مقترحات البحث الأشكال والخرائط الصور المحتويات

مقاتل من الصحراء

معركة الخفجي (تابع)

          وإزاء انقطاع المعلومات وعدم توافر "الإسناد الجوي"، لم يجد اللواء سلطان بداً من التوجه بنفسه إلى الخفجي ليستطلع الموقف عن كثب. فانطلق في الثالثة صباحاً وتوجَّه أولاً إلى مركز حرس السواحل في الزرقاني جنوبي الخفجي. كان القمر بدراً والسماء صافية والرؤية واضحة.

          وأودُّ قبل أن أسترسل في وصف عملية الاستطلاع التي قام بها اللواء سلطان، أن أتحدث لزيادة الإيضاح، باختصار شديد، عن القوات التي كانت مكلَّفة بالدفاع عن منطقتنا. كانت تلك القوات تتشكَّل أساساً من ثلاثة ألوية سعودية، إضافة إلى وحدات من دول مجلس التعاون الخليجي.

          نُظّمت هذه القوات في أربع مجموعات قتال " قوة واجب task force " ، ثلاث منها تسمّى بأسماء الخلفاء الراشدين - رضي الله عنهم - وعمر وعثمان والرابعة باسم القائد طارق بن زياد، فضلاً عن قوة احتياطية. وجاء تنظيم القوات من الشرق إلى الغرب على النحو التالي:

          وقبل معركة الخفجي أُسندت إلي مجموعة طارق مهمة الدفاع عن ساحل الخليج، من رأس مشعاب شمالاً حتى رأس السفانية جنوباً، مع تمركز سرية مشاة بحرية سعودية في مدينة الخفجي نفسها، واحتلت الوحدات السنغالية والمغربية نقاطاً دفاعية حصينة لحماية منطقة السفانية. ومما يذكر أن بعض عمال النفط اليابانيين العاملين في المنشآت البترولية التابعة لشركة النفط العربية، وهي شركة سعودية - يابانية، لم يبرحوا مواقعهم في الخفجي إلاّ بعد 16 يناير، أي حتى الليلة السابقة علي الحملة الجوية، بعد أن تم إقناعهم بالانتقال إلي مواقع آمنة في الجنوب.

          وكما أسلفتُ، تمركزت القوات الرئيسية، أبو وعثمان وعمر، في مواقع دفاعية من الشرق إلى الغرب على مسافة 40 كيلو متراً جنوب الحدود الكويتية. ودفعت كل "قوة واجب" بعناصر استطلاع وكتيبة إلى الأمام على مسافة خمسة كيلومترات من الحدود للعمل كقوة ساترة.

          وقبل أن يشرع سلطان في مهمته الاستطلاعية في وقت مبكر صباح 30 يناير، أصدر التعليمات إلى سريتين من الدبابات، إحداهما من اللواء الثامن مشاة آلية والأخرى من الكتيبة القطَرية، ويساند كل سرية منهما فصيل صواريخ مضادة للدبابات، بالتجمع ومقابلته عند نقطة حدّدها على مسافة ستة كيلو مترات غربي الخفجي.

          تحرك اللواء سلطان ومجموعة من ضباط أركانه في الخامسة صباحاً في اتجاه الخفجي من الجهة الغربية. ثم تركوا عرباتهم وتقدَّموا سيراً على الأقدام لمسافة 500 متر، حتى تمكنوا من رؤية المواقع العراقية بواسطة مناظير الميدان. فاكتشفوا وجود 12 دبابة وعربة مدرعة في الطرف الغربي من المدينة، وكانت القوة العراقية الرئيسية، آنذاك، داخل المدينة.

          كان اللواء سلطان قد تلقَّى قبل رحلته الاستطلاعية تقارير عدة متضاربة عن الموقف العسكري، لكنه الآن تأكد بنفسه من وجود العراقيين داخل المدينة وعلى مشارفها الغربية. وبينما هو يستطلع المواقع العراقية، تلقَّى رسالة لاسلكية من مركز القيادة المتقدِّم تفيد بأن الطائرات الأمريكية تقصف العراقيين في مدينة الخفجي. أجاب اللواء سلطان: "أنا الآن في الخفجي، ولا يوجد أي نشاط جوي على الإطلاق". ثم تحرك من موقعه ليلتقي سريتي الدبابات في المكان المحدد، ثم تقدم مع سرية الدبابات القطَرية المدعمة بفصيل صواريخ hot ، لأنها كانت الأقرب، بعد أن أصدر أوامره إليها بالاشتباك مع رتل من الدبابات العراقية، كان يتحرك على الطريق شمالي الخفجي، والفرصة سانحة لتدميره. نجح القطَريون، بعد ست دقائق من تبادل إطلاق النار، في تحقيق إصابات مباشرة، إذ قفز على إثرها ملازم عراقي وعشرون فرداً من دباباتهم وعرباتهم المدرعة - عددها بالتحديد خمس دبابات وست عربات مدرعة - وتقَّدموا مسرعين وأيديهم فوق رؤوسهم معلنين استسلامهم.

          كان اللواء سلطان يخطِّط للتقدم والاشتباك مع العراقيين داخل المدينة نفسها، لكنه تردد في تنفيذ تلك الخطة، عندما علم من الأسرى أن لدى العراقيين كتيبتين، أي نحو 1500 جندي، داخل الخفجي. فبهذا العدد تصبح كَفَّتُهم أرجح. فترك سرية الدبابات السعودية، من اللواء الثامن، لتسيطر على الطريق المتجِهة شمالاً، وحرك السرية القطَرية إلى موقعها الأصلي عند مركز الزرقاني جنوب الخفجي.

          وبينما اللواء سلطان يسرع بالعودة من ضواحي مدينة الخفجي، التقى مجموعة قليلة من الجنود العراقيين، فظن أنهم يريدون الاستسلام. ولكن ما أن اقترب منهم حتى انبطحوا أرضاً وفتحوا نيرانهم. استطاعت عربته أن تراوغ بأقصى سرعتها ولم تُصَبْ بأذى، وعاد إلى مقر قيادته من طريق أخرى.

          علم اللواء سلطان، بعد ذلك، أن عدداً من السعوديين كانوا أسرى تلك المجموعة العراقية. وكان من ضمن أولئك الأسرى ضابط من الدفاع المدني السعودي عاد إلى الخفجي بعد نقله إلى الدمام ليأخذ بعض متعلقاته التي خلّفها وراءه. وظناً منه أن المدينة مهجورة، لم يلتفت إلى محاولات إيقاف عربته عند أحد المتاريس، فاجتازه مسرعاً مع مجموعة من رفاقه ليجدوا أنفسهم في أيدي العراقيين. روى هذا الضابط، بعد انتهاء الحرب، للواء سلطان أنه رأى عرباته تقترب من العراقيين وأراد أن يصرخ محذراً، لكنه لم يستطع تحذيره؛ لأن العراقيين هددوه بالقتل إن فعل ذلك.

سابق بداية الصفحة تالي