مقترحات البحث الأشكال والخرائط الصور المحتويات

مقاتل من الصحراء

إدارة التحالـــف - القسم الأول (تابع)

          لم يُحضر السوريون معهم طائرات، شأنهم في ذلك شأن المصريين. وربما كان ذلك أفضل إذ كان لديّ ما يكفي من مشاكل تكامل أنظمة القوات البرية العربية والإسلامية مع أنظمة القوات الجوية للتحالف. وبرز في هذا الشأن عددٌ من الصعوبات الفنية، التي سأحاول شرحها بلغة ميسرة بعيداً عن تعقيد المصطلحات العسكرية المتخصصة.

          أحضر معظم القوات البرية، التي تدفقت إلى المملكة، صواريخ أرض - جو ومدافع مضادة للطائرات لتدافع بها عن نفسها ضد أي هجوم جوي عراقي محتمل. لكن هذه الدفاعات الجوية العضوية، أي الدفاعات الجوية المرتبطة بوحدات برية، كانت تشكل خطراً حقيقياً على القوات الجوية المتحالفة. كان هناك تعارض في المصالح: فالقوات البرية كانت تحتاج إلى أن تدافع عن نفسها، بينما كانت القوات الجوية في حاجة إلى أن تعمل دون التعرض لخطر النيران الصديقة.

          كانت تلك معضلة يتحتم عليَّ أن أفصل فيها بين القوات الجوية وبين الدفاع الجوي. وانحزت بكل ثِقَلي إلى جانب القوات الجوية. فبعد الأسابيع القليلة الأولى، وعندما حقق التحالف السيادة الجوية الكاملة، لم تعد القوات الجوية العراقية تشكل أي خطر على قواتنا. ولعل من المفارقات أن تصبح دفاعاتنا الجوية العضوية لقواتنا البرية هي الخطر الحقيقي الذي يهدد طائراتنا! فقد انتشرت في الميدان أعداد كبيرة من أسلحة الدفاع الجوي المختلفة السوفيتية والفرنسية والأمريكية والسويسرية والمصرية، وكثير غيرها. وأصبحت عملية التنسيق والتكامل بينها وبين آلاف الطائرات، في مجالنا الجوي، كابوساً مخيفاً. فعلى نطاق القوات السعودية، واجهتنا مشكلة التكامل بين قواتنا الجوية وقوات الدفاع الجوي، شأننا شأنٍ قوات الدول الأخرى. لكن حجم المشكلة تضاعف الآن أضعافاً مضاعفة، حتى لم يعد في استطاعة مركز تنسيق العمليات الجوية تقديم الإسناد الجوي القريب إلى أيّ من وحداتي المقاتلة، إلاّ بعد التأكّد من عدم تعرّض طائرات التحالف للنيران الصديقة. لذلك، كان من الضروري أن تتولى جهة ما مهمة السيطرة على الدفاعات الأرضية.

          وحتى نتوصل إلى حل لمشاكل الدفاع الجوي، وضمان إسناد جوي قريب لقواتي، دعوت إلى اجتماع نستمع فيه إلى إيجاز ( تقرير ) أعدّته القوات الجوية. وكان بين كبار الضباط الذين حضروا ذلك الاجتماع الفريق هورنر، ققائد القوات الجوية المتحالفة، والفريق أحمد بحيري، قائد القوات الجوية السعودية، واللواء ماجد طلحاب العتيبي، قائد قوات الدفاع الجوي بالنيابة ( وهو ضابط ذو كفاءة عالية عمل معي عن قرب طوال سنوات عدة، وأعددته لتولي هذا المنصب )، والعميد الركن أحمد مساعد السديري، رئيس هيئة عمليات القوات الجوية والعميد الركن حسين علي حبتر، رئيس هيئة عمليات قوات الدفاع الجوي ( وهو ضابط واسع المعرفة ولديه موهبة في التفكير التكتيكي ).

          كان الفيلق الثامن عشر الأمريكي، حينذاك، في الظهران. وكان مركز عمليات الإسناد الجوي التابع له مسؤولاً عن توفير الإسناد الجوي القريب للقوات المشتركة، إضافة إلى قوات الفيلق. ومع أني حرصت على تعيين ضابط اتصال سعودي في ذلك المركز، إلاّ أنني لم أكن راضياً تماماً عن العمل، إذ تبين لي أننا ما لم نحقق نظاماً متكاملاً 100 % في العمليات، فإن الدفاعات الجوية العضوية التابعة لقواتي يجب أن تبقى "مقيَّدة"، أي ينحصر إطلاق النار فقط في الدفاع عن النفس. لذلك، أصدرت أوامري بألاّ تستخدم الوحدات البرية تحت قيادتي أسلحة دفاعها الجوي، ما لم تتعرض لهجوم مباشر من الطائرات العراقية، وفي هذه الحالة فقط يمكنها الرد دفاعاً عن النفس. وكان خطر إصابة طائرات التحالف بالنيران الصديقة خطراً عظيماً إلى درجة لا يُقبل فيها أي شكل من أشكال التهاون.

          لكن المشكلة المستحكمة بقيت دون حل، إذ كيف يمكننا تحقيق التكامل بين الدفاعات الجوية، العضوية منها والإقليمية، ودمْجها في نظام واحد لتحقيق متطلبات العمليات والسلامة معاً؟

          دارت خلال التخطيط لعملية درع الصحراء مناقشات مكثّفة لحل مشاكل الدفاع الجوي. فبدأ الأمر بربط الدفاعات الجوية العضوية التابعة للوحدات السعودية ولوحدات دول مجلس التعاون الخليجي، بمجموعة الدفاع الجوي في المنطقة الشرقية. لكن هذا الإجراء لم يكن ليتناسب مع تدفق قوات التحالف. لذا، أصدرت توجيهاتي إلى ضباط أركاني، في الأشهر الثلاثة التي سبقت الهجوم الجوي على العراق بإجراء مسْح شامل لمناطق انتشار القوات المتحالفة، لتحديد متطلبات الدفاع الجوي، ووضْع الخطط لتلبية هذه المتطلبات. ووجدنا أنه من الضروري تأمين الغطاء الكافي لقواتنا المشتركة في المنطقتين الشرقية والشمالية، إضافة إلى تأمين غطاء للمناورة الواسعة تمهيداً للحرب البرية: وهي تحرك فيلقين أمريكيين من الشرق إلى الغرب، للالتفاف حول القوات العراقية الرئيسية، ومهاجمتها من الخلف.

          كان علينا، في تلك الأثناء، أن نوسع شبكة دفاعنا الجوي لتأمين الحماية للقوات المتحالفة الضخمة العدد والعدة، وهي توشك أن تدخل الأراضي العراقية والكويتية. ونتيجة عمليات المسْح التي قام بها ضباط الأركان السعوديون والأمريكيون، قررنا إنشاء قطاع فرعي إضافي مستقل للدفاع الجوي في المنطقة الشمالية تحت سيطرة قائد القطاع الشرقي. وكان ذلك يتطلب تجهيز عدد من المراكز مثل: "مركز التبليغ القتالي" ( crc ) combat reporting center، و"مركز معالجة الرسائل" ( mpc ) message processing center لالتقاط المعلومات المتدفقة من طائرات الإنذار المبكر ( أواكس ) awacs وغيرها، و "مركز عمليات الإسناد الجوي"air support operations center ( asoc ). ومعنى ذلك أننا كنّا في حاجة إلى نظام دفاع جوي جديد متنقل ومتكامل. إضافة إلى ذلك، تم توفير المزيد من سرايا صواريخ "صواريخ هوك وصواريخ باتريوت أيضاً للتصدي لصواريخ سكود العراقية. وقدم ضباط أركاني إيجازاً إلى قادة قوات التحالف عن الفكرة العامة الجديدة لنظام الدفاع الجوي. ونال النظام الجديد الموافقة بالإجماع. وبدأ نقل المعدات المطلوبة جواً من الولايات المتحدة في طائرات c-5، وتركيبها في مدينة الملك خالد العسكرية. ومع تدفق المعلومات من الرادارات الأرضية، وطائرات الإنذار المبكر، أصبح في استطاعة "مركز التبليغ القتالي" الجديد التقاط صورة جوية كاملة، ومن ثَم نقل الإنذار المبكر آلياً إلى وحدات صواريخ باتريوت وهوك في الميدان التي كان يتصل معها بالصوت والبيانات. كما نُقل من جدّة نظام خاص بصواريخ هوك لاستخدامه لتكامل السرايا السعودية مع البطاريات الأمريكية، وهو النظام الذي يسيطر عليه "مركز التبليغ القتالي". ثم وقع الاختيار على عدد من ضباط الدفاع الجوي السعودي الأكْفاء، وممثلين عن الدفاع الجوي من بريطانيا وفرنسا ومصروسوريا، للعمل مع نظرائهم الأمريكيين في "مركز التبليغ القتالي". وهكذا، تم حل مشكلة التكامل بين مختلف نظم الدفاع الجوي لدول التحالف، التي تتحدث لغات مختلفة، وعلى شبكات اتصال غير متجانسة في أكثر الأحيان، وتُطبق عقائد متباينة وإجراءات مختلفة، وتستخدم أسلحة متنوعة.

كان الحل الذي اتخذناه، باختصار، كالآتي:

أ -

تقييد نيران أسلحة الدفاع الجوي العضوية.

ب -

التأكد من أن الأسلحة التي تتلقى معلومات الإنذار المبكر،تستطيع تمييز العدو من الصديق.

ج -

إضافة قدرة دفاع جوي إقليمي في شكل مركز التبليغ القتالي الجديد.

          واستغرق إنشاء النظام الجديد وتدريب العاملين على تشغيله، ثلاثة أشهر من العمل الدؤوب المكثّف، امتدت من شهر نوفمبر 1990 حتى يناير 1991. وحين بدأت الحملة الجوية على العراق كان النظام الجديد يعمل بكفاءة واقتدار.

          ولاختبار فاعلية النظام الجديد، كنّا نطلق طائراتنا للعمل كأهداف معادية، لتلتقطها طائرات الإنذار المبكر، ثم تُنقل المعلومات إلى مراقب يجلس أمام شاشة في "مركز التبليغ القتالي" الذي يصدر الأوامر إلى وحدات الدفاع الجوي الإقليمي، أو إلى وحدات الدفاع الجوي العضوية مع القوات البرية، أو إلى الطائرات التي تنطلق لاعتراض تلك الأهداف. وكنت أعرف، لخبرتي بالدفاع الجوي، أن هذا الأمر بالغ الصعوبة، حتى وأنت تتعامل مع قوة متجانسة تتحدث لغة واحدة، فكيف تكون الحال إذاً وأنت تتعامل مع قوات من جنسيات متعددة، تتحدث لغات مختلفة!

          وفي نهاية المطاف، أصبحت الدفاعات الجوية لقوات التحالف على درجة عالية من الكفاءة. فمن خلال السيطرة الدقيقة، والتدريبات المكثّفة، التي دامت قرابة ستة أشهر، لم ترتكب الدفاعات الجوية خطأً واحداً، ولم تُصَب أية طائرة للتحالف بنيران صديقة، سواء أَكان ذلك أثناء التدريب أم خلال الحرب.

          هذا باختصار ما كان من أمر مشاكل الأرض - جو، ولكن ماذا عن مشاكل الجو - أرض؟ فقواتي ستشترك في القتال ولا بد لها من الحصول على إسناد جوي قريب. لذا، برزت الحاجة إلى إعداد إجراءات مناسبة تضمن الاتصال بين القوات البرية والقوات الجوية، وتُمكِّن قواتي البرية، بوجه خاص، من التحدث مع القوات الجوية الأمريكية. وكان ذلك لغزاً معقداً آخر لا بد من حله قبل خوض الحرب، لأن عدم دقة الضربات الجوية، وغياب التنسيق مع القوات البرية يؤدِّيان حتماً إلى إصابة قواتنا بالنيران الصديقة.

          طلبت مساعدة الأمريكيين في هذا المجال، فوافقوا على تزويد قواتنا، حتى مستوى الكتيبة بأطقم "السيطرة الجوية التكتيكية"، التي يتألف كل منها من رجلين أو ثلاثة، مزوَّدين بوسائل الاتصالات الضرورية للاتصال بالقوات الجوية وطلب الإسناد الجوى، إذا اقتضت الضرورة.

          لم نُجرِ تدريبات عملية في المملكة، حتى تلك الآونة، على تنفيذ مهام "الإسناد الجوى القريب" الفوري أو العاجل لقواتنا البرية بالمفهوم الصحيح. إذ كانت التمارين المشتركة مقتصرة فقط على تقديم "الإسناد الجوي القريب" المدبَّر، أي المخطط مسبقا. واقتضى ذلك مجهوداً عاجلاً لرفع قدراتنا في هذا المجال. وكان هذا يعني تطوير المفهوم الصحيح، وتحديد إجراءات العمل الملائمة، وتشكيل "أطقم سيطرة جوية تكتيكية" سعودية، وتدريبها، لتلبية طلبات القوات البرية "للإسناد الجوي القريب"، بشقَّيه العاجل والمخطَّط. لذا، ألحقتُ ضابطاً أو ضابط صف سعودياً على كل طاقم من أطقم السيطرة الجوية التكتيكية الأمريكية، حتى يتسنى له الإلمام بكيفية أداء العمل. كما اتفقت مع الأمريكيين على أن يتولوا تدريب رجالنا تدريباً منتظماً في مدينة الملك خالد العسكرية. وبالاستفادة من الإمكانات الأمريكية، نجحنا في تطوير أسس أسلوب "الإسناد الجوي القريب" باللغتين العربية والإنجليزية، كي تستخدمه القوات المشتركة. وأصدرت أوامر تقضي بتنفيذ التدريبات وفق هذه الأسس. وما هي إلاّ فترة قصيرة حتى تم إعداد ستة أطقم سيطرة جوية تكتيكية من رجالنا، يتألف كل طاقم منها من ضابطين وأربعة ضباط صف. وبعد أن أكملتْ هذه الطقم تدريباتها أُلحقت على ألوية القوات المشتركة، وهي أول أطقم "للإسناد الجوي القريب" في المملكة. واستكمالاً لتلك الجهود، بعد ذلك، بدأت القوات الجوية بناء مدرسة خاصة بها في خميس مشيط لتعليم هذا النموذج.

          وسارت عمليات التنسيق بين أطقم "السيطرة الجوية التكتيكية" الأمريكية والقوات المشتركة على ما يرام، لا سيما القوات المصرية بما لها من خبرة سابقة في التدريبات المشتركة مع الأمريكيين. وكانت العقبة الوحيدة هي أن السوريين لم يتحمسوا كثيراً للعمل مع أطقم أمريكية للسيطرة الجوية التكتيكية. ولست ألومهم على ذلك، إذ لم يسبق لهم قط التعامل مع العسكريين الأمريكيين. كما كانوا أيضاً في حاجة إلى موافقة على ذلك من سلطات أعلى. وتذكرت ما قاله لي العماد علي أصلان في شأن ما يفضِّله للقوات السورية. آثرتُ أن أترك تلك المشكلة لتُحَل حلاً دبلوماسياً.

          تحدثت مع شوارتزكوف أولاً، وقلت له: "نورم، أريد أن أخبرك بشيء عن السوريين قبل أن تسمعه من مصدر آخر. إنهم يترددون في العمل مع أطقم السيطرة الجوية التكتيكية الأمريكية".

          بدا الضيق على شوارتزكوف وقال: "أنا لم أفعل سوى ما طلبتَه مني يا خالد. فإن كانوا لا يريدونها فبها. وسأسحبها فوراً. ولا مانع لديّ من ذلك".

          قلت له عندئذٍ: "لا، لا يا نورم. إننا في حاجة إلي أطقم السيطرة الجوية الأمريكية. وأعتقد أن في استطاعتنا إقناع السوريين بالتعاون معها. أرجوك أن تطلب من رجالك التحلّي بالصبر، وألاّ ترسلهم إلي السوريين الآن. دعهم ينزلوا في ضيافتنا في حفر الباطن بضعة أيام حتى أجد حلاًّ".

          انتقلت بعد ذلك إلـى الطرف السوري من المعادلة. فأرسلت نائبي اللواء الركن عبد العزيز آل الشيخ، لجسّ نبض السوريين ومعرفة إذا كانت المشكلة محلية فحسب، أم أنهم ينفّذون أوامر دمشق فإذا تبيَّن أن الأوامر من دمشق كان عليَّ أن أحترمها. ولكن اللواء عبد العزيز ذكر في تقريره عند عودته أنه لا توجد لدى السوريين أية تعليمات رسمية تحظر عليهم التعامل مع الأمريكيين، إلاّ أن اللواء نديم فارس عباس قائد الفِرقة السورية، كان في حيرة من أمره، فآثر الحذر، والتحفظ في تعامله مع هذه الأطقم الأمريكية. كان اللواء نديم ودوداً وجندياً ممتازاً ودوماً يبادرني بالتحية وعلى وجهه ابتسامة ودية.

          أدركت أن الوقت قد حان لحل هذه المشكلة مع اللواء علي حبيب قائد القوات السورية. وحتى لا أعطي الأمر قدراً أكبر من حجمه، وحتى لا يشعر بأني أجبرته على اتخاذ قرار قد يأسف عليه مستقبلاً، قررت الدعوة إلى اجتماع يحضره جميع القادة، القائد المصري والسوري والكويتي والفرنسي وغيرهم، وذلك لمراجعة خطط العمليات. وكان من سياستي تعمُّد إبقاء هؤلاء القادة مع قواتهم في المنطقة الشمالية، بعيداً عن الأجواء السياسية في الرياض التي كانت من صميم عملي. ولو أني سمحت لهم بحضور اجتماعاتنا اليومية منذ البداية، كما أراد شوارتزكوف، لواجهت مشاكل لا تُعد ولا تُحصى، ولأراد كل منهم أن يبدي رأيه في نشْـر القوات، والاشتراك في وضع خطط العمليات. ولربما حدث تسرُّب للمعلومات، أو تدخُّل من جانب بعض الحكومات، مما سيؤدّي، حتماً، إلى زيادة التعقيد في قدرتي على صنع القرار. لذلك، أبقيتهم خارج الرياض لأتفادى المناقشات التي لا فائدة منها ولا طائل. ولم أوافق على حضور قادة القوات المشتركة اجتماعاتنا بصفة دورية، إلاّ عندما أصبحت الحرب البرية قاب قوسين أو أدنى.

          ولكن في تلك المناسبة، رأيت أن أتخذ من دعوتهم لمناقشة عامة مطيَّة للاجتماع الذي نويت عقده مع اللواء علي حبيب وبينما همَّ القادة الآخرون بالانصراف، طلبت منه التريث لحظة.

          قلت له: "أرجوك أن تخبرني إن كانت لديكـم أوامر تمنعكم من العمل مع أطقم السيطرة الجوية الأمريكية. فأنا أقدر موقفكـم، وسأدافـع عنه". أجاب: "أبداً، بل العكس. ليست لدينا أية مشكلة معها. لا بد أن هناك سوء فهْم. إننا نرحب بوجود هذه الأطقم معنا".

          إلاّ أن المقدم طيار الركن عايض ثواب الجعيد، مدير قسم القوات الجوية في قيادة القوات المشتركة، أكد لي أن السوريين، في المستويات الدنيا، رفضوا قبول الأطقم الأمريكية من قبل. واستغرقت تسوية المشكلة أياماً عدة.

          وافـق السوريون، بعد ذلك، على العمل مع الأمريكيين، وبدأوا التدريب معهم تدريجياً. كما أنهم عاملوهم معاملة طيبة وأكرموا وفادتهم. وعندما ذهبت لزيارة القوات السورية، تناولت الغداء مع الضباط السوريين في حضور أعضاء أطقم السيطرة الجوية التكتيكية الأمريكية أيضاً. وهكذا، سارت الأمور بين الجانبين على نحو أفضل مما كنت أتوقع.

          وعندما أصبحت معدات الدفاع الجوي جاهزة للعمل في مواقعها، ازداد إحساس الوحدات البرية المتعددة الجنسيات بالثقة والأمان، وبدأت التدريبات الجدية. كنت مضطراً، في كثير من الأحوال، إلى تسوية بعض الخلافات، ضماناً لتحقيق هدفي الأول وهو تماسك التحالف، وقد تحقق ذلك الهدف.

سابق بداية الصفحة تالي