إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات علمية / اللغات





لغة الإشارة
التابوت "دورة الثبات"
الحيّات في الصليب
الفصائل اللغوية
جدول اللغة الأُوغاريتية
رسم الهلال "شهر"
رسم الفصول في الهلال
عين حورس




المبحث الرابع

د. اللغة العربية ولغات الهند وحضارتها

    اكتشف الهنود عند موهنجو ـ دارو[5] على الضفة الغربية من السند الأدنى، آثاراً من حضارة تثبت أن موهنجو ـ دارو، كانت تتصل مع سومر، وبابل بصلات تجارية ودينية وفنية، وأنها ظلت أكثر من ثلاثة آلاف عام، حتى كان القرن الثالث الميلادي. وإن كلمة موهنجو ـ دارو تنقسم إلى ثلاث مقاطع لفظية هي (موه ـ ناجو ـ دارو) أو إلى ثلاثة كلمات عربية هي (موه= ماء) و (ناجو= ناس) و (دارو= دار) فيكون معناها (دار ناس البحر). فالسكان الذين كانوا فيها هم (الناجا) التي يمكن قراءتها (ناسا) ومعناها الناس، والناجا هم أقدم سكان الهند

    أمّا اللغة السنسكريتية، المشهورة بأنها أقدم المجموعات الهندية ـ الأوروبية، والتي تنتمي إليها معظم لغات أوروبا، مثل اليونانية واللاتينية، والجرمانية وغيرها، هذه اللغة السنسكريتية، هي التي كتب بها أسفار (الفيدا)، وديانة (الفيدا)، التي معناها (معرفة ـ فائدة) تعد من أقدم الديانات التي عرفتها الهند وكلمة (فيدا) يمكن إرجاعها إلى كلمة (فائدة) ـ فايدة) العربية التي تفيد اللفظ والمعنى.

    إن عبادة (الفيدا) هي عبادة لأرواح تسكن الصخور، والحيوان، والماء، والشجر، وعليه فقد أنشأت مجموعة من التعاويذ، والرقى، من هذه الأرواح سميت ـ (فيداتا رافا) (الإلمام بالسحر) أو بالعربية (فايدة العرافة).

وتتألف الفيدا من عدة أسفار فقدت ولم يبق منها إلا أربعة هي:

1. سفر رج: ومعناه ترانيم الثناء ـ أو بالعربية سفر الرجاء.

2. سفر سما: ومعناه معرفة الأنغام ـ أو بالعربية سفر السماع.

3. سفر ياجور: ومعناه معرفة القرابين ـ أو بالعربية سفر الأجور.

4. سفر أتارافا: ومعناه التعاويذ والرقى ـ أو بالعربية سفر العرافة.

    وفي الديانة البوذية في الهند نجد: (بوذي ساتو) التي تساوي بالعربية (بوذا ذاته). وبوذا يرحل في النهاية إلى النرفانا، والمقصود بها السكينة العليا، التي يمكن قراءتها بالعربية (نور فناء).

    وتعاليم بوذا تسمى (البتاكات)، وهي سلاسل القوانين التي وافق عليها مجمع الهند الذي عقد سنة 241 ق.م، وقال عنها إنها تعاليم بوذا الصحيحة، وبالعربية فإن كلمة (بطاقات) توافق اللفظ والمعنى.

أيضاً كان الملك يسمى رايا أو راجا ويمكن قراءتها بالعربية (راعي).

وقد اشتهر في الهند نهر الكانج، وهو بالنسبة للهنود نهر الخلاص، حيث يتطهر الهنود للنجاة من الأمراض والذنوب، وبالعربية (كي ننجو).

ويستوقفنا في الهند كذلك، اسم الإله (شيفا) الذي حير العلماء، وهو إله القسوة والقتل والتدمير، وهو ببساطة من مصدر سيف العربية.

يتضح، بعد هذه العجالة الموجزة السريعة، كيف أن الهند القديمة، بثقافتها وحضارتها ولغاتها، التي كان يظنها البعض غريبة عن العربية، من مصدر واحد ومن لغة واحدة هي اللغة العربية الأم.

هـ. اللغة الأوغاريتية

    تعد اللغة الأوغاريتية 1900 ق.م عبارة عن تطور لنظام أبجدي سبقها، كان يحوي 22 حرفاً فقط. كما أن شكلها يوضح علاقتها بالفينيقية. والأوغاريتية ليست سوى لهجة عربية قديمة، يتضح ذلك في أداء الأصوات فيها بلفظ عربي، مع تصرف بالمد والقصر والتفخيم والترقيق، ومن نماذج الكلمات الأوغاريتية (وهي مشتركة بينها وبين العربية الفصحى والحديثة):

أب ـ أخ ـ يد ـ نهر ـ حلم ـ حرب ـ كرم ـ عربة ـ حصان ـ لحم ـ حجر ـ بحر ـ موت ـ نعمة ـ جراد ـ صحراء ـ قرار ـ تراب ـ مودة ـ سلام ـ أرض ـ حقل ـ عرب ـ قتال ـ بيت ـ أكل ـ أمر ـ دم

وغير ذلك كثير جداً، مما لا يمكن إيراده في هذا البحث، ونكتفي بذكر قصيدة أوغاريتية بلفظها الأوغاريتي ـ والعربي: (اُنظر شكل جدول اللغة الأوغاريتية)

الحروف الأوغاريتية

اللفظ العربي

أشلو بصف عنه

اسأل بوصف عنه

د بحلمى ال يتن

إذا بحلم الله أتاني

د بشرنى اب آدم

إذ بشرني أبي آدم

ولد شفح لكارت

بمولد شفيع للقرية

وغلم لعبد ال

غلام لعبد الله

كارت يخط وحلم

(أهل) القرية يخطوا حلم

عبد ال وهدرت

عبد الله وهذه الرؤية.

    إن هذه القصيدة قديمة جداً، وفيها بشرى ولادة شفيع للقرية، هو محمد بن عبدالله r، وورودها في حضارة أوغاريت، يؤكد ما تناولته الأمم بشأنه r منذ آدم.

والنص يؤكد أن الأوغاريتية هي لهجة، من اللغة العربية الفصحى، لغة آدم.

و. العربية والإغريقية

    أقدم حضارة قامت في بلاد اليونان كلها، بل في أوروبا بوجه عام، هي حضارة جزيرة كريت، ومن المتفق عليه أن الكريتيين كانوا من سلالة فينيقية. وقد توصل علماء الحفريات، إلى أن الكتابة التي عثر عليها، منقوشة على ألواح الجزيرة، هي لغة سامية لاشك فيها، بل هي بالتحديد فينيقية، قبل أربعة آلاف سنة أو نحوها. وكان الفينيقيون يقيمون بين النهرين على مقربة من الخليج العربي، قبل انتقالهم إلى صور وغيرها، ثم الانتشار في مدن البحر المتوسط. وكانت الحروف المنسوبة إليهم عربية على التحقيق، وظلت باقية إلى اليوم في الخط المسند في الحضارة اليمانية.

    والأبجدية التي يكتبها اليونانيون، في عصرنا هذا، موافقة بترتيبها حرفاً حرفاً، لترتيب الأبجدية العربية، ولا يختلف هذا الترتيب مرة، إلا إذا تقابل حرف من حروف الحلق بحرف من الحروف التي تقاربه في نطق الأوروبيين، لأن الأوروبيين لا ينطقون حروف الحلق كما هو معلوم. فالأبجدية اليونانية تبتدئ بحروف (ألفا وبيتا وجما ودلتا) وهي حروف الألف والباء، والجيم والدال في "أبجد" على هذا الترتيب. ثم تتقابل حروف "هوز" بما يقاربها مع اختلاف نطق الهاء، ونطق الواو حيث تكون حركة من عندهم وحرفاً منطوقاً عندنا في بعض الأحيان، ثم تأتي "كلمن" متتابعة كما هي عندنا، بغير اختلاف، لخلوها من حروف الحلق والمد، وهم ينطقونها "كابا ولامدا ومو ونو"، ويتبعونها ببقية حروفنا على النحو السابق.

تقول الأسطورة الإغريقية:

"بأن قدموس الفينيقي، الآتي من الشرق، سوف يتحول بعد شيخوخته وموته إلى ثعبان، وينتقل إلى  شانزليزية. (جن إل إليزية) حيث يقيم الأبطال بعد الوفاة". وقدموس الآتي من الشرق الفينيقي، هو الذي علم الإغريق، كما يقول جميع المؤرخين.

ثم نقرأ الأسطورة باللغة العربية: "إن قدموس (القادم) من الشرق، بعد شيخوخته وموته ستبعث فيه الحياة (رمز الحية) من جديد، وينتقل إلى جنة العزة..".

وتقول المستشرقة "د. أوديت بيتي": من العجيب أن نلاحظ أن الإغريق في القرن الخامس قبل الميلاد كانوا يستعملون النظام الفينيقي في كتابة لغتهم، وذلك أنهم كانوا يكتبون الحروف فقط، وكان على القارئ أن يضيف الحركات ليفهم معنى النص، وهذا مثل العربية تماماً".

    إن الأصول العربية للغات أوروبا، أمر لا يخفى على أحد، فهناك آلاف الكلمات، التي يمكن إرجاعها إلى اللغة العربية (أُنظر جدول كلمات منتشرة في العالم أصلها عربي).

ز. العربية واللغة العبرية

    اللغة العبرية تدخل، في الفرع الكنعاني من اللغات السامية الشمالية الغربية، أو الجنوبية الغربية. والعبرية هي تطور من الفينيقية والأوغاريتية وكانت تعرف عند اليهود باسم لسان كنعان "سفط كنعن"، ومن ثم باسم (لغة اليهود)، ولم يطلق عليها اسم اللغة العبرية إلا في القرن الثاني الميلادي 200م.

    وهي مثل جميع اللغات السامية، لغة ثلاثية الحروف يمكن إرجاعها إلى 500 جذر كلها تحوي المعنى نفسه للفظ مشابه لها في اللغة العربية.

    وعليه تكون الفينيقية مثلاً، أقدم منها بكثير. وقد استمرت كتابة العبرية بحروفها الفينيقية القديمة مدة طويلة من الزمن، وإن كتاب العهد القديم العبري ـ المعتمد رسمياً ـ والمتداول بين أيدي الناس، هو ترجمة مأخوذة من الأصل (وتسمى النسخة المصورية) التي أعدها العلماء، ابتداء من القرن السادس الميلادي، حيث قاموا بتشكيل الكلمات، ووضع النقط عليها، وعملوا تفسيرا يسمى المصورة (أي التقليد وليس الأصل). وفي عام 900م سارت مدرسة طبريا على هذا المنوال، وتم إدخال الحركات العشوائية مما أدى إلى مزيد من تحوير المعاني والجمل، والوقائع التاريخية. وهي طريقة اليهود دائماً وعلى مر العصور كما ذكر القرآن: ]يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ[ w، (سورة المائدة، آية 13، سورة النساء الآية، 46)

    وإن تصحيح قراءة كتاب العهد القديم، لا يتم إلاّ عند مراجعة النسخة الأصلية من التوراة (إن وجدت وثبت أنها الأصلية)، وإعادتها إلى أصولها العربية، علماً أن العلماء اليهود في المغرب العربي، كانوا يحاولون مثل ذلك في النسخ المتداولة عندهم؛ فكانوا يتحاكمون إلى المعنى العربي للكلمات العبرية (أُنظر جدول أمثلة من الكلمات العبرية الموجودة في العربية).

ح. العربية والسريانية

    تقول الأبحاث العلمية الحديثة: إن السريانية هي تطور من الآرامية، كما أن الآرامية هي تطور من الأكادية. وقد استمرت الأكادية، لغة علمية ودينية بشكلها الآرامي، حتى العهد المسيحي.

    إن أصل الآراميين والأكاديين، من الجزيرة العربية، من البدو، الذين توافدوا على مناطق الشام على مر العصور. واللغة العربية أقدم من السريانية بآلاف السنين، حيث يقول عنها صمويل مرجليوت: إن امتداد اللغة العربية، أقدم من التاريخ.

    وخلاصة القول في قدم اللغة العربية وأصالتها، أنها هي اللغة الأم، وهي التي تشعبت إلى لهجات، يذكر منها الأستاذ أحمد تيمور باشا، عشرين لهجة (أُنظر ملحق لهجات العرب)، انتشرت مع انتشار العرب في بقاع الأرض، في أنحاء العالم القديم والحديث.

2. الشرط الثاني: تمام اللغة العربية

وتمام اللغة العربية شئ ذاتي مطبوع، فطرت عليه منذ وجودها، يلازمها طوال حياتها، ويتمثل ذلك، في تمام بنيتها الأصلية، في حروفها الهجائية، وصيغها الصرفية، وقواعدها النحوية، وأبنيتها الجميلة، وألوانها البلاغية، وأساليبها الإنشائية، وأوزانها الشعرية.

ويقول أرنست رينان: "فهذه اللغة.. تبدو لنا فجأة بكل كمالها، ومرونتها، وثروتها التي لا تنتهي، لقد كانت هذه اللغة منذ بدايتها، على درجة من الكمال، تدفعنا إلى القول بإيجاز؛ إنها منذ ذلك الوقت، حتى العصر الحاضر، لم تتعرض لأيّ تعديل ذي بال، فاللغة العربية لا طفولة لها، ولا شيخوخة أيضاً منذ ظهرت على الملأ، ومنذ انتصاراتها المعجزة، ولست أدري إذا كان يوجد مثل آخر للغة جاءت إلى الدنيا مثل هذه اللغة من غير مرحلة بدائية ولا فترات انتقالية ولا تجارب تتلمس فيها معالم الطريق.

لقد وصلت حضارة العرب إلى ذروتها، في العصر العباسي، حين امتد سلطان العرب من أسبانيا والبرتغال غرباً إلى تخوم أسوار الصين شرقا. ومن سفوح الأناضول شمالاً، إلى أواسط أفريقيا جنوباً، وتألقت حضارة العباسيين، فغدت درة في مفرق الزمان، في تاريخ العصور الوسطى، وانصهرت في بوتقتها حضارات الغرب كلها، كالحضارة اليونانية، والبيزنطية، والرومانية الغربية، وسادت اللغة العربية أغلب بقاع العالم القديم، وبرزت لغة عملاقة، تضاءلت أمامها كل لغات الأمم، خلال فترة لا تقل عن خمسة قرون، وفي هذه الفترة ترجمت إليها خلاصات الفكر اليوناني، والفارسي، والهندي، فاستوعبتها جميعاً وتفوقت عليها.

إن أثر اللغة العربية في اللغتين الأسبانية والبرتغالية، أثر لا مثيل له. لقد صنف الأب جان دي صوصة (1774 ـ 1812م) معجماً في 160 صفحة (لشبونة 1789م)، جمع فيه الألفاظ التي اقتبسها البرتغال من العربية.

والمعجم الذي لقي شهرة واسعة، بين أعلام المستشرقين، هو معجم الألفاظ الأسبانية ـ البرتغالية المشتقة من العربية، وفي هذا المعجم الذي يشمل 424 صفحة نجد الأصل العربي، لكل الكلمات الأسبانية والبرتغالية المدرجة فيه. فلو أننا عرفنا، أن أقل صفحة في المعجم تحوي 42 كلمة، لتبين لنا أن هذا المعجم يحوي أكثر من 17800 كلمة من أصل عربي.

ويكفي لتمام اللغة العربية، أننا على صعيد الكلمات المفردة، لو أننا أخذنا بعض الكلمات العربية، وتأملنا في عدد حروفها، ثم قارناه بعدد حروف المعادل الإنجليزي أو الفرنسي لها، لوجدنا أن عدد حروف الكلمة العربية أقل بكثير من عدد حروف ترجمتها في أية لغة في العالم. خذ مثلاً للمقارنة كلمة (أب). (أم). (أخ). (دم). (يد). (ضوء). (نمو). (تطور). (عمل). (نشاط). (تربية) وغيرها. وخذ مثلاً واو العطف، فهو في العربية حرف واحد، وفي الفرنسية حرفان، وفي الإنجليزية ثلاثة أحرف. وقل مثل هذا عن أحرف الجر الباء واللام ومن وعلى.

3. الشرط الثالث: قداسة اللغة العربية

تنبعث قداستها من كونها لغة الوحي، والتنزيل الإلهيين. فهي لغة الأنبياء والمرسلين، وهم جميعاً من العرب، على اختلاف أقوامهم وأزمانهم ومواطنهم، وعلى تعدد تعاليمهم، وصحفهم، وأسفارهم، وكتبهم السماوية؛ بدءاً من أبي البشر (آدم) الذي كان هبوطه من السماء إلى الأرض في قلب الجزيرة العربية (أُُنظر ملحق أسماء الأنبياء)، ومروراً بإبراهيم u، الذي أمره الله، أن يؤذن في الناس بالحج، عند بيت الله في مكة المكرمة وكان نداؤه باللغة العربية الفصحى، لغة أهل البلاد. وإسماعيل هو جد العرب عاش في مكة وإسحاق كذلك، عاش وتزوج من مدين، وانتهاء بخاتم الأنبياء والمرسلين محمد r.

وتبلغ اللغة العربية منتهى قداستها الجامعة في القرآن الكريم؛ حيث تأخذ هذه القداسة شكل قداسة نورانية طاهرة، يفيض بها كل حرف من حروفه، وكل كلمة من كلماته، وكل آية من آياته، وكل سورة من سوره.

4. الشرط الرابع: خلود اللغة العربية

إن كون اللغة العربية هي لغة القرآن العظيم، فهذا كفيل بخلودها، لأن القرآن كتاب مطلق الخلود، باق أبد الدهر، على حاله العربية الأولى، حيث يقول الله عز وجل: ]إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ[ w، (سورة الحجر، آية 9).

فالله يحفظ القرآن، ويحفظ اللغة العربية بحفظه، فهي باقية ببقائه إلى يوم الدين، وسيبقى القرآن حافِظاً لها من كل طارئ، وفي هذا يقول أحد المستشرقين:

"إن العربية الفصحى، لتدين حتى يومنا هذا بمركزها العالمي، لهذه الحقيقة الثابتة، وهي أنها قامت في جميع البلدان العربية وما عداها من الأقاليم الداخلة في المحيط الإسلامي، رمزاً لغوياً لوحدة عالم الإسلام في الثقافة والمدنية، ولقد برهن جبروت التراث العربي الخالد، على أنه أقوي من كل محاولة يقصد بها زحزحة العربية الفصحى عن مقامها".

وكان من أثر نزول القرآن بالعربية[6] ـ أيضاً ـ أنه وصل بين أبناء الأمة الواحدة، بهذه اللغة، على مختلف الأجيال، ولهذا نفهم كلام العرب الذي قالوه قبل عشرات القرون، بينما الفرنسيون والإنجليز وغيرهم، لا يستطيعون أن يفهموا ما كتب قبل أربعمائة سنة إلا بجهد جهيد، وبالاستعانة بالمعاجم لحل غموض اللغة، بعد أن تغيرت قواعدها، على عكس العربية.

5. الشرط الخامس: سعة اللغة العربية ومرونتها

اللغة العربية لغة الثراء، والسعة، والغنى، يدل على ذلك.

أ. الألفاظ المستعملة فيها خمسة ملايين، وتسعة وتسعون ألفا، وأربعمائة لفظ من جملة ستة ملايين، وستمائة وتسعين ألفاً، وأربعمائة لفظ. بينما نجد غيرها من اللغات الأوروبية لا يبلغ عدد مفرداتها معشار ما بلغته مفردات العربية.

ب. وبديهي، أنه لا يمكن لأحد ـ مهما اجتهد ـ إحصاء جميع الألفاظ في العربية، ويعني ذلك أن العدد الحقيقي لألفاظها أكثر بكثير مما عُد منها.

ج. كثرة الأسماء لمسمى واحد، فقد حصر بعضهم أسماء السيف[7]، والأسد[8] (أُنظر ملحق اللغة العربية)، في لغة العرب، فكانت أوراقاً عدة.

د. اللغة العربية لغة اشتقاقية[9]، تقوم على الفعل الثلاثي، ولذلك فإن خزائنها من المفردات، يمكن أن تزداد دائماً.

    والاشتقاق من أغرب كلام العرب، ومن أبرز مزايا لغتهم، وفي الحديث القدسي الصحيـح، يقول اللَّهُ ـ عَزَّ وَجَـلَّ ـ: ]أَنَا الرَّحْمَنُ وَأَنَا خَلَقْتُ الرَّحِمَ وَاشْتَقَقْتُ لَهَا مِنِ اسْمِي فَمَنْ وَصَلَهَا وَصَلَهُ اللَّهُ وَمَنْ قَطَعَهَا بَتَتُّه[.

    وعن قدرة العربية الكبيرة، على اشتقاق الألفاظ، يقول إيرفنج[10]: "إن هذه القوة في العربية في اشتقاق الألفاظ، تقودنا إلى هذه الثروة المدهشة، من المفردات، التي نواجهها حين نتكلم العربية. إن الجذور الصرفية العربية، الكثيرة جداً، بالإضافة إلى الموازين الصرفية الكثيرة جداً، أيضاً، تجعل العربية من أوسع اللغات في العالم وأعظمها".

    ثم العجب ممن يشكو من فقر اللغة العربية، وعجزها عن تلبية مستحدثات العصر، ومواكبة التطور العلمي الهائل، ولله در الشاعر العربي حافظ إبراهيم[11] الذي قال على لسان العربية:

رَمَوْني بعُقم في الشباب وليتنــي

عَقَمْتُ فلم أجزع لقول عُدَاتِــي

وسعتُ كتاب الله لفظاً وغايـــة

وما ضقْتُ عن آيٍ به وعِظــاتِ

فكيف أضيقُ اليوم عن وصف آلة

وتنسيق أسماءِ لمختَرَعَــــاتِ

أنا البحرُ في أحشائه الدُّرُّ كامِـنٌ

فهل ساءلوا الغَوَّاصَ عن صَدَفاتي؟

    ومن الجدير بالذكر أن الدول العربية شعرت بقيمة لغتها، وأنها يجب أن تناضل، من أجل دخول هذه اللغة، إلى هيئة الأمم المتحدة، فالتقى جميع مندوبي الدول العربية، حول هذه الفكرة، باعتبار أن اللغة العربية عامل أساسي، من عوامل القومية العربية، وعنصر أكيد، من عناصر الوحدة الفكرية، تلتقي عنده الأمة جمعاء، فجهروا، بمطلبهم وساقوا حججهم، وانتهى الأمر بانتصارهم بعد معارك حامية، وتم اتخاذ القرار التاريخي، بدخولها رسمياً إلى الأمم المتحدة، في 18 ديسمبر 1973(أُنظر ملحق قرار اعتماد اللغة العربية، ضمن اللغات الرسمية، ولغات التخاطب، في الجمعية العامة للأمم المتحدة، ولجانها الرئيسية).

بعد الحديث بإيجاز، عن بعض خصائص اللغة العربية، ومحاسنها، وتبين أن الشروط المفروضة في اللغة الأصلية، متوافرة جميعها فيها، في كونها أعرق، وأكمل، وأروع، وأقدس، وأكرم لغات العالم، الموجودة كلها، يمكن القول إنها بحق هي أم اللغات وشجرتها الحقيقية، وأن لها من السمات الخاصة (اُنظر ملحق السِّمات العامة للغة العربية) و(شكل لغة الإشارة) ما يجعلها جديرة بشرف أن تكون لغة القرآن.


 



[1] التوراة ، سفر التكوين، الإصحاح الحادي عشر. والصحيح أن اسم "بابل" هو من "باب إيل"، أي باب الرب.

[2] التوراة ، سفر التكوين: 4، 5، 6.

[3] هناك أمثلة عديدة على إسقاط أواخر الحروف في المصرية القديمة: در: ذراع، ك م: كمل، كامل، ن ع: نعم، ناعم، وغير ذلك.

[4] ولد عام 1849 في القاهرة وتعلم في (مدرسة الألسن) أو مدرسة "بروغش" للآثار واللغات القديمة. ثم عمل في مصلحة الآثار المصرية، التي كان يهيمن عليها الأجانب، حتى أصبح أميناً للمتحف المصري، وهو أول عربي تبوأ هذا المنصب حتى تقاعده عام 1914، وهو في الخامسة والستين من عمره. توفي عام 1923. كان يجيد الفرنسية والإنجليزية، إلى جانب التركية والعربية. وهو ملمّ بعديد من اللغات السامية. وكان باحثاً ودارساً متعمقاً، في اللغة والتاريخ والحضارات والديانات وجغرافية البلاد القديمة. وتميز بالجد والإخلاص والدقة، في العمل والبحث. تأثر تأثراً بالغاً بأستاذه العالم الألماني "بروغشن"، الذي أصر، حتى آخر يوم من حياته، على سامية اللغة المصرية القديمة. د. محمد جمال الدين مختار، "أحمد كمال العالم الأثري الأول في مصر

[5] موهنجو دارو: مدينة قديمة جداً، يرجع وجودها إلى الألف الثالث ق.م.، كشفت عنها الحفريات، التي أجراها فريق من العلماء الإنجليز على شواطئ نهر الهند عام 1922. وقد نشروا ما وجدوه فيها في كتاب: Mohenjo Dero And The  Indus Civilisation By: Marshall MacKhary And Others. London, 1932. وذكروا أنهم وجدوا فيها آثار مبان فخمة كثيرة، تدل على زيادة السكان فيها زيادة كبيرة، وأن شوارعها كانت منظمة وواسعة. وإن موهنجو دارو تقع، الآن، في منطقة تسمى لانكاشير، مركز للمصانع القطنية.

[6] سورة الشعراء، الآية 195. و"لسان الذي يلحدون إليه أعجمي وهذا لسان عربي مبين"، سورة النحل، الآية 103.

[7] من أسماء السيف: الحسام، والمهند، والصفيحة، والصارم، والبتار.

[8] ومن أسماء الأسد: الليث، الضرغام، أسامة، قسورة، غضنفر

[9] الاشتقاق: هو استخراج كلمة من كلمة أخرى ذات أصوات متماثلة، ومعانٍ متشابهة. أو هو ـ كما أقر جمهرة العلماء في القرن الرابع الهجري ـ استخراج لفظ من لفظ آخر متفق معه في المعنى والحروف الأصلية. مثال: فَهِم: يستخرج منها: فاهم، مفهوم، تفاهم. كتب: يستخرج منها كاتب، كتاب، مكتوب، كتابة، مكتب.

[10] إيرفنج واشنطن Irving, Washington عام (1783 – 1859)،: قصصي وكاتب سِيَر أمريكي. عدّه بعضهم أباً للأدب الأمريكي، وعَدّه آخرون مخترع الأقصوصة Short story. من آثاره القصصية "حكايات رحّالة" Tales of a Traveller ، ومن كتبه في السِّير: "محمد وخلفاؤه" Mohamed And His Successors و"حياة جورج واشنطن" Life Of George Washington

[11] حافظ إبراهيم، (1872 – 1932): شاعر عربي مصري. يُعَدّ أحد أبرز شعراء النهضة الحديثة. تميّز شعره بجزالة اللفظ، وإشراق الديباجة، وبتجويد العبارة وتهذيبها. برع في الرثاء، وشكوى الزمان، ونقد المستهجن من التقاليد والعادات. وكان في كثير من قصائده ضمير الشعب وصوته المعبِّر عن أمانيه وتطلُّعاته. من آثاره النثرية "ليالي سَطيح" وترجمة مختصرة لـ "بؤساء" فيكتور هوجو. يُلقب بـ "شاعر النيل".