إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات سياسية عسكرية / حرب أكتوبر1973، من وجهة النظر المصرية




لواء طيار/ محمد حسني مبارك
لواء/ محمد سعيد الماحي
إنشاء الكباري للعبور
اللواء بحري فؤاد ذكري
اللواء طيار صلاح المناوي
اللواء سعد مأمون
اللواء عبدالمنعم خليل
اللواء فؤاد نصار
المشير أحمد إسماعيل علي
المشير عبدالغني الجمسي
السادات أثناء عرض الخطة
السادات في أحد اللقاءات
السادات في زيارة تفقدية
الفريق محمد علي فهمي
الفريق سعد الدين الشاذلي
الفريق عبدالمنعم واصل
كمائن الصواريخ
علم مصر فوق سيناء
عميد أ.ح/ عبدالحليم أبو غزالة
عميد مهندس/ أحمد حمدي
عميد منير شاش
فتح الثغرات
قوارب المشاة تقتحم القناة

أوضاع القوات 7 أكتوبر
أوضاع قوات الجانبين
إحدى نقط خط بارليف
معركة اللواء 25 مدرع
المناطق المحتلة عقب 1967
النقط المكونة لخط بارليف
التطوير يوم 12 أكتوبر
التطوير شرقاً للعملية بدر
الخطة الإسرائيلية للعبور
حجم وأوضاع القوات الإسرائيلية
خطوط فك الاشتباك الثاني
خطة العمليات الهجومية الأولى
خطة العمليات الإسرائيلية
خطة العمليات جرانيت 2
جغرافية شبه جزيرة سيناء
طبوغرافية الأرض شرق القناة

أوضاع قوات الطرفين 1967
معركة الفردان 8 أكتوبر
الخطة شامل لتصفية الثغرة
تأثير عناصر الدفاع الجوي
حجم وأوضاع القوات المصرية
خطوط فك الاشتباك الأول
طبوغرافية الأرض غرب القناة
طبيعة قناة السويس



حرب عام 1967

المبحث الخامس

تجهيز مسرح العمليات وخطط العمليات

تبني خطة العمليات الحربية، على ضوء دراسة الإستراتيجية العسكرية للخصم، والسياسة والإستراتيجية العسكرية للدولة، مع الوضع في الاعتبار طبيعة مسرح العمليات، والقوات المتيسرة وقدراتها، والقوات الحليفة (أو المعاونة على جبهة أو محور آخر، طبقاً للموقف العسكري). وعلى ضوء خطة العمليات الحربية يتم إعداد مسرح العمليات ومحاور العمل عليه، وتتمركز القوات المخصصة للعملية (الفتح الإستراتيجي للقوات)، في أنسب الأوضاع مستعدة لبدء الأعمال القتالية.

أولاً: الإستراتيجية العسكرية لإسرائيل قبل 6 أكتوبر 1973

كانت سياسة إسرائيل، منذ إعلانها دولة، ترتكز على خطوط رئيسية أربعة:

1. التوسع الجغرافي التدريجي على حساب الدول العربية المجاورة.

2. الاحتفاظ بقوة مسلحة متفوقة على الدول العربية، هو الهدف والوسيلة في نفس الوقت.

3. الارتباط بقوة عظمى أو كبرى، دولياً، كحليف مضمون، يعاونها في تحقيق أهدافها.

4. إضعاف وتبديد الطاقات العربية.

بَنتْ إسرائيل إستراتيجيتها العسكرية، على أساس الردع السياسي، والعسكري لمصر، وباقي الدول العربية. لخلق الإحساس لديها بالعجز السياسي، لاتخاذ قرار الحرب، والعجز العسكري للقيام بحرب شاملة، وأنه لا مجال أمامها إلا الرضوخ لشروط إسرائيل، تحت ضغط نتائج الهزيمة التي لحقت بها عام 1967.

لتحقيق ذلك، فإن الإستراتيجية العسكرية لإسرائيل بعد حرب يونيه 1967 اعتمدت على الأسس التالية:

1. الاحتفاظ بتفوق عسكري، يمنع مصر وسوريه والأردن، من التفكير في شن حرب شاملة ضدها. ويكون أقصى ما يمكن لأي دولة من الثلاث أن تقوم به، استئناف حرب الاستنزاف على جبهتها، والتي تستطيع إسرائيل مواجهتها والتغلب عليها.

2. الارتباط الوثيق، بالولايات المتحدة الأمريكية، أحد قطبيّ النظام العالمي، والدولة العظمى المهيمنة على منطقة الشرق الأوسط، لما لها من مصالح حيوية فيها، لتصبح الولايات المتحدة الأمريكية، حليف مضموناً لإسرائيل، تعاونها سياسياً واقتصادياً وعسكرياً، لتستمر في احتلالها للأراضي العربية، وفرض الأمر الواقع، وكذلك مساندة إسرائيل في حالة نشوب حرب.

3. قدرة الاستخبارات الإسرائيلية، بالتعاون الوثيق مع الاستخبارات الأمريكية، على اكتشاف نوايا العرب لشن حرب شاملة، في وقت مبكر يسمح للقوات الإسرائيلية بإحباط تحضيرات الهجوم المنتظر، بضربة وقائية، تعتمد أساساً على تفوق القوات الجوية (أداة الردع، واليد الطولى).

4. بعد حرب يونيه 1967، ووصول القوات الإسرائيلية إلى عوائق طبيعية على الجبهات الثلاث، أصبحت أوضاعها الإستراتيجية أفضل. وكان تقدير القيادة الإسرائيلية، أن العدو الرئيسي هو القوات المصرية، لذلك يجب استناد دفاعاتها على ضفة قناة السويس الشرقية كعائق طبيعي قوي، وإقامة خطوط دفاعية محصنة، متتالية، وسواتر ترابية، ومحاور مناورة، في نظام دفاعي متكامل (أعطاها ذلك النظام الدفاعي القوي، الشعور بمناعته ضد الاختراق من أي هجوم مصري، مهما كبر حجمه).

5. تحقيقاً لنظرية الحدود الآمنة، التي اعتنقتها وآمنت بها إسرائيل بعد حرب يونيه 1967، كأحد نتائج تلك الحرب، ركزت إسرائيل، جهدها للسيطرة على منطقة شرم الشيخ، لتأمين خطوط مواصلاتها البحرية إلى البحر الأحمر. وسيطرة فكرة الاحتفاظ بشرم الشيخ من دون سلام مع مصر، أفضل من السلام مع مصر من دون شرم الشيخ على فكر القادة في إسرائيل.

6. من المستبعد، أن تنسق الدول الثلاث ـ مصر وسوريه والأردن ـ جهودهم في حرب شاملة ضد إسرائيل، وهي خبرة مستقاة من الحروب السابقة، لذلك فإن إستراتيجية إسرائيل وضعت على أساس الحرب على كل جبهة على حدة.

7. طالما مصر غير قادرة على شن هجوم شامل واقتحام قناة السويس وخط بارليف، فإن سورية والأردن ـ كلٍ على حدة ـ غير قادرة على الهجوم كذلك.

ثانياً: تطوير النظام الدفاعي الإسرائيلي عن سيناء في ضوء إستراتيجيتها العسكرية

بانتهاء حرب يونيه 1967، اعتقدت القيادة العسكرية الإسرائيلية، أن القوات المصرية، التي انسحبت إلى غرب القناة، لن تستطيع استعادة قوتها وقدراتها، وروحها القتالية، لذلك اقتصرت دفاعات إسرائيل، على خط من نقاط المراقبة على طول القناة، مع تجميع للقوات في الخلف، ولم تجهز القوات الإسرائيلية، دفاعات جيدة.

عندما استشعرت القيادة العسكرية الإسرائيلية، تماسك القوات المصرية، وسرعة إعادة بناءها وتنظيمها، بدأت في دعم دفاعاتها شرق القناة، فدعمت نقاط المراقبة بوسائل نيران قوية، وأمنّت المنطقة غرب المضايق الجبلية، وقسمت قواتها إلى احتياطيات متدرجة في القوة والعمق.

مع بدء تصعيد القوات المصرية للاشتباكات بالمدفعية ـ خلال حرب الاستنزاف ـ جهزت إسرائيل حفر لجميع مركباتها وأسلحتها، وكذلك حفر تبادلية، وأخرى هيكلية. وأنشأت حقول ألغام صغيرة الحجم في بعض المناطق، وأسلاك شائكة في مواقع أخرى.

حتى تمنع، إسرائيل، نقاط مراقبة القوات المصرية، من رصد تحركات قواتها في العمق والإبلاغ عنها، قامت برفع الساتر الترابي المتخلف عن أعمال تطهير قناة السويس المستمرة[1].

مع تطور حجم وتسليح القوات المصرية، غرب القناة، والتي كانت إسرائيل ترصده جيداً، بكافة وسائل الاستخبارات، بدأت القوات الإسرائيلية في دعم دفاعاتها شرق القناة. رفعت إسرائيل الساتر الترابي أكثر، وأقامت عدة نقط قوية مجهزة هندسياً فوقه، على نهايات المحاور الرئيسية، والمحتمل حدوث عبور منها، طبقاً لدراستها للأرض. كما زادت من حجم قواتها في النقط القوية وزادت من عدد ونوع الأسلحة في الدشم. كلفت الدوريات الخفيفة بالربط بين النقط القوية، وأقامت حولها نطاقات من الأسلاك الشائكة، وزادت من كثافة الألغام في الحقول حولها. وأطلقت على هذا الخط اسم "خط بارليف الحصين[2]. (أُنظر شكل النقط المكونة لخط بارليف) و(شكل قطاع رأسي في أحدى النقط الحصينة لخط بارليف)

مع تطور الاشتباكات، وعبور قوات مصرية للشرق في عمليات الإغارة، خلال حرب الاستنزاف (مرحلة الردع)، كثفت إسرائيل من الداوريات، وأصبحت بعناصر آلية ومدرعة، كما غطت المواجهة بالكامل بالداوريات الراكبة والطائرة (بواسطة الطائرات العمودية) في توقيتات غير منتظمة، وجهزت كمائن ونقط تفتيش بالقرب من تقاطعات الطرق والمحاور الطولية والعرضية، على أعماق مختلفة، للتصدي للتسلل.

تحسباً لقيام القوات المصرية بعبور بحجم أكبر من القوات (كان من المتوقع أن يصل إلى لواء كامل مدعم)، جهزت إسرائيل خطوط دفاعية متتالية في العمق حتى المضايق (رمانة ـ أم مرجم ـ مضيق الجدي ـ ممر متلا).

ثالثاً: تجهيز مسرح العمليات في الجانب الإسرائيلي (شبه جزيرة سيناء)

منذ أن وصلت القوات الإسرائيلية، إلى الضفة الشرقية للقناة، وهي تعمل على زيادة صعوبة اقتحامها، من قبل المصريين. لذلك أزاحت ناتج التطهير والتوسيع حتى حافة القناة مباشرة، وزادت من ارتفاعه حتى 20 م، بزاوية ميل حادة (حوالي 45 درجة) ليصعب تسلقه. وأنشأت على الساتر الترابي ملاجئ رماية للدبابات (مصاطب) على مسافات متقاربة (100 ـ 400 م) بحيث يمكن للدبابات الاشتباك منها دون أن يظهر سوى البرج والمدفع فقط.

في باطن الساتر الترابي، وعلى المحاور الهامة، المنتظر اقتراب القوات المهاجمة عليها، أنشأت إسرائيل، نقطها الحصينة، والتي بلغت 22 موقعاً مكونة من 35 نقطة حصينة، مساحة كل منها 4000 م2، ويحتل كل نقطه فصيلة مشاة مدعمة بعدة أنواع من الأسلحة حسب أهمية النقطة، بينما كان الموقع مكون من 1 ـ 3 نقطة قوية، أي تحتله حتى سرية مشاة (عدا فصيلة)[3]، وكانت الدشم في النقطة الحصينة، يمكنها تحمل القنابل الثقيلة حتى 1000 رطل كما كانت محاطة بعدة نطاقات من الأسلاك الشائكة بينها حقل ألغام مضاد للدبابات والأفراد (في المواجهة). كما جهزت بعض النقاط بمستودعات ملئت بالوقود السائل، وبوسيلة إشعال، لغمر سطح القناة باللهب.

كانت المواقع الدفاعية الإسرائيلية مكونة من أربعة خطوط على مسافات مختلفة:

1. الخط الأول هو خط بارليف الحصين، على حافة القناة مباشرة.

2. الخط الثاني على مسافة 300 ـ 500 متر من الخط الأول، وجهزت مواقعه الدفاعية على الاتجاهات الأكثر صلاحية لعبور القناة، وخصص له وحدات مدرعة، تركزت خلفه.

3. الخط الثالث على مسافة 3 ـ 5 كم من الخط الأول، على بعض الاتجاهات الأكثر أهمية فقط، وعلى أجناب الطرق الرئيسة المؤدية للأهداف الهامة في العمق.

4. الخط الرابع على مخارج المضايق الجبلية من الغرب، للتمسك بها، ومنع القوات المهاجمة من عبور المضايق إلى الشرق، حيث الأرض المفتوحة وسط سيناء.

للتغلب على طبيعة الأرض المفتوحة شرق القناة، أنشأت إسرائيل هيئات صناعية من التلال للسيطرة على الأرض، أو سواتر صناعية لإخفاء تحركات قواتها الآتية من العمق إلى الغرب. وجُهِزَتْ لتحتلها الدبابات، لصد الدبابات المهاجمة، وستر قوات الهجوم المضاد الإسرائيلية. كما جهزت مناطق تجمع في العمق لتمركز الاحتياطيات العملياتية والإستراتيجية، وأسلحة الدفاع الجوي والمدفعيات، والأسلحة المضادة للدبابات.

أنشأت إسرائيل شبكة ضخمة من الطرق المعبدة والممهدة، الطولية والعرضية، وعلى أجناب المناطق الجبلية، وداخل الممرات والمضايق، لخدمة خطتها الدفاعية، والهجومية كذلك، وتأمين الإمدادات الإدارية، والمناورة بالقوات والأسلحة، من محور لآخر، حسب تطور أعمال القتال. كذلك كانت شبكة الطرق، تربط بين مرابض النيران المجهزة للمدفعية، الرئيسية منها والتبادلية، والتي بلغت 240 موقع مجهز.

وفي عمق سيناء، جهزت 8 مطارات وأراض هبوط، لاستخدام القوات الجوية الإسرائيلية، وأحيطت بمواقع لصواريخ الدفاع الجوي، ومحطات الرادار، ومراكز القيادة الرئيسية والتبادلية[4].

رابعاً: خطط العمليات الإسرائيلية واحتمالاتها (أُنظر شكل خطة العمليات الإسرائيلية)

اعتنقت إسرائيل، بعد حرب يونيه 1967، نظرية الحدود الآمنة، بارتكاز دفاعاتها على عوائق طبيعية. لذلك تحولت من عقيدتها السابقة بالعمل التعرضي وسرعة نقل القتال خارج أراضيها، إلى الدفاع المتحرك، بقوة صغيرة واحتياطيات كبيرة، في العمق، لتدمير القوات المهاجمة، أمام العائق الطبيعي، وفي عمق الأراضي المحتلة في يونيه 1967، وبعيداً عن الأرض الإسرائيلية قبل يونيه 1967.

1. هدف الخطة الإسرائيلية الدفاعية

هدفت إسرائيل، من خطتها الدفاعية على جبهتها الجنوبية (جبهة قناة السويس)، منع القوات المصرية من عبور قناة السويس، وتدمير القوات المهاجمة في مناطقها غرب القناة، وأثناء العبور، وعلى الساتر الترابي، أمام خط بارليف (الحد الأمامي للدفاعات الإسرائيلية)، والتمسك بالمواقع الدفاعية شرق القناة لأطول مدة ممكنة، بالقوات المتيسرة لإتاحة الفرصة للقيادة السياسية والعسكرية لاتخاذ قرار الحرب، وإعلان التعبئة العامة، وحشد القوات ودفعها لمناطق عملها. ويعتبر خط المضايق الجبلية الغربية بسيناء، هو الخط الغير مسموح باختراقه. على أن تنفذ عمليات تعرضية مخططة عند اكتشاف نية الهجوم لدى القوات المصرية، طبقاً للاحتمالات.

2. الفكرة الإستراتيجية / العملياتية للدفاع الإسرائيلي عن سيناء

تركز القوات الإسرائيلية جهودها الدفاعية الرئيسية على الجبهة الجنوبية (جبهة قناة السويس)، وتكثف جهود الاستطلاع والاستخبارات للحصول على المعلومات الدقيقة عن حجم القوات المصرية وأوضاعها ونواياها، على هذه الجبهة.

تحتل القوات الإسرائيلية ـ في الأحوال العادية ـ النقط الحصينة بأقل قدر مناسب من القوات لتأمين الدفاع. مركزه جهودها على الاتجاهات الرئيسية، والمناطق المحتملة لعبور القوات المصرية. والاحتفاظ بقوات احتياطية مدرعة وآلية على مسافات مختلفة، وأحجام مختلفة (سرايا وكتائب ولواء) لتنفيذ الهجمات والضربات المضادة ضد القوات المصرية التي تنجح في الوصول إلى شرق القناة، أو اختراق المواقع الدفاعية المتتالية، لتستعيد قوات الهجوم المضاد الموقف حتى الحد الأمامي للدفاع (خط بارليف)، أو تهيئ أنسب الظروف القتالية لتدخل احتياطيات عملياتية وإستراتيجية بحجم أكبر في عمليات هجوم رئيسية. مع استمرار نشاط الدوريات وإجراءات التأمين على الحد الأمامي وفي عمق سيناء، ضد أعمال التسلل والنشاط الفدائي.

عند اكتشاف القوات الإسرائيلية، لنية الهجوم لدى القوات المصرية، تبادر القوات الإسرائيلية، لانتزاع المبادأة، وتوجيه أعمال مضادة لإجهاض التحضيرات المصرية للهجوم، مع رفع درجات الاستعداد، وإجراءات التعبئة، والفتح العملياتي للاحتياطيات الإسرائيلية، استعداداً لتطوير القتال غرباً، طبقاً للموقف. تنفذ الخطط في تعاون وثيق مع نيران مركزة ومخططة للمدفعية، وفي ظل سيطرة جوية وحماية وسائل الدفاع الجوي والمقاتلات الاعتراضية.

عند التنسيق المشترك للعرب للقيام بأعمال هجومية شاملة، يتم القضاء على الموقف الأكثر خطورة، والذي يهدد أمن الأراضي الإسرائيلية، مع تثبيت باقي الجبهات، وينقل الجهد الرئيسي للقتال بالتتالي من جبهة لأخرى بسرعة وحسم.

تعتبر جنوب سيناء، في كل الأحوال محور ثانوي، لذلك يتم تأمينها، بقوات محدودة تحتل النقط والمناطق الحيوية، ويربط بينها بدوريات، ويسيطر على المناطق الهامة بكمائن، مع الاعتماد على الإسقاط المظلي والإبرار الجوي والبحري، لاستعادة الموقف والقضاء على القوات المصرية التي قد تنجح في الوصول إلى جنوب سيناء. تركز الجهود الدفاعية في جنوب سيناء، للاحتفاظ بشرم الشيخ.

3. احتمالات الخطة الدفاعية الإسرائيلية عن سيناء

أ. تصور نجاح القوات المصرية في عبور قناة السويس على المواجهة بالكامل، مع تحقيق نجاح على المحاور الرئيسية (الأوسط والشمالي)، أي عدم اكتشاف نية وتحضيرات الهجوم المصرية. في هذه الحالة تصد قوات الدفاع المحدودة، الموجودة في المواقع الدفاعية الهجوم المصري وتمنعه من الوصول للساتر الترابي، بالتعاون مع نيران المدفعية والقوات الجوية. وتهيئ الظروف المناسبة لتعبئة الاحتياط وإجراء الفتح العملياتي لثلاث مجموعات عمليات، كلٍ من لوائي مدرعات، ولواء مشاة آلية، وتدفع مجموعة على كل اتجاه عملياتي (الشمالي، والأوسط، والجنوبي) لصد وتدمير الهجوم المصري. تطور المجموعات الثلاث النجاح ـ طبقاً للموقف ـ وتعبر القناة غرباً، وتستولي على خط بعمق 30 كم غرب القناة وتؤمنه. مع الاحتفاظ بالسيطرة الجوية طوال العمليات.

ب. إذا اكتشفت إسرائيل نوايا القوات المصرية للهجوم، توجه ضربة جوية مركزة وقصف بالمدفعية بعيدة المدى ضد وسائل الدفاع الجوي والقواعد الجوية والأهداف الحيوية للحصول على السيطرة الجوية. وترفع درجة استعداد قوات الدفاع عن سيناء لتحتل النقط القوية والمواقع الدفاعية، مع استدعاء الاحتياط وتعبئة القوات وإجراء الفتح العمليات للقوات. تقوم قوات خاصة بشن هجمات في العمق ضد أهداف مختارة. وبنجاح الضربات الجوية يتم العبور غرباً بقوة لواء ضد دفاعات بورسعيد من الشرق والجنوب، واقتحام قناة السويس بقوة لواء مشاة ولواء مدرع، مع استغلال المسطحات المائية، والوصول إلى غرب القناة، خلف القوات المصرية، وتصفيتها. كما يتم إبرار جوي وبحري للواء مظلي أو مشاة مدعمه بالدبابات في منطقة بير عديب ـ وادي بدع (أو رأس غارب، أو الزعفرانة). تتم كل العمليات تحت سيطرة جوية وتأمين الساحل بالقوات البحرية.

ج. قد تتخذ القوات الإسرائيلية المبادأة، في ظل ظروف دولية مواتية، للقيام بأعمال هجومية، لتحقيق أهداف سياسية لإرغام مصر على قبول الشروط الإسرائيلية للتفاوض وعقد اتفاقيات معها، وذلك بتوجيه ضربة جوية شاملة مفاجئة، لتدمير شبكة الدفاع الجوي المصرية، وتكبيد القوات الجوية المصرية خسائر جسيمة، ثم التحول لتدمير القوات البرية والبحرية المصرية، وقصف العمق المصري والأهداف الاقتصادية والحيوية، لشل القدرة العسكرية المصرية، وإحداث ضغط شعبي داخلي. قد يستغل نجاح الضربة الجوية الإسرائيلية، لتصعيد العمليات، واقتحام قناة السويس، والوصول للمنطقة الخلفية للجبهة المصرية وتصفيتها، والاستيلاء على الضفة الغربية للقناة بالكامل، وتأمينها، والاستعداد لإعادة فتح القناة للملاحة الدولية، حسب الموقف.

الإستراتيجية العسكرية المصرية، وتجهيز مسرح العمليات، وخطة الهجوم "العملية بدر"

كان التخطيط المصري للعمليات، لبدء الحرب، يهدف إلى إهدار نظرية الأمن الإسرائيلية (الحدود الآمنة)، وتقويض أسس إستراتيجيتها العسكرية. وفي ظل الظروف الاقتصادية الصعبة التي تمر بها الدولة المصرية، والتعقيدات السياسية المعقدة، التي تثيرها إسرائيل بمساندة أمريكية، والأوضاع العسكرية بعد الهزيمة، خُطِطّْ للحرب، على أنها "حرب محلية شاملة، تستخدم فيها الأسلحة التقليدية فقط. ذات أهداف إستراتيجية، تقلب الموازين في المنطقة، وتتحدى نظرية الأمن الإسرائيلية ودعائمها الإستراتيجية. تمتد لفترة من الزمن، لتتيح للطاقات العربية الأخرى التدخل، وأهمها تشكيل موقف عربي موحد، واحتمال استخدام البترول كسلاح سياسي، حتى تفرض ثقلها على نتائج الحرب".

خامساً: الإستراتيجية العسكرية المصرية

لتحقيق إهدار نظرية الأمن الإسرائيلية، وتقويض الإستراتيجية العسكرية لإسرائيل، فإن الهدف الإستراتيجي هو "تحدي نظرية الأمن الإسرائيلي، بالقيام بعملية هجومية، يكون من ضمن أهدافها العمل على تحرير الأرض المحتلة، على مراحل متتالية، حسب نمو وتطور إمكانات وقدرات القوات المسلحة، وتكبيد العدو الإسرائيلي أكبر خسائر ممكنة في الأفراد والأسلحة، حتى يقتنع بأن استمراره في احتلال الأرض المصرية (في سيناء) يكلفه ثمناً باهظاً، لا يتحمله.

أسس بناء الإستراتيجية المصرية:

أ. الدروس المستفادة، من حرب يونيه 1967، وأهمها ضرورة الإعداد السياسي للحرب، وتحقيق عزلة سياسية لإسرائيل قبل بدء الحرب. كذلك كان من المهم أن لا تكلف القيادة السياسية، القوات المسلحة بعمل عسكري أكبر من قدراتها.

ب. تحدي نظرية الأمن الإسرائيلي، وذلك بالتغلب على الردع النفسي والسياسي والعسكري الذي تشكله تلك النظرية، والتي تعتمد على الاحتفاظ بالحدود الآمنة ـ من وجهة نظر إسرائيل.

كسرت حرب الاستنزاف، وما تم خلالها من اشتباكات وعبور وإغارات، حاجز الردع النفسي لدى الضباط والجنود، والقيادات التي خططت وأدارت تلك العمليات. وكسرت القيادة السياسية حاجز الردع السياسي باتخاذها قرار الحرب الذي كانت القيادة الإسرائيلية، تشيع بأنه "لا يوجد زعيم عربي لديه الشجاعة لاتخاذ قرار بالحرب"، الخطوة التالية كانت باتخاذ القيادة العسكرية قرار القيام بعملية هجومية شاملة، وليس حرب استنزاف أو معارك محدودة، كاسرة حاجز الردع العسكري، بعدم قدرة القوات المسلحة العربية وقادتها على خوض عمليات حربية كبيرة.

كان تحدي الحدود الآمنة، هو أكبر التحديات للنظرية الإسرائيلية والتي تعتمد على بناء قوات إسرائيلية شرق القناة في خطوطها الدفاعية المحصنة، والاحتفاظ بسيطرة كاملة على منطقة شرم الشيخ، لضمان مرور سفنها من مضيق تيران في خليج العقبة[5].

وكانت إسرائيل تعتمد لتحقيق نظريتها للحدود الآمنة، على:

(1) دفاعات قوية على الضفة الشرقية للقناة (خط بارليف الحصين).

(2) قوات جوية متفوقة كما ونوعاً تحقق سيطرة جوية تامة.

(3) وجود عسكري قوي في شرم الشيخ.

(4) حرب خاطفة، شرسة، قصيرة.

(5) إدارة عمليات حربية، ناجحة على جبهة واحدة.

(6) نظام معلومات متكامل، واستخبارات قوية، تمكنها من القيام بضربة إجهاض، وتهيئ لها فرصة كافية للتعبئة.

كفل التخطيط المصري التغلب على نقاط ارتكاز نظرية الحدود الآمنة، كالآتي:

(1) تخصيص قوات مدربة جيداً للعمل كعناصر "عاصفة" للاستيلاء على حصون خط بارليف.

(2) إنشاء شبكة صواريخ أرض / جو قوية، متكاملة (حائط صواريخ) ضمن نظام دفاع جوي متكامل يحير الطيران الإسرائيلي ويشل فاعليته.

(3) فرض السيطرة على المداخل البعيدة للبحار في المنطقة[6]، بواسطة قطع البحرية المصرية العاملة في أعالي البحار، بعيداً عن السيطرة الجوية الإسرائيلية، وذلك بقفل مضيق باب المندب (المدخل الجنوبي للبحر الأحمر) بواسطة مجموعة قتال من البحرية المصرية مكونة من مدمرات وغواصات يمكنها البقاء في منطقة العمل لفترة طويلة.

(4) التخطيط لإطالة زمن الحرب، والتوتر لفترة طويلة، تؤثر على الاقتصاد الإسرائيلي، والحياة العامة بالدولة الإسرائيلية.

(5) التنسيق مع الجبهات العربية الأخرى (خاصة سورية) لبدء القتال في توقيت واحد، وبقوة تشتت مجهود القوات الإسرائيلية، وتربك قياداته.

(6) التخطيط لخطة خداع دقيقة، تضلل الاستخبارات الإسرائيلية، إما بعدم حصولها على المعلومات، أو تسريب معلومات مضللة، يصعب كشف خطئها.

ج. إعداد الدولة للحرب، وقد بذلت جهود ضخمة، اشترك فيها معظم أجهزة وقطاعات الدولة. وقد أنشئ فرع خاص، لإعداد الدولة للحرب، في هيئة العمليات بالقوات المسلحة المصرية، كما وضعت كل وزارة خطتها لإعداد القطاعات التابعة لها، وأسلوب تعبئة جهودها أثناء الحرب بالتنسيق مع فرع إعداد الدولة للحرب.

كانت أهم الموضوعات لإعداد الدولة للحرب هي:

(1) توفير مخزون وقود كافي للقوات والدولة خلال الحرب.

(2) تأمين السدود والمنشآت الهندسية على المجاري المائية (نهر النيل وفروعه) خاصة خزان أسوان، والسد العالي.

(3) تأمين الإمداد بالطاقة الكهربية.

(4) تأمين طائرات ومكاتب شركة مصر للطيران، وأسلوب عملها أثناء الحرب.

(5) إنشاء شبكة الطرق التي تخدم الأعمال القتالية المقبلة، ورفع كفاءة واستيعاب الشبكة القديمة (شرق القاهرة وحتى قناة السويس طولياً وعرضياً).

(6) خطة عمل أجهزة الإعلام لإعداد الشعب عسكرياً ومعنوياً للحرب.

د. الاستفادة من الطاقات العربية المتنوعة، فقد كانت الفكرة السائدة، أن هناك دول مواجهة، تتحمل عبء الحرب ونتائجها، ودول مساندة تبذل جهد دبلوماسي، ودول غائبة عن الحضور طالما المشكلة لا تهمها من قريب أو بعيد، وهي غالبية الدول العربية. وترسب في النفوس اقتصار الصراع العسكري على مصر وسورية والأردن، وأن تقوم باقي الدول بجهد سياسي، أما الدعم المالي فحسب قدرة ورغبة الدول.(أُنظر ملحق قومية المعركة "الأفكار، والقرارات، والتنفيذ)

ولم يكن ذلك يحقق مساندة فعالة لدول تجمعها رابطة واحدة، ولديها طاقات كامنة. لذلك رؤي أن تشارك الدول العربية في كل صور الصراع، عسكرياً وسياسياً واقتصادياً، كل حسب طاقته بحيث تدعم دول المواجهة بوحدات من القوات المسلحة العربية الأخرى، حسبما تحتاجه في مسرح عملياتها، وتنسق الجهود السياسية بين الدول العربية في المؤتمرات والمحافل الدولية، وتستخدم الدول الطاقات الأخرى لديها سواء باستخدام أراضيها للانتشار (دول العمق)، أو أجواءها للعبور لحشد القوى، أو موانيها البحرية لاستقبال الاحتياجات المطلوبة من الخارج، أو موادها الخام التي يحتاجها العالم الخارجي (خاصة الغربي) مثل النفط كورقة ضغط.

سادساً: تجهيز مسرح العمليات على الجانب المصري (غرب قناة السويس)

بدأت القوات المصرية في تنفيذ مخطط لتجهيز مسرح العمليات، في إطار إعداد الدولة للحرب، ونفذ المخطط على مراحل منذ يونيه 1967، وحتى أكتوبر 1973، كل مرحلة نفذ فيها الأعمال التي تفيد في المرحلة التالية، طبقاً للتخطيط، وباكتمال تجهيز مسرح العمليات غرب القناة، أصبح ملائماً لتنفيذ خطة الهجوم الأخيرة (جرانيت 2 المعدلة ـ بدر).

شمل تجهيز مسرح العمليات، الأعمال التالية:

1. التجهيز الهندسي

وهو الجهد الرئيسي في العمل، وأكثرها أهمية، وكان له أسبقية متقدمة عما عداه، لأهميته في زيادة قدرات الوحدات المدافعة على الصمود، وتقليل خسائرها خلال اشتباكات حرب الاستنزاف، والهجمات الجوية الكثيفة، كما أنه ضروري لوقاية القوات في أوضاعها الأولية قبل بدء الهجوم، من الضربات الجوية ونيران المدفعية الإسرائيلية.

شمل التجهيز الهندسي، حَفّر وتحصين المواقع الدفاعية في نطاقات متتالية، وإنشاء حُفَرْ وملاجئ للأفراد والمركبات والأسلحة الرئيسية والمعدات، على طول الجبهة، وكذلك مراكز القيادة المختلفة، وتجهيزات نقاط المراقبة على الحد الأمامي.

كذلك جهزت مخاضات وكباري على المجرى المائي العذب غرب القناة، وفتحت ثغرات في حقول الألغام في عمق الدفاعات المصرية، والتي ستمر منها الارتال والقوات عند تحركها إلى مناطق العبور، والتي جهز بها حُفَرْ لانتشار المركبات حتى لحظة عبورها، ومهدت مناطق إسقاط معدات الكباري التي سيتم إنشاؤها (ساحات الإسقاط).

حتى لا تستطيع القوات الإسرائيلية ـ في مواقعها على الضفة الشرقية ـ التدخل في حركة القوات المصرية في الغرب لعرقلة العبور، زيد ارتفاع الساتر الترابي على الجانب المصري[7]، وأنشئ فوقه قواعد رميّ للدبابات (مصاطب) للرماية المباشرة على الأهداف التي قد تظهر[8]، على الساتر الترابي الإسرائيلي، أثناء التحرك أو العبور. كما أنشئ سواتر صناعية ترابية كذلك، في العمق، روعيّ أن تكون بالارتفاع والزاوية التي تخفي التحركات الآتية من العمق، عن مراقبة العدو، وأقيم فوقها ستائر معدنية عاكسة وشبكية، لتشتيت أشعة التنشين والقياس الرادارية، واصطياد الصواريخ الموجهة المضادة للدبابات، لو حاولت القوات الإسرائيلية إصابة الأرتال المتحركة.

طورت شبكة الطرق المؤدية إلى الجبهة، حتى الساتر الترابي الغربي، كما أنشئ العديد من الطرق الإسفلتية والممهدة بأطوال بلغت 2000 كم، طولية للإمداد والإخلاء الإداري والطبي والفني، وعرضية للمناورة بالقوات، والأسلحة، والاحتياجات الإدارية.

نسق مع مواقع النيران للأسلحة، أمام وفي عمق الدفاعات المصرية، حقول ألغام مضادة للأفراد والمركبات، كذلك دعمت المواقع بأسلحة مضادة للدبابات نسقت نيرانها مع خطة الإعاقة.

2. المطارات والقواعد الجوية

أنشئ حوالي عشرين مطاراً جديداً، وأعدت ممرات تبادلية بكل المطارات والقواعد الجوية. وجهزت ملاجئ محصنة للطائرات والمعدات الفنية، تم فيها حفر وردم بحجم 24 مليون متر مكعب، وخرسانة مسلحة تجاوزت 1.5 مليون متر مكعب، وأكثر من مليوني متر مكعب أحجار (تعادل حجم الهرم الأكبر بالجيزة)، ومليون ونصف مواد أسفلتية، وجهزت كل دشم الطائرات ببوابات من الصلب بلغ وزنها 15 ألف طن من الصلب[9].

3. تجهيزات العبور

بخلاف ساحات الإسقاط، والتي جهزت بكثافة، تجعل من الصعب على القوات الإسرائيلية تحديد أيها الذي سيستخدم، كما طورت الكباري العسكرية القديمة لزيادة كفاءتها، وصُنّعت أجزاء إضافية لتستخدم في إصلاح ما يدمر أثناء الاشتباكات. كما صنعت سترات النجاة للطفو عند السقوط في المياه والزوارق الخفيفة.

4. نقط الرسو والموانئ البحرية

انتشار القطع البحرية، في موانئ ومرافئ بعيدة عن مدى الطائرات الإسرائيلية، لذلك جهزت بأرصفة إضافية للمجهود الحربي، كما أنشأت نقط رسو عسكرية في أماكن متفرقة، وزيد حجم التجهيز الهندسي والتحصين للمعدات والمنشآت بالقواعد البحرية، وجهزت مواقع هندسية للدفاع عندها ضد المتسللين والمغربين وكذلك لوسائل الدفاع الجوي التي ستدافع عنها ضد الهجمات الجوية الإسرائيلية.

5. مناطق التدريب على مهام العمليات

حتى يكون تدريب القوات واقعياً، ومفيداً، كان لا بد أن يتم التدريب على ما سوف تكلف به القوات من مهام. لذلك تم تجهيز ميادين تدريب في مناطق مختلفة من الأرض مشابهه تماماً لتلك التي سيجري فوقها القتال. وتم تعديلها لتكون مطابقة للأرض في مسرح العمليات، وأنشئ بها سواتر ترابية بنفس الحجم (بطول أقل)، كما كان يعاد التجهيز عقب كل تدريب، لتصبح كما كانت، في نفس صورة وصعوبة الأرض الحقيقية.

6. قواعد الصواريخ أرض/جو

تعتبر الأعمال الهندسية، لإقامة شبكة الصواريخ المضادة للطائرات المصرية، والتي سميت حائط الصواريخ، أحد المعالم البارزة في تجهيز مسرح العمليات، إذ تمت تحت نيران مدفعية وطائرات العدو، بواسطة الشركات الهندسية المدنية، والقوات المعاونة لهم، وإشراف المهندسين العسكريين. ورغم الخسائر العالية في الأفراد وتدمير جزء غير يسير من المواقع أثناء البناء، فقد استمرت عملية البناء، واستكملت خلال فترة وقف إطلاق النار (8 أغسطس 1971 ـ 6 أكتوبر 1973).

7. التجهيزات الإدارية والفنية

أنشئ العديد من المستودعات والمخازن، لتخزين احتياجات المعركة في المناطق الخلفية للفرق والجيوش الميدانية، وجهزت هندسياً لوقايتها من التدمير بالهجمات الجوية. وقد شملت مباني للتخزين، وصهاريج مدفونة للسوائل من وقود ومياه، وحُفَرْ للمركبات الإدارية، وطرق إمداد وإخلاء، ووصلت المناطق الإدارية بالطرق الرئيسية، وطرق المناورة. كما أنشئت مستشفيات ميدانية (بعضها تحت الأرض) وجهزت لاستقبال الجرحى وعلاجهم، وكذلك أعيد تجهيز المستشفيات العسكرية، وعبئ بعض المستشفيات المدنية لصالح المجهود الحربي.

أنشئ محطات إمداد وإصلاح فنية على محاور التحرك الطويلة، ومستودعات وورش فنية لخدمة التشكيلات في مناطق عملها.

سابعاً: الخطة الهجومية المصرية (جرانيت 2 المعدلة ـ بدر) (أُنظر شكل خطة العمليات جرانيت 2)

هدفت الخطة المصرية للهجوم، إلى القيام بعملية هجوم شاملة على طول مواجهة الجبهة المصرية، محدودة العمق (حتى المضايق الجبلية الغربية)، تؤدي إلى تحريك قضية الاحتلال الإسرائيلي للأرض منذ يونيه 1967، بالتعاون مع القوات السورية على الجبهة الشمالية، لتحرير هضبة الجولان. وقد وضعت الخطة على ضوء الإستراتيجية العسكرية لكل من إسرائيل ومصر.

تم الاتفاق بين مصر، وسوريه، على التنسيق بين الجبهتين، بتعيين قائد عام واحد للجبهتين ـ القائد العام للقوات المصرية ـ يعاونه طاقم من ضباط الأركان. كما عين منسق عام بين الجبهتين، من القيادة المصرية كذلك.

1. فكرة الخطة[10] (أُنظر ملحق الخطة ل)

تقضي فكرة الخطة باقتحام قناة السويس، بجيشين ميدانيين (الثاني والثالث) على طول المواجهة (175 كم) وإنشاء رؤوس كباري للجيوش شرقاً، بقوة خمس فرق مشاة وقطاع بورسعيد العسكري، بعمق 15 ـ 20 كم، مؤمنة بواسطة قوات الدفاع الجوي.

بعد وقفة تعبوية (أو بدونها) تطور القوات المصرية هجومها شرقاً حتى خط المضايق الجبلية الغربي واحتلاله والتشبث به وتأمينه.

بالنجاح في تنفيذ الخطة، تصبح القوات الإسرائيلية في مناطق مكشوفة وسط سيناء، لا تساعد عواملها الطبوغرافية على إنشاء الدفاعات بها، وهي ذات مواجهه متسعة، بحيث لا تستطيع القوات الإسرائيلية، توفير القوات اللازمة للدفاع عنها، مع تعرضها المستمر للهجمات المصرية، شرق المضايق، حسب تطور الموقف.

تؤمن القوات البحرية المصرية السواحل، وتتعرض لخطوط المواصلات البحرية الإسرائيلية، في مضيق باب المندب، لإيقاف الملاحة من وإلى إيلات، للتأثير على اقتصاد إسرائيل، وحرمانها من إمدادات النفط الإيرانية.

2. متطلبات تنفيذ فكرة الخطة

أ. التنسيق الكامل مع القيادة السورية السياسية والعسكرية لكل مراحل التنفيذ، وترتيبات الأعمال الرئيسية، لذلك صدر قرار في 10 يناير 1973، من مجلس اتحاد الجمهوريات العربية ـ وكان يضم مصر وسورية وليبيا ـ بتعيين الفريق أحمد إسماعيل علي، القائد العام المصري، قائداً عاماً للقوات الاتحادية، وتعيين اللواء بهيّ الدين نوفل رئيساً لهيئة عمليات القيادة الاتحادية، ومن خلال تلك القيادة كان يتم التنسيق بين الجبهتين، ووضعت أسس التعاون بينهما في كل مرحلة.

كان من الواضح أن الجبهة السورية (جغرافياً وإستراتيجياً) تفرض أن يكون الهدف النهائي لها، التحرير الكامل لهضبة الجولان (25 كم عمق) والوصول إلى خط نهر الأردن ـ الشاطئ الشرقي لبحيرة طبرية. ويعني ذلك، في حالة نجاح القوات السورية، تهديد الكثافة السكانية في شمال إسرائيل والأهداف الهامة والحيوية بها، مثل القرى والمدن، ومطارات رامات دافيد والمطلة وصفد وطبرية، ومشروع تحويل نهر الأردن، ومشروع روتنبرج الهيدروكهربائي، لوقوعها جميعاً في مدى رميّ المدفعية والصواريخ بعيدة المدى السورية. كذلك فإن مينائي عكا وحيفا الرئيسين، على ساحل البحر المتوسط، يصبحا على مسافة 50 كم من موضع الخط النهائي، يمكن للمدرعات السورية اجتيازها خلال يوم قتال، طبقاً للمعدلات العالمية.

تساعد طبيعة الأرض المفتوحة في سيناء، الممتدة شرق المضايق بعمق 225 كم تقريباً، على أن تولي إسرائيل اهتماماً أكبر بالجبهة السورية قدر نشوب القتال، وهو ما يهيئ للمصريين الفرصة، لتطوير هجومهم شرقاً للوصول لخط المهمة النهائية على المضايق الجبلية الغربية لسيناء.

ب. التغلب على مشاكل اقتحام قناة السويس والاستيلاء على خط بارليف الحصين. (أُنظر ملحق الأفكار المصرية المبتكرة للتغلب على مشاكل العبور "التجارب والحلول")

ج. إعداد القوات وتجهيزها وتدريبها بما يتناسب مع المهام التي ستنفذها.

د. تجهيز وإعداد مسرح العمليات، والذي كان قد أوشك على الاكتمال، وقت الانتهاء من التخطيط ووضع تفاصيل الخطة الهجومية.

هـ. إتاحة الفرصة للمرؤوسين، حتى المستوى العملياتي/ التكتيكي، مستوى الفرق، لإجراء تقديرهم لموقف قواتهم، في ضوء حجم وإمكانيات القوات الإسرائيلية أمام كل جيش أو فرقة، وحجم التجميع القتالي لقواته المرؤوسة والمدعمة له، والمهمة المكلف بها، وطبيعة الأرض في قطاعه، ومهام القوات المجاورة له، ليتخذ قراره لتنفيذ المهمة، وإعطاء الأوامر للمستويات الأدنى لتجهز نفسها للقتال.

3. الهدف من الخطة

تهدف الخطة إلى تدمير أكبر حجم ممكن من القوات الإسرائيلية، وإلحاق خسائر جسيمة بالأفراد. وإضعاف قدرات القوات الجوية الإسرائيلية وشل فاعليتها، وشل وإرباك القيادات على مختلف المستويات لفترة زمنية كافية، لبناء رؤوس كباري على الضفة الشرقية واستقرارها وثباتها. العمل على عرقلة تحركات العدو، وحرمانه من قدرات المناورة التي تميز بها، مع إجباره على القتال على أكثر من جبهة واحدة في نفس الوقت.

4. العوامل التي روعيت عند وضع الخطة (بالنسبة للقوات المصرية)

أ. الاستعداد للعمل تحت ظروف التفوق الجوي الإسرائيلي.

ب. العمل على تدمير القوات الإسرائيلية، خاصة الدبابات، على مراحل.

ج. امتصاص ردود فعل العدو، والاستعداد الدائم لصد هجماته المضادة.

د. استمرار الضغط على العدو، والهجوم على طول المواجهة معه، لتشتيت قواته، وإرباك قياداته.

5. خطة الخداع الإستراتيجية، والعملياتية (أُنظر ملحق خطة الخداع الاستراتيجي/ العملياتي المصرية في حرب أكتوبر 1973)

لإخفاء نوايا الهجوم، وتضليل الاستخبارات الإسرائيلية، نفذت خطة خداع إستراتيجية وعملياتية، وشملت عدة مظاهر:

أ. تنفيذ تحركات عسكرية كثيفة، وكثيرة، تحت ستار التدريب، مع التغيير المستمر في حجم القوات المتحركة كل مرة.

ب. إنهاء خدمة 20 ألف جندي قبل بدء العلميات بيومين فقط.

ج. تأخير إبلاغ الخطة والمهام للقيادات الصغرى لآخر وقت ممكن، والتدرج فيها، بحيث وصلت حتى الجندي قبل بدء القتال بساعة واحدة فقط.

د. تخطيط حملة إعلامية، منسقة مع الجهود الدبلوماسية لتضليل القيادة الإسرائيلية وخداع أجهزة الاستخبارات الأجنبية (خاصة الغربية).

هـ. تحريك معدات المهندسين للعبور (خاصة الكباري)، وحدات الدعم للأنساق الأولى، ومصادر النيران الغير تقليدية تحت ستار الظلام ليلاً، وفي آخر وقت ممكن[11].

 



[1] الضفة الغربية للقناة ملاصقة لأرض زراعية وقرى ومدن، على طول الضفة من بور سعيد إلى السويس، لذلك كانت الأتربة الناتجة عن أعمال التطهير والتوسيع والتعميق تلقى على الضفة الشرقية، مكونة، على مدار تاريخ القناة ساتر ترابي عشوائي، تراوح ارتفاعه ما بين 6 إلى 10 أمتار وعلى مسافة قليلة من المجرى المائي للقناة.

[2] نسبة إلى رئيس الأركان الإسرائيلي وقتها، الجنرال حاييم بارليف، والذي أمر بإنشاء الخط الدفاعي، على شكل نقط قوية محصنة.

[3] السرية المشاة الإسرائيلية أربع فصائل.

[4] استطاعت أجهزة الاستخبارات المصرية، على مختلف مستوياتها، الحصول على أدق التفاصيل، أولاً بأول عن إعداد إسرائيل لمسرح العمليات في سيناء وفي العمق داخل أراضيها كذلك، وقامت بالحصول على صور حديثة، دائماً، للدفاعات الإسرائيلية وتطورها، وتأثير الاشتباكات في حرب الاستنزاف عليها.

[5] المشكلة التي تعللت بها لشن الحرب في يونيه 1967.

[6] كل البحار في المنطقة العربية إما مقفلة (البحر الميت) أو شبه مقفلة، ذات مداخل محدودة (البحر المتوسط، البحر الأسود، البحر الأحمر، الخليج العربي) عدا السواحل العمانية واليمنية الجنوبية (على بحر العرب المفتوح على المحيط الهندي) والصومالية (على المحيط الهندي) والمغرب وموريتانيا (على المحيط الأطلسي).

[7] كان في بعض المواضع يزيد عن ارتفاع الساتر الترابي المقابل، 4 ـ 6 م، وقد شاركت في إنشاؤه شركات أعمال هندسية ومقاولات مدنية عديدة.

[8] يبلغ حجم الواحدة 180 ألف م2 من الرمال، في المتوسط، وبلغ حجمها جميعاً، على طول المواجهة، حوالي 10 مليون م2.

[9] أدخل في تنظيم المطارات والقواعد الجوية، عناصر مهندسين عسكريين، مجهزة بمعدات، تمكنها من استعادة كفاءة المنشآت بالمطار أو القاعدة الجوية في وقت وجيز، خاصة ممرات الإقلاع والهبوط.

[10] قدم رئيس دولة عربية، في وقت لاحق، خطة هجوم مصري ـ سوري ـ عربي، طبقاً لتصوره الشخصي، واشترط العمل بها، ويعلن رسمياً عدم مشاركة دولته في تلك الكارثة، والتي ربما تكون النهاية للأمة العربية

[11] استخدم المصريون صواريخ أرض/ أرض قصيرة المدى، لقصف تحصينات خط بارليف سميت التين والزيتون، وهي مخزون من بقايا مشروع الصواريخ الباليستية المصري الذي لم يكتمل (القاهر، والظافر).