مقترحات البحث الأشكال والخرائط الصور المحتويات

مقاتل من الصحراء

التخطيط للحرب بالاشتراك مع قوة عظمى (تابع)

          في أوائل يناير، والاستعداد لبدء الحرب يجري على قدم وساق، أبدى الملك فهد رغبته في زيارة القوات في الميدان. فقدّرت أن توقيت الزيارة غير مناسب في تلك الفترة، فالحملة الجوية توشك أن تبدأ، وأخشى على سلامته. ورجوت الأمير سلطان أن يقنعه بتأجيل زيارته إلى ما بعد الحرب. لكن الملك لم يوافق على ذلك، إذ كان يرغب في أن يكون قريباً من جنوده. وأراد أن يزور الميدان يوم السادس من يناير، وتم له ما أراد. واتضح، بعد ذلك، أن الملك كان مُحِقّاً، فقد أسهمت زيارته تلك في رفع روحنا المعنوية جميعاً، إلى حدٍّ تعجز عن وصفه الكلمات.

          أصدرت أوامري، على الفور، بمظلة جوية كثيفة بالطائرات المقاتلة استعداداً لزيارة الملك. كانت مظلة كتلك التي أقمناها عند زيارة الرئيس بوش للقوات الأمريكية في الميدان في شهر نوفمبر بمناسبة عيد الشكر. ولكنني أردت أن يحظى مليكي بما هو أكثر. ففكرت في إقامة عرض، عسكري ضخم، تمثلُ فيه وحدات من الدول المختلفة المشاركة في التحالف.

          قلت لشوارتزكوف إن الملك يرغب في استعراض تشكيلات من القوات، وإنني أفضِّل أن تكون القوات الأمريكية ممثَّلة في ذلك العرض. فقال إنه يشرِّفه ذلك. وتخيلت جميع القوات المتحالفة السعودية والأمريكية والبريطانية والفرنسية والمصرية والسورية والمغربية والسنغالية وغيرها، وقد اصطفَّت جميعاً استعداداً للتفتيش من قِبَل خادم الحرمين الشريفين.

          ولكن شوارتزكوف عاد فقال: "مهلاً، دعني أفكر في الأمر. إذا وضعتُ القوات الأمريكية ضمن القوات التي تحت قيادتك، وقام الملك باستعراضها معك، فسوف يوحي ذلك بان رجالي يعملون تحت قيادتك أيضاً. ولن يقبل الشعب الأمريكي بهذا أبداً، فالقوات الأمريكية لا تعمل تحت قيادة دول أخرى، لأن ذلك مخالف للقانون".

          اعترضت على ذلك قائلاً: "هذا ليس موضوع قيادة".

          لكنه قال: "آسف جداً، إنك إذا رافقت الملك في سيارة مكشوفة بين صفوف قواتي في جولة تفقدية، فإن ذلك لا يعني سوى شيء واحد هو أن تلك القوات تعمل تحت قيادتك. إنني أُكنّ للملك كل الاحترام، ولكن لا يسعني أن أوافق على ذلك".

          بدا وكأن الأمر سيتحول إلى مشكلة بروتوكولات دبلوماسية. أجهدت وشوارتزكوف أذهاننا للخروج من ذلك المأزق. وأخيراً، توصلنا إلى حلٍّ يقضي بأن يقوم الجنود الأمريكيون بالعرض مستقلِّين. فأرافقُ الملك حتى موقع القوات الأمريكية، حيث يحل شوارتزكوف مكاني، فيرافقُ الملك في جولته التفقدية، ثم يعود معه إلى مكاني، لأرافقه في استعراض وحدات الدول الأخرى. وقال شوارتزكوف تعليقاً على هذا الحل: "لست في حاجة حتى إلى الرجوع إلى واشنطن في هذا الأمر. إنني واثق أن كل شيء سيكون على ما يرام".

          اتفقنا على أن نمضي في التخطيط على هذا الأساس. وكنت أشعر بالسعادة لأننا توصلنا إلى حل لتلك المشكلة. وكنت واثقاً من أن القوات التي تحت قيادتي لن تعترض على هذا الأسلوب. وعندما شرحت الأمر للسير بيتر دي لابليير، قال إن القوات البريطانية يشرّفها أن تشترك معي في ذلك العرض. ولم يبد الفرنسيون بدورهم أي اعتراض في هذا الشأن.

          أُتُّفِقَ على أن يتم العرض في حفر الباطن، حيث يتم نقل آلاف القوات في الطائرات من مختلف المناطق. وكنت حريصاً على أن نُقَدّم إلى الملك أروع عرض يمكن تخيُّله، وأن أجعل من ذلك مناسبة لم يسبق لها مثيل. لم يكن أمامنا سوى أقل من أسبوع لتنظيم العرض، لكننا وصلنا الليل بالنهار عملاً دون توقف.

          وبينما كنت أفكر في الأمر، بعد أن أوَبْتُ إلى فراشي، تذكرت شيئاً أقلقني كثيراً. كان اتفاقنا أن يتـم عرض القوات الأمريكية في المطار، وذلك يعني أنها ستكون أول قوات يستعرضها الملك.

          كيف لي أن أتصور مليكي يستعرض القوات الأمريكية قبل أن يستعرض قواته السعودية، وكادت هذه الفكرة تفقدني صوابي.

          استدعيت ضباط أركاني في صباح اليوم التالي، وقلت لهم: "لن أسمح بأن يستعرض خادم الحرمين الشريفين قوات شوارتزكوف قبل قواتي، مهْما كلَّف الأمر، ولا تبرحوا هذه الغرفة قبل أن تجدوا حلاّ مناسباً".

          طُرِحَ عددٌ من البدائل غير الملائمة، إلى أن قال أحدهم: "لِمَ لا نضع مجموعة من حرس الشرف السعودي ليقوم الملك باستعراضها عند هبوطه من الطائرة؟". كانت تلك هي الفكرة الصائبة. وتذكرت أن القوات البرية لديها جناح من الطائرات العمودية، وهكـذا قررت أن تصطف تلك الطائرات على أرض المطار وأصطحب الملك في عربة مكشوفة لاستعراضها. وبعد أن ينتهي من ذلك الاستعراض، يأتي دور شوارتزكوف. ثم بعد أن يفرغ الملك من استعراض القوات الأمريكية، أذهب إليه وأرافقه إلى مكان استعراضنا نحن. كنت أشعر بسعادة غامرة بعد أن توصلنا إلى حلٍّ لتلك المشكلة.

          ويبدو أن بعض الأمريكيين قد شعروا بما عزمت عليه، كما لاحظت بالمثل أن ضباط أركاني فهِموا ذلك أيضاً. كان الأمر في حقيقته يعني أننا قد أعددنا للمليك ثلاثة عروض عسكرية. كنت أشعر، في قرارة نفسي، بأنني مدين له بالكثير الكثير، ولا بد أن يكون قائد قواته أول من يحظى بشرف استقباله. ولا غرو، فقد كانت تلك المرة الأولى في التاريخ الإسلامي التي يستعرض فيها قائد عربي مسلم قوات أكثر من 24 دولة. كانت مناسبة ملأت جوانح نفسي سروراً وزهواً .

          قدّم الملك في خطاب هزّ المشاعر شرحاً موجزاً لتاريخ الأزمة وجهوده المتكررة للتوصل إلى حلّ سلمي. وبَيّن كيف سعى إلى استضافة الاجتماع الذي تـم عقده في جدّة في الأول من أغسطس بين الشيخ سعد ولي عهد الكويت وعزت إبراهيم نائب الرئيس العراقي، وكيف أن الرجلين اتفقا على استئناف المفاوضات في بغداد بعد ثلاثة أيام، يعقبها اجتماع آخر في الكويت وكيف أنه فوجئ بل صُدِم عندما علم بغزو العراق الكويت بعد سبع ساعات من اجتماع جدّة.

          وأعلن الملك، في ذلك المقام، أنه لن يكون هناك حلٌّ سلمي للأزمة إلاّ بانسحاب العراق من الكويت دون قيد أو شرط، وعودة الحكومة الشرعية.

          وتساءل الملك عن الباغي، فأجاب أن الباغي هو من تحدّى العالم بأسره. ومضى في قوله أنه يعتقد أننا قد وصلنا إلى طريق مسدودة، وأن الباب لحلِّ هذه المأساة يمكِن أن يُفتَح إمّا بالطرق السلمية أو بالطرق الأخرى. وأننا حريصون على انتهاج الطرق السلمية، وأكد أن الدفاع عن النفس حقٌّ مشروعُ لا يسع أحداً أن ينكِره علينا.

          كان فيضاً من المشاعر الجياشة اهتزت له أفئدة القوات التي جاءت من شتى الدول وقد اصطفت، جنباً إلى جنب، كي يستعرضها الملك.


 

سابق بداية الصفحة تالي