مقترحات البحث الأشكال والخرائط الصور المحتويات

مقاتل من الصحراء

أهدافُ التحَالف العربي من الحَرب (تابع)

          لاحظ كل من تابع عن كثب أحداث مؤتمر القمة، أن طه ياسين رمضان الرجل الثالث في العراق وممثله في ذلك المؤتمر، حاول جاهداً أن يؤكد لنا أن ضمّ الكويت أو إعادة الفرع إلى الأصل، على حد تعبيره، لا يشكِّل أي خطر على المملكة، وأنه ليس لدى العراق نوايا عدوانية ضد المملكة. أمّا من وجهة نظرنا نحن، ولاعتقادنا أن ثمة مؤامرة تدبر ضدنا، فلم يكن لتلك التأكيدات أي معنى. فباحتلاله دولة الكويت حتى إن لم يتجاوزها، شكّل صدّام تهديداً لأمننا، ولا يسعنا أن نقف في مواجهته مكتوفي الأيدي.

          ومع ذلك، أثارت تصريحات رمضان لغزاً محيراً حول صدام! هل كان في نيته أن يشنّ هجوماً على المملكة؟ ولو كانت لديه هذه النية، فَلِم لمْ يشنّ هجومه في الشهر الأول، والتحالف ما زال قيد التجمع؟ ولِمَ أتاح لأعدائه حشد قواتهم دون أن يبذل أية محاولة لإجهاض تحضيراتهم؟

          وكما ذكرت في وقت سابق، كان هاجسي الأول احتمال تقدم قوات صدّام إلى المنطقة الشرقية، إذ لم أكن قادراً على إيقافها بما لدي من قوات محدودة. كما خشي الأمريكيون أيضاً من إقدام صدّام على استخدام الأسلحة الكيماوية ضد الوحدات الخفيفة التسليح من الفِرقة 82 المحمولة جواً، التي بدأت بالوصول منذ أوائل شهر أغسطس. فمثل هذا الاحتمال، لو حدث بالفعل، لأشاع الرعب والشلل، ولأنزل بالتحالف خسائر بشرية فادحة، ولأضعف، فـي الوقت نفسه، قوة التأييد في الولايات المتحدة للتدخل الأمريكي.

          فاجأ صدّام العالم في يوم 15 أغسطس حين عرض على إيران فرصة لتحقيق السلام! فقد وافق بالكامل على جميع الشروط الإيرانية، بما في ذلك سحب جميع القوات العراقية من الأراضي الإيرانية في اليوم التالي مباشرة، وإطلاق جميع أسرى الحرب الإيرانيين، والتقيد ببنود اتفاقية الجزائر لعام 1975، وهي الاتفاقية التي مزّقها في بداية الصراع العراقي-الإيراني. وبجرّة قلم، بدا وكأنّ صداماً يعلن للعالم أن الحرب التي شنّها على إيران طوال ثماني سنوات، هي حرب باطلة وكأنها لم تكن، وأن الأهوال والويلات والخسائر الفادحة التي لحقت بالبلدين، ذهبت هباءً منثوراً! وعندما تبين لنا أن القوات العراقية تنتقل من الحدود الإيرانية إلى جبهتنا، أيقنت أن الحرب قادمة لا محالة.

          أصبح من الواضح في أوائل سبتمبر، أن صدّام حسين ، مهْما كانت نواياه، لم يعد قادراً على مهاجمة المملكة. ويصعب التكهن إن كان قد فكر في ذلك من قبل أم لا، فذاك سؤال تتكفل الأيام بالإجابة عنه. ففي شهر إبريل عام 1989، زار الملك فهد بغداد تلبية لدعوة من صدّام حسين. وقال الزعيم العراقي، في تلك المناسبة، إن الشعب بكامله يريد أن يعبّر عن شكره وامتنانه للمملكة لمساندة العراق ودعمه في حربه على إيران. وطاف الزعيمان في سيارة مكشوفة شوارع المدينة، وسط تصفيق الجماهير وهتافاتها. وفي تلك الزيارة، طلب صدّام إلى الملك توقيع معاهدة عدم اعتداء لكي "نُبَيّن للعالم أنه لا توجد بيننا أية خلافات"، على حدّ تعبيره. ووقّع صدّام معاهدة أخرى مماثلة مع البحرين ولكنه لم يُبْدِ أية رغبة في توقيع مثل هذه المعاهدة مع الكويت التي كان يعتبر أن لها وضعاً خاصاً.

          بعد توقيع المعاهدة وقبل غزو الكويت بشهرين، زار صدّام الملك فهداً زيارة ودية في حفر الباطن رداً لزيارة الملك له في بغداد وعندما ذهبتُ إلى حفر الباطن يوم 18 أغسطس أثناء جولتي التفقدية بعد الغزو، علمتُ أن صور صدّام التي كانت قد وضعت احتفاءً به، لم تُنزع عن جدران نادي الضباط إلاّ في صباح ذلك اليوم!

          في الأيام التي أعقبت الغزو، دهشت من سلوك الجنود العراقيين عندما يضلون الطريق ويدخلون "المنطقة المحايدة" القديمة جنوبي الكويت كانوا إذا عبروا داخل منطقة من أراضينا، انسحبوا فوراً وأبدوا أسفهم لذلك، مما يدل على أن أوامر مشددة كانت لديهم بعدم انتهاك حرمة الأراضي السعودية، ولو شبراً واحداً. وذكر لأمير محمد بن فهد، أمير المنطقة الشرقية، أنه خلال الأيام الأربعة الأولى التي أعقبت الغزو، كان الجنود العراقيون يعامِلون السعوديين في الكويت باحترام بالغ، ويسمحون بالمرور لكل من يحمل جواز سفر سعودياً، حتى إن عدداً من السيارات التي تحمل لوحات سعودية، دخلت الكويت المحتلة لإنقاذ أقارب بعض الكويتيين الذين لجأوا إلى المملكة.

          أمعنتُ التفكير، بعد ذلك، في سبب هذه المعاملة الخاصة للسعوديين، ورجّحتُ أن صداماً ربما كان يأمل في ابتلاع الكويت دون أن يضطر إلى الدفاع عن احتلاله لها أو المضيّ إلى ما هو أبعد من ذلك. ولعله وضع في حسبانه أنه إذا شنّ هجوماً على المملكة فسيواجِه عندئذٍ أعباء جسيمة في الإمداد والتموين، وربما دفع الغرب إلى القيام بعمل عسكري ضده. ولعله فكّر أن مثل ذلك الهجوم لا مبرر له أصلاً، خصوصاً بعد ما وجد أن فـي إمكانه السيطرة على المنطقة بكاملها، بما في ذلك المملكة، من خلال استيلائه على الكويت وحدها. ومن ناحية أخرى، ربما أحْجم صدّام أيضاً عن مهاجمة المملكة خوفاً من أن يؤدّي ذلك إلى تأليب العالم الإسلامي ضده.

          ولو صدق تحليلي هذا، فلا شك أن رد الفعل الدولي كان صدمة قاسية لصدام، فقد جاء سريعاً وحاسماً. فبحلول منتصف شهر سبتمبر كان ما يزيد على 100 ألف جندي أمريكي قد وصلوا إلى المملكة. كما فَقَدَ صدّام زمام المبادأة منذ أن بدأت قواته تتخذ مواقعها الدفاعية في الكويت وإذا رجعنا بذاكرتنا إلى الوراء، فسوف نجد أن صداماً لم يَسْتَعِد زمام المبادأة بعد ذلك قط. ففي الفترة الفاصلة بين الغزو الذي وقع في أغسطس 1990 والحرب التي اندلعت في يناير1991، وهي الفترة التي حشد فيها التحالف قواته العسكرية، وكان في استطاعة صدّام أن ينسحب من الكويت منقذاً نفسه وبلاده من الدمار، وقف مكتوف اليدين، كما لو كان مسلوب الإرادة.

سابق بداية الصفحة تالي