مقترحات البحث الأشكال والخرائط الصور المحتويات

مقاتل من الصحراء

أهدافُ التحَالف العربي من الحَرب (تابع)

          وثمة سؤال يطرح نفسه هنا حول مدى اتفاق أعضاء التحالف على الأهداف من حرب الخليج. فقد واجه الرئيس بوش ووزير خارجيته جيمس بيكر، بعض الانتقادات من معلقين أمريكيين وأوروبيين، لإعلانهما عن أهداف مختلفة للحرب في أوقات مختلفة. فهل كان الهدف الرئيسي هو الدفاع عن المملكة؟ أم إحباط محاولة صدّام ضم الكويت؟ أم ضمان استمرار تدفق النفط من الشرق الأوسط إلى الغرب؟ أم تدمير آلة صدّام الحربية، لا سيما قدراته الكيماوية والنووية؟ أم كان الهدف معاقبة المعتدي وفرض سلطة الأمم المتحدة وحسب؟ إن التحدث عن هذه الأهداف جميعها في مناسبات مختلفة، فتح الباب على مصراعيه أمام الاتهام، ليس فقط التخبط، بل بتعمُّد إخفاء الحقائق أيضاً.

          ولتحديد الأهداف، كان على الرئيس بوش ومعاونيه تقديم أسباب مقنِعة يقبلها الشعب الأمريكي ويوافق عليها. وقد أدى ذلك، في الواقع، إلى تغيير مضامين الموضوعات وأسبقياتها. ولكن ثمة عاملاً آخر كان خافياً على الرأي العام، آنئذٍ، هو خطة الخداع التي رسمتها دول التحالف. كان لهذه الخطة عنصران بارزان أولهما، إخفاء النوايا الحقيقية والأهداف النهائية للتحالف عن صدّام وثانيهما، المبالغة في تضخيم قوته في التصريحات الرسمية لكي يتكوَّن لديه إحساس زائف بالأمان. كان ذلك سبباً لترويج الأكذوبة التي تقول: "إننا نتصدى لرابع جيش في العالم"، الجيش الذي وصفه ديك تشيني بأنه جيش "متمرس بالقتال" قوامه مليون ونصف المليون جندي و 5000 دبابة و 1000 طائرة. فلم تكن تلك الأرقام مقبولة من كل القادة العسكريين للتحالف، ولم يكونوا مقتنعين حقيقة بقدرات العراق القتالية. فكل تلك التصريحات لم تكن سوى خدعة حربية، لينعم صدّام بالزهو والأمان الزائفين.

          مع ذلك كله، لم يعتقد أحد، في تلك المرحلة، أن الانتصار على العراق سيكون أمراً سهل المنال. كان هناك خوف دائم من احتمال لجوء صدّام إلى استخدام الأسلحة الكيماوية، أو إلى شن غارات جوية انتحارية على أهداف حيوية، مثل مصافي النفط أو السفن الحربية لقوات التحالف، إذا وجد نفسه في موقف عسكري حرِج. كان يُنظر إلى صدّام على أنه عدو متهوّر، لا يمكن التكهّن بخطواته. وأن لديه القدرة على مباغتة قوات التحالف.

          ففي بادئ الأمر، عندما كان التحالف رَهْن التكامل، وكان خطر هجوم العراق على المنطقة الشرقية قائماً، رأينا من الحكمة أن يكون هدفنا المعلَن من الحرب هو الدفاع عن المملكة، لا أكثر. وكان الاتجاه حينئذ الإعلان أن إخراج صدّام من الكويت يمكن أن تحققه العقوبات الاقتصادية. ولهذا السبب، لم نذكر شيئاً البتة عن دخول الكويت وبدءاً من شهر أكتوبر، ازداد التحالف قوة. ولَمّا لم يتزحزح صدّام عن موقفه، ازدادت لهجتنا حدّة. فأعطينا إشارة واضحة فحواها أننا سنحرر الكويت بقوة السلاح، إذا اقتضى الأمر. لكن قوات التحالف لم تصرّح، حتى ذلك الحين، بما يفيد أن تحرير الكويت قد تضمن مهاجمة العراق نفسه، وقد صدرت هذه الإشارات في مرحلة لاحقة، بعد تعزيز قواتها واستكمال استعدادها.

          كانت نظرة العرب إلى الأحداث، في بداية الأمر على الأقل، مختلفة بعض الشيء عن نظرة الأمريكيين إليها. فنحن لا نحمل ضغينة للشعب العراقي، فهم أخوة أشقاء لنا. وكان اضطرارنا إلى اتخاذ القرار بقتالهم أمراً مؤلماً، فلم نكن نتصور أبداً أن القوات العربية يمكن أن تقاتل العراق! كما صرح الملك فهد أن هدف الحرب هو إرغام صدّام على الانسحاب إلى حدوده من أجل إعادة الحكومة الشرعية إلى الكويت وإزالة الخطر الذي يهدد أمن المملكة. وبُذلت جهود جبارة من جانب جامعة الدول العربية ومنظمة المؤتمر الإسلامي والأمم المتحدة والدبلوماسيين الفرنسيين والسوفيت ومن القادة العرب الكثيرين ومن الوسطاء الغربيين لإقناع صدّام بالانسحاب سلماً وتجنب تعرّضه للهجوم، ولكنه أبى أن يستجيب لتلك المساعي ورفض الانسحاب.

          ومع استمرار صدّام خَطَراً، ازداد موقفنا صلابةً. كـان علينا، في نهاية المطاف، أن نعترف بأنه لا العقوبات الاقتصادية وحدها ولا نداءات المجتمع الدولي ستجعله يثوب إلى رشده . فبعد أن أذاع صدّام على الملأ أن الكويت هي المحافظة العراقية التاسعة عشرة، أعلن الجهاد ضدنا، ودعا إلى الإطاحة بالملكية، وهدد بتدمير حقول النفط الكويتية والسعودية، إذا لم تُرفع عنه العقوبات الاقتصادية. وهكذا أجبرنا تهديده وتعنُّته على أن تتوازى أهدافنا مع أهداف الحلفاء الغربيين.

          وقد تبين لنا، مع الأسف الشديد، أن صداماً سيبقى تهديداً يتربص بنا في المدى الطويل، إن خرجت آلته الحربية سليمة من هذه الأزمة. وبتوصلنا إلى تلك النتيجة، لم يعد أمامنا خيار سوى التخطيط للحرب وإعداد العدة لها.

سابق بداية الصفحة تالي