العراق، في تبريره للدعوة إلى ضم الكويت، في أن أهالي الكويت، يرغبون، بل     يطالبون، بالعودة إلى وطنهم الأصلي العراق.

    وعلى الرغم من أن الأزمة، التي أثارها عبدالكريم قاسم، لم تتجاوز البُعد الإعلامي، فإن هناك مَن يرى أنه كان يفكر، فعلاً، في غزو الكويت، ولم يحُل دون ذلك سوى المشكلات الداخلية العديدة، التي أخذ يواجهها. إذ اندلعت الثورة الكردية، في الشمال، واتخذت شكلاً أقرب ما يكون إلى الحرب الأهلية، مما لم يترك له فرصة للاعتداء على الكويت.

خامساً: دوافع عبدالكريم قاسم

    على الرغم من مضيّ عدة عقود على وقوع تلك الأزمة، إلاّ أنه لم تتكشف، حتى وقتنا الحاضر، الدوافع الرئيسية، المحركة لعبدالكريم قاسم، للمطالبة بضم الكويت، على الرغم من إدراكه استحالة تنفيذ ذلك، بحكم المعارضة، العربية والدولية، فضلاً عن معارضة الشعب الكويتي، الذي حصل على استقلاله، وهو يتشبث به. ومع ذلك، فقد ركز كثير من الباحثين في الدافع الاقتصادي، وأن الثروة النفطية الضخمة، التي تفجرت في الكويت، أغرت العراق بمحاولة ضمها إليه، أو على الأقل، الاستفادة من القروض والمنح، التي يمكن أن تقدمها الكويت له. لذا، فالدافع الاقتصادي قد يكون سبباً رئيسياً في نشوب العديد من الأزمات.

    كما ترتبط الأزمة، التي افتعلها عبدالكريم قاسم بحالته النفسية، وهي ظاهرة وضحت في العديد من تصرفاته السياسية، حتى أصبح يُعَدّ واحداً من أكثر الشخصيات غموضاً في السياسة العربية المعاصرة.

    واللافت للنظر، أن سياسة العراق خلال تلك الأزمة، قد تناقضت مع سياسته إزاء الكويت، قبْل الأزمة، إذ كان يعامل الكويت كدولة مستقلة، حتى قبل أن تلغي اتفاقية 1899 مع بريطانيا. وظهر ذلك واضحاً في جوازات السفر، وإجراءات الجمارك بين البلدَين، وفي كتب التاريخ والجغرافيا، في معاهد التعليم العراقية، وهي تشير إلى تاريخ الدول المجاورة للعراق، ومنها الكويت، وإلى الخرائط الجغرافية، التي تضمنت خط الحدود الفاصل بين البلدَين.

    وقد اختلفت الآراء في أسباب مسلك رئيس الوزراء العراقي، عبدالكريم قاسم، وحكومته، تجاه الكويت، والتي تمثلت في الآتي:

1. هناك فريق، يرجع السبب إلى الظروف والعوامل الداخلية، التي كان يمر بها العراق وحكومته، في تلك الفترة. ومن هذه العوامل، تزايد الصراع العلني، بين بغداد والأكراد، الذي أدى إلى قيام عبدالكريم قاسم، باستقدام الملاّ مصطفى البرازاني، من الاتحاد السوفيتي، في 5 أكتوبر 1958، إلى العراق، بعد أن ظل لاجئاً سياسياً، لمدة 11 سنة، لتهدئة الأوضاع. إلاّ أن ذلك لم يكن كافياً لإنهاء هذا الصراع. فقد كان الأكراد يحاولون الحصول على ما أسموه بمعاملة أعدل، وكان استياؤهم راجعاً إلى مماطلة الحكومة المركزية، وعدم استعدادها لمنحهم الاستقلال الذاتي، الذي وعدتهم به، والمذكور في مواد الدستور العراقي المؤقت، الصادر في خريف 1958. كما أن إخفاق مشروع الإصلاح الزراعي، وحظر زراعة الطُّبًّاق في المنطقة الكردية، وقوانين الضرائب الجديدة، ونقْل الموظفين الأكراد إلى مناطق  أخرى في العراق، كانت من العوامل التي ساعدت على إثارة الأكراد، ودفعتهم إلى ثورة في الشمال، أُبيد فيها فصائل عراقية عن آخرها، بين الجبال والتلال، واستولى الثوار على مناطق كاملة، بمدنها وقراها، وفصلوها عن بقية مناطق العراق. وقد تزامنت هذه الأحداث مع التحرك العراقي، نحو المطالبة بضم الكويت. فأراد عبدالكريم قاسم إيجاد حل سريع لتغطية الموقف المتدهور في الشمال، والذي أصبح حديث الشعب العراقي كله. وكان الحل، في رأيه، هو فتح "جبهة التغطية"، لتحويل أنظار الشعب العراقي إلى الخارج، بما يؤدي إلى تماسك الجبهة الداخلية، فأصدر الأوامر إلى بعض القوات الموالية له، بالتحرك صوب حدود الكويت، والاحتشاد قربها. ورافق هذا الأمر تهديدات وإنذارات من عبدالكريم قاسم، ووزير خارجيته، هاشم جواد، لشغل الرأي العام العراقي، بإثارة المشاعر القومية، وتوجيهها نحو النزعة التوسعية الإقليمية.

2. وثمة فريق ثانٍ، يرى أن عبدالكريم قاسم، كان مدفوعاً إلى التهديد بغزو الكويت من جانب بريطانيا، حتى تقضي على المعارضة، التي أثيرت في شأن اتفاقية المساعدة (التشاور)، التي وقعتها مع الكويت، في 19 يونيه 1961. ويدللون على ذلك، بسرعة الإنزال البريطاني للقوات في الكويت، إذ إن الأمر كان مدبراً، وأن السلطات العسكرية البريطانية، كانت على علم مسبق بهذه الأزمة، وأرادت بريطانيا أن تتخذ منها مثالاً لردع أي حاكم من حكام الخليج، إذا ما فكر في المطالبة بالاستقلال، تحت تهديد العراق، أو إيران، أو المملكة العربية السعودية. كما تضمن، بذلك، سكوت الكويت عن المطالبة بسحب أرصدتها المجمدة، بعد استقلالها عن بريطانيا.

3. فضلاً عن فريق ثالث، يرجع السبب إلى طموحات عبدالكريم قاسم وأطماعه في ثروة الكويت ونفطها. وإذا لم يستطع تنفيذ مشروعه في الحصول على ثروة الكويت، فعلى الأقل، يمكنه الاستفادة من القروض الكويتية، التي يمكن أن تقدمها الكويت، نتيجة ضغطه عليها. وعلى كلٍّ، فقد كان قاسم يأمل أنه لدى دعوته إلى ضم الكويت، ستقوم ثورة شعبية فيها، تتولى عملية الاندماج بين الدولتَين.

4. إضافة إلى فريق رابع، يرى أن الهدف الحقيقي للعراق، لم يكن ضم الكويت، ولكن منعها من الارتباط بالمملكة العربية السعودية، أو الوصول إلى عقد أي اتحاد معها.

    وأيّاً ما كان الأمر، فإن دعوة عبدالكريم قاسم، إلى ضم الكويت إلى العراق، لم يكتب لها النجاح، لأنها قامت على دعاوى تاريخية، تخفي وراءها دوافع مصلحية، تُحِل مبدأ الضم محل منطق الوحدة، فعدّها كثير من المؤرخين دعوة توسعية، على أساس إقليمي، مجرد من المفهوم الوحدوي، بوجهته القومية الصحيحة.

سادساً: الموقف العراقي من الدول المؤيدة للكويت

    بعد أن هدّد عبدالكريم قاسم بقطع العلاقات الدبلوماسية بأي دولة، تعترف باستقلال الكويت، أو تتبادل معها التمثيل الدبلوماسي، ونفّذ تهديده، بالفعل، حيال بعض الدول العربية والأجنبية، إذا به ينسحب من جامعة الدول العربية، على إثر قبولها عضوية الكويت، في 20 يوليه 1961، وانضمامها إلى معاهدة الدفاع المشترك. وقد عمدت السلطات العراقية إلى عدة إجراءات. منها، تعديل الخريطة السياسية للعراق، لتضم الكويت، ومنع قبول تأشيرات السفر إلى العراق، الصادرة عن حكومة الكويت. وتبع ذلك استمرار سحبها لجميع البعثات الدبلوماسية من العواصم، العربية والأجنبية، التي استقبلت بعثات دبلوماسية كويتية. وأخذت القائمة تتسع، يوماً بعد يوم، مما وضع العراق في عزلة، عربية ودولية، شديدة.

    وفي الحقيقة، أن كل ما نجح فيه العراق، خلال تلك الفترة، هو تأجيل قبول الكويت في الأمم المتحدة، من خلال مساعدة سوفيتية. وكانت وجهة نظر حكومة موسكو، في طلب هذا التأجيل، أن ذلك من شأنه مساعدة الدول العربية على السعي إلى إيجاد تسوية لخلافاتها. وقد استند العراق، في طلبه من الأمم المتحدة رفض انتساب الكويت إلى المنظمة الدولية، إلى حجج ثلاث:

1. إن الكويت ليست دولة، ولم تكن كذلك، في يوم من الأيام.

2. إنها ظلت دائماً، من الناحية، القانونية والتاريخية، جزءاً لا يتجزأ من العراق.

3. إن الكويت لا تعدو أن تكون مستعمرة بريطانية، مما لا يؤهلها للانضمام إلى المنظمة الدولية.

سابعاً: موقف الأحزاب العراقية من المطالبة بضم الكويت

    كان موقف الأحزاب العراقية متبايناً، إزاء قضية ضم الكويت إلى العراق. فقد أيد الحزب الوطني الديموقراطي مطالبة عبدالكريم قاسم بضم الكويت إلى العراق، على أساس أنها جزء من العراق، فصلها الاستعمار البريطاني عنه، وأقام فيها كياناً شكلياً، لخدمة مصالحه. وعليه، فإن الكويت لا تستوفي مقومات الدولة، وإنها مرتبطة، اجتماعياً واقتصادياً، بالعراق، من طريق البصرة. غير أن الحزب لم يؤيد ضمها، من دون موافقة الدول العربية الأخرى، ورأى في تهديد عبدالكريم قاسم، بقطع العلاقات الدبلوماسية بأي دولة تعترف بالكويت، سياسة غير مجدية، بل متهورة، لأنها تؤدي إلى عزل العراق، عربياً ودولياً.

    أمّا الحزب الشيوعي، فكان يعارض الطريقة التي حاول عبدالكريم قاسم اتّباعها، لضم الكويت، ويؤكد أن المسألة الأساسية، آنذاك، هي مسألة تحرير الكويت من الاستعمار، وهي جزء من قضية العرب الكبرى، قضية التحرر العربي، وإن كانت أكثر مساساً بالعراق، نظراً إلى العلاقات الخاصة، التاريخية والاجتماعية والاقتصادية. ولهذا، رأى أنه ينبغي التركيز في هذا الهدف الرئيسي، والمباشر، الذي من شأنه أن يجمع تحت لوائه كل القوى العربية، المعادية للاستعمار، ولا يدع مجالاً لدسائس الاستعمار ضد هذه القضية العادلة، وضد التضامن العربي.

    ولم يصدِر حزب البعث العربي الاشتراكي، في العراق، بياناً حول الموضوع. وقد فسّر موقفه علي صالح السعدي، نائب أمين سر الحزب، بقوله: "إن أسلوب عبدالكريم قاسم الدعائي، في المطالبة بالكويت، جعل القوى والأحزاب القومية، ترى في دعوته هذه، أنها مجرد ضم إقليمي، لأن الوحدة لا تتحقق إلاّ بالأسلوب الشعبي، وبالاستناد إلى الجماهير.

    كما استنكرت الأحزاب والقوى القومية الأخرى، مطالبة عبدالكريم قاسم بالكويت، بكون دوافعها إقليمية وشخصية، يراد بها بعث الروح في حكمه الموشك على الانهيار. وأصدرت حركة القوميين العرب بياناً، في 10 يوليه 1961، في هذا الشأن، جاء فيه: "إن لهذه الدعوة، في جوهرها، دوافع إقليمية وشخصية، كان النضال العربي قد لفظها، منذ زمن طويل، وأن هذا الادعاء لا يمت إلى دعوة الوحدة العربية بصِلة".

    أمّا الرابطة القومية في العراق، فإنها أصدرت بياناً، أكدت فيه "إن عبدالكريم قاسم، في دعوته هذه، قد نفّذ رغبة الاستعمار الإنجليزي، وعبّر عن أمانيه وأطماعه أصدق تعبير، عند مناداته بضم الكويت، جبراً، وبالقوة، إلى العراق، حتى يمكننا أن نقول إن السفير البريطاني في بغداد، قد لقنه حتى الكلمات، التي قالها في المؤتمر الصحفي، الذي عقده في وزارة الدفاع.

    وأضاف بيان الرابطة القومية، أن الآثار المترتبة على ذلك، هي:

1. عودة القوات البريطانية إلى الخليج العربي، ووقوفها في وجه تيار التحرر العربي في المنطقة.

2. تخوف جميع أمراء الخليج ومشايخه من المطالبة بالاستقلال والسيادة، ذلك لأن تخليهم عن الاستعمار، سيؤدي، في النهاية، إلى ابتلاعهم، بالقوة، من قِبل أي دولة عربية مجاورة.

3. تجديد الخلافات، وتوسيع شُقة الخلاف بين الدول العربية، نتيجة لهذه المشكلة.

4. محاولة عبدالكريم قاسم، أن يشغل، بدعوته، شعب العراق عن جرائمه في الداخل.

ثامناً: رد فعل الكويت على الادعاءات العراقية

    كان لقرار عبدالكريم قاسم، وحكومته، ضم الكويت إلى العراق، رد فعل سريع في الكويت، تجلّت مظاهره في الآتي:

1. في 26 يونيه 1961، أصدرت حكومة الكويت بياناً، ردت فيه على ما ورد في المؤتمر، وأعلنت فيه استنكارها قرار عبدالكريم قاسم، وتصميمها على الدفاع عن أراضيها وكيانها، كدولة عربية مستقلة. وجاء في البيان: "أوردت بعض وكالات الأنباء، كما أذاعت محطة الإذاعة من بغداد، تقارير عن المؤتمر الصحافي، الذي عقده اللواء عبدالكريم قاسم في 25 يونيه 1961، والذي طالب فيه بدولة الكويت، فإذا صحت هذه التقارير فإن حكومة الكويت تعلن أن الكويت دولة عربية مستقلة، ذات سيادة كاملة، معترف بها دولياً. وإن حكومة الكويت، ومن ورائها شعب الكويت بأسْره، مصممة على الدفاع عن استقلال الكويت وحمايته. وإن حكومة الكويت، إذ تعلن ذلك، لواثقة تماماً، أن جميع الدول الصديقة، المحبة للسلام، ولا سيما الدول العربية الشقيقة، ستساندها في المحافظة على استقلالها". وقد شفعت حكومة الكويت بيانها بإعلان حالة الطوارئ، ووضعت قواتها على الحدود المتاخمة للعراق، على أثر تحرك القوات العراقية، قرب الحدود الكويتية، حيث احتشدت، مع اتخاذها استعدادات واسعة. (أُنظر وثيقة بيان الحكومة الكويتية في 26 يونيه رداً على ما ورد في المؤتمر الصحفي، الذي عقدة رئيس الوزراء العراقي، عبدالكريم قاسم في 25 يونيه 1961)   

2. في الوقت نفسه، دخلت حكومة الكويت في مشاورات سرية عاجلة مع بريطانيا، لبحث الموقف الناشىء عن قرار عبدالكريم قاسم. وقد جرت هذه المشاورات بين الشيخ عبدالله السالم الصباح، والسير جون ريتشموند، ممثل بريطانيا في الكويت.

3. أكدت الحكومة الكويتية، في بيان آخر، أصدرته في 29 يونيه 1961: "أن الادعاءات العراقية، لا ترتكز على أي أساس من الصحة التاريخية. وإن دلت على شيء، فقد دلت على مغالطات في التاريخ والواقع. كما أسفرت عن مطامع إقليمية غير مشروعة.

4. وفي يوم 30 يونيه 1961، صدر بيان عن مجلس الكويت الأعلى، يشرح فيه للشعب الكويتي، أسباب طلب الكويت المعونة العسكرية من المملكة العربية السعودية وبريطانيا، جاء فيه: "إن أمير الكويت أبرق إلى الملك سعود، ملك المملكة العربية السعودية، يخبره بالتهديد العراقي بضم الكويت، وعن الغزو المتوقع من العراق، وإن الملك سعود استجاب، من الفور، وأمر بإرسال قوات عسكرية لمساعدة الكويت استناداً على اتفاقية الدفاع المشترك، التي سبق عقدها بين البلدين في يوليه 1947". ومضى البيـان يقـول: "إنه بالنظر إلى الموقف الذي وضعنا قاسم فيه ـ مجبرين، لا مختارين ـ فإن أمير الكويت، طلب المساعدة العسكرية من حكومة المملكة المتحدة، التي لبت الطلب، على الفور، وأرسلت قواتها لمساعدة جيش الكويت في دفاعه عن الوطن، وإن هذه القوات ستنسحب، حالما تنتهي الأزمة".

5. يرجع سبب وصول القوات البريطانية إلى الكويت، بهذه السرعة، إلى الخطاب، الذي سلمه الشيخ عبدالله السالم الصباح إلى السير جون ريتشموند، ممثل بريطانيا في الكويت، طالباً فيه معاونة الحكومة البريطانية، وإلى المشاورات العاجلة بينهما، لبحث الإجراءات، التي يجب اتخاذها لمواجهة قرار حكومة العراق، خاصة بعد إغلاق الكويت حدودها معه، والتي ترتب عليها، وصول قوات المظلات البريطانية، الموجودة في قاعدة البحرين، إلى الكويت. كما أرجأت القوات البريطانية، ووحدات الأسطول البريطاني، رحيلها عن الكويت، بعض الوقت، إذ إن قرار عبدالكريم قاسم، جاء في اللحظة عينها، التي كان فيها الأسطول البريطاني يتأهب للجلاء عن الكويت، على أثر إعلان استقلالها.

6. أصدرت الحكومة الكويتية كتاباً بعنوان: "حقيقة الأزمة بين الكويت والعراق". أوردت فيه مجموعة من الوثائق الرسمية، الصادرة عن حكومة العراق نفسها، في أوقات مختلفة، وبعضها يحمل توقيع عبدالكريم قاسم، وأخرى تحمل توقيع وزير خارجيته، هاشم جواد. ومثال ذلك، رسالته إلى شيخ الكويت، في 19 ديسمبر 1958، (أُنظر وثيقة نص رسالة وزير خارجية العراق، هاشم جواد إلى الشيخ عبدالله السالم الصباح، أمير الكويت في 29 ديسمبر 1958، يطلب فيها فتح قنصلية عراقية في الكويت) يطلب فيها فتح قنصلية عراقية في الكويت. وكلها مراسلات تنطوي على اعتراف ضمني باستقلال الكويت، إلى جانب مراسلات أخرى، تضمنت رغبة العراق في توسيع مجالات التعاون، الاقتصادي والثقافي، بين البلدَين، وبيانات  مشتركة بينهما. كما أن العراق أيّد طلب الكويت الانضمام إلى عدة منظمات، دولية وعربية، استكمالاً لشخصيتها الدولية.

7. أحاط الشيخ عبدالله السالم الصباح، كذلك، الدول العربية عِلماً، بموقف عبدالكريم قاسم من استقلال الكويت. وكذلك، أُعلمت جامعة الدول العربية، والأمم المتحدة، بالتهديد العراقي.

    وقد لجأت الكويت إلى ذلك، لأن المسؤولين الكويتيين وجموع الشعب، أُخذوا على حين غرة من أمرهم، عندما أعلن العراق أن استقلال الكويت مزيف، ووجدوا أنفسهم غير قادرين، وغير مستعدين، على الإطلاق، لمواجهة القوة العسكرية العراقية المتحفزة، والتهديدات العلنية الواضحة. وفي حقيقة الأمر، أن الكويت، كانت تملك جيشاً صغيراً، يراوح قوامه بين ألفين وثلاثة آلاف جندي فقط، إضافة إلى 12 طائرة، أربعة منها عمودية. في حين كان لدى العراق جيش، قوامه أكثر من 60 ألف جندي، ومعدات وأسلحة وطائرات مقاتلة سوفيتية حديثة. وفي ظل هذه الأوضاع، أصبح هدف الكويت الرئيسي، والأساسي، هو الدفاع عن النفس، أمام التهديدات العراقية.



[1] الجمعية العامة للأمم المتحدة، وثائق الدورة الرقم 15، الجلسة الرقم 947، في 14 ديسمبر 1960

[2] قبل ثورة 14 يوليه 1958، عقدت اللجنة العليا للضباط الأحرار اجتماعَين، يومَي الأول والرابع من يوليه، لبحث تعيين الأشخاص لتولي المناصب المهمة بعد نجاح الثورة، ولكنهم فشلوا في ذلك. وبناءً على ذلك، انفرد عبدالكريم قاسم، وعبدالسلام عارف، وعبداللطيف الدارجي، في اجتماع لهم في 11 يوليه، بوضع أسماء أعضاء مجلس السيادة، والوزارة الأولى للثورة، ورشح كلٌّ من: الفريق محمد نجيب الربيعي، لرئاسة المجلس، والعقيد خالد النقشبندي، ممثلاً عن القومية الكردية، والشيخ محمد مهدي كبة، زعيم حزب الاستقلال، لكونه من الطائفة الشيعية، ومن زعماء الحركة الوطنية. وقد قصد من تعيين هذا المجلس تفويت الفرصة، على أعضاء اللجنة العليا للضباط، لتشكيل مجلس قيادة الثورة. وبعد نجاح الثورة، أُسندت المناصب المهمة إلى العسكريين، فعُهد إلى عبدالكريم قاسم برئاسة الوزارة، ووزارة الدفاع، وعبدالسلام عارف، بنيابة رئيس الوزراء، ووزارة الداخلية. ومنذ ذلك الوقت، أُطلق على عبدالكريم قاسم لقب رئيس الوزراء العراقي، بوصفه رئيساً للحكومة العراقية. وبعد نجاح الثورة 8 فبراير 1963، تولى عبدالسلام عارف الحكم، ولُقب بالرئيس العراقي.