إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / العراق والكويت، الجذور ... الغزو ... التحرير / بوادر الأزمة العراقية ـ الكويتية وتطورها (1988 ـ 1990)




أمير الكويت، وصدام حسين
الملك فهد، والرئيس صدام
الرئيس صدام، والملك فهد





المبحث الثاني

ثالثاً: التصعيد العراقي للأزمة مع الغرب، وإسرائيل ورد الفعل

    وردا على الاتهامات البريطانية، والتهديدات الإسرائيلية، بالهجوم على العراق، ألقى الرئيس صدام حسين خطاباً سياسياً مهماً، يوم الإثنين، الثاني من أبريل 1990، في حفل تكريم كبار القادة العسكريين العراقيين، بثته الإذاعة والتليفزيون. وقال: "إننا سنرد على إسرائيل، إذا استعملت ضدنا أسلحة نووية". ثم أقسم أنه "إذا تعرض العراق لهجوم نووي إسرائيلي، فإنه سيستعمل أسلحة متطورة، تحرق بالنار نصف إسرائيل".(أنُظر وثيقة حديث الرئيس صدام حسين، أمام قادة وضباط القيادة العامة للقوات المسلحة العراقية في يوم الإثنين، الثاني من أبريل 1990 في مناسبة تقليده بعض رجال القادة والضباط الأوسمة والنياشين والذي هدد فيه بحرق نصف إسرائيل)

    فقد كان الخطاب إنذاراً، واضحاً، ومباشراً، لإسرائيل، أن العراق سيجعل النار تأكل نصفها، إذا حاولت الاعتداء على المنشآت، العسكرية[4]. والصناعية، العراقية. وأعلن أن العراق، يمتلك السلاح الكيماوي المزدوج (النيترون)، الذي يملكه الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة الأمريكية فقط. وقال إن من يضرب العراق بالأسلحة الذرية، سيضربه العراق بالسلاح الكيماوي المزدوج[5]. وأضاف أن العراق، لا يخاف إلاّ من الله. وأن الدبّور، الذي يعتدي، سيقطع العراق رأسه وذنبه. وأن أي جاسوس، يمر بالعراق، ويتصور أن خلفه دولة عظمى، سيجري تقطيعه إلى أربعة أجزاء، لأن العراق لأبنائه، وللعرب، ولمن يدخله صديقاً مسالماً، أيّاً كانت جنسيته.

    وفي إشارة إلى الادعاءات البريطانية، وقف الرئيس العراقي، وقد وضع أمامه، على المنصة، مجموعة من أجهزة "الكريتون"، قائلاً: "إنها أجهزة بريئة، تستعمل في بعض الصناعات البتروكيماوية، وإن العراق ينتجها، فعلاً، ولا يحتاج أن يستوردها من الخارج"، وأضاف: "إن القصة كلها ملفّقة، بتنسيق بين مكتب التحقيقات الفيدرالي الأمريكي (FB5I) وإدارة الاستخبارات البريطانية، وإن الهدف منها هي التشهير بالعراق".

    وطالب الرئيس العراقي، في خطابه، باعتماد اليقظة، لأن المحاولات المعادية للعراق، لم تتوقف، على الرغم من انتصاره على إيران، في حرب ومؤامرة، لن يتكرر مثلها في التاريخ الحديث؛ ولأن قذف النار على العراق، لم يتوقف، بهدف تعويقه عن مسار التقدم والقوة. ونبّه على أن اللاعبين الكبار، هم الذين يلعبون، الآن، مباشرة، ضد العراق كونه قادراً على حماية نفسه، والدفاع عن الأمة العربية، إذا تعرضت للعدوان الخارجي.

    وشن الرئيس العراقي هجوماً شديداً على الولايات المتحدة الأمريكية، وقال إنها دولة عظمى، بالمقاييس المادية، وليس بالمقاييس الأخلاقية. وقال مهدداً: "الذي يريد أن يحتل موانئ جنوب العراق، فليجرب". وذلك إشارة إلى الأساطيل الأمريكية، الموجودة في مياه الخليج.

    وسريعاً ما تفاعل حديث الرئيس صدام حسين، في الأوساط، السياسية والعسكرية والإستراتيجية، للدول، الغربية والإقليمية والعربية. وقد أفلح التهديد العراقي اللفظي بحرق إسرائيل بالأسلحة الكيماوية، في استثارة ردود فعل مضادة. ومن الطبيعي، أن يُحدث دوياً هائلاً على المستوى العالمي، خاصة في الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا؛ وعلى المستوى الإقليمي، داخل إسرائيل؛ وعلى المستوى العربي. فالحديث يشكل نقطة تحوّل في الخريطة، السياسية والإستراتيجية، لمنطقة الشرق الأوسط، والصراع العربي ـ الإسرائيلي. والسلاح الجديد، الذي تحدث عنه الرئيس صدام حسين، مكّنه من التمتع بالقدرة على ممارسة إستراتيجية الردع والردع المضاد، معتمداً على أسلحة، لا تقلّ عن السلاح النووي، الذي تمتلكه إسرائيل، طاقة تدميرية فتاكة. وهي تندرج تحت فئة ما يُعرف باسم "أسلحة الدمار الشامل" التي يُقصد بها، تحديداً، الذخائر، النووية والبيولوجية والكيماوية.

1. ردود الفعل على المستوى الدولي

أ. ففي الولايات المتحدة الأمريكية، وصلت مقتطفات من خطاب الرئيس العراقي إلى مكتب جون كيلي، مساعد وزير الخارجية لشؤون الشرق الأوسط،، في اليوم نفسه. فقرأها عدة مرات. وفي كل مرة، كان يمتلكه شعور بالذهول لقسوة لهجة الخطاب وعنفها؛ إن الرجل نفسه، الذي وجه إلى الرئيس العراقي، منذ شهرين، أقوالاً مفعمة بالود والاعتدال، انتقل في الحال إلى مكتب "دنيس روس Dennis Ross "، مدير التخطيط السياسي، الواقع في أحد الطوابق العليا من بناء وزارة الخارجية، بعد أن رأى ضرورة ردة فعل سريعة، ومحددة، تعبّر عن رفض الولايات المتحدة الأمريكية السماح بتهديدات من هذا النوع. انتقل جون كيلي إلى مكتب جيمس بيكر، وزير الخارجية، الواقع في الطابق السابع، حيث اقترح عليه "إرسال إشارة واضحة إلى بغداد، وتنفيذ عدد من العقوبات الاقتصادية". وافق جيمس بيكر على مبدأ العقوبات، وعلى الاقتراحات المقدمة إليه وهي ثلاثة، بالتحديد:

(1)  رفض منح القروض الميسرة لمصرف العراق للتصدير والاستيراد.

(2)  إلغاء برنامج القروض الميسرة، المتعلق بعدد من الإجراءات، التي تسمح بتمويل مشتريات بغداد من القمح الأمريكي.

(3)  تبنّي وتنفيذ قرارات تمنع استيراد السلع، التي يمكن استخدامها عسكرياً، من قِبل نظام صدام حسين.

(4)  كانت الدوائر العليا في إدارة الرئيس بوش، في ذلك الوقت، مشغولة بإعادة توحيد ألمانيا، والإعداد للقمة الجديدة، بين بوش وجورباتشوف. وقد عبّر جورج بوش عن مشاعره تجاه تهديدات صدام حسين، من على متن طائرة الرئاسة، البوينج، التي كانت تنقله من أتلنتا Atlanta، إلى إنديانا بوليس Indianapolis. لقد استخدم بوش في تصريحه كلمات عامة، مبهمة، عكست تردده وحيرته، وبيّنت أن الملف العراقي ليس بين أولوياته: "إنني أرى تلك التصريحات سيئة جداً. وأطلب من العراق، بإلحاح وحزم، أن يصرف النظر عن استخدام الأسلحة الكيماوية. وأظن أن هذا الاستخدام لا يساعد الشرق الأوسط، ولا مصالح العراق الأمنية. وأقول أكثر من ذلك، إنه يؤدي إلى نتائج معاكسة. وأقترح صرف النظر عن كل ما قيل في استخدام الأسلحة، الكيماوية أو البيولوجية".

ب. وفي بريطانيا، راوحت ردود الفعل بين مؤيد ومعارض للعراق. فقد تناولت الجرائد البريطانية حديث الرئيس صدام حسين، باهتمام كبير. وقالت جريدة "إندبندنت" Independent، إن التحذير العراقي، جاء بعد خطة إسرائيلية لضرب المنشآت العراقية. وذكرت جريدة "فايننشيال تايمز" Financial Times، أن الرئيس صدام حسين، جادّ في تحذيره، نظراً إلى المستوى الرفيع، الذي تتحلى به القوات العراقية. وقالت "الدايلي تلجراف"، إن إسرائيل تسعى للحصول على مساعدة واشنطن ولندن، لمواجهة التحدي العراقي، الذي يهدد أمنها. وقالت "الهيرالد تربيون" Herald Tribune الأمريكية، إن بغداد تملك قدرة كبيرة على تصنيع هذا السلاح الفتّاك.

    ومن داخل مجلس اللوردات البريطاني، بدأت المناقشات، لتفهّم الموقف العراقي. فقد قال اللورد ويلانتكينيت، وهو أحد أعضاء المجلس: "إن من حق العراق، أن يدافع عن نفسه، أمام البناء النووي العسكري، الذي أنشأته إسرائيل، منذ عدة سنوات". وذكر ويلانتكينيت، في رسالة بعث بها إلى جريدة "إندبندنت" البريطانية، نشرتها في عددها الصادر يوم الثلاثاء، 3 أبريل 1990، "أنه لو لم تلجأ إسرائيل إلى تحصين نفسها بالسلاح النووي، لما اضطر العراق إلى بناء القدرة الكيماوية لديه...".

ج. وفي ألمانيا، قادت الجرائد الألمانية حملة تشهير مكثفة، ضد العراق، تهاجم امتلاك العراق الأسلحة النووية، وتصفه بأنه يشكل خطراً على أمن المنطقة، وسلامة دولها.

2. ردود الفعل، على المستوى الإقليمي

    في إسرائيل، تواردت التقارير الصحفية، في شأن الذعر والارتباك في صفوف الإسرائيليين. واتسمت ردود فعل المسؤولين، في تل أبيب، بالتخوف الجدي من قدرات العراق الرادعة، وامتلاكه سلاحاً كيماوياً فتاكاً. وكشفت مجلة "نيوزويك" الأمريكية، أن إسرائيل تطور صاروخ أرض/أرض من نوع "أريحا ـ 3"، يمكنه أن يصيب أهدافاً على مسافة ستة آلاف كيلومتر. وأضافت أنها تملك 100 قنبلة نووية، وعشرات الرؤوس الحربية النووية. وذكرت جريدة "معاريف" الإسرائيلية، أن الخبراء العسكريين، يعتقدون أن إسرائيل تستطيع أن تطلق صواريخ متعددة المراحل، يغطي مداها كل الدول العربية.

    وفي اليوم التالي، لتصريح الرئيس العراقي، وفي الساعة الثالثة، بعد ظُهر يوم الثلاثاء، 3 أبريل 1990، أطلقت إسرائيل قمرها الثاني للتجسس (أفق ـ 2)، وأعلنت هذا النبأ إذاعة جيش الدفاع الإسرائيلي. وكان بعض المصادر الغربية، قد أشارت إلى أنه قمر للتجسس العسكري، يغطي الدول العربية.

    فلقد تسبب إعلان العراق، رسمياً، امتلاكه الأسلحة الكمياوية، بحالة ذعر في إسرائيل، إلى درجة أنها أعلنت، للمرة الأولى، (على لسان رئيس وزرائها، إسحاق شامير، في مايو 1990)، أنها مستعدة للانضمام إلى معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية، وأسلحة الدمار الشامل، في الشرق الأوسط. إلاّ أن أريل شارون، رد، منفعلاً، محتجاً على هذه التصريحات، ووصفها بأنها تضع إسرائيل في موقف حرج؛ لأنها إذا تخلت عن السلاح النووي، باتت كمن يجازف بأمنه، خاصة أن العرب، الأعداء، يتفوقون في أعداد المقاتلين.

    وفي يوم 5 أبريل1990، حلّقت طائرة أواكس أمريكية فوق الحدود العراقية مع تركيا. وطلبت الحكومة العراقية تفسيراً من الحكومة الأمريكية، حول الحادث.

3. ردود الفعل على المستوى العربي

أ. ففي الرياض، حاول الملك فهد رأب الصدع، فاتصل بالرئيس صدام، مبدياً خشيته من تصاعد حدَّة الحملات والحملات المضادة. وأثناء الحديث بينهما، اقترح الملك فهد على الرئيس صدام حسين، أن يبعث برسالة مطمئنة إلى كلٍّ من الرئيس جورج بوش، ومارجريت تاتشر، رئيسة وزراء بريطانيا. ووافق الرئيس العراقي، مقترحاً أن يرسل إليه الأمير بندر بن سلطان، سفير المملكة العربية السعودية لدى الولايات المتحدة الأمريكية، ليكون رسوله إلى بوش وتاتشر[6].

    ومن الفور، تلقى الأمير بندر بن سلطان، في واشنطن، مكالمة من الملك فهد، أخبره، خلالها، بما دار بينه وبين صدام حسين، وأمره أن يتولى المهمة. وبالفعل، وصل الأمير بندر، في 5 أبريل إلى مدينة سرسنك، في منطقة الموصل، حيث الرئيس صدام حسين. واجتمع إليه، ودار بينهما حديث طويل، يتلخص في تأكيد: "الرئيس صدام حسين للرئيس بوش، وخادم الحرمَين الشريفَين، الملك فهد، أن العراق لن يهاجم إسرائيل". وفي المقابل، فإن على الأمريكيين، أن يسعوا لدى إسرائيل إلى ضمان عدم مهاجمتها العراق. وطلب الرئيس العراقي من الأمير بندر، أن ينقل هذه الرغبة، على أنها رسالة من الرئيس العراقي إلى الرئيس جورج بوش. كما أكد الرئيس صدام حسين للأمير بندر، أنه ليس لديه أي مخططات تجاه جيرانه. وفهم الأمير بندر أن صدام حسين يعني بالجيران دول الخليج الصغيرة، مثل الإمارات العربية المتحدة والكويت. وبعد مقابلة، استمرت أربع ساعات، غادر الأمير بندر، وأعدّ مذكرة شخصية، من 18 ورقة، يلخص فيها هذه المناقشة مع صدام. كما أبلغ الأمير بندر، الملك فهداً تفاصيل حديثه. وطلب الملك من الأمير، أن يستغل علاقاته الشخصية بالبيت الأبيض، وينقل الرسالة مباشرة إلى بوش، من دون وسيط.

    وبعد أربعة أيام من اجتماع بندر بصدام، أي في 9 أبريل 1990، كان الأمير بندر في مكتب الرئيس بوش. وبدأ الأمير الحديث قائلاً: "أرسلني صاحب الجلالة، لأنقل إليكم رسالة جاءتني من الرئيس صدام حسين إليكم، يؤكد لكم فيها، أنه لا يعتزم مهاجمة إسرائيل". واستطرد الأمير قائلاً: إن الرسالة مباشرة، وليست تفسيراً سعودياً، ولا هي أفكار الملك فهد، وإنما أفكار صدام حسين، وحده. وإن ما يقوله صدام، هو أنه سيردّ إذا هاجمته إسرائيل، لكنه لن يبادر إلى هجوم عليها. وعرض الأمير بندر، بدبلوماسية ماهرة، مشاكل صدام حسين وأن إسرائيل سبق لها ضرب مفاعله الذري، وأنها تمهد لضربه مرة أخرى، وأن صدام يشعر بعقدة الاضطهاد. كما أوضح بندر، أن الصحفي البريطاني، بازوفت، كان يحمل في جيبه رقم هاتف مسؤول إسرائيلي، عند إلقاء القبض عليه. فضلاً عن عرض النقاط الأخرى، التي طرحها صدام. ثم ختم الأمير حديثه بأن الرئيس العراقي، قد أثر فيه رد الفعل الغربي، وتصريحات بوش نفسه، وأنه يحاول، الآن، تهدئة كل الأمور، والتصرف تصرفاً صحيحاً. وقال الرئيس بوش إنه سيفكر في الأمر. لكن المسألة الأساسية، هي أنه ما كان ينبغي لصدام حسين، أن يوجه هذه الهجمات اللفظية.

    وبعد يومين، اتصل الرئيس العراقي بالملك فهد، وبالسفير العراقي إلى واشنطن، محمد المشاط، سائلاً عمّا رد به الرئيس جورج بوش؛ فالرئيس العراقي قد قدم تأكيدات أنه لن يهاجم إسرائيل، وهو يريد تأكيداً صريحاً من الرئيس الأمريكي، أن إسرائيل لن تهاجم العراق.

    وفي منتصف أبريل، طلب الملك فهد من الأمير بندر، أن يعود لمقابلة الرئيس بوش. ومن الفور، طلب الأمير بندر لقاءً عاجلاً، في اليوم نفسه. وكان الرئيس الأمريكي مشغولاً جداً، لكنه يستطيع، دائماً، أن يجد بضع دقائق لصديقه ذي المكانة الخاصة، الأمير بندر. وفي البيت الأبيض، لم يكن لدى الرئيس بوش إلاّ وقت قليل للحديث، بين اجتماعَين. وهكذا، انتحى الرئيس والأمير جانباً، واقفَين. قال الأمير بندر: "أتعرفون، يا سيدي الرئيس أنهم جادّون، بالفعل، في هذا، ويريدون أن يؤكدوه لك؟ إن صدام حسين والعراقيين، لن يهاجموا إسرائيل، هم يودّون أن يتلقوا تأكيداً، أن إسرائيل لن تهاجمهم، لأنهم يشعرون بالتوتر". ورد الرئيس بوش قائلاً: "إنني لا أريد أن يهاجم أحد أحداً. إن كل ما أريده، هو أن يستقر الناس، في المنطقة وفي غيرها". وقال: "سنتحدث مع الإسرائيليين، وأرد عليك. لكن على الجميع، أن يهدّئوا الأمور". كما أوضح الرئيس للأمير بندر، أنه يشعر بالحيرة في أمر صدام: "إذا لم يكن هذا الرجل يعني ذلك حقاً، فلماذا ـ بحق الله ـ يقول هذه الأشياء؟".

    واتصل البيت الأبيض، بعد ذلك، بالإسرائيليين، الذين قالوا إنه إذا لم يشن العراق هجوماً عليهم، فإن إسرائيل لن تشن هجوماً عليه. ونقلت الولايات المتحدة الأمريكية، عندئذ، هذه التأكيدات الإسرائيلية إلى صدام حسين مباشرة. كما نقل الأمير بندر بن سلطان فهمه لهذه التأكيدات، إلى الملك فهد، الذي أبلغها إلى صدام.

    واعتقد الأمير بندر، بعد ذلك، أن الرئيس العراقي، أراد التأكد من نية إسرائيل، لكي ينصرف إلى عمل ضد الكويت، مع أنه لم يكن هناك ما يشير إلى ذلك، في حينه.

ب. وفي القاهرة، فقد عمد الرئيس حسني مبارك إلى الاتصال مع الرئيس جورج بوش، لطمأنته إلى أن الرئيس صدام حسين رجل سلام. كذلك، أبلغ الرئيس مبارك الرسالة عينها إلى إسرائيل، طالباً عدم تصعيد الموقف، لأن الأمور على هذا النحو، سوف تؤدي إلى عواقب خطيرة. ثم وجد الرئيس مبارك، أن الأمر يقتضي علاجاً أوسع. وفي 8 أبريل 1990، أعاد تأكيد اقتراح مصري، مطروح منذ سنوات، تكون منطقة الشرق الأوسط، بموجبه، منطقة خالية من الأسلحة النووية.

رابعاً: العقوبات الأمريكية ضد العراق

    وفي 9 أبريل 1990، اجتمع دنيس روس وجون كيلي، في مكتب جيمس بيكر، ولحق بهما روبير كيميت، سكرتير الدولة المساعد للشؤون السياسية، والذي يُعَدّ ضمن الحلقة الضيقة من مساعدي الوزير بيكر. وكان الهدف من الاجتماع، هو الاتفاق على تنفيذ العقوبات، التي وضعت في اجتماع الثاني من أبريل 1990، بعد خطاب صدام حسين المعادي للغرب وإسرائيل. وكان وزير الخارجية الأمريكي، جيمس بيكر، قد حصل على موافقة الرئيس بوش المسبقة على ضرورة فرض عقوبات على الرئيس العراقي، صدام حسين.

    وبعد استعراض خطة العقوبات بالتفصيل، من جديد، أقرت بشكلها النهائي، ووقع الاختيار على كيميت، ليفاوض مختلف الوزارات والوكالات، المعنية بتطبيق المشروع. وعلى الرغم من الحزم والجدية والإرادة الصلبة، التي سادت أجواء الاجتماع، فإن خطة العقوبات، ما لبثت أن تبخرت، وبقي المشروع حبراً على ورق. لقد بادرت وزارة التجارة إلى إبداء تحفظات عديدة، تجاه وقف مشروع القروض الممنوحة لمصرف التصدير والاستيراد، لأنه في الدرجة الأولى، يلحق الأذى برجال الأعمال الأمريكيين. كذلك، أبدى مسؤولو وزارة التجارة رفضاً قاطعاً لإلغاء برنامج القروض الميسر، لأنه يضر بمصالح منتجي الحبوب الأمريكيين.

    أمّا مجلس الأمن القومي، التابع مباشرة للبيت الأبيض، والمكلف بمتابعة مسائل السياسة الخارجية، فقد أكد دعمه لمبدأ العقوبات، ولكنه رفض السرعة في تطبيقه، ودعا إلى التأني وعدم التسرع في فرض العقوبات. وطالب روبير جايت، الرجل الثاني في مجلس الأمن القومي، والمساعد السابق لمدير وكالة الاستخبارات الأمريكية، بتطبيق سياسة الرد المتدرج.

    وكان جيمس بيكر، هو الرجل الوحيد، القادر على اتخاذ القرار. ولكنه كان منشغل الذهن، ومستنفد الوقت، في مشروع توحيد الألمانيتين، وفي الرحلات العديدة المقررة، لمقابلة نظيره السوفيتي، إدوراد شيفرنادزه، والتحضير معاً للقِمة الأمريكية ـ السوفيتية، المزمع انعقادها في واشنطن في الفترة من 31 مايو إلى 3 يونيه 1990. كما كان الرئيس بوش، والقيادات العليا في الدولة، منشغلين بالمشاكل نفسها.

    وهكذا، لم يتلقَّ صدام حسين أي تحذير رسمي أمريكي. وعلى العكس من ذلك تماماً، لقد تلقّى عدداً من مبادرات التشجيع، التي أسهمت في جعل الموقف الأمريكي أكثر غموضاً وتشويشاً.

خامساً: زيارة وفد الكونجرس إلى بغداد وردات فعلها

    وفي 12 أبريل 1990، زار القاهرة وفد من أعضاء الكونجرس، مكون من خمسة أعضاء، يرأسه السيناتور "روبرت دول Robert Dole" زعيم الأعضاء الجمهوريين في مجلس الشيوخ، يرافقه السيناتور "آلن سيمبسون Alan Simpson" والسيناتور "جيمس ماكلور James McClure" والسيناتور "فرانك موركوفسكي Frank Murkowski" والسيناتور "هوارد ميتزنبوم Howard Metzenbaum". والتقى الوفد الرئيس حسني مبارك، وكان الموضوع، الذي ركز فيه أعضاء الوفد جميعاً، بمن فيهم روبرت دول نفسه ـ هو القلق من برنامج التسليح العراقي، خاصة في المجال غير التقليدي. وتحدث الرئيس حسني مبارك، طويلاً، في هذا الموضوع، شارحاً أن هناك مبالغات مقصودة فيه، من بعض الأطراف. كما أن القادة السياسيين للولايات المتحدة الأمريكية، لا يبذلون جهداً، ليتعرفوا مباشرة وجهة نظر العراق، وأن اتصالاتهم المباشرة مع بغداد قليلة. واقترح مبارك على وفد الكونجرس، التوجه إلى بغداد لتعرف كل الأمور على الطبيعة، ومن القيادة العراقية نفسها. وقبِل وفد الكونجرس زيارة بغداد، بعد استئذان الرئيس بوش وموافقته. ورحب الرئيس العراقي باستقبال الوفد، في الموصل.

    وبعد انتهاء مقابلة وفد الكونجرس مع الرئيس مبارك، توجَّه إلى السفارة الأمريكية، وأثناء الطريق، اقترح السيناتور دول، أن يكون تسجيل رأي الوفد المسبق من طريق خطاب مكتوب، يقدمه أعضاء الوفد إلى الرئيس صدام حسين، فور بدء المقابلة. وبالفعل، كتب السيناتور دول مشروعاً لهذا الخطاب، وافق عليه الوفد. ثم تولّى السفير الأمريكي لدى القاهرة، فرانك ويزنر (Frank Wisner)، إبلاغ ما حدث، هاتفياً، إلى مستشار الأمن القومي، الجنرال برينت سكوكروفت. وحُولت المكالمة إلى مكتب الرئيس بوش، فشرح السيناتور دول للرئيس تفاصيل حوار وفد الكونجرس مع الرئيس مبارك، ثم مداولات الوفد في شأن بيان مسبق، يعلن فيه وفد الكونجرس موقفه، ويسجله، منعاً لأي التباس. ولم يكن لدى الرئيس بوش أي اعتراض، وقد طلب من السيناتور دول، أن يقرأ عليه نص الخطاب، الذي أعده ليسلمه للرئيس صدام حسين، في بداية المقابلة. ووافق الرئيس بوش على الخطاب.

    وفي اليوم نفسه، 12 أبريل، غادر وفد الكونجرس القاهرة، بطائرته الخاصة، وكان معهم السفير الأمريكي، فرانك ويزنر، متوجهاً إلى سرسنك، في منطقة الموصل، حيث انضم إلى الوفد السفيرة الأمريكية إلى العراق، أبريل جلاسبي. وكان في استقبالهم طارق عزيز، نائب رئيس الوزراء ووزير الخارجية، الذي اصطحبهم إلى حيث إقامة الرئيس العراقي. وبدأت وقائع اللقاء، بتسليم السيناتور روبرت دول، نسخة من الخطاب للرئيس صدام حسين، ونسخة من ترجمته العربية. وبدأ المترجم العراقي قراءة الخطاب. (أُنظر وثيقة نص الرسالة، التي سلمها وفد الكونجرس الأمريكي برئاسة السيناتور ربورت دول، إلى الرئيس العراق، صدام حسين، ونص محضر اللقاء، في الموصل في 12 أبريل 1990)

    وقد تناولت الرسالة: "اقتناع الولايات المتحدة الأمريكية بأن العراق يضطلع بدور أساسي في الشرق الأوسط. ولكن السعي إلى الأسلحة الكيماوية والبيولوجية، لا بدّ أن يعرّض العراق لأخطار جمة، بدل تأمين الحماية له. إن مبادرات كهذه، تهدد، كذلك، بلداناً أخرى، وتثير الاضطرابات في الشرق الأوسط. إن تصريحات الرئيس العراقي الأخيرة، التي تهدد باستخدام السلاح الكيماوي ضد إسرائيل، أحدثت صدمة قوية في العالم أجمع. ومن الأجدى للعراق، وللسلام في الشرق الأوسط، أن يتراجع عن برامج ومشروعات شديدة الخطر، وعن تصريحات ومواقف مشبعة بالاستفزاز".

    وكان صدام حسين يتابع القراءة، ببرودة شديدة. وعند الانتهاء من النص، هز رأسه، والتفت إلى روبرت دول، الجالس إلى يمينه، وبلهجة تخلو من العداء، قال: "أنا أعتقد وجود حملة واسعة، منسقة، ضدنا، بوساطة الولايات المتحدة الأمريكية".

    ثم تكلم روبرت دول، موضحاً: أن الرئيس بوش، يريد تحسين علاقتنا ببلادكم وبحكومتكم. كما أكد أن الحملة الإعلامية، الموجَّهة ضد العراق، لا دخل للرئيس بوش فيها. وأعلن أحد أعضاء الوفد، أن المسؤول عن البرنامج المعادي للعراق، الذي بثته إذاعة "صوت أمريكا" في فبراير الماضي، قد عُوقب.

    ثم تعرّض الرئيس صدام حسين لِما أثاره الإعلام، الأمريكي والغربي، أن العراق هدد إسرائيل، فقال لوفد الكونجرس: أنا قلت: "إذا ضربت إسرائيل، سنضربها. وأنا أعتقد أن هذا موقف عادل، وربما يساعد على السلام؛ إذ قد تحجِم إسرائيل عن الضرب، عندما تعرف أنها ستُضرب. كلامنا واضح، ومكتوب بالعربية والإنجليزية، ومسجل صوتاً وصورة. ونحن لا نتراجع عن كلامنا، فإذا ضربت إسرائيل، واستخدمت الأسلحة الذرية، فسنستخدم الكيماوي المزدوج. هذا هو موقفنا، وليس هناك زيادة أو نقصان في هذا الموقف. أمّا أن يحلو للبعض القول إن العراق يهدد، فنحن لا نعتذر عن تصريحنا الذي أطلقناه، فهو واضح، وعادل، ودفاعي، وهو حق". ثم استطرد الرئيس صدام حسين في حديثه عن الرغبة الشديدة، في الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل، في وضع القيود على التطور التكنولوجي العربي. وتدخل السيناتور روبرت دول، قائلاً: "إن المضي في برنامج تسليح، على النحو الذي يشاع عنه في العراق، سوف يؤدي إلى موافقة الكونجرس على مشروعات أو قوانين، قدَّمها بعض أعضائه، بفرض عقوبات اقتصادية على العراق". فردّ الرئيس العراقي، قائلاً للسيناتور دول: "لا تزعل من صراحتي، أنت تقول لي إن بعض أعضاء الكونجرس، قد يطرح عقوبات للعراق. وأريد أن أسألك، على أي شيء تعاقبون العراق؟ وبأي شيء تعاقبون العراق؟".

    ولم تسفر الزيارة عن نتائج ملموسة، ولكنها كانت، على أي حال، فرصة لحوار صريح، بين القيادة العراقية وزعامة الكونجرس الأمريكي. ولم يلبث أثرها أن تبدد، ففي الوقت الذي كان أعضاء الكونجرس الخمسة يغادرون سرسنك، كان الكونجرس الأمريكي قد أقر اقتراحاً، حول مشروع قانون، قدم إلى الكونجرس في 22 مارس، يعترف بالقدس عاصمة لإسرائيل. وصحيح أن السيناتور روبرت دول، عقّب على هذا القرار بقوله: "إنه قرار غير موفَّق، في توقيته، وفي موضوعه"، لكن تعقيبه لم يغيّر من واقع الأمر شيئاً.

    إلا أن بيار سالينجر، يقول في كتابه: "وختم روبرت دول حديثه بالقول: صرح لي الرئيس جورج بوش، منذ 12 ساعة فقط، أنه يبحث عن أفضل العلاقات بكم، وأن حكومته تفتش عن أمتن الروابط بالعراق. وأستطيع التأكيد، أن الرئيس بوش سيعارض فرض العقوبات، ولو تطلب الأمر استخدام النقض (الفيتو)، في مواجَهة قرارات كهذه، إلا إذا حدث استفزاز معين". وبادرت السفيرة الأمريكية لدى العراق، أبريل جلاسبي إلى تزكية كلام دول، قائلة: "أستطيع التأكيد، كسفيرة للولايات المتحدة الأمريكية، أن هذه هي، سيدي الرئيس، السياسة الحقيقية للولايات المتحدة الأمريكية".

    ويعكس جو الاعتدال، والدعوة إلى الحوار، واللهجة الهادئة، التي سادت اللقاء، الضرورات الانتخابية، كذلك؛ إذ إن أعضاء الوفد الزائر، كانوا يمثلون ولايات أمريكية زراعية. فروبرت دول، يمثل ولاية كنساس، التي تصدر كميات كبيرة من القمح إلى العراق. وعلى هذا الأساس، تصدرت المصالح التجارية لائحة الأسباب، الداعية إلى الاعتدال الأمريكي. فالولايات المتحدة الأمريكية، تبيع بغداد ما تقارب قيمته المليار دولار، سنوياً، من القمح والدواجن والذُّرة. وغالبية المشتريات، مُوِّلت بوساطة قروض، بلغت 5 مليارات دولار، بضمانة الدولة الأمريكية.

    ونشرت الجرائد العربية أنباء اجتماع الرئيس صدام حسين بوفد الكونجرس الأمريكي، قائلة: "أبلغ الرئيس العراقي، صدام حسين، وفد مجلس الشيوخ الأمريكي، أن العراق مستعد لإزالة ما يمتلكه من أسلحة الدمار الشامل، إذا فعلت إسرائيل الشيء عينه، وأن الدول العربية لها استعداد العراق نفسه".

    وعندما استقبل الرئيس الأمريكي، جورج بوش، في البيت الأبيض، الوفد العائد من العراق، أصغى، بعناية شديدة، إلى آراء روبرت دول، المفعمة بالتفاؤل، وسمع كلاماً على صدام حسين، يصوره "نموذج القائد، الذي تستطيع الولايات المتحدة الأمريكية التأثير فيه، وتوجيهه، إذا أرادت ذلك". وكان الجنرال برينت سكوكروفت، مستشار الأمن القومي، حاضراً، فتبنى وجهة نظر روبرت دول، الداعية إلى حسبان العراق ورئيسه، دعامتَي توازن الشرق الأوسط الأساسيتَين.

    وفي الدوائر الرسمية، في واشنطن، بدا أن زيارة وفد الكونجرس الأمريكي بغداد، ولقائه الرئيس صدام حسين، آتياً بعض الثمار، خصوصاً تأكيد خطأ قرار الكونجرس، في شأن القدس. إذ أثار خطاب فريد من نوعه، ألقاه السيناتور روبرت دول، زعيم الأقلية الجمهورية، في مجلس الشيوخ الأمريكي، ردود فعل عديدة إزاء الموضوع. فقد انتقد، بشدة، ميل مجلس الشيوخ إلى التصويت على قرارات غير ملزمة، من دون قراءتها أو مناقشتها، مثل قرار المجلس، في 22 مارس 1990، الذي عبّر عن رأي المجلس، أن تبقى القدس موحدة، تحت السيادة الإسرائيلية. وقال: "إن ذلك القرار، صُوِّت عليه خلال 15 ثانية. ولم يكن هناك أي نقاش. وعلى ما أذكره، فإنه لم يُقرأ...". وأضاف في خطابه، الذي مارس فيه، علناً، النقد الذاتي، أنه ارتكب خطأ، حينما وافق على القرار. وحذر مجلس الشيوخ من أخطار التدخل في مثل هذه القضايا الحساسة في السياسة الخارجية، من دون "أن ننظر أو حتى نفكر أولاً". وقال إنه آن للمجلس، أن يتوقف عن التصويت لمثل هذه القرارات، التي وصفها بأنها هراء.

    وتضمن الخطاب انتقاداً ضمنياً لأساليب قوى الضغط الصهيونية، وأنصارها في الكونجرس، الذين يعملون على تمرير هذه القرارات، بسرعة، والضغط على أعضاء المجلس لتوقيعها، على عجل. وقال إن العملية التشريعية نفسها تُستَغَلّ. ودعا المجلس إلى تغيير أساليب عمله. ورأى "أنه أحياناً كثيرة، لا يقرأ العضو الرسالة، التي يوقعها...". وأوضح "أن القرار، في شأن القدس، قُدّم في 20 مارس، وخلال يومَين، وقَّعه 84 عضواً (من أصل مئة). وصوّت عليه 43 عضواً، في اليوم الأول، و40 عضواً، في اليوم الثاني. وأنا كنت واحداً منهم".

    وبدا أن قرار مجلس الشيوخ الأمريكي، في شأن القدس، ومشروع القرار الآخر، المعروض عليه، في شأن فرض عقوبات على العراق ـ قد زادا من تشجيع إسرائيل، فوقف رئيس وزرائها، إسحاق شامير، في 14 أبريل 1990، يقول: "إن إسرائيل، تحتفظ لنفسها بحرية العمل، لتدمير قواعد الصواريخ العراقية".

    وفي 18 أبريل 1990، كان الرئيس صدام حسين على موعد، لمقابلة وفد عربي من الاتحاد الدولي لنقابات العمال العرب، فانتهز الفرصة ليقول: "إن أي هجوم إسرائيلي على العراق، سيواجَه بحرب شاملة، لن تتوقف إلاّ بتحرير كل الأراضي العربية المحتلة. (أُنظر وثيقة كلمة الرئيس العراقي، صدام حسين خلال استقباله الوفود العربية، المشاركة في اجتماعات المجلس المركزي الطارئ، للاتحاد الدولي للعمال العرب الذي عقد في بغداد يوم الأربعاء، 18 أبريل 1990)

    وفي اليوم نفسه، افتتح طه ياسين رمضان، النائب الأول لرئيس الوزراء العراقي، الدورة الاستثنائية للاتحاد البرلماني العربي، في بغداد، نيابة عن الرئيس العراقي، صدام حسين. وقال: "إن الحملة المحمومة، التي تشنها أبواق الصهيونية، وخاصة في لندن وواشنطن وإسرائيل، إنما تستهدف الأمة العربية كلها". وطالب بموقف عربي موحد لمواجهتها. وأضاف: "إن سلسلة العداء، الذي تتعرض له الأمة العربية، في الفترة الأخيرة، بدءاً من مؤامرة تهجير اليهود السوفيت إلى الأراضي العربية المحتلة، ثم قرار مجلس الشيوخ الأمريكي باعتبار القدس عاصمة موحدة لإسرائيل، ثم محاولات التجسس البريطانية الفاشلة، ومزاعم صواعق التفجير النووية، وانتهاء بمسرحية الأنابيب، التي قيل إنها ماسورة لأكبر مدفع في العالم. إن هذه الحملات الإعلامية المعادية، تمهد لتبرير ضربة صهيونية ضد العراق، كما حدث في عام 1982، رغم أن هذه الأوساط المعادية، تدرك أن العراق لا يمتلك أي سلاح نووي، وأنه عضو في معاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية؛ في الوقت الذي تملك فيه إسرائيل أكثر من 100 قنبلة ورأس نووية…". وأضاف: "إنه بعد انكشاف نيات المخطط الصهيوني المعادي، أعلن الرئيس صدام حسين، أن العراق سيردّ على أي اعتداء إسرائيلي نووي، بالسلاح الكيماوي المزدوج، وسيحرق نصف إسرائيل…".

    وفي 20 أبريل 1990، وفي ختام اجتماعات الاتحاد البرلماني العربي، ألقى الرئيس صدام حسين، الذي شارك في مناقشات الجلسة الختامية، كلمة، أشار فيها إلى القدس، وما يتعلق بقرار الكونجرس الأمريكي، أنها عاصمة لإسرائيل. وقال: "إن هذا القرار، يمثل نموذجاً فظاً، ومتغطرساً، وصفيقاً، للتدخل في الشؤون الداخلية للغير". وسأل: "كيف يجوز للذين يجلسون في واشنطن، أن يقرروا عاصمة لدولة أخرى؟ إن ساسة إسرائيل، ما كان لهم أن يقبَلوا مثل هذا القرار، لو كان لهم حق في القدس". (أُنظر وثيقة حديث الرئيس العراقي، صدام حسين، أمام الوفود المشتركة في المؤتمر الاستثنائي للاتحاد البرلماني العربي الذي عقد في بغداد، يوم الجمعة 20 أبريل 1990)

    وفي21 أبريل 1990، أعلنت بغداد، أن طائرات الاستطلاع الأمريكية، بما فيها طائرات من نوع (أواكس) عمدت إلى عمليات استطلاع فوق الأراضي العراقية. وأضاف الإعلان العراقي تفصيلات وافية عن المسار، الذي اتخذته عمليات الاستطلاع.

    وفي بداية مايو 1990، وصلت إلى واشنطن إشارتان، تنذران بالخطر. ولم يكن أحد من المسؤولين الرسميين مستعداً، من قبل، لأخذهما في الحسبان. تمثلت الإشارة الأولى، في أن دوائر البيت الأبيض، قد تلقت إنذاراً حول إمكانية الهجوم في اتجاه إسرائيل. وجاءت الإشارة الثانية، في تقرير، أرسلته وكالة الاستخبارات المركزية إلى البيت الأبيض، كذلك، تؤكد فيه، حسب المعلومات التي في حوزتها، "أن هجوماً عراقياً على الكويت، أصبح وشيكاً ومحتملاً". ولهذا السبب، أثار التقرير الجديد شعوراً عميقاً بالتشاؤم، من دون أن يؤدي إلى تغيير يذكر في السياسة الرسمية.




[1] السيناتور روبرت دول، يمثل ولاية "كنساس"، والسيناتور آلن سيمبسون، يمثل ولاية "أيومينخ"، والسيناتور هوارد ميتزنبوم، يمثل ولاية "أوهايو

[2] الدكتور "جيرالد بول" أمريكي الجنسية، من أصل كندي. ولد في 9 مارس 1928، في بلدة "نورث باي"، في "أونتاريو"، على مسافة 350 كم، شمالي "تورنتو". وهو الابن التاسع، في الترتيب من بين إخوته. ويُعَدّ الدكتور "بول" من أكبر علماء المدفعية، في هذا القرن. واختار بروكسل مقراً لشركته (SRC) ؛ إذ إن بلجيكا مركز عالمي لتجارة السلاح، منذ القرون الوسطى.

[3] يذكر رولان جاكار، أن الإسرائيليين، نجحوا في الوصول إلى الخطر. أي إلى الخطر الذي يمثله المدفع الهائل، بالنسبة إليهم. إذ ربما اطلعوا على أحد التقارير، التي كان بول يبعثها، بصورة منتظمة، إلى رؤسائه، في بغداد. فأحد هذه التقارير، جاء فيه تفاصيل تقنية، خاصة بالميكانيك والهيدروليك التطبيقي كما يلي: "إن برنامج الرمي التجريبي الأفقي، أصبح جاهزاً، الآن. وبعد القيام به، سيجري فك السبطانة، وفحصها، ثم نقلها إلى الموقع المائل". هاتان الكلمتان الأخيرتان، دقتا نواقيس الخطر في إسرائيل. لقد اكتشف الإسرائيليون، بعد تفحص دقيق لمجموعة صور، التقطها أحد الأقمار الصناعية للتجسس، أن الموقع المائل المقصود، هو عبارة عن أخدود، محفور على سفح جبل، في وادٍ منعزل، شديد الانخفاض، يقع في منطقة "باجي"، في كردستان العراقية. كان ذلك الأخدود يميل بدرجة 45ْ، ويتوجه محوره، بحسب الصور الفضائية، في اتجاهات شمال ـ شرق ـ جنوب غرب. فإذا أخذنا خريطة لمنطقة الشرق الأوسط، وقمنا بمد ذلك المحور على خط مستقيم، فإن ذلك الخط، يمر، مباشرة، في تل أبيب. وبما أن سبطانة المدفع، ستكون، فيما بعد، مغطاة بطبقة كثيفة من التراب، ولا تظهر منها سوى فوهة، قطرها 355 ملم، تحاذي الأرض ـ فإن صدام حسين كان سيستطيع قصف إسرائيل، من دون أي عقاب. إن تدمير منصة الإطلاق صعب جداً. فإذا كان الأمر يتعلق بمدفع مدفون، وفتحته مخبأة بشبكات التمويه، فإن مهمة تدميره، تصبح مستحيلة. كما كان بول يعمل، كذلك، للوصول إلى قاذف للأقمار الصناعية، بطول 400 م، ويستطيع استخدام الهيدروجين المضغوط، والمبرد، بدلاً من البارود، المستخدم، عامة، في الحصول على قوة الدفع المطلوبة

[4] منصات إطلاق الصواريخ، التي قيل إنها بنيت في العراق، وإنها قادرة على الوصول إلى تل أبيب

[5] هذه المواد الكيماوية، صنعها العراق، منذ عام 1987، ولم يستخدمها ضد إيران

[6] الأمير بندر بن سلطان، عمل، في السابق، وسيطاً بين صدام حسين ومدير (CIA)، وليام كيس، أثناء الحرب ضد إيران. وكان مقرباً، بصفة خاصة، إلى الرئيس الأمريكي. كما سبق له المشاركة في مفاوضات الأمم المتحدة، عام 1988، لترتيب وقف إطلاق النار، بين العراق وإيران