مقترحات البحث الأشكال والخرائط الصور المحتويات

مقاتل من الصحراء

أهدافُ التحَالف العربي من الحَرب (تابع)

          وفي خطابه المشهور في التاسع من أغسطس، وصف الملك فهد غزو الكويت بأنه: "أفظع عدوان عرفته الأمة العربية في تاريخها الحديث". وشرح الجهود التي بذلتها الحكومة السعودية لاحتواء النزاع بين العراق والكويت. وكرر تأكيد مطالب المملكة بإعادة الأوضاع إلى ما كانت عليه قبل الغزو العراقي وعودة الأسرة الكويتية الحاكمة. وذكر الأسباب التي أدّت إلى دعوة القوات العربية والصديقة لمساندتنا في الدفاع عن أرضينا والحفاظ على مصالحنا الحيوية وتعزيز قدراتنا العسكرية. وشدّد على أن وجود هذه القوات في المملكة إجراء مؤقت، وأنها سوف ترحل دون إبطاء، عندما يطلب منها الرحيل. وكرر القول أن الترتيبات التي اتخذتها المملكة هي ترتيبات دفاعية في المقام الأول، وليست موجَّهة ضد جهة محددة أو شخص معين.

          ومن المؤكد أن غزو صدّام الكويت أتاح لنا فرصة لمعرفة العدو من الصديق. وسواء أَعَلَى خطأ كنّا أم صواب، فقد ساد لدينا الاعتقاد بان الأردن وفلسطين واليمن حتى السودان تآمرت مع صدّام للسيطرة على الخليج. ومما زاد في شكوكنا إحجام الملك حسين وياسر عرفات والرئيس علي عبدالله صالح عن إدانة العدوان العراقي. فالزعماء الذين ظلوا لسنوات خَلَت ينهلون من المساعدات السعودية، ينحازون اليوم إلى جانب المعتدي ويبحثون عن حلول للأزمة تُعدّ، في الحقيقة، مكافأة له على عدوانه! لم يكن مستبعداً، وجيوش صدّام على الأبواب، أن يعاود الملك حسيناً حلمه باستعادة الحجاز التي كـانت تخضع لحكم جده الأكبر! وأن يحلم الرئيس اليمني علي عبدالله صالح بالاستيلاء على منطقتنا الحدودية في عسير! وأن يتخيل الفلسطينيون في الكويت أن في إمكانهم إقامة وطن قومي مؤقت لهم هناك، تحت حماية صدّام ريثما تتم استعادة فلسطين من اليهود! فهل كان هؤلاء الزعماء على علم مسبق بمخططات صدام؟ وهل كانوا يطمحون للاستفادة من عدوانه؟ أم أنهم كانوا يعتمدون عليه اعتماداً تاماً جعلهم يعجزون عن شجْب عدوانه؟ إن الإجابات عن هذه الأسئلة كلها بشكل مؤكد، ما زالت مجهولة حتى الآن.

          يشاع أن بعض مؤيدي صدّام ومنهم ياسر عرفات نفسه، حاولوا إقناع الزعيم العراقي بالانسحاب من الكويت قبل فوات الأوان. ولعل بعضهم أراد أن يكون له رأي في سياسة ستعود بالضرر عليهم جميعاً، كما يُستشَف من القصة التالية: علمت أخيراً من مصدر موثوق أن الرئيس العراقي دعا الملك حسيناً وياسر عرفات وعلي سالم البيض، الزعيم الاشتراكي اليمني الجنوبي، لتناول الغداء في بغداد في أوائل يناير 1991. وبينما هم يناقشون موضوع العاصفة المرتقبة، ولم يبقَ سوى أيام قلائل على انتهاء فترة إنذار الأمم المتحدة المحدد لها الخامس عشر من يناير 1991، استجمع علي سالم البيض شجاعته وقال: "يبدو أنه لا مفر من الحرب الآن. ولكن على الرغم من أننا جميعاً في قارب واحد، فإنك ( أي صدّام ) تنفرد وحدك بتسيير الأمور. إن الوضع جدّ خطير، ولا يمكن لشخص واحد أن يعالجه بمفرده، وأعتقد أنه يجب استشارتنا في كل مرحلة، وأن تتاح لنا المشاركة في صنع القرارات". انتهت القصة من دون الإشارة إلى رد صدّام أو تعليقه.

          لا شك في أن الفلسطينيين اعتقدوا أن صداماً بلغ حداً من القوة يستطيع معه مساعدتهم على تحقيق أهدافهم. فقد حاز صدّام على تأييد الشارع العربي الذي تشبّع بدعاياته في وقت كان يتطلع فيه هذا الشارع إلى زعامة قوية. كما نجح في استقطاب وسائل إعلام في كثير من الدول العربية من خلال مساعدات مادية سرية، إذ أهدى عدد من سيارات المرسيدس لكثيرين من كبار المسئولين. كما قام بتمويل عددٍ من الأحزاب السياسية في المنطقة. فضلاً عن تقديمه الأسلحة إلى الحكومات التي كانت تواجِه أزمات مثل موريتانيا والسودان واليمن. وأصبح الاقتصاد الأردني نتيجة الحرب العراقية-الإيرانية، يعتمد اعتماداً أساسياً على العراق كما أن العنصر الفلسطيني الموجود في الأردن الذي كان يشكِّل 60% من مجموع السكان، أضاف ضغوطاً أخرى على الملك حسين كي يقف إلى جانب صدّام.

          ومع تقديرنا لمدى اليأس الذي يعانيه الفلسطينيون، بسبب تعرضهم للظلم والاضطهاد، إلاّ أن موقف زعامتهم إبَّان أزمة الخليج جعلنا نشعر بالألم وخيبة الأمل. فقد جاء موقف الرئيس الفلسطيني طعنة في الظهر، طعنة غادرة مكافأة للمملكة لكل ما قدمَته إلي الفلسطينيين خلال كفاحهم الطويل ضد الصهيونية. فعندما اجتمع الملك عبدالعزيز مع الرئيس روزفلت roosevelt عام 1945، كانت فلسطين شاغله الأول. ولم يكن الملك فيصل أقل منه اهتماماً بالقضية الفلسطينية. فما أكثر ما كان يردد أن أمنيته هي الصلاة في المسجد الأقصى بعد تحرير القدس. وكذلك، بذل الملك فهد الكثير من الجهود للتوصل إلى حل عادل للقضية الفلسطينية. فعندما كان ولياً للعهد، كاد أن يعقد اتفاقاً مع الرئيس كارتر ليستقبل ياسر عرفات في البيت الأبيض، إذا اعترف عرفات بقرار مجلس الأمن رقم 242. وكان عرفات على وشك أن يوافق، لكنه تراجع تحت ضغط الرافضين الفلسطينيين، مما سبب حرجاً شديداً للأمير فهد وقتئذٍ.

          ومن أبرز جهود الملك فهد لحل القضية الفلسطينية، خطته التي طرحها في 6 أغسطس 1981، وعُرفت بـ"خطة فهد"، وقد وافق عليها بالإجماع مؤتمر القمة الذي عقد في مدينة فاس المغربية في 6 سبتمبر عام 1982. تقترح الخطة أن تنسحب إسرائيل إلى حدود ما قبل 5 يونيه 1967، وأن تُزيل المستوطنات المقامة في الأراضي المحتلة، وأن يمارس الفلسطينيون حق تقرير مصيرهم بأنفسهم تحت قيادة منظمة التحرير الفلسطينية، وأن يقيموا دولتهم في الضفة الغربية وقطاع غزة، وأن تكون القدس الشرقية عاصمة لهم، وأن يكون للاجئين الفلسطينيين حق العودة إلى ديارهم أو الحصول على تعويضات مالية. وتُعَد خطة الملك فهد، التي وافق عليها الزعماء العرب في مؤتمر فاس اعترافاً ضمنياً بحقوق إسرائيل فقد جاء فيها عبارة تنص على "أن يضمن مجلس الأمن السلام لجميع دول المنطقة".

          كانت تلك هي المبادئ التي التزمت بها المملكة في سياستها الخارجية إزاء القضية الفلسطينية، في الوقت الذي انحازت فيه القيادة الفلسطينية إلى جانب صدّام في احتلاله الكويت مرتكبة، من وجهة نظرنا، خطأً سياسياً جسيماً. إذ كيف يمكن لزعيم أن يُقِرَّ احتلال دولة عربية، بينما يناضل، هو نفسه، من أجل تحرير وطنه؟ إن الذي حدث، أثناء الأزمة وبعدها، أدى إلى القضاء على الجالية الفلسطينية الثرية في الكويت وتشتيتها، وهي جالية كبيرة العدد يقارب عدد أفرادها 400 ألف فلسطيني. كما أدى إلى عزل منظمة التحرير الفلسطينية وإفلاسها. ولولا الأخطاء التي ارتكبها الزعماء الفلسطينيون، بتأييدهم احتلال الكويت لكانت البنود، التي نص عليها اتفاق إعلان المبادئ الذي وقّعه الفلسطينيون مع الإسرائيليين في واشنطن في سبتمبر عام 1993، أفضل بكثير مما هي عليه الآن.

          وتُمثل القضية الفلسطينية لنا في المملكة قضية جوهرية دائماً. فالفلسطينيون طُردوا من وطنهم، واغتُصبت أراضيهم، وعانوا الأمرّين جرّاء المعاملة الوحشية على يد إسرائيل وراعيتها أمريكا. ولست الوحيد في اعتقادي أن السلام الدائم لن يتحقق في المنطقة، إلاّ إذا أقام الفلسطينيون دولتهم المستقلة.

          وعندما تعرَّضنا للخطر الداهم الذي نشأ عن غزو صدّام للكويت، كنا في حاجة إلى ضمان الإطار السياسي والقانوني للإجراءات العسكرية الضرورية للتصدي لهذا العدوان على الفور. فحركة صدّام كانت تهديداً بإعادة رسم خريطة الشرق الأوسط ضد مصلحتنا إلى درجة خطيرة. فقبل الغزو، كنّا نوصي الكويتيين بالمرونة، شأننا في ذلك شأن مصر أما بعد الغزو، فلا مرونة ولا تسامح، بل تصميم وتقرير مصير. فالعدوان يجب أن يُعاقب، لا أن يكافأ، وإلاّ سادت العالم شريعة الغاب.

          أدركت الدبلوماسية السعودية بوضوح، أن مؤتمر القمة العربي الطارئ الذي عقد في القاهرة يوم 9 أغسطس 1990، هو اللحظة الحاسمة. ففي ذلك المؤتمر، ظهر جلياً الصدع الكبير في صفوف الأسرة العربية بين المعارضين لصدام ومؤيديه وملتمسي العذر له، ذلك الصدع الذي لم يُرأب حتى كتابة هذه السطور! وتخلل المؤتمر بعض المواقف المخجلة من مؤيدي صدّام بما أطلقوه من تهديدات فظّة وعبارات نابية.

          ففي مؤتمر القمة ذاك، صمَّمت المملكة ومصروسوريا ودول مجلس التعاون الخليجي على إصدار قرار بالموافقة على نشر القوات العربية في الخليج لمقاومة صدّام وعلى دعوة الغرب لإرسال قواته إلى المملكة للدفاع عنها. أما العراق ومؤيدوه، فكانوا عازمين على عدم إجازة هذا القرار، فأطلقوا الشتائم والتهديدات. وفي نهاية الأمر، صوتت 12 دولة من الدول الأعضاء في الجامعة العربية إلى جانب القرار، وهي: المملكة العربية السعودية، دولة الكويت، دولة الإمارات العربية المتحدة، دولة قطر، سلطنة عَمّان، دولة البحرين، المملكة المغربية، جمهورية الصومال، جمهورية جيبوتي، جمهورية مصر العربية، جمهورية لبنان، الجمهورية العربية السورية. ولم يصوّت ضده سوى ثلاث دول هي: العراق، الجماهيرية العربية الليبية، فلسطين. أمّا الجزائر واليمن، فامتنعتا عن التصويت. بينما أبدى الأردن والسودان وموريتانيا تحفظها عليه. وغابت تونس عن المؤتمر منذ البداية. وكان الامتناع عن التصويت والتحفظ والغياب، في نظرنا، نوعاً من التحيز إلى الباطل، والبعد عن الحق. هذا الموقف الجائر، بداهة، لم يسهم في تهدئة شعورنا بالسخط والمرارة في الوقت العصيب!

سابق بداية الصفحة تالي