إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات سياسية عسكرية / اليمن... الثورة والحرب (1962 ـ 1970)، حرب اليمن من وجهة النظر المصرية





ميناء الحديدة
ميناء صليف
إجراءات تأمين قاعدة الحديدة
أعمال المقاومة الملكية
أعمال قتال الجانبين على المحور الشرقي
أعمال قتال الجانبين في المنطقة الشمالية
أعمال قتال الجانبين، يوليه 1967
أعمال قتال الجانبين، يونيه 1967
التوزيع الجغرافي للقبائل
السيطرة على المحور الساحلي
العملية نسر
العملية اكتساح
العملية صقر
العملية قادر
القوات المصرية والجمهورية، يوليه 1967
القوات المصرية والجمهورية، يونيه 1967
القوات المصرية، نهاية أبريل 1966
القوات الجمهورية، مايو 1967
توزيع قوات الجمهوريين بمنطقة الجوف
تطهير صحن العقبة
تضاريس اليمن
عمليات الجانبين للسيطرة على المحور
عملية جبل اللوز
فتح وتطهير طريق السر
فتح طريق المطمة ـ الحميدات
قتال المنطقة الشمالية
قتال الجمهوريين لتأمين منطقة أرحب
قتال الجانبين للسيطرة على منطقة السوده
قتال الجانبين للسيطرة على المحور الأوسط
قتال الجانبين للسيطرة على المحور الشمالي
قتال الجانبين للسيطرة على طريق الحديدة
قتال الجانبين للسيطرة على ذيبين
قتال الجانبين بمنطقة الجوف
قتال الجانبين بالمنطقة الشمالية
قتال الجانبين بالمنطقة الشرقية
قتال الجانبين على المحور الأوسط
قتال الجانبين على المحور الشرقي
قتال الجانبين على المحور الشرقي 1962
قتال الجانبين في المنطقة المركزية
قتال الجانبين في المنطقة الغربية
قتال الجانبين في جبلي حرم ورازح
قتال الجانبين في قطاع جبل رازح
قتال قوات الجمهوريين للسيطرة على مأرب
قتال قوات الجمهوريين للسيطرة على الحزم

منطقة العمليات البحرية
مسرح الحرب اليمنية
المسرح اليمني
الجمهورية العربية اليمنية
القصف الجوي 1963
القصف الجوي 1964
القصف الجوي 1965
القصف الجوي يناير ـ مايو 1967
القصف الجوي يونيه ـ ديسمبر 1967
طرق التسلل



الفصل الأول

ثانياً: علاقات اليمن بالقوى المعنية بالصراع، قبل الثورة

1.    العلاقات اليمنية ـ السعودية

اتسمت العلاقات اليمنية ـ السعودية بالتوتر، في البداية، نتيجة لضم الملك عبدالعزيز بن سعود إقليم عسير، بما في ذلك منطقتا نجران وجيزان، إلى المملكة العربية السعودية، عام 1931. وقد تسبب ذلك بتفاقم الخلاف بين الإمام يحيى والملك عبدالعزيز، في ذاك الوقت. فأرسل الإمام قوة يمنية، رابطت في بعض المراكز الجنوبية من الإقليم المتنازع عليه (منطقة نجران)[1].

وإزاء إصرار الإمام على عدم سحب قواته، على الرغم من المباحثات المطولة، عامَي 1932، 1933، أرسل الملك عبدالعزيز قوّتين بقيادة اثنين من أبنائه، الأمير سعود والأمير فيصل، إلى منطقة النزاع، إحداهما إلى نجران، والأخرى إلى سهل تهامة. ومع أن القوة الأولى تعثرت في قتالها اليمنيين، إلاّ أن القوة الثانية، التي كان يقودها الأمير فيصل، نجحت في اكتساح سهل تهامة، واحتلت الحديدة، مما أجبر الإمام يحيى على التفاوض حول الحدود بين البلدين. وانتهت تلك المفاوضات بمعاهدة الطائف، عام 1934، التي اعترف فيها الإمام يحيى بضم إقليم عسير، إلى المملكة العربية السعودية، مقابل انسحابها من سهل تهامة (انظر ملحق معاهدة الطائف بين المملكة اليمانية والمملكة العربية السعودية).

وقد ساهمت معاهدة الطائف في تخفيف حدّة التوتر بين اليمن والمملكة العربية السعودية، خاصة أن الملك عبدالعزيز، كان حريصاً على تقوية صِلاته، وإقامة علاقات ودية بجيرانه، بعد تأسيس مملكته، حتى يتفرغ لشؤون دولته الحديثة. ومن ناحية أخرى، كان الإمام يحيى راغباً في تثبيت سلطاته داخل حدوده الجديدة، الأمر الذي كان يملي عليه عدم التصعيد، وتسوية خلافاته مع جيرانه بالوسائل الودية.

وعلى الرغم من الخلاف المذهبي، الديني، بين نظام الحكم السني، الوهابي، في المملكة العربية السعودية، والحكم الشيعي، الزيدي، في اليمن، فقد نجح البلدان في تخطِّي عدد من الأزمات، كان أبرزها محاولة اغتيال الملك عبدالعزيز، ووليّ عهده، على أيدي بعض اليمنيين، خلال موسم الحج، عام 1935، التي أثبت التحقيق فيها، أن المعتدين، قاموا بعملهم بمبادراتهم الشخصية، من دون علم الحكومة اليمنية.

وتعززت العلاقات بين البلدين، عندما انضمت اليمن، في مارس 1937، إلى اتفاقية الصداقة، التي سبق إبرامها بين المملكة العربية السعودية والعراق، في أبريل 1936. وقد تناولت تلك الاتفاقية أوجُه التعاون بين الدول الثلاث، في المجالات العسكرية والاقتصادية والثقافية. وكان لمعاهدة الطائف وهذه الاتفاقية، أثر كبير في الموقف، الذي اتخذه الملك عبدالعزيز تجاه انقلاب عام 1948، الذي نصب عبدالله الوزير إماماً لليمن، بعد مقتل الإمام يحيى. فقد رفض الملك عبدالعزيز الاعتراف بحكومة الانقلاب، وشجب عملية اغتيال الإمام يحيى، في الوقت الذي ساند فيه ابن الإمام، وخليفته الشرعي، أحمد بن يحيى، واعترف به إماماً لليمن، بعد نجاحه في القضاء على حركة الانقلاب.

ولم يختلف موقف المملكة العربية السعودية، تجاه شرعية الحكم في اليمن، عندما حدثت محاولة الانقلاب الفاشلة، التي قام بها المقدم أحمد الثلايا، عام 1955. إذ ساندت الحكومة السعودية شرعية حكم الإمام أحمد، على إثر طلب المساعدة، الذي تقدم به نجله، الأمير محمد البدر، في أعقاب محاولة الانقلاب[2].

وشهد عهد الملك سعود بن عبدالعزيز مزيداً من التعاون، وتحسن العلاقات بين البلدين، خاصة بعد انضمام اليمن إلى اتفاقية الدفاع المشترك، التي أبرمت بين مصر والمملكة العربية السعودية، وحضور الإمام أحمد إلى جدة، لتوقيع تلك الاتفاقية، مع كل من الملك سعود والرئيس جمال عبدالناصر، في أبريل 1956.

وبدأت العلاقة تزدهر بين المملكة العربية السعودية واليمن، عقب تبادل التمثيل الدبلوماسي بين البلدين، عام 1956، بعد أن كانت العلاقة بينهما، تدار من خلال بعثات مؤقتة، لمهام محددة.

واتفقت سياسة البلدين حول عدد من القضايا، التي شهدتها المنطقة، في ذلك الوقت، مثل تأييد حقوق الشعب الفلسطيني، ورفض الاحتلال الإسرائيلي، للأراضي العربية، وشجب العدوان الثلاثي على مصر. إلاّ أن البلدين، اختلفا حول بعض القضايا، مثل قضية الوحدة المصرية ـ السورية، التي انضم إليها اليمن، عام 1958، وهو اتجاه لم تكن المملكة العربية السعودية راضية عنه. كما لم يكن حصول اليمن على أسلحة سوفيتية، وإرسال موسكو لبعثة عسكرية إلى اليمن، من الأمور التي تُرضِي الحكومة السعودية.

وعلى الرغم من أوجُه الخلاف السابقة، في التوجهات السياسية للبلدين، ظل ذلك الخلاف محكوماً برغبة الحكومتين في عدم تصعيده، خاصة أن الحكومة السعودية، كانت تعلم أن السياسة اليمنية تجاه مصر، لم تكن سوى تحركات تكتيكية، لاحتواء المعارضة، التي بدأت تتصاعد في الداخل والخارج، ضد سياسة العزلة، التي فرضها حكم الإمامة على اليمن.

وقد صدق تقدير الحكومة السعودية. فسرعان ما تعثرت العلاقات المصرية ـ اليمنية، بعد قرارات التأميم، ثم الانفصال السوري، الذي انتهى بالقطيعة بين دول الوحدة، مما أعاد اليمن إلى الصف السعودي.

وعلـى ذلك، يمكن القول، إنـه باستثناء فترة الخلاف حول الحدود، الذي أدى إلى الحرب بين البلدين، عام 1934، استمرت العلاقات اليمنية ـ السعودية هادئة، بصفة عامة، بعد معاهدة الطائف. بل شهدت هذه العلاقات مزيداً من التعاون بين البلدين، في ظل المعاهدات والاتفاقيات، التي أُبرمت بينهما، عامَي 1937، و1956، خاصة أن اتفاقية الدفاع المشترك، أبرزت الحاجة إلى إقامة روابط قوية بين الدول، موقعة الاتفاقية، اليمن ومصر والمملكة العربية السعودية، في المجال العسكري. فقد أكدت تلك الاتفاقية أن العدوان المسلح على أي طرف من الأطراف الثلاثة، هو عدوان عليها جميعاً. كما ألزمت الأطراف بمساعدة الطرف، الذي يقع عليه العدوان، باستخدام كافة الوسائل المتاحة، بما في ذلك القوة العسكرية، لصد ذلك العدوان  (انظر ملحق اتفاقية الدفاع المشترك بين حكومة جمهورية مصر والمملكة العربية السعودية والمملكة المتوكلية اليمنية). واستمرت العلاقات هادئة بين البلدين، حتى قيام الثورة اليمنية عام 1962، على الرغم من خلافهما حول انضمام اليمن إلى الوحدة المصرية ـ السورية، عام 1958.

2.    العلاقات اليمنية ـ المصرية

عندما قامت ثورة يوليه، عام 1952، لم يكن هناك ما يشوب العلاقات المصرية ـ اليمنية، بل إن الإمام أحمد، أراد إنشاء علاقة خاصة بقيادة الثورة، حتى يظهر أمام الشعب اليمني، أنه متطلع إلى الإصلاح، من ناحية، ولاكتساب تأييد مصر لابنه البدر، في ولاية العهد، من ناحية أخرى.

وقد رحبت قيادة الثورة المصرية بتوطيد علاقتها بالإمام، وأرسلت البكباشي (المقدم) كمال عبدالحميد، سكرتير عام وزارة الحربية، ومدير الشؤون العربية بمجلس قيادة الثورة، آنذاك، إلى اليمن، في يناير 1953، لتأكيد ترحيبها بتوثيق العلاقات بين البلدين. وقد نجحت زيارة المقدم كمال عبدالحميد في خلق مناخ من الثقة المتبادلة، بين الإمام وابنه البدر، من ناحية، وقيادة الثورة المصرية، من ناحية أخرى، مما جعل الإمام يطلب بعثة عسكرية مصرية، لتدريب الجيش اليمني في تعز، من أجل تكوين قوة عسكرية حديثة، يمكن أن يعتمد عليها البدر، إذا فرض عليه الصراع من جانب عمِّه سيف الإسلام الحسن، منافسه في ولاية العهد.

ووصلت البعثة العسكرية المصرية، إلى اليمن، عام 1954. كما وصلت بعثة أخرى من رجال الشرطة المصرية، لتنظيم الشرطة اليمنية وتدريبها. إلاّ أن الإمام، بدأ ينظر بعين الشك إلى هاتين البعثتين. فعلى الرغم من اختيار مائتي جندي للتدريب بواسطة البعثتين، إلاّ أن الإمام، سرعان ما وزعهم على ثكنات الجيش، بعد 45 يوماً فقط من بدء التدريب، الذي لم يتم استكماله.

وبعد تولّيه منصب السكرتير العام للمؤتمر الإسلامي، حضر أنور السادات إلى اليمن، في فبراير 1955، في أولى زياراته، للإلمام بأوضاع البلاد على الطبيعة، بعد أن كلفه الرئيس جمال عبدالناصر بمتابعة شؤون اليمن[3]. وخلال هذه الزيارة، قدّم إليه الملازم محمد قائد سيف، أحد أفراد الخلايا العسكرية للمعارضة التقدمية، الذين تخرجوا في الكلية الحربية المصرية، تقريراً خطياً عن أحوال اليمن، والمشاكل التي تعانيها البعثة العسكرية المصرية، نتيجة العراقيل، التي يضعها أمامها الإمام (انظر ملحق خطاب محمد قائد سيف إلى عبدالرحمن البيضاني (24 فبراير 1955))، و(ملحق خطاب محمد قائد سيف إلى عبد الرحمن البيضاني (12 إبريل 1955))، كما قدَّم إليه تقريراً آخر من أحمد محمد نعمان، أحد أفراد المعارضة المحافظة، يشرح فيه أيضاً الأحوال اليمنية المتردية. وخلال الزيارة نفسها، حاول سيف الإسلام عبدالله، أخو الإمام، أن يقدِّم نفسه إلى السادات كداعية إصلاح، يسعى إلى توطيد العلاقات بمصر.

وقد استشف السادات، من الاتصالات السابقة، احتمال وقوع انقلاب في اليمن. وقد صدق حدسه. ففي الشهر التالي مباشرة، وقعت محاولة انقلاب المقدم أحمد الثلايا، والتي شارك فيها الملازم محمد قائد سيف. وعلى الرغم من موقف البعثة المصرية، الرافض للتدخل، تماشياً مع السياسة المصرية، في ذلك الوقت، فقد ظلت هذه البعثة موضع شك الإمام، حتى تم سحبها.

وإزاء تجميد الميول الإصلاحية، التي ترددت على لسان الإمام، في أعقاب انتصاره على حركة الانقلاب، اقتصر رد الفعل المصري على احتضان حركة الأحرار اليمنية، وهي حركة معارضة محافظة تهدف إلى الإصلاح في ظل نظام الإمامة ـ لتأكيد موقف الثورة من النظام اليمني. ومع أن السياسة المصرية، في ذلك الوقت، كانت تشجع الحركات الثورية ووحدتها، إلا أنها كانت تقف بحزم ضد أي عمل انقلابي، من شأنه أن يخرج اليمن من عزلته، لدفعه مباشرة إلى أحضان الاستعمار الجديد[4].

وعندما بدأت رياح حلف بغداد تهبّ على منطقة الشرق الأوسط، عام 1955، وقفت كل من مصر والمملكة العربية السعودية موقف المعارضة لهذا الحلف، وقبلتا رغبة الإمام أحمد في انضمام اليمن إلى اتفاقية الدفاع المشترك (اتفاقية جدة)، في أبريل 1956، حتى لا يستقطبه حلف بغداد[5]. إلاّ أن الإمام كان له حساباته الخاصة. فقد أراد الانضمام إلى اتفاقية الدفاع المشترك، حتى يدعم موقفه في مواجهة القوات البريطانية في اليمن الجنوبي، من ناحية، ويغلّ يد الحكومة المصرية دون مساعدة حركة المعارضة اليمنية، التي بدأت تتخذ القاهرة مقراً لها، من ناحية أخرى.

وقد تحقق للإمام ما أراد. فقد أمر الرئيس جمال عبدالناصر بإيقاف نشاط المعارضة اليمنية، في مصر، ضد حكومة الإمام. غير أن الإمام، لم ينفذ أيّاً من بنود الاتفاقية، التي وقعها، سوى استقبال البعثة العسكرية المصرية، لتدريب القوات اليمنية، بدلاً من البعثة التي تم سحبها بعد انقلاب الثلايا، والموافقة على إرسال عدد محدود من الطلبة للدراسة في الكلية الحربية المصرية.

وعندما أعلن الرئيس جمال عبدالناصر تأميم قناة السويس، وقف الإمام أحمد إلى جانب مصر، في نزاعها مع بريطانيا وفرنسا، حول القناة. وظهرت في الصحف اليمنية بيانات لشخصيات سياسية رسمية، تؤكد أن السياسة الخارجية اليمنية، من الآن فصاعداً، "ستكون متطابقة مع نهج حركة التحرر الوطنية العربية، بقيادة مصر الثورية".

وأثناء مباحثات الوحدة بين مصر وسورية، عام 1958، فوجئ الرئيسان، جمال عبدالناصر وشكري القوتلي، بوصول برقية من الإمام أحمد، يطلب فيها عقد اتحاد بين اليمن ودولة الوحدة (الجمهورية العربية المتحدة). وقد تدارس الرئيسان الأمر، وكان من رأي الرئيس المصري، أن الاتحاد مع اليمن، سيكون صورياً، مثلما حدث عندما انضم الإمام إلى اتفاقية الدفاع المشترك، عام 1956، وأن كل ما يهدف إليه الإمام من إعلان انضمام اليمن إلى الوحدة المصرية ـ السورية، هو تقوية موقفه السياسي أمام المعارضة اليمنية، التي تطالب بالإصلاح والانفتاح على العالم العربي.

وعلى الرغم من قناعته السابقة بأهداف الإمام، لم يكن الرئيس جمال عبدالناصر قادراً على رفض مطلب الاتحاد، وإلا كان متناقضاً مع سياسته الوحدوية المعلنة. وعلى ذلك، تمَّت الاستجابة لطلب الإمام، وأُعلن الاتحاد فعلاً، وتشكل مجلس اتحادي من ستة وزراء، ثلاثة يمثلون اليمن، وثلاثة يمثلون الجمهورية العربية المتحدة، واتخذ المجلس من القاهرة مَقراً له. وعلى الرغم من كثرة الأبحاث والدراسات، التي قام بها المجلس الاتحادي، من أجل التنمية الاقتصادية والاجتماعية، إلاّ أن الإمام، لم ينفّذ إلا ما أراده هو، من دون النظر إلى أي قرارات تصدر عن المجلس الاتحادي. وعلى ذلك، لم يحدث أي إصلاح حقيقي في الأوضاع المتدنية، التي كان يعانيها الشعب اليمني.

ومع أن التوجهات الإصلاحية للإمام كانت شكلية، إلاّ أنها لم تدم طويلاً، فسرعان ما انقلب على دعاة الإصلاح، يمنيين كانوا أم مصريين، إذ استغل أعداء البدر ومنافسوه تصريحاته، التي تبشر بالتغيير، والاضطرابات، التي حدثت في اليمن، خلال رحلة علاج الإمام في إيطاليا، عام 1959، ليوغروا صدر الإمام على دعاة الإصلاح، ويوقِعوا بينه وبين الرئيس جمال عبدالناصر، الذي يشجع البدر على توجهاته الإصلاحية، وإخراج اليمن من العزلة، التي فرضت عليه.

وجاءت الوقيعة في شكل برقية، تلقاها الإمام، تشير إلى الاضطرابات، التي حدثت في اليمن، وأن البدر قد سيطر تماماً على مقاليد الأمور، بمساعدة بعض دعاة الإصلاح والقبائل، وأن مصر تقف بكل ثقلها معه، وأن البدر اتفق مع جمال عبدالناصر على التحفظ على الإمام في مصر، عند وصوله إليها، في طريقه إلى اليمن، وإيداعه إحدى المصحات، وإعلان مرضه، الذي يقعِده عن مزاولة العمل، كإمام لليمن، وعندئذ يتولى البدر الوصاية على العرش (منصب الإمامة)، أو يجمع أهل الحل والعقد، لإعلان خلع الإمام، بسبب تدهور حالته الصحية.

وعندما وصلت الباخرة، التي تقلّ الإمام إلى بور سعيد، في طريقها إلى الحديدة، رفض الإمام النزول منها، وكان الرئيس جمال عبدالناصر في استقباله، على رصيف الميناء، فصعد الرئيس المصري للترحيب بضيفه، الذي ظل جالساً على مقعده، لا يتحرك، خوفاً من حدوث ما جاء في البرقية، التي تلقاها.

وقد ازدادت حساسيـة الإمام تجـاه مصر، عقب صـدور القوانين الاشتراكيـة في الجمهورية العربية المتحدة، عام 1961، مع أن هذه القوانين، لم تكن تسري على اليمن. ولم يخفِ الإمام شماتته عند وقوع انفصال الوحدة المصرية ـ السورية، وانضم إلى أعداء الوحدة، في حملتهم الشرسة ضد مصر ورئيسها، بعد الانفصال.

وإزاء ذلك الموقف، قرر الرئيس جمال عبدالناصر، ألاّ يبقى الاتحاد ستاراً لتصرفات الإمام ضد الشعب اليمني، بعد ما تأكد له عدم جدية الإمام في تنفيذ الإصلاح، وعدم بذله أي جهد حقيقي، لمعاونة شعب اليمن الجنوبي، للتحرر والتخلص من السيطرة البريطانية. وعلى ذلك، سحب عبدالناصر البعثة العسكرية من اليمن، في سبتمبر عام 1961، وأعلن حل الاتحاد مع اليمن، في ديسمبر من العام نفسه. كما أطلق يد المعارضة اليمنية، التي لجأت إلى مصر، في حملاتها الإعلامية ضد الإمام، وأتاح لها مساحة عريضة في وسائل الإعلام المصري، المقروءة والمسموعة. ومثّل ذلك، التحول في السياسة المصرية تجاه الإمام، أولى مراحل الدعم المكثف للمعارضة اليمنية المتزايدة.

وقد ساعد على هذا التحول في السياسة المصرية تجاه الإمام، الجهود الدؤوب للدكتور عبدالرحمن البيضاني، أحد رجال المعارضة، ممن لجأوا إلى مصر، خوفاً من بطش الإمام، في أواخر عام 1959. وكان الرجل قد تحول من صفوف المعارضة المحافظة، إلى صفوف المعارضة التقدمية، التي أصبحت تطالب بالثورة، والإطاحة بالإمامة، على إثر أعمال القمع الوحشية والقتل، التي واكبت عودة الإمام أحمد من إيطــاليا، وتخاذل البدر عن التدخل لمصلحة شيوخ القبائل، الذين ساندوه، حينما أعدم الإمام بعضهم وسجن عدداً آخر.

وكان البيضاني على صِلة بأنور السادات، الذي أصبح وكيل مجلس الأمة المصري، طوال السنوات السابقة، بحكم العلاقة العائلية، من ناحية، وتكليف السادات، من قِبل القيادة المصرية، بمتابعة شؤون اليمن من ناحية أخرى. ومن خلال تلك الصِّلة، حاول البيضاني التأثير في الموقف المصري تجاه الإمامة. وكانت القيادة المصرية، في ذلك الوقت، تعلق آمالاً كبيرة على توجهات الأمير محمد البدر الإصلاحية، لإخراج اليمن من عزلته، وقيادة مسيرة الإصلاح فيه، تحت تأثير آراء أقطاب المعارضة المحافظة، من أمثال أحمد محمد نعمان والقاضي الزبيري، الذين لجأوا إلى القاهرة في الخمسينيات. وكانت تقارير البعثة العسكرية في اليمن تؤيد هذه الآمال. وظل ذلك موقف مصر الرسمي، حتى بعد أن نفضت يديها من الإمام أحمد، عقب الانفصال السوري.

وطوال فترة لجوئه إلى مصر، ظل البيضاني يعمل بهمة لا تكلّ، لتغيير الموقف المصري تجاه البدر، وكان يرى أن البدر ضعيف الشخصية، سهل الانقياد، وأنه إذا تولى الحكم بعد والده، فلن يكون قادراً على الإمساك بزمام الحكم، وسيترك الأمر لغيره، طائعاً مختاراً، مما سيؤدي إلى صراع على السلطة بين أعوانه. ومن ثم، رأى أن المراهنة على البدر، هي مراهنة على جواد خاسر.

حاول البيضاني، من خلال علاقاته الخاصة بأنور السادات، إقناع الرئيس جمال عبدالناصر بالتخلي عن البدر، والدعوة إلى ثورة جذرية في اليمن، لإقامة الجمهورية على أنقاض الإمامة، وتمكينه من نشر أفكاره حتى يلتف الناس حولها.

وفي نوفمبر 1961، وقبل أن يعلن الرئيس عبدالناصر إلغاء الاتحاد، وصلت القاهرة أنباء، تشير إلى تدهور صحة الإمام، واحتمال حضور البدر إلى مصر، لاستعادة ثقة القيادة المصرية، وتحسين العلاقات بين البلدين. وقد أزعج هذا الخبر البيضاني، إلى درجة شديدة، خوفاً من نجاح البدر في مسعاه لدى القيادة المصرية، فتفسد جهوده، الرامية إلى إقناع الرئيس عبدالناصر بدعم جهود المقاومة اليمنية التقدمية، لإسقاط نظام الإمامة كلية من الحكم.

ولمّا كان قطبا المعارضة اليمنية، المحافظة، في القاهرة، القاضي محمد الزبيري وأحمد محمد نعمان، اللذان كانا يؤيدان التوجهات الإصلاحية للبدر، لا يعلمان شيئاً عن نيات البيضاني، واتصالاته في القاهرة من أجل إسقاط الإمامة كلية، فقد اضطر البيضاني إلى الاتفاق معهما على حل وسط، هو أن يرسلوا خطاباً موقعاً منهم الثلاثة، إلى الرئيس جمال عبدالناصر، يوضحون فيه "كره الإمام للجمهورية العربية المتحدة، بينما يقف البدر موقفاً عائماً، فهو يؤيدها أمام أنصارها من الوطنيين المصلحين اليمنيين، كما يلعنها أمام أعدائها الرجعيين الفاسدين ... وأن النظام الإمامي، يعتمد على التفرقة العنصرية، ولا يقبل أي مساواة بين المواطنين، ولذلك فإنه طليعة حرب على القومية العربية ومبادئها، التي تستلزم المساواة بين أبناء الشعب ..."  (انظر ملحق خطاب أقطاب المعارضة اليمنية في مصر إلى الرئيس جمال عبد الناصر). وفي نهاية خطابهم، طلب أقطاب المعارضة اليمنية في مصر، من الرئيس جمال عبدالناصر، ألاّ يمنح البدر "صك الغفران والبركة" من دون مقابل، ومن دون ضمان. أمّا المقابل، فلا يقلّ عن تنفيذ مبادئ القومية العربية، وعلى الأخص إعلان المساواة بين عناصر الأمة وطوائفها، والبداية الحقيقية للإصلاح الاقتصادي. وأمّا الضمان، فلا يقلّ عن إحاطة البدر بأشخاص أكفاء، مؤمنين بالمبادئ المذكورة، ليقوموا بتنفيذها.

وقد أيد ذلك الخطاب سيل المعلومات، التي تلقاها الرئيس عبدالناصر، في ذلك الوقت، عن حالة السخط الشعبي العام في اليمن، والتي تفاقمت بعد عودة الإمام من إيطاليا، في أواخر صيف عام 1959، والضعف الذي أبداه البدر، بعد تلك العودة. فضلاً عن الخطابات العديدة، التي أخذ اليمنيون يسلمونها، سراً، إلى السفارة المصرية في صنعاء، منتقدين فيها الموقف المصري من الحفاظ على الاتحاد الشكلي مع حكومة الإمام. وقد ساعد ذلك كله، إضافة إلى مواقف الإمام المعلنة، على اتخاذ قرار حل الاتحاد مع اليمن، ودعم المعارضة اليمنية، التقدمية، ضد الإمام.

وابتداء من عام 1962، زادت مصر من حجم دعمها للمعارضة اليمنية التقدمية، في الوقت الذي أوقفت فيه نشاط المعارضة، المحافظة، في القاهرة. فنشط البيضاني في حملاته الإعلامية، الصحفية في البداية، ثم الصحفية والإذاعية بعد ذلك، حتى تكون صوتاً مسموعاً في اليمن، قادراً على اختراق حواجز العزلة، التي فرضها الإمام على البلاد، لكشف مساوئ الإمامة وتكوين رأي عام، يؤيد الحركة الثورية الوليدة في البلاد.

وأصبح الدكتور البيضاني، هو حلقة الاتصال بين القيادة السياسية المصرية وأجنحة المعارضة اليمنية في الداخل، في الوقت الذي تأسس فيه تنظيم الضباط الأحرار، الذي كان أغلبه من صغار ضباط الجيش وبعض رجال الشرطة، في صنعاء وتعز والحديدة.

وفي 2 يونيه 1962، حضر إلى مصر ممثلان عن حركة المعارضة اليمنية (العسكرية والمدنية)[6]، والتقيا أنور السادات، عضو مجلس الرئاسة، في ذلك الوقت، في حضور البيضاني، وأبلغاه بموقف المعارضة اليمنية من الإعداد للثورة. وأكد الجميع أهمية الدعم السياسي والمعنوي المصري، فضلاً عن الدعم العسكري الرمزي لنجاح الثورة اليمنية. وبعد يومين، أبلغ السادات الدكتور البيضاني موافقة الرئيس جمال عبدالناصر على تقديم الدعم المطلوب للثورة اليمنية، عند قيامها.

3.    العلاقات اليمنية ـ البريطانية

    ‌أ.    جذور الخلاف بين البلدين

اتسمت العلاقات اليمنية ـ البريطانية بالعداء والجفوة، منذ أن وطئت أقدام البريطانيين جنوب البحر الأحمر، في أواخر القرن الثامن عشر. فعندما قام نابليون بحمْلته على مصر، مهدداً خطوط المواصلات البريطانية مع الهند والمستعمرات الشرقية، حاول الجنرال ولسن الاتفاق مع الإمام المنصور علي بن المهدي عباس، عام 1799، على وضع بعض القوات البريطانية في الأراضي اليمنية، لتأمين خطوط مواصلات الإمبراطورية. غير أن الإمام، رفض الطلب البريطاني، مما دفع الجنرال ولسن إلى احتلال جزيرة بريم (ميون)، التي تسيطر على الملاحة في مضيق باب المندب.

ووطد البريطانيون صِلاتهم، في البداية، مع سلطان العبادلة، في لحج، وكان قد خرج على طاعة الإمام، واستولى عن بندر عدن[7]. ثم عقدت شركة الهند الشرقية (البريطانية) معاهدة مع السلطان عبدالكريم، عام 1820، تنص على فتح ميناء عدن للتجارة البريطانية، وتأجير جزء من المدينة للبريطانيين. واستغل الإنجليز أحد الحوادث، التي وقعت بين رعاياهم ورعايا سلطان العبادلة، فاحتلوا عدن بالقوة، عام 1839، وأصبحت، منذ ذلك التاريخ، مستعمرة بريطانية. واستمر تغلغل النفوذ البريطاني تدريجياً في المنطقة، حتى أصبحت سلطنة لحج نفسها محمية بريطانية، عام 1881.

وقد ازدادت أهمية عدن، كمحطة للتزود بالوقود، وقاعدة عسكرية لتأمين خطوط المواصلات البريطانية، بعد افتتاح قناة السويس، عام 1869. ومع الاحتلال البريطاني لمصر، عام 1882، وانشغال أئمة اليمن بمقاومة الأتراك، الذين عادوا إلى اليمن، للمرة الثالثة، عام 1848، بدأت بريطانيا توغلها في المقاطعات اليمنية الجنوبية، بعقد معاهدات صداقة مع سلاطين تلك المقاطعات ومشايخها (تحولت فيما بعد إلى معاهدات حماية). كما شرعت تعمل على تأكيد النزعة الاستقلالية لقبائل المنطقة، لتجزئتها إلى عدد من الوحدات الضعيفة، جعلت لكل منها سلطاناً. وعيَّن البريطانيون أمراء ومشايخ في تلك المقاطعات، وحددوا لهم مرتبات، تدفعها خزينة عدن. وقد قدرت مساحة المحميات بنحو 100 ألف ميل مربع. إلاّ أن عدد سكانها جميعاً، لم يكن يتجاوز 750 ألف نسمة، ينتشرون في 9 محميات رئيسية، هي: لحج، أبين، الحواشب، الصبيحة، القطيب، الضالع، يافع، العوالق، وحضرموت.

ولما كان أئمة اليمن، يعدون جميع البلاد، الواقعة في الركن الجنوبي الغربي لشبه الجزيرة العربية، وجزر جنوب البحر الأحمر، وخليج عدن، أرضاً يمنية، فقد رأوا في ما قام به الإنجليز، منذ احتلال جزيرة بريم، عدواناً على بلادهم. فرفضوا الاعتراف بالمعاهدات، التي وقعها البريطانيون، سواء مع شيوخ المقاطعات، التي احتلوها، وأطلقوا عليها اسم المحميات، أو مع الأتراك، خلال فترة احتلالهم اليمن.

وكان الأتراك بعد عودتهم إلى اليمن، للمرة الثالثة، قد غضوا الطرف عن الاحتلال البريطاني لعدن وتوسّعه في المنطقة. كما قبلوا برسم حدود المحميات الغربية. فلمّا اندلعت الحرب العالمية الأولي، أراد الأتراك أن يمدوا سيطرتهم إلى تلك المناطق، فأرسلوا جيشاً، بقيادة اللواء سعيد باشا، للاستيلاء على لحج وعدن. وكان مع الأتراك بضعة آلاف من رجال القبائل اليمنية، فهاجموا مدينة لحج، وانتصروا على الحامية البريطانية فيها.

وعندما انتهت الحرب بهزيمة تركيا وحلفائها، وأُعلنت الهدنة عام 1918، طلب الإنجليز أن يستسلم لهم الجنود الأتراك، الذين كانوا في اليمن، بما معهم من أسلحة ومهمات. ولكن الوالي التركي، فضّل تسليم البلاد إلى أهلها، وأعطى الإمام ما لدى الجيش من عتاد. أمّا اللواء سعيد باشا، الذي كانت قواته تحتل لحج، فقد استسلم للبريطانيين. وبذلك، عادت لبريطانيا المناطق، التي كان الأتراك والقبائل، قد نجحوا في استردادها من البريطانيين.

وإزاء موقف الوالي التركي في اليمن، الذي رفض تسليم جنوده، أو أسلحتهم للبريطانيين، شنّ الإنجليز هجوماً على مدينة الحديدة، مستخدمين خمس عشرة سفينة، وأنزلوا قواتهم في الميناء. وسرعان ما جاءت الأوامر من إستانبول إلى قائد القوة، بالتسليم.

لم يطل احتلال القوات البريطانية للحديدة، بعد استسلام الحامية التركية. إلاّ أنهم أرادوا مساومة الإمام على حدود المحميات، مقابل الجلاء عن الحديدة. وكان الإمام يحيى قد أعلن، منذ تولّيه حكم اليمن، أنه لا يعترف بأي اتفاقيــة، عقدها الأتراك مع البريطانيين، حول الأراضي اليمنية، لبطلانها، إذ إنها أبرمت مع غير صاحب الحق. إلاّ أن الوفد البريطاني، الذي أُرسل للتفاوض مع الإمام، لم يصِل إلى هدفه، إذ قبضت عليه قبيلة القمري، في منطقة باجل، ولم تطلقه إلا بعد عدة أشهر.

وإزاء عدم تعاون الإمام يحيى، قرر البريطانيون تسليم الحديدة إلى الإدريسي، الذي كان قد أعلن نفسه إماماً، وتبعه شوافع عسير وسهل تهامة وبعض الزيود، وأمدوه بالمال والسلاح، لإثارة القلاقل للإمام[8]، مما جعله يسعى إلى التفاهم مع الإنجليز، عام 1920، إلا أنهم صمّوا آذانهم. فشنّت قوات الإمام هجوماً على الحدود في مناطق المحميات، في الضالع، والشعيب، والأجعود، والقطيب، عام 1921. فردّ البريطانيون بإغارات جوية على القوات اليمنية، مما اضطرها إلى إخلاء المناطق المتنازع عليها.

وحاول الإنجليز، غير مرة، حَمْل الإمام يحيى على الانتهاء من موضوع تخطيط الحدود، إلاّ أن تلك المحاولات، لم تسفر عن أي تسوية. فلجأ الإنجليز إلى الضغط على الإمام، بإثارة قبائل الزرانيق ضده، عام 1938، وكان الإمام قد نجح في هزيمة الأدارسة، عام 1925، واسترداد الحديدة من أيديهم، فحرّض الإنجليز شيخ الزرانيق على الانفصال عن حكومة صنعاء، والالتجاء إلى عصبة الأمم، مطالباً بتكوين مملكة شافعية في سهل تهامة، تكون عاصمتها الحديدة. وأمدوه بالأموال والسلاح، لتحقيق ذلك الهدف. إلاّ أن الإمام يحيى جهّز حملة قوية، تحت قيادة ابنه أحمد، إمام اليمن فيما بعد، فانتصر على الزرانيق، بعد عدة معارك طاحنة.

وفي يونيه من العام نفسه (1928)، اندلعت ثورة صغيرة في منطقتَي الضالع والقطيب، فأرسل الإمام يحيى بعض القوات لمساندة المنطقتين الثائرتين على البريطانيين. وعندما فشلت الثورة، لجأ أمير الضالع، وبعض آل قطيب، إلى داخل اليمن، فأرسل الحاكم البريطاني في عدن الطائرات لقصف مناطق تمركز القوات اليمنية، التي أرسلت إلى الضالع والقطيب، فضلاً عن قصف بعض المدن اليمنية في الجنوب، الشافعي، مثل قعطبة وذمار ويريم وتعز وآب، مما أجبر الإمام على سحب قواته من المناطق الثائرة، بعد أن سيّر حاكم عدن جيشاً إلى تلك المناطق.

وبعد مفاوضات طويلة ومضنية، رأت كل من الحكومة البريطانية وحكومة الإمام يحيى وضع حدّ للعداوة بينهما، فوقعتا معاهدة صداقة وتعاون، عام 1934. وكان أبرز ما في هذه المعاهدة، هو اعتراف بريطانيا "باستقلال جلالة ملك اليمن، حضرة الإمام، ومملكته، استقلالاً كاملاً مطلقاً". أمّا مسألة الحدود، وهي أكثر المسائل حساسية بين البلدين، فقد تأجل بتّها إلى أن يتم التفاوض في شأنها، قبل انتهاء المعاهدة، التي نُص على أن تكون مدتها 40 عاماً. وحتى إجراء تلك المفاوضات، تبقى الحدود على ما هي عليه عند توقيع المعاهدة  (انظر ملحق معاهدة الصداقة والتعاون المتبادل بين اليمن وبريطانيا).

وخلال الحرب العالمية الثانية، أراد الإمام يحيى الاستفادة من موقف بريطانيا الحرِج، عام 1941، فعرض عليها رغبته في حل مشكلة المحميات، مقابل تعهده بألاّ يساعد الإيطاليين أثناء الحرب. فرحب الإنجليز بذلك العرض، ووعدوه بحل تلك القضية نهائياً في أول فرصة ممكنة، إلاّ أن كل شئ ظل على ما هو عليه، بعد انتهاء تلك الحرب.

    ‌ب.   تطور العلاقات اليمنية ـ البريطانية، في عهد الإمام أحمد

عقب تولّيـه الحكم، عيَّن الإمام أحمد شقيقه، سيف الإسلام عبدالله، وزيراً للخارجية. وأرسله إلى بريطانيا، عام 1949، لطلب مستشارين فنيين وأطباء، كما طلب تعيين وزير مفوض بريطاني في صنعاء، واقترح عقد اجتماعات لتسوية مشكلة الحدود. إلاّ أن الإمام لم يتلقَّ من البريطانيين سوى الردود المعسولة، غير الملزمة. وفي نوفمبر من العام نفسه، زار حاكم عدن الإمامَ في تعز، غير أن المقابلة، لم تكن، مُرضية، إذ رفض البريطانيون تزويد الإمام بالعربات المدرعة، التي طلبها، خوفاً من استخدامها ضد حلفائهم، من سلاطين المحميات ومشايخها.

وإزاء هذا الموقف البريطاني، وتشجيع حاكم عدن لجماعات "الأحرار اليمنيين"، المعارضة، وإيوائها، شَعر الإمام، أن بريطانيا، تخطط لأغراض خبيثة. فقرر أن يضربها من الخلف. وعلى ذلك، بذل الإمام جهوداً كبيرة في إثارة القلاقل على طول حدود اليمن مع المحميات، مما دفع حاكم عدن إلى الرد بالقصف الجوي لقلعة حريب، على الحدود اليمنية.

ولمّا كانت هذه القلاقل، قد وقعت في وقت، كانت فيه بريطانيا تعيد ترتيب أوضاعها، شرق السويس، بعد استقلال الهند، ودخول حليفتها، الولايات المتحدة الأمريكية، كمزاحم لاستثماراتها في المنطقة، فقد رأت الحكومة البريطانية، التي أقلقها تدهور الموقف في منطقة الحدود اليمنية، ضرورة عقد مؤتمر في لندن، مع مبعوثين يمنيين، لبحث الخلاف، وتحسين العلاقات، حتى تضمن استقرار الأوضاع في تلك المنطقة، التي ازدادت أهميتها، لتأمين المصالح البريطانية في الشرق الأوسط.

وانتهت المفاوضات بين البلدين بتوقيع معاهدة لندن، عام 1951، التي نصت على تبادل التمثيل السياسي، وتنمية التعاون الاقتصادي بين البلدين، وتكوين لجنة لتسوية المنازعات، غير أن الموضوع الأساسي للخلاف بين البلدين، وهو موضوع الحدود، لم يحدث فيه أي تقدُّم عما نصت عليه معاهدة 1934. وتُرك أمر تخطيط الحدود لدراسات واتفاقات، تعقد في المستقبل (انظر ملحق المعاهـدة اليمنية البريطانية).

ولم تكن مشكلة الحدود عام 1951، هي نفسها مشكلة عام 1934، إذ كان قد طرأ عليها عاملان جديدان: الأول، هو احتلال القوات البريطانية لمنطقة شبوة (شرق مأرب، على حافة منطقة الحدود بين اليمن وحضرموت)، عام 1939، بعد أن تبيَّن لبريطانيا، أنها منطقة غنية بالنفط، فشقت فيها الطرق، وربطتها بعدن. أمّا العامل الثاني، فهو مشكلة جزيرة كمران، التي تقع في المياه الإقليمية اليمنية، وتتحكم في رأس الكثيب والصليف. وكانت بريطانيا قد وضعت يدها على الجزيرة، عام 1949، عنوة، كإحدى مستعمراتها، بعد أن أصبح معروفاً، أن منطقة الساحل، المواجهة للجزيرة (منطقة الصليف وابن عباس)، غنية بالنفط. فبدأ البريطانيون، بدورهم، في التنقيب عن النفط في الجزيرة، وأقاموا فيها العديد من المنشآت لهذا الغرض.

وعلى ذلك، لم تساعد معاهدة عام 1951 كثيراً على حل المشاكل الأساسية بين البلدين، التي ازداد تفاقمها، بعد أن اتجهت بريطانيا إلى إنشاء اتحاد، يضم إمارات الجنوب اليمني. وعلى الرغم من زيارة حاكمِ عدن الإمامَ في تعز، عام 1954، إلاّ أن الإمام أصبح أكثر عداءً ومناوأة للبريطانيين. وسرعان ما تجددت القلاقل، مرة أخرى، مما ترتب عليه حدوث اشتباكات بين القوات البريطانية واليمنية، في عدة مناطق، في العام نفسه. وانتهزت القيادة البريطانية في عدن الفرصة، فشنت عدة غارات جوية على المدن والقرى اليمنية، في مناطق البيضاء وحريب ومأرب، وأنزلت بها خسائر فادحة في الأرواح والممتلكات، الأمر الذي تكرر، مرة أخرى، عام 1957.

وفي عام 1959، كانت بريطانيا قد أكملت بلورة مشروعها الجديد، لضمان سيطرتها على جنوب شبه الجزيرة العربية، وفصل الجنوب اليمني، نهائياً، عن الوطن الأم، لقطع الطريق على مطالبة الحكومة اليمنية بأي حقوق فيه. وقد تلخصت خطتها الجديدة في إقامة اتحاد، يضم كافة إمارات عدن ومشيخاتها، الشرقية والغربية، ولكنه لم يضم، في البداية، سوى ست إمارات من محميات عدن الغربية، عند إعلان قيام الاتحاد، رسمياً، في 11 فبراير 1959.

وقد عارضت الحكومة اليمنية قيام ذلك الاتحاد، بَيد أن موقفها، لم يتعدَّ إصدار بيانات الشجب والاستنكار، وظل ذلك موقفها، حتى قيام الثورة ضد نظام الإمامة، في 26 سبتمبر 1962.

4.    العلاقات اليمنية ـ الأمريكية

بدأ أول اتصال بين اليمن والولايات المتحدة الأمريكية، في أعقاب الحرب العالمية الثانية، عندما عقدت الدولتان معاهدة صداقة وتجارة، عام 1946، تبعها إنشاء علاقات دبلوماسية بين البلدين، في العام نفسه.

وقد أثار تزايد الوجود السوفيتي والصيني، في اليمن، بدءاً من عام 1957، قلق الولايات المتحدة الأمريكية. فأرسل الرئيس أيزنهاور إلى اليمن مندوباً عنه، لإجراء مباحثات مع الإمام، في إطار سعي واشنطن إلى إقامة تحالف من دول المنطقة، تحت رعايتها، لمواجهة خطر التغلغل الشيوعي في المنطقة، بعد أن إنهار حلف بغداد، في أعقاب العدوان الثلاثي على مصر.

وكان من المقرر، أن يصل مندوب الرئيس أيزنهاور إلى الحديدة، في أوائل مايو 1957، للقاء الإمام، ثم يغادرها، على متن طائرة خاصة في اليوم نفسه، طبقاً لبرنامج جولته في المنطقة، إلاّ أنه عندما وصل إلى الحديدة، كان الإمام أحمد نائماً، مخدراً بالمورفين، الذي أدمنه بعد عملية جراحية فاشلة، في ظهره، أصابت بعض أعصابه. ولمّا لم يكن أحد يجرؤ على إيقاظ الإمام من نومه، مهما كانت الأسباب، فقد قرر المندوب الأمريكي مغادرة اليمن، من دون مقابلته. ولكن ـ بالمثل ـ لم يكن هناك من يجرؤ على الإذن للمندوب الأمريكي بالسفر، من دون موافقة الإمام، فبقي الرجل حبيس الحديدة، حتى استيقظ الإمام من نومه، والتقاه في اليوم الثالث لوصوله.

وخلال اللقاء، عرض المندوب الأمريكي، أن تساعد الولايات المتحدة الأمريكية اليمن على إنشاء الطرق، التي تحتاج إليها مقابل انضمام اليمن إلى غيرها من دول الشرق الأوسط، في مواجهة الخطر الشيوعي على المنطقة. ولمّا كان الإمام شديد الحساسية إزاء كل ما يحرم اليمن من عزلته، مثل إنشاء الطرق والموانئ، فقد سأل المندوب الضيف مرتين، عن سبب اختيار الولايات المتحدة الأمريكية لإنشاء الطرق، وسيلة لتقديم مساعدتها إلى اليمن. فأجابه المندوب الأمريكي، بأن معلومات واشنطن تقطع بأن اليمن في أمس الحاجة إلى إنشاء الطرق، وأن هذه الحاجة، تأتي في الأسبقية الأولى لقائمة الحاجات اليمنية.

وردّ الإمام، مستغرباً، أن يكون لدى الولايات المتحدة الأمريكية مثل هذه المعلومات عن بلاده، وإن كان لا يتفق معها حول أسبقية حاجاتها، فضلاً عن أنه يرى أن تَرْصد الولايات المتحدة الأمريكية اعتماداً مالياً محدداً لليمن، وتترك للإمام تحديد الأوجُه، التي يراها للاستفادة منه. أمّا عن الخطر الشيوعي، الذي يهدد المنطقة العربية، فإن اليمن لا يشعر به على الإطلاق، بينما الخطر، الذي يراه بعينه، كل يوم، هو العدوان البريطاني على المواطنين اليمنيين والأراضي اليمنية، فإذا كانت واشنطن مستعدة لعقد حلف مع اليمن، للتصدي للخطر البريطاني، فإنه على استعداد لتوقيعه فوراً.

غادر المندوب الأمريكي اليمن خالي الوفاض. إلاّ أنه يبدو أن الإمام، أعاد النظر في موقفه، لأنه وقّع، بعد ذلك بسنتين، اتفاقية اقتصادية مع الولايات المتحدة الأمريكية، التي وعَدت، بمقتضاها، إنشاء طريق المخا ـ تعز ـ صنعاء، كما فتحت مفوضية أمريكية في العاصمة اليمنية، شغلها قائم بالأعمال.

ولمّا كان عام 1959، عام قحط في اليمن، فقد قدمت الولايات المتحدة الأمريكية ما يقرب من 15 ألف طن من القمح الأمريكي، مساعدة لليمن، لموازنة الوجود، الصيني والسوفيتي، في البلاد. إلا أن الإمام ظل غير راضٍ عن حجم المساعدات الاقتصادية، التي قدمتها دولة غنية، مثل الولايات المتحدة الأمريكية، وجعلت لنفسها بسبب هذه المساعدات موضع قدم في اليمن.

5.    العلاقات اليمنية ـ السوفيتية

بدأت العلاقات اليمنية ـ السوفيتية بخطاب من أمير الحديدة، وجَّهه إلى الممثل السوفيتي في جدة، نيابة عن الإمام يحيى، في أواخر عام 1927، يطلب فيه، بشكل رسمي، إقامة علاقات، دبلوماسية وتجارية، بين البلدين. وفي مايو 1928، وصلت إلى ميناء الحديدة أول سفينة سوفيتية، تحمل الكيروسين والصابون والسكر، وغير ذلك من السلع، التي لاقت رواجاً في السوق اليمنية. ومنذ ذلك الحين، بدأت العلاقات التجارية المنتظمة بين البلدين، ومنحت الحكومة اليمنية الجانب السوفيتي بعض التسهيلات، في مجالَي النقل والرسوم، لتشجيع التجارة بين البلدين.

وانتهت المفاوضات، التي بدأت بين الجانبين، اليمني والسوفيتي، في مايو 1928، حول تطوير العلاقات الودية والتجارية، إلى اتفاقية للصداقة والتجارة، وقعت بالأحرف الأولى، في نوفمبر عام 1928. أمّا العلاقات الدبلوماسية، التي كان يسعى إليها الإمام، فقد تأجل البحث فيها، نتيجة لرد الفعل العدائي من جانب السلطات البريطانية في عدن، الذي تمثل في استئناف القصف الجوي للمدن والقرى الحدودية اليمنية، حتى لا تسمح للاتحاد السوفيتي بموضع قدم في تلك المنطقة.

وفي خطابه إلى القيادة السوفيتية، في 14 يوليه 1928، أوضح الإمام يحيى، أن متطلبات الأوضاع الحالية في المنطقة، استدعت حصر الاتفاق في الجوانب التجارية. ولكن عندما تتغير تلك الأوضاع، فإنه سيكون مستعداً لاعتماد ممثل عن الاتحاد السوفيتي في اليمن.

وعندما أثار الجانب السوفيتي موضوع تبادل التمثيل الدبلوماسي، عند التوقيع النهائي لاتفاقية الصداقة والتجارة، في نوفمبر 1928، أوضح الإمام، مجدداً، عدم إمكانية مثل هذا التبادل في الظروف السائدة آنذاك، للأخطار التي ستعانيها البلاد، في حالة اعتماده لممثل سوفيتي في اليمن.

وبعد أن تم تبادل وثائق التصديق، في يوليه 1929، دخلت الاتفاقية اليمنية ـ السوفيتية طور التنفيذ، بعد أن أحدثت ضجة كبيرة، في ذلك الوقت، لأنها أول اتفاقية، تعقدها دولة عربية مع دولة بولشوفية، كما كان يُطْلق على الاتحاد السوفيتي، في ذلك الوقت.

وفي 31 أكتوبر 1955، جددت معاهدة الصداقة والتجارة السوفيتية ـ اليمنية، التي تم بموجبها إقامة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين. ودخلت المعاهدة طور التنفيذ، بعد تبادل وثائق التصديق عليها، في 30 مارس 1956 (انظر ملحق معاهدة الصداقة بين اتحاد الجمهوريات السوفيتية الاشتراكية والمملكة اليمنية).

وتطويراً للعلاقات التجارية بين الاتحاد السوفيتي واليمن، وقعت بينهما، في القاهرة، يوم 8 مارس 1956، اتفاقية للتجارة والمدفوعات، لتوسيع العلاقات التجارية والاقتصادية بين البلدين، على أساس المساواة والمنافع المتبادلة.

وجاءت زيارة الأمير محمد البدر إلى الاتحاد السوفيتي، في يوليه 1956، خطوة جديدة على طريق تعزيز العلاقات بين البلدين، إذ تمخضت المباحثات بين الجانبين، خلال هذه الزيارة، بإبرام اتفاقية تعاون اقتصادي وفني، والتزام الاتحاد السوفيتي بالإسهام في المشروعات الصناعية اليمنية، وتزويده اليمن بالمعَدات والمواد الإنشائية، وتأهيل الكوادر الوطنية للعمل في المشروعات، الجاري إنشاؤها، وعلى الأخص ميناء الحديدة.

ولعل أحدى النتائج المهمة، التي أسفرت عنها زيارة البدر إلى الاتحاد السوفيتي، هو قرار القيادة السوفيتية، الموافقة على تزويد اليمن بحاجته من الأسلحة، لمواجهة الاعتداءات البريطانية، المتكررة على الأراضي اليمنية في الجنوب، وإيفاد بعثة عسكرية لتدريب اليمنيين على استخدام تلك الأسلحة، عام 1957. وعندما أشعلت طلائع الجيش اليمني ثورة 26 سبتمبر 1962، كان ذلك السلاح، هو أداتها لدك حصون الإمامة في اليمن.

ــــــــــــــــــــــــ


[1]   كانت اليمن مجزأة، حتى الحرب العالمية الأولى. فبينما احتلت القوات البريطانية المحافظات الجنوبية (المحميات البريطانية، ثم اليمن الجنوبي، فيما بعد)، كان الأتراك يحكمون الجزء الأوسط من اليمن وسهل تهامة. وبذا، انحصرت الإمامة الزيدية، آنذاك، في المنطقة الشمالية من الهضبة الوسطى، شمال صنعاء، وحتى أقصى الحدود الشمالية لليمن. في الوقت الذي كان فيه الأدارسة، يسيطرون على إقليم عسير، في أقصى الشمال الغربي للبلاد. وعندما حاول الإمام يحيى أن يمد سيطرته إلى الإقليم الأخير، بعد انتهاء الحكم التركي، طلب الأدارسة الحماية من الملك عبدالعزيز، الذي وضع الإقليم تحت حماية المملكة العربية السعودية، بموجب معاهدة مكة بين الأدارسة والمملكة، عام 1926. وعندما تمرد الأدارسة على الحكم السعودي، ضمَّ الملك عبدالعزيز إقليم عسير إلى المملكة.

 

[2]   قام البدر، في أعقاب الانقلاب، واعتقال والده، بإجراء عدة اتصالات مع المملكة العربية السعودية ومصر وجامعة الدول العربية، لمساندته في القضاء على الانقلاب، والحفاظ على شرعية الحكم في اليمن.

[3]   كان البكباشي محمد أنور السادات، عضو مجلس الثورة المصرية، هو الذي قدم عبدالرحمن البيضاني، الذي كان يعمل، في ذلك الوقت، سكرتيراً أول في السفارة اليمنية بالقاهرة، وتربطه به علاقة عائلية، إلى الرئيس جمال عبدالناصر. وأصبح البيضاني، بعد ذلك، حلقة الاتصال بين مصر وتيارات المعارضة اليمنية، ثم نائب رئيس مجلس الثورة اليمنية، فيما بعد.

[4]   عقدت هذه الاتفاقية، أساساً، لمواجهــة حلف بغداد.

[5]   بعد تعرف الرئيس جمال عبدالناصر بشخصية الإمام أحمد، خلال لقائهما الأول في جدة لتوقيع اتفاقية الدفاع المشترك، خشي أن يكون اشتراك الإمام في الاتفاقية إضعافاً لها وليس دعماً. إلا أن الأمير فيصلاً (الملك فيصل، فيما بعد)، أكد له "أن اليمن مهم في شبه الجزيرة العربية. ومن الأفضل أن نحتوي الرجل، قبل أن يخطفه غيرنا".

[6]   كان أحد الحاضرين هو النقيب محمد قائد سيف، أحد الثوار القدامى، الذي شارك في محاولة انقلاب الثلايا، عام 1955، واستطاع الفرار إلى عدن، بعد فشل الانقلاب. ثم أصبح من حلقات الاتصال بين الثوار في الداخل والخارج، بعد ذلك. والثاني هو عبدالغني مطهر، أحد أقطاب الثورة المدنية، من فئة التجار، الذي بذل الكثير من ماله وجهده، من أجل نجاح الثورة.

[7]   كانت عدن، وما حولها من مقاطعات، التي أطلق عليها البريطانيون اسم المحميات الشرقية والغربية، جزءاً من اليمن، الوطن الأم، الذي خضع معظمه للاحتلال التركي، ثلاث مرات، آخرها الفترة من عام 1848، حتى نهاية الحرب العالمية الأولى.

[8]   الإدريسي هو محمد بن علي الإدريسي، أحد علماء الدين، الذين تخرجوا في الأزهر، وتبعه الناس في صبيا شمال جيزان. فأعلن نفسه إماماً بالمنطقة الغربية لإقليم عسير، وانضم إلي الحلفاء، وحارب الأتراك، خلال الحرب العالمية الأولى. ونجح في بسط نفوذه في إقليم تهامة، حتى منطقة عبس، قبل أن يسلم البريطانيون الحديدة.