إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات وأحداث تاريخية / تاريخ الأسَر الحاكمة في شبه الجزيرة العربية





وقفية محمد بن الإمام فيصل (1)
وقفية محمد بن الإمام فيصل (2)
وقفية محمد بن الإمام فيصل (3)
وقفية محمد بن الإمام فيصل (4)
وقفية محمد بن الإمام فيصل (5)
وقفية محمد بن الإمام فيصل (6)
وقفية محمد بن الإمام فيصل (7)
وقفية محمد بن الإمام فيصل (8)
وقفية نورة بنت الإمام فيصل (1)
وقفية نورة بنت الإمام فيصل (2)
وقفية نورة بنت الإمام فيصل (3)
وقفية الجوهرة بنت الإمام فيصل
أمراء آل رشيد
حكام لحج
ختم سلطنة لحج بعد ضم الصبيحة

النواحي التسع
الجنوب العربي
اتحاد إمارات الجنوب العربي
جنوب شبه الجزيرة العربية
سلطنة لحج
سلطنة لحج بعد ضم الصبيحة



بسم الله الرحمن الرحيم

سابعاً: سلطنات ومشيخات جنوب شبه الجزيرة العربية

الموقع والمسميات:

كانت سلطنات ومشيخات جنوب شبه الجزيرة العربية تقع في منطقة ممتدة على شكل شبه مثلث منفرج الزاوية. تقع عدن في زاويته، وضلعاه على ساحلي البحرين الأحمر غرباً والعربي جنوباً، والمحيط الهندي شرقاً، ويحدها من الشمال الشرقي عمان وخليج عمان، وغرباً البحر الأحمر وشمالاً الربع الخالي واليمن الشمالي، ومن الجنوب الشرقي البحر العربي، وقد أطلقت عليها مسميات عديدة في مراحل تاريخها الحديث والمعاصر وهي كما يأتي:

1. سلطنات وإمارات ومشيخات جنوب شبه الجزيرة العربية.

وكانت تشتمل على عدد من السلطنات والإمارات والمشيخات من أبرزها: سلطنة المهرة ـ السلطنة الكثيرية، السلطنة القعيطية، السلطنة الواحدية.، بيحان، العوالق العليا، العوالق السفلى، العواذل، دثينة. يافع العليا، يافع السفلى، السلطنة الفضلية، الأميري "الضالع"، العلوي، الحواشب، سلطنة العبادل "لحج"، العقربي، الصبيحة". (انظر خريطة جنوب شبه الجزيرة العربية)

2. النواحي التسع:

ظهرت هذه التسمية في عام 1290هـ / 1873م، بعد التدخل العثماني في شئون جنوب غرب شبه الجزيرة العربية، حيث مثل هذا التدخل تهديداً  مباشراً لطبيعة العلاقة التي تربط قبائل المنطقة بالبريطانيين، ووجد البريطانيون أن من المهم القيام بشيء أكثر فعالية من الترتيب العرضي العابر للوقوف أمام التهديد العثماني، فنتج عن ذلك تحويل سياستها تجاه المنطقة من سياسة التهدئة إلى سياسة الحماية، وانتهى الأمر إلى إبرام العديد من معاهدات الحماية، مع تسع من السلطنات والإمارات هي:  العبدلي "لحج"، الفضلي، العولقي، اليافعي، الحوشبي، الضالع، العلوي، العقربي، الصبيحي. (انظر خريطة النواحي التسع).

وقد ساعد بريطانيا في سياستها الجديدة "سياسة الحماية" رغبة الحكام المحليين في الانفصال عن الدولة العثمانية، ومن ثم فقد رحب هؤلاء الحكام بتزويد بريطانيا لهم بالأسلحة والأموال، مقابل الحماية التي نتج عنها تجميد الانقسامات القبلية وإبقائها على حالتها، كما جمدت النزاعات داخل القبائل نتيجة تعزيز بريطانيا لسلطة السلاطين والأمراء والمشايخ.

ومما تجدر الإشارة إليه أن سلطنة العبادل "لحج" لم تدخل هذا النوع من المعاهدات، ويرجع ذلك إلى حقيقة أن علاقة بريطانيا معها ترجع إلى وقت مبكر قبل تبني النمط التقليدي لمعاهدات الحماية.

غير أن بريطانيا أدخلت سلطنة العبادل في خارطتهم السياسية، التي رسموها وطلبوا من الدولة العثمانية أن تعد جميع السلطنات والإمارات الموجودة في الخارطة تحت النفوذ البريطاني، والتي لا يحق للعثمانيين التدخل في شؤونها، ومنذ تقديم هذا المشروع عام 1290هـ/ 1873م أصبحت تلك المناطق تعرف بالنواحي التسع.

وظلت هذه التسمية متداولة من قبل العثمانيين بصورة خاصة لفترة طويلة على الرغم من أن الإمارات التي وقعت على هذه المعاهدات ازداد عددها بمرور الزمن.

ومما يجدر ذكره أن تحديد بريطانيا للنواحي التسع لم يكن بهدف حماية عدن فحسب لأن ذلك تحقق بحمايتها للفضلي والعبدلي والعقربي. بل كان الهدف منه هو دعم الوحدات الانفصالية التي انفصلت عن الحكم المركزي في صنعاء في القرن الثاني عشر الهجري، الثامن عشر الميلادي لتصبح ضمن وحدة سياسية تحت نفوذهم.

3. مستعمرة عدن ومحمياتها "المحمية الغربية والمحمية الشرقية".

أجريت منذ عام 1351هـ/ 1933م دراسات مشتركة بين وزارة المستعمرات ووزارة الهند وبمشاركة برنارد ريلي Reilly B. كبير المندوبين والقائد العام في عدن لإعداد الترتيبات الخاصة بنقل الإشراف على عدن من حكومة الهند إلى وزارة المستعمرات.

وفي ربيع الآخر 1355هـ/ يونيه 1936م أعدت وزارة المستعمرات مشروعاً للتعليمات التي ستصدر إلى حاكم مستعمرة عدن لعرضه أمام البرلمان ألحقته بمشروع حكومة الهند الذي اعتادت على إصداره لعدن والمتضمن القانون المحلي لعدن، وفي جمادى الأولى 1355هـ/ يوليه 1936م، عرض وزير المستعمرات هذا المشروع الذي جاء في خمسة وعشرين بنداً كان منها تغيير مسمى المسؤول عن إدارة عدن من كبير المندوبين إلى حاكم مستعمرة عدن وقائدها Governor and Commander –in- chief of the colony of Aden، وتحديد صلاحياته وأعماله التي كان من بينها منحه صلاحيات واسعة في الشؤون الإدارية والتشريعية والمالية، كما اشتمل على تحديد اختصاصات نائب الحاكم ومهامه في حال تغيب الحاكم عن المستعمرة.

كما روعي في التنظيم الإداري الجديد تأسيس مجلس تنفيذي يكون بمثابة هيئة استشارية لمساعدة الحاكم في الشؤون الإدارية مع تحديد أسس اختيار الأعضاء الذين يتشكل منهم واختصاصاتهم وقواعد تعيينهم وعزلهم وإجراءات اجتماعات المجلس وصياغة محاضره. وأحقية الحاكم ـ الذي يعد رئيساً للمجلس ـ في الأخذ باستشارة المجلس أو رفضها، أما في الشؤون التشريعية فقد منح الحاكم صلاحية سن القوانين داخل المستعمرة مع مراعاة ضوابط محددة تضمنها مشروع التعليمات التي اشتملت أيضاً على حق جميع سكان المستعمرة في ممارسة شعائرهم الدينية بحرية كاملة، أما الشؤون المالية فقد اقترح تنظيمها على نمط جديد عن طريق إصدار كتاب سنوي من الحاكم يعرف بالكتاب الأزرق، يشتمل على الإيرادات والنفقات، والأشغال العامة والتشريعات والمؤسسات المدنية، والتقاعد والسكان والمدارس والعملات والصادرات والواردات، وكل ما له علاقة بظروف المستعمرة ووضعها.

وفي 13 رجب 1355هـ/ 28 سبتمبر 1936م تحولت عدن بموجب الأمر الصادر عن ملك بريطانيا في البرلمان إلى مستعمرة للتاج؛ وبدأ في تطبيقه في 20 المحرم 1356هـ / أول أبريل  1937م، وبموجبه منحت عدن النظام العادي والتشريع المعمول به في المستعمرات البريطانية. مع بقائها ميناء حراً للتجارة، وأصبحت حكومتها من النمط الاستعماري المباشر، وتبع هذا التحول تغيرات إدارية وسياسية واسعة يستند معظمها إلى مشروع التعليمات الصادرة لحاكم عدن في جمادى الأولى 1355هـ/ يوليه 1936م، وعبر هذا التحول وضعت الخطوط للسياسة البريطانية في جنوب شبه الجزيرة العربية، وربطت المستعمرة مع السياسيات الأكثر تحرراً، ومع سلسلة من الآراء في وزارة المستعمرات ومواقفها، تهدف إلى تخليص عدن من خطوات الروتين الذي كان يقيدها.

وقد بلغت مساحة مستعمرة عدن خمسة وسبعين ميلاً مربعاً شملت مدينة عدن نفسها ومنطقة الشيخ عثمان وقراها وشبه جزيرة عدن الصغرى "البريقة"، ويتبعها عدد من الجزر أهمها جزر كوريا موريا وقمران وبريم.

أما فيما يخص المحمية التي كانت تخضع لتنظيم إداري بدائي يموج بالمتناقضات وعدم التلاؤم والترابط بين أنظمته نظراً لتعدد الإدارات نتيجة تعدد السلطات، فقد اتجهت بريطانيا إلى تنظيمها وربطها بمستعمرة عدن نظراً لما يعكسه هذا التنظيم من فوائد على عدن اقتصادياً واستراتيجياً وسياسياً.

وتشكلت محمية عدن رسمياً بناءً على مرسوم ملكي صدر في 6 المحرم 1356هـ/ 18 مارس 1937م، وقسمت المحمية إدارياً إلى قسمين غربية وشرقية تجاوباً مع بعض الحقائق التاريخية والجغرافية.

وتبدأ المحمية الغربية خلف عدن بسهل رملي يترواح عرضه ما بين أربعة أميال إلى أربعين ميلاً، ويمتد نحو الداخل بسلسلة من المرتفعات والهضاب، وهذه المرتفعات تشكل الجبال الرئيسة التي تسقط عليها المياه الرئيسة في جنوب شبه الجزيرة العربية، وقد قسمت المحمية الغربية إلى خمس مناطق رئيسة هي:

المنطقة الشمالية الشرقية وتضم إمارة بيجان وسلطنة العوالق العليا، ومشيخات العوالق العليا. المنطقة الجنوبية الشرقية وتضم العوذلي وسلطنة العوالق السفلى واتحاد ديثنة "ويطلق عليها أيضاً اسم جمهورية دثينة لأن رئيسها ينتخب كل سنة".

المنطقة الوسطى وتضم سلطنة الفضلي وسلطنة يافع السفلى وسلطنة يافع العليا. المنطقة الجنوبية الغربية وهي تضم سلطنة الحج ومشيخة العقربي ومشيخة العلوي، وسلطنة الحواشب. المنطقة الشمالية الغربية وهي تضم إمارة الضالع ومشيخة شعيب ومشيخة المفلحي ومشيخة ردفان.

أما المحمية الشرقية فهي من حيث المساحة أوسع من المحمية الغربية، أما من حيث السكان فهي أقل كثافة بسبب استفحال الهجرة منها، وهي تضم رسمياً خمس سلطنات.

سلطنة القعيطي في الشحر والمكلا، وسلطنة الكثيري في سيئون، وسلطنة الواحدي في بلحاف، وسلطنة الواحدي في بير علي، وسلطنة المهرة في قشن وسوقطرة.

وبموجب النظام الجديد عين حاكم عدن حاكماً للمحمية أيضاً، وفيما يتعلق بسلطات الزعماء المحليين فقد حد منها "باستثناء سلطان لحج" وركزت في يد المؤسسات الحكومية المحلية، وفي ظل تطبيق الحكم غير المباشر فقد كان في مقدور الحاكم تطبيق أي قانون سن في الأصل للمستعمرة على المحمية.

وقد تمكنت بريطانيا بموجب الصلاحيات التي منحتها لحاكم عدن من ممارسة سلطتها الاستعمارية على المحمية، إذ أصبح مصير المنطقة كلها في يد الحاكم، فهو الذي يعين الزعماء ويعزلهم، ويتولى ترسيم الحدود بين الإمارات، أو يعمل على تقسيم بعضها وتوزيعها على من يشاء ووقتما يشاء، كما أن له حق إعلان حالة الطوارئ أو إلغائها، وبالتالي فقد أصبح الحاكم وفقاً للتنظيم الجديد هو المتصرف في جميع الشؤون السياسية والاقتصادية والاجتماعية والعسكرية للمحمية الغربية والشرقية.

وكان مسمى الحاكم في المحمية كما هو متعارف عليه بين الزعماء المحليين هو الوالي.

4. الجنوب العربي

تبنت رابطة أبناء الجنوب هذا المسمى منذ عام 1366هـ/ 1947م، بدلاً من التسمية التي كانت متداولة وهي مستعمرة عدن ومحمياتها. تأكيداً لانتماء المنطقة للعروبة، وتذكيراً للشعب بذلك، والقضاء على معاني التجزئة، ولتوحيد مشاعر أبناء الجنوب، وإنهم ينتمون إلى قطر واحد،وأن على الجميع أن يواجهوا نظاماً يجب إنهاؤه وهو الحكم البريطاني.

ويطلق اسم الجنوب العربي سياسياً على المنطقة الممتدة من باب المندب وخليج عدن غرباً حتى حدود عمان شرقاً ويحدها من الشمال اليمن والمملكة العربية السعودية، ومن الجنوب بحر العرب، وهي تشمل منطقة عدن والمحمية الغربية والشرقية والجزر التابعة لها. (انظر خريطة الجنوب العربي).

5. الجنوب اليمني

شاع استخدام هذا المسمى منذ عام 1375هـ/1956م من قبل القوى الوطنية التي كانت تنادي بوحدة الشمال والجنوب والتي كانت تعارض بشدة تسمية "الجنوب العربي" الذي يرون أنه يعبر عن نية انفصالية عن اليمن الشمالي، وتبنى هذا التوجه الشيوعيون الممثلون في الحركة العمالية والقوميون العرب، والعديد من أبناء اليمن الشمالي، وحتى الإمام أحمد بن يحيى حميد الدين (1313 ـ 1382هـ/1895 ـ 1962م) نفسه، ومعظم الأقطار العربية والمنظمات الوطنية في الوطن العربي، ثم أضيف إلى تسمية "الجنوب اليمني" كلمة "المحتل" في فترة النضال للدلالة على واقع الاحتلال فأصبحت التسمية "الجنوب اليمني المحتل".

6. اتحاد إمارات الجنوب العربي

منذ أوائل الخمسينات الميلادية تبنت بريطانيا فكرة اتحاد المحميات لعدة أسباب من بينها أسباب سلبية وأخرى إيجابية، فأما السلبية فهي تتمثل في المتغيرات السريعة التي لحقت بها، وأدت إلى انحسار نفوذها في منطقة الشرق الأوسط، وتضاؤل دورها رغم خروجها من الحرب العالمية الثانية منتصرة وقوة مهيمنة في المنطقة. إلا أن ذلك لم يدم طويلاً حيث فقدت الكثير من نفوذها بعد الحرب عندما استقلت الكثير من مستعمراتها خاصة الهند في عام 1366هـ/ 1947م، وما تبع ذلك من استقلال معظم مستعمراتها في الشرقين الأقصى والأوسط، وظهر ضعف مركزها في المنطقة العربية بشكل عام، ودفع ذلك بريطانيا إلى السعي حثيثاً لإقامة إمبراطورية جديدة لها في أفريقيا مما يتطلب منها إنشاء أوسع شبكة ممكنة من القواعد الإستراتيجية وإنشاء الأحلاف العسكرية، وهنا تأتي الأسباب الإيجابية التي كان محورها في ذلك الوقت أهمية الجنوب العربي للنفوذ البريطاني؛ فالمحميات تشكل مع عدن جزءاً لا يتجزأ من الوجهة العسكرية للدفاع عن الخليج العربي وأفريقيا والمحيط الهندي وبحر العرب حتى استراليا، إضافة إلى أهميتها الاقتصادية المتمثلة بثروتها المعدنية والزراعية. فضلاً عن أن عدن تعد في المركز الأول لتصفية النفط البريطاني. كما شكلت عدن أهمية تجارية؛ لأنها الميناء الوحيد المفتوح بين موانئ البحر الأحمر الغربية والشرقية، والسوق المفتوحة لترويج السلع الانجليزية، ومحطة تموين وصيانة للسفن الحربية والملاحية على الطرق البحرية المهمة، وقاعدة عسكرية مهمة، وأحد مراكز السيطرة البريطانية على مياه المحيط الهندي، كما أن مطارات المحمية الداخلية تتيح لبريطانيا مع قاعدة عدن أن تكون نقاط انطلاق للطائرات البريطانية عند اشتباك بريطانيا في حرب في منطقة الشرق الأوسط.

وقد عُمقت هذه الأهمية الاستراتيجية والاقتصادية مع تقلص النفوذ البريطاني المباشر في الشرق الأوسط والمحيط الهندي، وبروز الدور الأمريكي والشيوعي في المنطقة قلق الحكومة البريطانية ابتداءً من نهاية الحرب العالمية الثانية حتى أواسط الخمسينيات، وخالجها الخوف من وقوع النفط في أيدي دول عربية عندما يتحقق شكل من أشكال الوحدة السياسية بين الدول العربية، أو في يد الاتحاد السوفيتي أو الولايات المتحدة الأمريكية.

وعليه سعت السياسة البريطانية إلى إيجاد نوع من النظم الإدارية الموحدة في المنطقة، وفرض المشاريع الدستورية بما يتلاءم ومخططاتها، وفي حين أراد البريطانيون الاحتفاظ بعدن للأسباب السابقة فقد حاولوا صياغة ترتيب سياسي وفقاً لمتطلبات مصالحهم الاقتصادية والعسكرية يكون قادراً على كبح أي تهديد وطني. وكانت الصيغة بسيطة للغاية تتمثل في توحيد الداخل ليشكل الضغط السياسي المحافظ على المصالح البريطانية وقد سار مشروع اتحاد إمارات الجنوب العربي بخطي وئيدة حيث طرح لأول مرة بشكل رسمي في 3 جمادى الأولى 1373هـ / 7 يناير 1954م، عندما عقد اجتماع في دار الحكومة في عدن بحضور توم هيكنبوثام Tom Hickinbotham، حاكم عدن وحكام المحمية الغربية الذين تربطهم مع بريطانيا معاهدات استشارة، وقد أوضح هيكنبوثام للحكام الخطوط الرئيسة للاتحاد الفيدرالي المقترح.

وقد أظهر حكام المحمية الغربية شكوكهم وعدم قناعتهم بالاتحاد، ومن جانب آخر زادت الضغوط الخارجية المؤيدة لمعارضي الاتحاد. ثم ما لبثت الجامعة العربية أن شجبت المشروع ووصفته بأنه نوع من الاستعمار الجديد، ورفعت القضية إلى مجلس الأمن.

وفي 19 شعبان 1375هـ/31 مارس 1956م، ومع نهاية مدة حكم هيكنبوثام لعدن أعاد في آخر خطاب له ألقاه في حضور حكام المحمية الشرقية والغربية طرح مشروع الاتحاد الذي قدمه في عام 1373هـ/ 1954م، وذكر الصعاب التي اعترضت المشروع، وأشار إلى ضرورة إيجاد أي نوع من الترابط بينهم. وحثهم على تنفيذ الاتحاد وأخبرهم أنه يكل إليهم أمر تحضير مسودة المشروع.

وبوصول الحاكم الجديد لعدن السير وليم لوس Sir William Luce (1375 ـ 1380هـ/ 1956 ـ 1960م)، إلى عدن في 24 ذي الحجة 1375هـ/ أول أغسطس 1956م واصل السير على المخطط السياسي نفسه لإقامة الاتحاد. وقد صور له كينيدي تريفاسكس Kennedy Trevaskis، المعتمد البريطاني للمحمية الغربية أن المحمية أسس قيادة من عدن وسيتم مشروع الاتحاد فيها بدون أية معارضة.

وقد عقد حاكم عدن عدة جلسات مع حكام الإمارات، غير أن رابطة أبناء الجنوب رفضت المشروع جملة وتفصيلاً على أساس أنه مشروع انفصالي، يهدف إلى تجزئة المنطقة إلى دويلات تسير دائماً وأبداً في فلك السياسة البريطانية المتقلبة.

وقادت الرابطة حملة شعواء على التوجه البريطاني ونجحت في تكوين جبهة وطنية معارضة لدعوة الحكم الذاتي لعدن وفصلها عن المحميات، وتبنت قيام حكومة قومية في عدن تكون ولاية ضمن ولايات اتحاد الجنوب العربي المستقل، والخاضع لحكومة ديموقراطية شعبية مركزية، وتأكيد أن على أن شعب ولايات اتحاد الجنوب العربي المستقل جزء من شعب الجنوب العربي الكبير، وله حق تقرير المصير، وإنها لا تعترف بأية خطوة تقوم بها السلطات البريطانية أو سلاطين الجنوب لا تتفق والمبادئ السابقة.

وقام حاكم عدن بإجراءات عنيفة لوقف نشاط المعارضين للاتحاد، فقام بنفي رئيس الرابطة محمد علي الجفري في 17 المحرم 1376هـ/ 23 أغسطس 1956 من الجنوب بتهمة قيامه بنشاطات تحريضية. وبعد حين عاد الجفري إلى سلطنة لحج في 29 شعبان 1376هـ/ 30 مارس 1956م وكان رئيس المجلس التشريعي فيها، ووافق حاكم عدن على عودته فأصدر قرار العفو عنه بشرط أن يبقى في لحج ويمنع من دخول عدن ويتوقف عن مزاولة أي نشاط سياسي.

ومع نشاط الرابطة في المحميات لمعارضة الاتحاد أرسل لوس قوة عسكرية لاحتلال لحج عسكرياً وإلقاء القبض على الجفري وأخويه عبدالله وعلوي، وكان لويس يعتقد أن لحج تشكل رأس الحربة في معارضة قيام الاتحاد، وقد نجح كل من محمد وعلوي الجفري بالهرب في حين قبضت السلطات البريطانية على عبدالله الذي نفي إلى جزيرة سوقطرة.

وتبع ذلك خلع بريطانيا للسلطان علي عبدالكريم سلطان لحج وسحب اعتراف بريطانيا به سلطاناً على بلاده في 23 ذي الحجة 1377هـ/ 10 يوليه 1958م.

وقد كان لهذه الإجراءات أثرها إذا أدرك الجميع أن أي سلطان أو أمير يخرج عن إرادة الحاكم معرض للخلع في أي لحظة مهما كانت شعبيته.

ومن جانب آخر حتم الوضع العام في الشرق الأوسط على الحكومة البريطانية الإسراع في تنفيذ الاتحاد لعوامل عديدة منها الزخم الثوري الذي أعقب الوحدة بين مصر وسورية عام 1377هـ/ 1958م، وتعزز وضع الرئيس المصري جمال عبدالناصر، وبلوغ المد الثوري العربي الوحدوي ذروته والتنسيق الذي تبعه ممثلاً في اتحاد الدول العربية بانضمام اليمن إلى الاتحاد ليوجد في جنوب شبه الجزيرة العربية وضعاً جديداً بالنسبة لحركة التحرير وإمكاناتها، وبالنسبة للاستعمار البريطاني ومخططاته، فقد بات في وسع العناصر الوطنية التي أخذت تشدد من مواقفها العدائية تجاه بريطانيا أن لا تتطلع إلى الحكم في اليمن، بل إلى الحركة القومية العربية التي يقودها عبدالناصر، والتي بدأت في عام 1377هـ/ 1958م، وكأنها على وشك ضم الوطن العربي كله تحت جناحها بما فيه المواقع التي تسيطر عليها بريطانيا في الجنوب.

ومما زاد الخوف والتهديد بالخطر ما يلوح في الأفق من خلافة ولي العهد البدر بن الإمام أحمد الذي عرف عنه التعاطف مع الناصريين، مما قد يؤدي إلى فتح الباب على مصراعيه للمصريين كما أن هناك محاولات السلطان علي عبدالكريم سلطان لحج للسيادة على المحمية الغربية، إضافة إلى بوادر اكتشاف النفط في حضرموت الذي لن يكون لبريطانيا نصيب فيه، إلا إذا تم الاتفاق مسبقاً على نوع من الشراكة والتعاون، ومن الدواعي التي أسهمت في الاستعجال على إقامة الاتحاد المكاسب التي حققها مشروع أبين بوصفه نموذجاً للتعاون بين الإمارات، وما شهدته المحمية من تقدم ملحوظ في مجال الاتصالات والزراعة والمواصلات والتسويق رغم محدودية الدعم الذي قدمه صندوق الرعاية والتنمية التابع لوزارة المستعمرات، وأخيراً كان هناك ضغط بريطاني مبطن وإيحاءات بإمكانية زيادة المساعدات المالية للحكام إذا ما كانوا متحدين في الجنوب.

وكان البريطانيون يخشون أيضاً حال تنفيذ اليمن التزاماتها في الاتحاد أن تصل الروح الجديدة التي تسري في جسم الجمهورية العربية إلى الجنوب العربي، وأن يكون الاتحاد جسراً تعبر عليه القيادة العربية الرسمية لتدفع النضال العربي فيه، كما كانت تخشى المد الشعبي النضالي الذي سيولده قيام دولة اتحادية تنصب على حدود المنطقة التي يحتلها بالقوة، كما لم يكن للبريطانيين تجاهل النشاط الروسي في اليمن ومصر، والذي أظهر ضرورة سيطرة بريطانيا على مضيق باب المندب البوابة الجنوبية للبحر الأحمر كما هو الحال لقناة السويس البوابة الشمالية.

وقد أسهمت الاعتداءات والغارات اليمنية على المحمية وعلى الأخص المناطق الحدودية منها مع اليمن في دفع حكامها إلى الإلحاح على البريطانيين للإسراع في تنفيذ الاتحاد. إدراكاً منهم لضعف وضع مناطقهم ومكانتها ما دامت منفصلة عن بعضها البعض، وأن السبيل الوحيد لحماية استقلالهم عن اليمن على المدى البعيد هو الاتحاد.

وفي ظل هذه الظروف القلقة بادر مجموعة من حكام المحميات وهم شريف بيحان ونائب الفضلي والسلطان العوذلي وسلطان يافع السفلى ثم انضم إليهم أمير الضالع وشيخ العوالق العليا بإجراء مباحثات حول مشروع الاتحاد، انتهت إلى قيام خمسة من الستة الحكام، باستثناء سلطان يافع السفلى، بزيارة لندن في شهر ذي القعدة 1377هـ/ يونيه 1958م، لعقد المزيد من المباحثات مع الحكومة البريطانية.

وللوصول إلى صيغة نهائية للمشروع، عقد الحكام اجتماعاً مع لينوكس بويد Lennox Boyd، وزير المستعمرات في 28 ذي الحجة 1377/ 15 يوليه 1958، وأكد لهم أن القرار النهائي للاتحاد وعدد الإمارات التي ستدخل فيه من القضايا التي يجب تركها لكل إمارة، أما الحكام فقد أكدوا من جانبهم استعدادهم لقبول الاتحاد، وفي 29 ذي الحجة/ 16 يوليه توجت تلك المحادثات بإعلان الحكومة البريطانية موافقتها من حيث المبدأ على مقترحات الحكام للاتحاد، وعلى تقديم الدعم المالي والفني له. وإبرام معاهدة بين الحكومة البريطانية والاتحاد من أجل الاحتفاظ بحقوق الحماية.

وتم تحديد يوم 3 شعبان 1378/ 11 فبراير 1959 تاريخاً للتدشين الرسمي لاتحاد إمارات الجنوب العربي، ولتوقيع المعاهدة (انظر ملحق المعاهدة بين بريطانيا وحكومة الاتحاد الفيدرالي)، وقد كان لحضور وزير المستعمرات حفل مراسم ذلك اليوم بدعوة من الإمارات المؤسسة للاتحاد دلالة واضحة على أهمية المناسبة كما تم استئجار قطعة أرض من مشيخة العقربي، تقع بين مستعمرة عدن وبلدة عدن الصغرى لتكون عاصمة الاتحاد، وأطلق عليها اسم "الاتحاد".

وأخذت  خطوات تنفيذ الاتحاد تسير بثبات، ففي ربيع الآخر 1379/ أكتوبر 1959م انضمت إليه سلطنة لحج مشكلة بذلك خطوة مهمة ودفعة قوية له، إذا أضافت للتجمع أهم إمارة في المحمية الغربية من ناحية عدد سكانها، والمكانة السياسية التي تتمتع بها ، ثم توالى دخول بقية إمارات المحمية الغربية، وامتد الاتحاد ليشمل المحمية الشرقية مبتدئاً بضم السلطنة الواحدية إلى الاتحاد.

7. اتحاد الجنوب العربي

في عام 1382 /1962 تغير اسم الاتحاد إلى "اتحاد الجنوب العربي" تحديداً لدمع عدن في الاتحاد، وقد قوبلت هذه الخطوة هي الأخرى بمعارضة شديدة من القوى الوطنية وتمت موافقة المجلس التشريعي العدني على الدمج في 25 ربيع الآخر 1382/ 24 سبتمبر 1962، وسط مظاهرات عارمة خارج المجلس كانت تستهدف منع أعضاء المجلس التشريعي من دخول المجلس للتصويت، وقد نجحت بريطانيا في الحصول على موافقة المجلس التشريعي قبل ثورة 27 ربيع الآخر 1382/ 26 سبتمبر 1962 في المملكة المتوكلية اليمنية، ولو تأخرت إجراءات الموافقة لما تمكنت بريطانيا من دمج عدن بالاتحاد، إذ سيكون التصويت ضد دمج عدن في الاتحاد وإعلان قيام دولة مستقلة وفقاً لرأي أحد أعضاء المجلس التشريعي العدني. وأتمت بريطانيا مخططها بالقوة رغم المعارضة القوية والظاهرة من قبل سكان عدن، والقوة الوطنية.

8. جمهورية اليمن الجنوبية الشعبية

وضع النضال البطولي لسكان عدن والإمارات النهاية لتاريخ السيطرة البريطانية في جنوب شبه الجزيرة العربية، والتي استمرت حوالي مائة وثمانية وعشرين عاما، وأسس هذا النضال جمهورية اليمن الشعبية. فقد اندلع الكفاح المسلح من ردفان في 26 جمادى الأول 1383/ 14 أكتوبر 1963. ومع اندلاع الثورة المسلحة مالت كفة العوامل المناوئة لصالح الحركة الوطنية والثورة المسلحة، وأصبحت بريطانيا موقنة بأن أيامها في الجنوب معدودة، وأن عليها أن ترتب أوضاعها وتعدل من خططها حتى تستجيب شكلياً لبعض الأماني الوطنية، دون أن تفقد كل مصالحها في المنطقة، وحتى هذا المخطط لم يكتب له النجاح نظراً لصلابة الثورة، فاضطرت بريطانيا إلى تقديم موعد استقلال عدن والإمارات، والبدء في مفاوضة الجبهة القومية لتحرير الجنوب. وفي 19 شعبان 1387/21 نوفمبر 1967 اجتمع ممثلو الجبهة القومية في جنيف بالوفد البريطاني للتفاوض حول تسليم السلطة لحكومة الجبهة القومية، وفي 24 شعبان 1387/ 26 نوفمبر 1967 بدأ انسحاب القوات البريطانية من عدن وفي 27 شعبان / 29 نوفمبر نفذت عملية الانسحاب نهائياً.

وفي الأول من رمضان 1387/ أول ديسمبر 1967 تشكلت أول وزارة وأصبح قحطان محمد الشعبي رئيساً للجمهورية، وفي التاريخ نفسه انضمت جمهورية اليمن الشعبية إلى جامعة الدول العربية.

سلطنة لحج "سلطنة العبادل"

الموقع:

تنسب لحج إلى لحج بن وائل بن الغوث بن قطن بن عريب بن زهير بن أيمن بن الهميسع بن حمير بن سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان. وكانت لحج تضم شبه جزيرة عدن إلى جانب الإقليم الداخلي، ويحدها من الغرب منطقة العقارب عند نقطة قريبة من الحسوة على شاطئ خليج التواهي، وتمتد إلى الشمال محاذية لحدود الصبيحة، ومن الشمال حدود الحواشب، ومن الشرق حدود سلطنة الفضلي حيث تنتهي على ساحل البحر عند نقطة قرب العماد. (انظر خريطة جنوب شبه الجزيرة العربية).

ومن أهم الظواهر الطبيعية الموجودة في لحج وادي تبن الذي يعرف بوادي لحج، وهو من أخصب المناطق في اليمن تربة وأشهرها زراعة. وتعرف عاصمة لحج باسم "الحوطة"، ويطلق عليها تجاوزاً لحج أيضاً. (انظر خريطة سلطنة لحج).

تأسيس سلطنة العبادل في لحج:

كان أئمة اليمن في صنعاء يبسطون سيطرتهم على مناطق أسفل اليمن كما تعرف منذ عهد المتوكل على الله إسماعيل بن القاسم "1054 ـ 1087/ 1644ـ 1676"،غير أن هذه السيطرة اعتراها بعض الضعف والانهيار نتيجة التنافس على الإمامة، وكثرة الفتن، وعدم الاستقرار في نظام الحكم ذاته، كما أسهمت الخلافات الطائفية بين الزيدية في الشمال والأكثرية الشافعية في الجنوب في إضعاف هيمنة أئمة صنعاء على أسفل اليمن، إضافة إلى تذمر السكان من طريقة الحكم الإمامي، هذا فضلاً عن مصالح مشايخ الجنوب ونزعتهم الشخصية والقبلية في الانفصال عن صنعاء.

واستغلت قبائل يافع كل هذه العوامل السابقة، فكان لها الدور الرائد في خوض تجربة الانفصال عن نفوذ أئمة اليمن، وخلال حروبها مع الإمام المهدي صاحب المواهب "1097 ـ 1130/ 1686 ـ 1718" اتجهت جهودها إلى الاستيلاء على لحج، ففي عام 1114/ 1702 نجح قحطان بن معوضه سلطان يافع السفلى في الاستيلاء على لحج وعدن، ثم استردها الجند الإمامي في العام نفسه وفي عام 1117/ 1705 تمكن ناصر بن صالح بن أحمد هرهره سلطان يافع العليا من الاستيلاء عليها، واستمر حكم يافع للحج حوالي اثنين وعشرين عاماً، ثم عادت إلى حكم الأئمة في عام 1139/1727.

وكانت العادة قد جرت على تعيين شيخ في لحج من أهل المنطقة يساعد عامل الإمام في النظر في شؤون الرعايا، ويكون بمثابة نقطة اتصال بين الحكام والرعايا، وتم اختيار الشيخ علي بن عبدالله بن سلام بن علي السلامي ضابط اتصال بين الأئمة والرعايا.

ونظراً لسوء تصرف عامل الإمام أعلن الشيخ علي بن عبدالله السلامي نقمته مما أثار العامل فعمد إلى إقصائه عن منصب المشيخة، فلما أخفق في مسعاه تآمر على قتله، فالتف الأهالي حول فضل بن علي بن صلاح بن سلام بن علي السلامي. وهو من أبناء عمومة القتيل علي السلامي. وليخفف الإمام المنصور الحسين بن القاسم " 1139 ـ 1161/ 1727 ـ 1748" من حدة الغضب الذي اجتاح سكان لحج ثبت فضل بن علي شيخاً على لحج.

واستغل فضل بن علي فورة الغضب التي عصفت في نفوس أهالي لحج بعد مقتل علي بن عبدالله السلامي؛ فأراد أن يحقق هدفين في وقت واحد: الخلاص من الحكم الإمامي، والانفراد بالسلطة، فدخل مع أنصاره على عامل لحج في شهر ذي القعدة 1144/أبريل 1731 وقاموا بقتله، ثم قتلوا عامل عدن، وأعلن فضل بن علي انفصاله بلحج وعدن، فأرسل الإمام المنصور قوات أخضعت فضل بن علي، وفرضت عليه غرامة مالية، ولما شعر فضل بن علي بعدم قدرته على استرداد مكانته لجأ إلى يافع السفلى مستجيراً بسلطانها سيف بن قحطان، واتفق الاثنان على أن يكون للسلطان سيف بن قحطان جزء من دخل عدن سنوياً.

وبموجب هذا الاتفاق نشبت معارك بين يافع وجند الإمام المنصور، على أثرها نجح سيف بن قحطان وفضل بن علي في رمضان 1145 / فبراير 1732 في الاستيلاء على عدن.

وفي العام نفسه نجح الحليفان في الاستيلاء على لحج. وقد فشلت جهود الإمام المنصور في استعادة لحج وعدن. وبذلك صار أمر لحج وعدن إلى العبادل، ومنذ تاريخ انفصال لحج وعدن أطلق فضل بن علي على جميع قبائل مشيخته لقب عبادل نسبة إلى أسرته، واتخذ من الحوطة عاصمة له والتي كانت تعرف أيضاً باسم لحج.

ومن جانب آخر استمر فضل بن علي في تنفيذ اتفاقه الذي كان بينه وبين سيف بن قحطان حتى عام 1155/ 1742 حيث توجه فضل بن علي إلى يافع لإصلاح خلاف بين سيف بن قحطان وبعض قبائل يافع فقتل هناك، فخلفه ابنه عبدالكريم الذي اتخذ من قتل والده ذريعة لنقض الاتفاق الذي بين والده وسيف بن قحطان.

حكام لحج بعد فضل بن علي (انظر شكل حكام لحج)

1. عبد الكريم فضل بن علي "1155 ـ 1180/ 1742 ـ 1766".

أعلن نفسه سلطاناً بدلاً من شيخ، ثم أطلق على بلاده سلطنة بدلاً من مشيخة. ونجح في تثبيت مكانة لحج بتحسين علاقاته مع جيرانه من يافع، وإمام صنعاء المهدي العباس بن الحسين بن القاسم "1161 ـ 1189/ 1748 ـ 1775".

2. عبد الهادي عبدالكريم فضل "1180 ـ 1194/ 1766 ـ 1780"

خلف والده في الحكم، تعرض حكمه لهزات عنيفة من داخل الأسرة وخارجها، فقد خرج عليه عمه محسن فضل، وأقاربه من آل سلام ولم يستطع السلطان عبدالهادي بن عبد الكريم التخلص من متاعب عمه إلا بقتله، وقتل من يسانده من آل سلام عام 1190/ 1776. كما قام عزب مكي شيخ العزيبة بالاستيلاء على عدن في عام 1185/ 1771، وأخرجه السلطان عبدالهادي منها بعد يومين من استيلائه عليها، كما خرجت العقارب عن طاعته حيث انفصل مهدي العقربي ببئر أحمد في عام 1186/ 1772، ولم يتمكن السلطان عبدالهادي من إخضاع العقربي بسبب عون آل فضل له الذين مدوه بالمال والرجال حتى مكنوه من الانفصال نهائياً.

3. فضل عبدالكريم فضل "1194 ـ 1207/ 1780 ـ 1792"

خلف أخاه السلطان عبدالهادي في الحكم لأن الأخير لم يعقب نسلاً. واشتهر السلطان فضل عبدالكريم بالقوة والشجاعة، وعرف بلقب أبو هساج. ولا تعطينا المصادر أي معلومات أخرى عن فترته.

4. أحمد عبدالكريم فضل "1207 ـ 1243/ 1797 ـ 1827"

خلف أخاه السلطان فضل عبدالكريم لأنه ـ أي السلطان فضل لم يعقب نسلاً أيضاً. وشهد عصره التنافس الأوروبي ممثلاً بفرنسا وبريطانيا والذي امتد إلى منطقته، فقد تمكنت فرنسا من احتلال مصر عام 1213/ 1798 واتضحت نواياها لغزو الهند، الأمر الذي عجل بالبريطانيين إلى اعتماد سياسة استعمارية واضحة للسيطرة على مضيق باب المندب؛ لمنع الفرنسيين من الوصول إلى الهند، فاحتلت جزيرة ميون "بريم" في عام 1214/ 1799، غير أنها ما لبثت أن انسحبت منها إلى عدن استعداداً للرحيل إلى بومبي؛ لندرة المياه فيها، وعدم تمكن المدفعية البريطانية الموجودة بها من السيطرة على مضيق باب المندب.

وقد حاول السلطان أحمد استغلال الموقف فعرض على قائد القوة البريطانية تقديم عدن هدية لبريطانيا مقابل حمايته من غزو السلفيين المرتقب. غير أن الحاكم العام للهند رفض هذا العرض اعتقاداً منه بعدم صلاحية عدن لتكون مركزاً تجارياً أو قاعدة حربية أو بحرية.

وعادت العلاقات بين السلطان أحمد عبدالكريم وبريطانيا عندما تدهورت تجارة بريطانيا على سواحل البحر الأحمر نتيجة تحول تجارة البن إلى مصر، ودخول السفن الأمريكية منافساً في شراء البن بكميات كبيرة من المنتجين الأصليين، فسارعت شركة الهند الشرقية بإرسال بعثة إلى السلطان أحمد عبدالكريم لعقد معاهدة تجارية معه. وقد أبرمت هذه المعاهدة بين الطرفين في 9 جمادى الأولى 1217/ 6 سبتمبر 1802. (انظر ملحق معاهدة بين السلطان أحمد عبدالكريم وشركة الهند الشرقية)

وتعد فترة حكم السلطان أحمد عبدالكريم من أزهى فترات لحج، لسياسته، وسعيه الحثيث لرقي اقتصاد سلطنته عن طريق تنشيط تجارة عدن، وجذب التجار للإقامة في بلاده، ومن مظاهر سياسته الداخلية إنه كان لديه جيش منظم.

5. محسن فضل بن محسن فضل "1243 ـ 1263/ 1827 ـ 1847"

ابن عم السلطان أحمد عبدالكريم تولى أمور السلطنة بعد وفاته لانقطاع ذرية آل عبدالكريم وقد أصبح الحكم بعد ذلك في ذريته والتي عرفت بلقب آل محسن.

تربى السلطان محسن في قرية الحمراء بعيداً عن إقامة الأسرة العبدلية في الحوطة، نظراً لخروج والده وعمه إليها بعد مقتل والدهما محسن فضل على يد السلطان عبدالهادي عبدالكريم.

وفي عهده حدث احتلال بريطانيا لعدن في 1254/ 1839، هذا الاحتلال الذي ترتَّب عليه اقتطاع أهم جزء من سلطنة العبادل الذين انحسر نفوذهم في لحج وساحل محدود على البحر.

وقد ظلت فكرة استرداد عدن تسيطر على السلطان محسن إلا أنه لم ينجح في محاولاته التي اتخذت ضده، ورفض سلطان الحواشب التعاون معه، علاوة على خلاف السلطان محسن مع إمام صنعاء. وتفتت وحدة العبادل من حوله إثر قيام المقيم السياسي في عدن باستخدام سياسة التفريق بين القبائل بتخويف كل قبيلة من الأخرى. مما اضطر السلطان محسن في النهاية إلى الاعتراف بوجود البريطانيين في عدن فعقد معاهدة للصداقة معهم في 11 المحرم 1259/ 11 فبراير 1843، (انظر ملحق معاهدة بين السلطان محسن فضل والحكومة البريطانية عام 1843) تضمنت دفع راتب له إلا أن ذلك لم ينفذ إلا عندما وقع على اتفاقية جديدة في 1 صفر 1260/ 20فبراير 1844. (انظر ملحق معاهدة بين السلطان محسن فضل والحكومة البريطانية عام 1844). أقرت بريطانيا بموجبها دفع راتب شهري للسلطان ما دام متمسكاً بمعاهدة 1259/1843. لكن السلطات البريطانية ما لبثت أن قطعت الراتب عقب انضمام السلطان محسن إلى حركة الشريف إسماعيل بن الحسن والتي قصد منها استعادة عدن، وبعد فشل هذه الحركة حاول السلطان محسن فضل تحسين علاقته بالبريطانيين في عدن لاستعادة راتبه، غير أنه توفي قبل أن يتحقق له ذلك. ووُصف السلطان محسن فضل من قبل المؤرخين الأجانب بأنه مخادع وبخيل ومنافق، ولا يؤمن له جانب وجشعٌ محبٌّ للمال.

6. أحمد بن محسن فضل "1263 ـ 1265/ 1847 ـ 1849"

أكبر أبناء السلطان محسن فضل، خلف والده في الحكم، بدأ عهده في محاولة تحسين علاقته مع البريطانيين، فتفاوضوا معه لعقد معاهدة الغرض منها تنظيم حركة التجارة بين الطرفين، وتحديد مقدار الرسوم الجمركية للبضائع، وحماية السلطان العبدلي للطرق المؤدية إلى عدن، كما كان من أهداف المعاهدة تحديد حدود ممتلكات بريطانيا في جنوب شبه الجزيرة العربية، وجاء هذا التحديد في المعاهدة بنص: "يعتبر خور مكسر والسهل المحصور بينه وبين جبال عدن التي تشكل البرزخ ممتلكات بريطانية ولا تمتد شمالاً أبعد من ذلك"، وفي المقابل تعهدت بريطانيا بدفع مرتب شهري للسلطان بلغ 541 ريالاً نمساوياً. وقد توفي السلطان أحمد قبل إتمام هذه المعاهدة في 24 صفر 1265/ 18 يناير 1849. ومن أعمال السلطان أحمد بن محسن الداخلية تأسيس مسجد الدولة في الحوطة.

 

7. علي بن محسن فضل "1265 ـ 1279/ 1849 ـ 1862"

خلف أخاه السلطان أحمد في الحكم، فأتم المعاهدة التي بدأها وتم التصديق على هذه المعاهدة من قبل حكومة بومبي في 14 ذي الحجة 1265/ 30 أكتوبر 1849، لتكون المعاهدة الوحيدة التي تم المصادقة عليها والمقبولة قانونياً (انظر ملحق معاهدة بين السلطان علي بن محسن فضل والحكومة البريطانية عام 1849).

وفي عهده توترت علاقات لحج مع جيرانها العوالق وآل فضل والحواشب، وسعى السلطان علي بن محسن إلى إزالة سوء التفاهم بينه وبين آل فضل والعوالق أولاً ونجح في هذا الأمر، في حين أن نزاعه مع الحواشب تطور بسبب موقف سلطان الحواشب عبيد بن يحيى الفجاري الحوشبي الذي عمد إلى إثارة هذا النزاع بالعبث بمياه زايدة[1] عدة أشهر. فقام السلطان علي بغزو الراحة عاصمة الحواشب، ووجد تأييداً من بعض أمراء الحواشب الذين قدموا إليه وطلبوا منه المساعدة في خلع عبيد بن يحيى وتولية علي بن مانع بن سلام، فأقرهم السلطان علي بن محسن على فعلهم وكان ذلك دعماً معنوياً لهم إذ عاد هؤلاء الأمراء إلى بلادهم وخلعوا عبيد بن يحيى وعينوا سلطانهم الجديد علي بن مانع الذي بدأ عهده بمصالحة العبادل.

وعلى الرغم من معاهدته (أي السلطان علي بن محسن) مع البريطانيين فقد حدث ما أساء إلى علاقة الصداقة والسلام بين الطرفين بسبب منطقة الشيخ عثمان، وملخص الحادثة أن السلطان علي بن محسن قام في منتصف رجب 1274/ مارس 1858 بفرض ضرائب على آبار الشيخ عثمان وتعيين حراسة عليها عندما لاحظ ازدياد الطلب على المياه من قبل البريطانيين في عدن، وكذلك حاجة السفن التي تأتي إلى الميناء وهي المورد الوحيد لتزويدها بالماء، ثم استولى أفراد من قبيلته المنطقة التي تعد ملتقى الطرق الآتية من الداخل، والتي تأتي منها معظم المؤن الضرورية لعدن، وقد بادر البريطانيون إلى الاستيلاء على الشيخ عثمان وقاموا بإجراء عنيف؛ فنسفوا القرية والقلعة الموجودة فيها، بهدف منع السلطان من حصول أي دخل من هذه الآبار، وعلاوة على ذلك هدد البريطانيون بقطع راتبه الشهري، وكانت هذه وسيلة ضغط على السلطان الذي بادر على الفور بطلب الصلح مع سلطات عدن وجلائها عن الشيخ عثمان، مع تعهده بتنفيذ كافة المطالب البريطانية، وهذا يعني رضوخ العبادل، الأمر الذي دفع بعض الباحثين إلى القول بأن تلك السياسة التي أتبعها البريطانيون نتج عنها تحول سلطنة لحج إلى دعامة من دعامات النفوذ البريطاني في جنوب شبه الجزيرة العربية.

8. فضل بن علي بن محسن فضل "1279 ـ 1280/ 1862 ـ 1863"

توفي السلطان علي بن محسن فضل في ربيع الأول 1279/ أغسطس 1862. فتنازع أخوته فيمن يخلفه، فكان عبدالله بن محسن يرى أنه الأولى بموجب وصية والدهم محسن فضل أن يكون الحكم للأكبر من أولاده، غير أن أخويه فضل ومحمد كانا يران عدم أحقيته، وساندهما في الرأي والموقف ابن أخيهما فضل بن أحمد محسن بحجة أن عبدالله بن محسن سيئ السلوك مع أهله، وأمام هذا النزاع اتفقت القبائل والأعيان على توليه ابن السلطان المتوفي وهو فضل بن علي، وكان شاباً صغير السن تولى الوصاية عليه أعمامه فضل ومحمد.

وأدت هذه الوصاية إلى زيادة نقمة عبدالله بن محسن مما أدى إلى زيادة النزاع بين الأخوة وبالتالي اضطربت أمور السلطنة، فاقنع فضل بن محسن ابن أخيه أن يتنازل عن السلطنة فتنازل لعمه فضل بن محسن.


 



[1]  ينقسم وادي تبن إلى قسمين شرقي وغربي، الشرقي يسمى الوادي الصغير (وكان يسمى بوادي الزان ـ ورزان) والغربي يسمى بالوادي الكبير، وكلا الواديين يبتدأن من قرية زايدة ويصبان في خليج عدن بدلتا كبيرة.

[2] كان السلطان فضل بن علي قد اشتد ضيقة من المشكلات التي سببتها شروط معاهدة عام 1289/1881، التي وضعت بموجبها بلاد الصبيحة تحت حكم العبادل إذ عانت لحج من مشكلات الصبيحة وعرض السلطان فضل بن علي شكواه على مقيمية عدن ورغبته في التنازل عن معاهدة 1298/1881، ولم يقبل طلبه إلا بعد أن قام الصبيحة بالثورة على جند السلطان في عام 1303/1886، وأصبحت شروط معاهدة 1298/1881، لاغية.