إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات سياسية / الوحدة اليمنية والحرب الأهلية (1994)






المناطق القابلة للانفجار العسكري
المرحلة الأولى
المرحلة الثالثة
المرحلة الثانية
انتشار بعض قوات الشطرين
اليمن الجنوبي
اليمن الشمالي
جغرافية مسرح العمليات اليمني



القسم الأول: مسيرة الوحدة اليمنية حتى إعلان الوحدة الاندماجية في 22 مايو 1990

القسم الأول: مسيرة الوحدة اليمنية حتى إعلان الوحدة الاندماجية في 22 مايو 1990

(انظر ملحق التسلسل الزمني لمسيرة الوحدة اليمنية والأحداث التي واكبتها).

عام

استمرت سياسة التعايش السلمي، بين جمهوريتي اليمن، أكثر من أربع سنوات بعد الاستقلال. لكن التحولات السياسية، والاجتماعية، التي شهدها الواقع اليمني، خلال هذه الفترة، وانعكاس ما يحدث في أحد الشطرين، على الشطر الآخر، إضافة إلى التدخل الشيوعي في اليمن الجنوبي، وعدم الاستقرار السياسي، في اليمن الشمالي، أدت كل هذه العوامل مجتمعة إلى توتر الأوضاع بينهما، ثم نشوب النزاع المسلح، في سبتمبر 1972، في مناطق الحدود. غير أن القوى المحبة لوحدة الشعب اليمني وتقدمه، سارعت إلى تطويق هذه الحرب، فكان الاحتكام إلى العقل، وتم قبول لجنة الوساطة، التي بعثتها جامعة الدول العربية، واتفق الطرفان على وقف العمليات العسكرية، ثم أُعلن في القاهرة، عن اتفاقية الوحدة الأولى بين شطري اليمن، التي وقعها رئيسا الوزراء في كلتا الجمهوريتين، وبدأت مسيرة الوحدة، اعتباراً من هذا التاريخ.

تعثرت خطوات الوحدة، وكانت تتلكأ لفترات زمنية طويلة، وشابها التخوف والتوتر والحذر لبعض الوقت. ولكن الإحساس بالمسؤولية، عن سلامة أرض اليمن، ومستقبل أجياله، والرغبة في إحلال دعائم السلام في ربوعه، والحرص على تصفية المشاكل بين الشطرين، وحماية المكتسبات، التي حققها الشعب اليمني، بنضاله الطويل، خّرجت فكرة إقامة وحدة، بين شطري اليمن. وبدأت مسيرة الوحدة، وبشكل جاد، على الرغم من العقبات والمشاكل، التي ما أن تخمد أو تنتهي، حتى تعود للظهور من جديد.

وكانت البداية اتفاق تعز، في نوفمبر 1970، الداعي إلى إقامة اتحاد فيدرالي بين الشطرين، ثم اتفاقية القاهرة في 13 سبتمبر 1972، وانتهاءً باتفاقية صنعاء في 4 مايو 1988، وما تلاها من مفاوضات واتفاقات، وكان من نتائجها إعلان الوحدة الاندماجية في 22 مايو "أيار" عام 1990.

* مراحل مشروع الوحدة "من عام 1968 حتى عام 1990".

مرت الوحدة اليمنية بمراحل عديدة، ظهرت خلالها أوجه اتفاق واختلاف، وتجاوزت ذلك، إلى صراعات أدت إلى حروب محدودة بين الطرفين. وتوالت أحداث مسيرة الوحدة كالآتي:

1. بدأت توجهات البلدين، إلى الوحدة، بعد أن نالت اليمن الجنوبي استقلالها في عام 1967. ففي عام 1967، وبعد انسحاب القوات المصرية من اليمن الشمالي، استمر القتال بين الجمهوريين والملكيين حتى أواخر عام 1969، وخلال هذه الفترة، وبالتحديد في عام 1968، أرسل قحطان الشعبي رئيس جمهورية اليمن الجنوبية في هذا الوقت، فصائل من جبهة التحرير القومية، للقتال في صف الجمهوريين، ضد الملكيين في اليمن الشمالية.

ولما كانت جبهة التحرير القومي، تعُد نفسها حركة عربية، غير مرتبطة بحدود مصطنعة ومرحلية، فقد أعلنت أنها ضد أي مفاوضات تجرى مع الملكيين خلافاً لموقف بعض القادة الشماليين، المتعاطفين مع الملكيين في ذلك الوقت. وقامت الجبهة في معسكراتها بالقرب من الحديدة، وتعز، وبرعاية من جمهورية مصر، بالتوسع واضطلعت بدور قيادي في تنظيم ميليشيات قوة المقاومة الشعبية، التي كانت قد شكلت في اليمن الشمالي، من أجل الدفاع ضد الهجمات الملكية المحتملة. وأعلن الرئيس قحطان الشعبي أن بلاده، تتوافق وتتعاطف تماماً مع اليمن الجمهوري. وقد تأكد ذلك بطريقة عملية، في فبراير 1968، عندما اتحدت وحدتان، من قوات جيش اليمن الجنوبي، مع عناصر من ميليشيات المقاومة الشعبية، وفصائل من الجيش الجمهوري الشمالي، في الهجوم على رجال القبائل الملكية، على حدود إمارة بيحان، ونقاط أخرى عبر الحدود المشتركة.

وفي الوقت ذاته، اشتركت وحدات جنوبية في الحديدة، مع وحدات من الجيش الجمهوري الشمالي، في اختراق طريق الحديدة ـ صنعاء، وحطمت طوق حصار الملكيين، على صنعاء لتضع نهاية لحصار صنعاء، الذي استمر سبعون يوماً.

وحينما اتضح أن الملكيين لن يتمكنوا من اجتياح أراضي الجمهوريين، استعاد الزعماء الجمهوريون ومؤيدوهم ثقتهم السابقة بأنفسهم. ومع استمرار تدفق الأسلحة السوفيتية، وتطور الجيش اليمني وتوسعه، إلى الحد الذي أصبح فيه أكثر كفاءة، بدأ حسن العمري يتتشكك في ولاء عناصر معينة من ميليشيات قوة المقاومة الشعبية، مدركاً أن العقلية الطموحة لجبهة التحرير القومية، تتطلع لسيطرة بعيدة المدى، ولكي يوازن ذلك المد المتصاعد، حث جبهة تحرير جنوب اليمن المحتل، الواهية خائرة القوى، على أن تواصل نشاطها في اليمن مرة ثانية، وهو ما أفقده شعبيته في صفوف جبهة التحرير القومية.

وبعدما استقر الموقف في صنعاء، اتخذ حسن العمري الترتيبات لزيارة كل من مصر، والصين، وطار فعلاً إلى القاهرة، ومن دون أن يواصل زيارته للصين، رجع فجأة ليحبط في الوقت المناسب، مؤامرة دبرتها جبهة التحرير القومية، للاستيلاء على شحنات كبيرة من الأسلحة السوفيتية، تشتمل على 50 دبابة، كان يجري إنزالها في مدينة الحديدة. وقد دار صراع بين قوات حكومة العمري، مع عناصر جبهة التحرير القومية، وميليشيات المقاومة الشعبية، انتهى لصالح الجيش النظامي اليمني الشمالي، وتم القبض على الكثيرين من أعضاء جبهة التحرير القومية، وميليشيات المقاومة الشعبية، ولكن تم إطلاق سراح معظمهم فيما بعد، نظراً لكونهم جميعاً من الشوافع، حتى لا تتسع فجوة الصراع الطائفي داخل البلاد وفي اليمن الجنوبية كان الرئيس قحطان الشعبي يواجه متاعب مع المتطرفين اليساريين، من أعضاء جبهة التحرير القومية.

وعلى الرغم من أن الرئيس قحطان الشعبي، بدا وكأنه يتمتع بسلطة واسعة، أكثر من ذي قبل، فقد ظلت أجزاء من اليمن الجنوبية، في أيدي الجناح اليساري المتطرف لجبهة التحرير القومية. وجرت انتفاضات، وشقاقات، في ذلك البلد، الذي ظهر حديثاً إلى حيز الوجود. وكان ارتكاز حسن العمري المتصدع، على جبهة التحرير القومية في اليمن، في الوقت الذي سمح بنشاطات مناهضة لها، يقوم بها عبدالله الأصنج ـ قائد جبهة تحرير جنوب اليمن المحتل ـ التي تعمل من تعز، قد أدى إلى فتور، العلاقات، بين اليمن الشمالي واليمن الجنوبي.

وبدا أن المحادثات، التي دارت بين ممثلين عن كل من البلدين قد تخفف من حدة التوتر، وقد حاول السوفيت جاهدين التوصل إلى مصالحة بين كل من جبهة التحرير القومية وجبهة تحرير جنوب اليمن المحتل، غير أن العداوات بينهما قد تزايدت.

2. وفي عام 1972، نشب قتال بين البلدين، في شكل حرب محدودة، وذلك عندما تكونت في اليمن الشمالي، جبهة التحرير، بقيادة عبدالله الأصنج، والمنشقين عن الجبهة القومية، وأعضاء رابطة أبناء الجنوب العربي، بقيادة محمد علي الجفري، وشيخان الحبشي، وسالم الصافي. وظلت هذه الجبهة، تعمل من أراضي الشمال لمدة عام كامل. ومن ناحية أخرى، استضاف الشمال، المجموعات العسكرية، التي هربت من الجنوب، بقيادة عشال، وأحمد صالح بن الأحمر. وأقامت هذه المجموعات معسكرات للتدريب في اليمن الشمالي. وقد أزعج هذا النشاط حكام عدن، وعدّوه وعوة لدخول الحرب، وبالفعل اندلعت شرارة الحرب، وتمكنت القوات الجنوبية من دخول محافظة البيضاء الحدودية، التي تقع شرق اليمن الشمالي، والمقابلة لمنطقة مكيراس الجنوبية. لكن الجهود سارعت بإحتواء الأزمة وتهدئة الأمور، التي عقد على إِثرها اجتماع القاهرة، في سبتمبر 1972.

3. اتفاقية القاهرة 13 سبتمبر 1972:

أ. اجتمع وفدا الشطرين في القاهرة، برئاسة كل من علي ناصر محمد، رئيس وزراء الشطر الجنوبي، ومحسن أحمد العيني، رئيس مجلس وزراء الشطر الشمالي، مع لجنة التوفيق العربية المشّكلة بقرار مجلس جامعة الدول العربية الرقم (2961)، لتسوية الخلافات، والاتفاق على قيام دولة الوحدة.

ب. وقبل التطرق إلى اتفاقية القاهرة، نشير بإيجاز، إلى المشاريع، التي تقدم بها كل طرف، على حدة، لكونها تعكس طبيعة الوحدة، ورغبة كل طرف فيها. فالمشروع المقدم من اليمن الجنوبي يؤكد على وحدة الشعب والأرض، بوصفها القاعدة، التي قامت عليها الحضارة اليمنية القديمة، وترتبط بمصير الشعب اليمني، وطموحاته، في التقدم والحضارة. وأوضح أن اليمن، لا تعني تلك الأراضي الواقعة تحت سيادة الشطرين، بل كل المناطق، والجزر، التي تعتبر تاريخياً وجغرافياً، جزءاً لا يتجزأ من أراضي اليمن الطبيعية، وأن الطريق المؤدي للوحدة، لا يمكن أن يكون إلا طريقاً سِلْمياً ديمقراطياً، واعتبر فتح الحدود بين شطري اليمن، وإيقاف الأعمال العسكرية، والحملات الإعلامية، وإيجاد أسس للتعاون والتنسيق بين الشطرين، مقدمات أولية، وضرورية من أجل تهيئة الظروف الملائمة، لبناء دولة الوحدة.

واقترح المشروع، كخطوة أولى لتحقيق الوحدة، تشكيل مجلس يمني أعلى، مكون من رئيس المجلس الجمهوري وأعضاءه في الشمال، ومجلس الرئاسة في اليمن الجنوبي، توكل إليه مهمة اتخاذ الإجراءات الأساسية، لتوحيد السياسة الحكومية، في الشطرين، في مختلف الجوانب، وكذلك تشكيل لجنة دستورية، تقوم بإعداد دستور اليمن الموحد، ولجان فنية أخرى، لتوحيد السياسة الخارجية، والتعليمية، والثقافية، والاقتصادية، والعسكرية، والتشريعية.

ج. أما مشروع اليمن الشمالي، فقد أكد بدوره على وحدة اليمن، باعتبارها حقيقة ثابتة، وأكد على أن الانفصال، والتجزئة تحت أي أسم أو شعار حالة طارئة، وأشار إلى وحدوية ثورة السادس والعشرين من سبتمبر، التي جعلت تحقيق الوحدة اليمنية في مقدمة أهدافها ثم جاءت ثورة الرابع عشر من أكتوبر 1963 التي تمثلت في انطلاق الكفاح المسلح عام 1963، لتحرير اليمن الجنوبي من الاستعمار، امتداداً لها، وبالتالي فقد كان يفترض قيام الوحدة، فور استقلال اليمن الجنوبي مباشرة، من الاحتلال البريطاني.

وطالب المشروع، بضرورة الإعلان، عن الوحدة الفورية الشاملة، معتبراً تأخيرها تعميقاً للانفصال، واستمراراً للتجزئة، وتقدم الوفد، بتصور عام، عن شكل الوحدة، وطبيعة نظامها، ووسائل تحقيقها واقترح الآتي:

(1) تشكيل لجان عمل، لإعداد خطة، لتوحيد الكيانات القائمة، ودمج مختلف مؤسسات الدولة، في الشطرين في مؤسسة واحدة.

(2) تعد اللجنة الدستورية، دستور يتم عرضه على المؤسسات التشريعية، في كلا الشطرين، ليتم إقراره، والمصادقة عليه.

(3) بعد إقرار الدستور، تقدم حكومتا الشطرين استقالتهما، وتعهد إدارة شؤون البلاد، إلى حكومة واحدة مؤقتة للشطرين كليهما، وتتولى هذه الحكومة تنظيم حوار، حول الدستور، قبل طرحه للاستفتاء العام.

على أن تتم كل هذه الأعمال، والإجراءات، خلال فترة زمنية، لا تزيد عن شهرين.

د. ومن خلال هذه المشاريع، نلاحظ أن الجانبين بالرغم من تأكيدهما على وحدة الشعب، والأرض، وإيمانهما بضرورة قيام الوحدة، تقدماً بمنهجين متعارضين، ففي الوقت الذي عدّ فيه المشروع المقدم من الجنوب، تهيئة الظروف المناسبة لقيام دولة الوحدة، إجراء أساسياً، لا يمكن من دونه، أن تكون الوحدة، سوى ضرب من الخيال، تمسك الشطر الشّمالي، بمنظور مثالي للوحدة، متجاوزاً التّركة الثقيلة، التي خلّفها النظام الاستعماري، والحكم الإمامي، في الشطر الشمالي، ومتجاهلاً التعارض القائم بين النظامين، رافعاً في الأفق، شعار الوحدة الفورية والشّاملة، التي يجب إنجازها خلال شهرين. لكن هذا التعارض الواضح، لم يمنع الطرفين، من التوصل إلى اتفاق يرضيهما، على الرغم من إيمانهما بصعوبة تطبيقه، إن لم يكن استحالته. فقد تم التوقيع على اتفاقية القاهرة، في 28 أكتوبر 1972، التي أنهت حالة الحرب، على الرغم من تجاوزها للواقع الموضوعي، وطبيعة الأنظمة القائمة بين شطري اليمن.

هـ. نصّت مواد اتفاقية القاهرة ( انظر ملحق اتفاق القاهرة حول توحيد شطري اليمن (النص الحرفي) أكتوبر 1972م.)، على دمج الدولتين في دولة واحدة، وتكوين حكومة واحدة، وإنشاء مختلف مؤسسات الدولة، بشكل موحد، ديمقراطياً، يقوم على مبدأ الانتخاب الحر المباشر، من قبل الشطرين. وأوكل إلى اللجنة الدستورية، مهمة إعداد مشروع دستور الدولة الموحدة، خلال فترة زمنية لا تتجاوز العام، ليتم طرحه فيما بعد على المؤسسات التشريعية، القائمة في كل من الشطرين، للموافقة عليه قبل أن يطرح للاستفتاء العام، خلال فترة لا تتجاوز ستة أشهر. وأكدت مواد الاتفاقية، على أن الدستور، سوف يكفل الحريات الفردية العامة، وحقوق المواطنين، السياسية، والنقابية، والمهنية، ويضمن منجزات ثورتي 26 سبتمبر، و14 أكتوبر، ونصت على تشكيل سبع لجان فنية متخصصة، لإعداد المشاريع، وخطط دمج مؤسسات الدولة القائمة في الشطرين.

وقد جاء في المادة الثالثة من الاتفاقية، أن يضمن دستور الوحدة، كفالة ممارسة الحريات الشخصية، والسياسية، للجماهير عامة، ولمختلف مؤسساتها، ومنظماتها الوطنية، والمهنية، والنقابية. وفسّر الشطران هذه المادة، على أنها تسمح لجبهات المعارضة، ممارسة نشاطها العلني داخل البلاد.

وهكذا، كان واضحاً، أن مثل هذه المواد، على الرغم من أهميتها، بعيدة عن الواقع، ويصعب على النظامين العمل بها، والسماح بتطبيقها، الأمر الذي جعل رجل الشارع، في كلا الشطرين، يشكك في مصداقية الاتفاقية، لكون الجميع، يدركون أن قيام الوحدة اليمنية، في ظل وجود نظامين متعارضين، وأمام التركة الثقيلة، التي خلفتها تراكمات الماضي، وخلال فترة زمنية، لا تتجاوز العام، لا تعدو أن تكون شعاراً، رفعه تجار الحرب، الذين لا يهمهم توحيد اليمن، ولا مصلحة الشعب.

4. بيان طرابلس 28 نوفمبر 1972 (انظر ملحق البيان المشترك عن لقاء القمة اليمنية المنعقدة بمدينة طرابلس، الفترة من 26 - 28 نوفمبر 1972م.):

أ. تطبيقاً لاتفاقية القاهرة، التي أكدت في مادتها الرابعة، على ضرورة اجتماع رئيسي الشطرين، بعد شهرين من تاريخ التوقيع عليها، فقد اجتمع القاضي عبدالرحمن الإيرياني، وسالم ربيع علي، بحضور الرئيس الليبي، العقيد معمر القذافي، في طرابلس، خلال الفترة من 21 إلى 28 نوفمبر 1972م، لمناقشة الأوضاع اليمنية، واتخاذ الإجراءات الضرورية للإسراع في تنفيذ بنود الاتفاقية.

ب. وقد انتهى اللقاء بصدور بيان طرابلس، في 28 نوفمبر 1972م، وقد تقدم أثناء هذا الاجتماع، كلا الرئيسين، ببعض المبادئ والأسس، التي تتلائم مع أيديولوجيته وقناعته، فسالم ربيع علي، انطلق من أيديولوجية الحزب الحاكم "الشيوعية"، وردد شعار الوحدة البروليتارية[1]. والقاضي الإيرياني اعتمد على الدبلوماسية، ورفع شعار الوحدة الإسلامية "الشيعية الزيدية"، واستطاعت لغة الأخير، أن تفرض نفسها عند إعلان البيان الختامي.

ونصّت المادة الرابعة من البيان، على "أن الإسلام دين الدولة، وتؤكد الجمهورية اليمنية على القيم الروحية، وتتخذ الشريعة الإسلامية، المصدر الرئيسي للتشريع"، لكن كانت هناك عبارات أخرى فضفاضة، فقد نصت (المادة الأولى) على: أن "تهدف الدولة إلى تحقيق الاشتراكية، مستلهمة الطراز الإسلامي العربي، وقيمة الإنسانية، وظروف المجتمع اليمني، بتطبيق العدالة الاجتماعية، التي تحظر أي شكل من أشكال الاستغلال. وتعمل الدولة، عن طريق إقامة علاقات اشتراكية، في المجتمع، على تحقيق كفاية في الإنتاج، وعدالة في التوزيع، بهدف تذويب الفوارق سلمياً بين الطبقات".

وقد جاء التأكيد على هذه الاشتراكية، على الرغم من أن النظام في الشمال لم يكن يؤمن بأي نوع من أنواع الاشتراكية، وأن النظام في الجنوب لا يؤمن إلاّ بالاشتراكية العملية.

أما (المادة التاسعة)، فقد نصت على: "إنشاء تنظيم سياسي موحد، يضم جميع فئات الشعب المنتجة، صاحبة المصلحة في الثورة، للعمل ضد التخلف، ومخلفات العهد الإمامي والاستعماري، وضد الاستعمار القديم والجديد، والصهيونية، وتشكيل لجنة لوضع النظام الأساسي، ولوائحه، على هدى النظام الخاص، بإقامة الاتحاد الاشتراكي العربي في "الجمهورية الليبية".

أُدخلت هذه المواد، بعباراتها الفضفاضة، على الرغم من الحظر القائم في اليمن الشمالي، لكل الأحزاب السياسية التي تعتنق الفكر الاشتراكي، وعلى الرغم من وجود تنظيم سياسي في اليمن الجنوبي، ينطلق في إيديولوجيته، وتنظيمه، من مبادئ الماركسية اللينينية.

أما قضية الأراضي المتنازع عليها، بين اليمن الشمالي، والمملكة العربية السعودية، فقد اتُفق، على إحالتها إلى لجنة دستور دولة الوحدة، حيث نصت المادة العاشرة، على أن يحدد دستور الجمهورية اليمنية الموحدة حدودها.

ج. وهكذا، استمرت اتفاقية الوحدة، حبراً على ورق، كما كان متوقعاً لها. ولعل التصريح، الذي أدلى به الأمين العام، للتنظيم السياسي "الجبهة القومية" عبدالفتاح إسماعيل، يقدم الدليل الواضح، لمثالية هذه الاتفاقية، وابتعادها عن الواقع العملي، حيث قال: "إن الوحدة اليمنية ليست شعاراً للاستهلاك الداخلي، بل ضرورة تفرضها الأحداث، التي مر بها شعبنا اليمني، لكن مفهومنا للوحدة، يختلف عن مفاهيم الأنظمة العربية "الرجعية"، التي لا تأخذ في الحسبان مصالح شعوبها".

"فالوحدة لا يمكن أن تُفرض بالقوة، وفق المفاهيم التي تفرضها القوى "الرجعية" والإمبريالية في المنطقة، فهذه القوى، مرفوضة من قبل شعبنا، والوحدة اليمنية، هي مسألة وطنية، تهم جماهير الشعب اليمني، ولا بد من أن تعكس مصالح هذه الجماهير الكادحة، في شمال الوطن وجنوبه".

5. لقاء الجزائر 4 سبتمبر 1973م:

التقى رئيسا اليمن آنذاك، عبدالرحمن الإيرياني، وسالم ربيع في الجزائر، واستعرضا سير أعمال اللجان المشتركة، المنبثقة عن اتفاقية القاهرة، وبيان طرابلس، حيث وجدا أن المدة الزمنية، التي حددت، غير كافية لتُنجز هذه اللجان أعمالها، وأكدا حرصهما الشديد، على تنفيذ الاتفاق، واستمرار اللجان المشتركة، في أعمالها إلى النهاية.

واتفق الرئيسان، على وجوب توفير المناخ الملائم لهذه اللجان المشتركة، حتى تُنجز أعمالها، وذلك عن طريق إيقاف التدريب ونشاط العناصر المخربة، في كل أنحاء اليمن، وعدم السماح بنشاطها تحت أي أسم، وعدم مدها بالسلاح، أو تدريب عصاباتها، أو تشجيعها، وإغلاق معسكراتها. والتقت وجهة نظر الرئيسين، حول وجوب الانصراف الكامل، إلى بناء البلد، وتطويره، في كلا الشطرين.

6. لقاء تعز ـ الحديدة 10 ـ 12 نوفمبر 1973م:

بعد إصدار بيان الجزائر، الذي وضع حداً للعنف، والتسلل على الحدود، بين شطري اليمن، التقى رئيسا الدولتين، واتفقا على عدم منح أي قواعد للمجموعات المتورطة، في أعمال عدائية، ضد أي من الدولتين. ودفع إجراءات الوحدة للأمام، التي تأجلت، بعد اغتيال محمد علي عثمان، وهو من أهل السنة الشوافع، الذي اغتالته، عناصر من منظمة المقاومة الثورية[2] في اليمن الشمالي. وقد أدى اغتياله إلى استياء شعبي، في أوساط أهل السنة الشوافع، الأمر الذي خلق بعض التوترات، والعنف، وطبقاً لأحد التقارير صدر الأمر، في يونيه 1973، بالقبض على ثلاثة آلاف شخص، وإعدام 36 شخصاً على الأقل، وتم حظر التجول في كل من صنعاء وتعز.

فبعد عودة الوئام بين الطرفين، زار رئيس اليمن الجنوبي، في يوم 10 نوفمبر 1973م، اليمن الشمالي، على رأس وفد كبير، من مسؤولين مدنيين وعسكريين. واستقبله رئيس اليمن الشمالي، عبد الرحمن الإيرياني، وعقد الرئيسان اجتماعين مغلقين، في تعز، ناقشا خلالهما تطورات الوحدة، على ضوء لقاء الجزائر. واتفقا حول بعض القضايا المطروحة، خاصة أهمية إيجاد صيغ مشتركة، على صعيد الاقتصاد الوطني، تمّكن من اتخاذ خطوات مشتركة، تخدم في الأساس، الشعب اليمني، وترفع من مستواه المعيشي. وزار الرئيسان، والوفد المرافق لهما، مدينة الحديدة، وعقدا اجتماعاً مشتركاً فيها، ناقشا خلاله أعمال اللجان المشتركة، المنبثقة عن بيان طرابلس، واستمع الرئيسان، إلى تقرير مفصل من الممثلين الشخصيين عنهما، وكلف الرئيسان ممثليهما، أن يمضيا قدماً في العمل بموجب جداول زمنية، يتفقان عليها، وحسب ما تقتضيه مصلحة الشعب اليمني، وظروف البلدين، على أن يعرضا عليهما كل ما قد يعترض طريقهما، أو طريق اللجان المشتركة من مصاعب، للعمل على تذليلها، إيماناً منهما بضخامة المسؤولية التاريخية. ووقع الرئيسان على بيان مشترك، بهذا الشأن في ختام الزيارة.

7. بعد لقاء تعز ـ الحديدة، حدثت بعض التطورات في اليمن الشمالي، وظهرت خلافات، بين اتجاه يمثله رئيس الدولة، القاضي الإيرياني، الذي يدعو إلى سياسة مرنة مع اليمن الجنوبي، واتجاه مخالف، لرئيس الحكومة القاضي عبدالله الحجري، الذي يعادي بشدة، القادة الماركسيين، والملحدين في عدن، والمطالب بفرض الوحدة بالقوة. وكان هذا الاتجاه مدعوماً من القبائل، ومن الشيخ عبدالله الأحمر رئيس مجلس الشورى. وكان من نتائج هذا الخلاف، قدم رئيس الوزراء عبد الله الحجري، في فبراير 1974م، استقالته وتعين من بعده حسن مكي رئيساً للحكومة بدلاً عنه.

وفي 13 يونيه 1974م، انتهى التوتر بين الأطراف المتصارعة، بالاستقالة الجماعية للإيرياني، والأحمر، الذي يشغل رئيس مجلس الشورى، ونائبه سنان أبو لحوم، من مناصبهم الحكومية، حيث قدم الثلاثة استقالاتهم، لنائب القائد العام للقوات المسلحة، إبراهيم الحمدي. ووافق الحمدي على استقالاتهم، على أن يمارس سلطات رئيس الدولة، ورئيس لمجلس القيادة العسكرية، المكون من سبعة أفراد، وبذلك استأثر الجيش بالسلطة، وعطل مجلس الشورى، وعلق الدستور، وقد أدى هذا الانقلاب، إلى إنهاء سبع سنوات من الحكم المدني وبدء فترة حكومة عسكرية.

كان واضحاً، أن الأوضاع السائدة، في شطري اليمن، ستؤدي إلى مواجهة عسكرية جديدة، بين شمال اليمن وجنوبه، خاصة أن دعاة الوحدة الفورية بقوة السلاح، لم يتخلوا عن أسلحتهم بعد. وقد أدى ذلك إلى خروج التناقض الموجود، في قمة السلطة، من إطاره الخفي، إلى الإطار العلني، حيث قدم الحجري، استقالة حكومته في شهر فبراير 1974م، فحققت الحركة الوطنية، بمجمل فصائلها انتصاراً جديداً، ضد الجناح الداعي للحرب، الذي لحقت به هزيمة أخرى نتيجة لانقلاب 13 يونيه 1974م، ووصول المقدم إبراهيم الحمدي، إلى قمة السلطة. وأسهم هذا الانقلاب، أو الحركة التصحيحية، حسب تسمية قادته، في إبعاد الحرب، لصالح أتباع الحل السلمي، وتنشيط عمل لجان الوحدة.

8. وفي فبراير عام 1977، وقع اتفاق قعطبة بين الشطرين بحضور أحمد حسين الغشمي، نائب القائد العام للقوات المسلحة، لإقامة مجلس أعلى مشترك، يضم الرئيسين ووزراء الدفاع والخارجية والاقتصاد والتخطيط، على أن يجتمع كل ستة أشهر. ولكنه كان واضحاً، أن اختفاء لغة الحرب، بإبعاد مشايخ القبائل، وتجار الحرب من السلطة، لم يكن إلا إجراءاً مؤقتاً، فكثير من العناصر المنادية بالحرب، ظلت تعزز مركزها في السلطة، وتعد نفسها للاستيلاء كلياً على مقادير السلطة السياسية، والعسكرية.

9. وأخيراً، تمكن الجناح الرجعي، من الاستيلاء على السلطة، بانقلاب 11 أكتوبر 1977م، واغتيل المقدم الحمدي، ونصّب العقيد أحمد حسين الغشمي، في قمة السلطة، بدعم واضح من مشايخ القبائل، وكل القوى المؤيدة للحرب، وشكل مجلساً استشارياً جديداً، طغي عليه زعماء القبائل والطبقة البرجوازية الناهضة، غير أنه، لم يكن في استطاعة هذه القوى، أن تدخل في الحرب مباشرة مع الجنوب. فالغشمي، لم يكن في حالة تمكنه من إعلان الحرب، تحت شعار الوحدة الفورية، وكان عليه أن يقوي سلطته، ويواجه الاستياء الشعبي، ضد حكمه، إضافة إلى المعارضة الواضحة، التي أعلنتها ضده بعض وحدات القوات المسلحة، التي كانت مرتبطة بشخص المقدم الحمدي.

10. وفي شهر يونيه 1978م، اغتيل الغشمي، في ظروف غامضة، نتيجة انفجار حقيبة ملغومة. واتهمت صنعَاء، رئيس اليمن الجنوبي، بوقوفه وراء مؤامرة الاغتيال، فأدت الحادثة، والاتهامات التي أعقبتها حدوث خلافات ونزاعات، داخل الفريق الحاكم في اليمن الجنوبي، بين رئيس الدولة سالم ربيع، وهو من أنصار التعاون مع البلدان المحافظة، وغير متحمس للإجراءات الاشتراكية، من جهة، وخصمه عبدالفتاح إسماعيل ذي الفكر الماركسي اللينيني، وتطور النزاع، إلى معارك في شوارع العاصمة، بين مؤيدي الطرفين. وانتهى الموقف لصالح عبدالفتاح إسماعيل، واعتُقل سالم ربيع وتم إعدامه. واعتلى عبدالفتاح إسماعيل السلطة، وفي أكتوبر 1978، أسس الحزب الاشتراكي اليمني الجديد، المرتكز على الاشتراكية العلمية، والذي هيمن على كل مؤسسات الدولة.

11. كما تسبب الحادث في توتر العلاقات بين الشطرين، ووقعت حوادث حدودية، وصلت إلى مواجهات مسلحة في شهر فبراير 1979. وكان على رأس الشطر الشمالي علي عبدالله صالح، الرئيس الحالي، بينما كان عبدالفتاح إسماعيل رئيساً للشطر الجنوبي. ويمكن إيجاز أسباب هذه الحرب في سببين:

أ. السبب الأول:

يقتضي العودة إلى الخلف قليلاً، حيث كانت الأجواء مهيأة للوحدة قبل هذه الحرب، بفترة قصيرة، عندما كان إبراهيم الحمدي يحكم الشّمال، وسالم ربيع يحكم الجنوب، ثم قتل إبراهيم الحمدي فجأة، وخلفه الرئيس أحمد حسين الغشمي الذي اكمل الاتصالات مع سالم ربيع، إلى أن حدث بينهما الاتصال الشهير، الذي اتفق فيه سالم ربيع، مع الغشمي، على إرسال مبعوث خاص له إلى صنعاء، يحمل أوراقاً سيطلعه عليها، بخصوص الخلافات بين البلدين. وكان مطلب سالم ربيع أن يلتقي الغشمي بالمبعوث وحده، وبالفعل ذهب المبعوث، وفور أن وقف يفتح حقيبته، أمام الرئيس الغشمي، انفجرت الحقيبة، ومات كلاهما، المبعوث والرئيس.

وقد استغل خصوم الرئيس الجنوبي سالم ربيع ـ وهم عبدالفتاح إسماعيل وعلي ناصر وعلي عنتر ـ هذا الحادث وعزلوا سالم ربيع عن السّلُطة، وأعدموه عام 1978. وقد أدى هذا الحادث، إلى تعكير العلاقات بين الشطرين، خاصة مع استمرار وجود المعسكرات، التي تضم العسكريين المنشقين عن الجنوب في الشمال.

ب. السبب الثاني:

يكْمُن في إيواء عدن ـ بالمقابل ـ معارضي الشمال، مثل حزب حوشي. وقد أدى ذلك إلى اندلاع المعارك بين الجنوب والشمال، واستخدام كل شطر الجماعات المعارضة للمشاركة في الحرب، ضد الشطر الذي تنتمي إليه. واقتحم جيش الجنوب مناطق في الشمال، ولكن سرعان ما طوقت المعارك على إثر تدخل سوريا والعراق والأردن، حيث اتفق على وقف إطلاق النار، في الأول من مارس. وسارعت الجامعة العربية بالتدخل، وعقدت دورة استثنائية في الكويت، خلال الفترة من 4 ـ 6 مارس 1979م، واتفق أثناءها، على تشكيل لجنة لمراقبة وقف إطلاق النار، وكذلك الإعداد لاجتماع بين رئيسي الشطرين. ثم قامت الكويت بعملية المصالحة الشهيرة على أرضها، بين الرئيسين علي عبدالله صالح، وعبدالفتاح إسماعيل.

12. إعلان الكويت 28 مارس 1979م:

كان للكويت، دور كبير في احتواء الاشتباكات، بين الشطرين، ودعت القيادتين إلى مائدة المفاوضات. وفي 28 مارس 1979م، اجتمع الرئيس علي عبدالله صالح، مع الرئيس عبدالفتاح إسماعيل، وتم الاتفاق أثناء هذا الاجتماع، على تنشيط عمل لجان الوحدة، وفق اتفاقية القاهرة، وبيان طرابلس. ووقع الرئيسان على بيان مشترك، نصّت بنوده الخمسة، على الآتي:

أ. أن تقوم اللجنة الدستورية، بإعداد مشروع دستور دولة الوحدة، في فترة لا تتجاوز أربعة أشهر.

ب. عند انتهاء اللجنة من أعمالها، يعقد الرئيسان لقاء، لإقرار الصورة النهائية، لمشروع الدستور الدائم لدولة الوحدة، ودعوة كل منهما لمجلس الشعب في الشطرين، للانعقاد خلال مدة يتفق عليها الرئيسان، لإقرار الصياغة النهائية لمشروع دستور دولة الوحدة.

ج. يقوم رئيسا الشطرين، بعد ذلك، بتشكيل لجنة وزارية، للإشراف على الاستفتاء العام، على مشروع الدستور، وانتخاب سلطة تشريعية موحدة، على أن تنتهي اللجنة من أعمالها، خلال مدة أقصاها، ستة أشهر من تاريخ تشكيلها.

د. يُقر الرئيسان بالتقيد والالتزام الكامل، بالمضمون، والأحكام، الواردة في اتفاقية القاهرة، وبيان طرابلس، وقرارات مجلس الجامعة العربية، وتنفيذ القرارات، والتوصيات، التي توصلت إليها لجان الوحدة.

هـ. يتولى رئيسا الشطرين، متابعة إنجاز عمل اللجنة الدستورية، في الموعد المحدد، ونتائج أعمال اللجان الأخري، من خلال تنظيم لقاءات دورية، في اليمن كل شهر.

وأيا ما كان التفاؤل من هذا البيان، فإن أهم إيجابياته تكمن في إيقاف الحرب، واتباع أسلوب الحوار السلمي، من أجل إنجاز الوحدة، وتحقيق آمال الجماهير اليمنية، في شمال اليمن وجنوبه.

13. لقاء صنعاء 2 ـ 4 أكتوبر 1979م:

استمرت مفاوضات الوحدة، بين جمهوريتي اليمن، واستكملت لجنة إعداد الدستور، الخاص بالدولة الموحدة، معظم أعمالها، في شهر أكتوبر عام 1979، ووافق الجنوب اليمني، أثناء زيارة رئيس الوزراء، علي ناصر محمد، إلى صنعاء في أوائل أكتوبر 1979، على تمديد المهلة المحددة، في اتفاقية الكويت. وصرح علي عبدالله صالح في ديسمبر 1979، أن مباحثات الوحدة بين الشطرين، أنجزت الكثير من النجاحات، وأن العملية الجارية، صوب الوحدة اليوم، تدخل مرحلة التنفيذ للخطوات العملية، في ضوء خطة واضحة.

وأعلن عن موافقة الجمهورية العربية اليمنية، وجمهورية اليمن الديموقراطية، في بيان رسمي، صدر عن اجتماعات اللجنة المشتركة، بين البلدين في صنعاء، التي استمرت يومين، على تشكيل وزارة خارجية مشتركة بموجب اتفاق ضم لعام 1979، كما تم الاتفاق على الخطوط الرئيسية للسياسة الخارجية لليمن الموحد.

وفي أكتوبر 1979، وقعت اليمن الجنوبي، اتفاقية صداقة وتعاون، مع الاتحاد السوفيتي لمدة عشرين عام.

14. اتفاقية عدن 3 مايو 1980:

في أعقاب عزل عبدالفتاح إسماعيل، رئيس اليمن الجنوبي، في 21 أبريل 1980، وإبعاده إلى موسكو، وتولى السلطة علي ناصر محمد، الذي كان رئيساً للحكومة منذ عام 1971، تزايدت خطوات اللقاءات عالية المستوى بين جمهورتَي اليمن، حيث اسْتُقْبِلْ عبدالعزيز عبدالغني، رئيس وزراء اليمن الشمالي، الذي زار عدن.وأكد البيان الصادر في نهاية الزيارة، على الحاجة إلى التنسيق في ميدان التنمية الاقتصادية، ثم وقعا اتفاقية اقتصادية، اتفق فيها على الآتي:

أولاً: في قطاع الصناعة والمعادن:

أ. بناء مصنع، لتموين شطري اليمن بالبوتاجاز.

ب. تكرير متطلبات الشمال، من المنتجات النفطية، في مصفاة عدن.

جـ. إقامة المشاريع المشتركة، في مجال التكرير، والبتروكيماويات.

د. التنسيق بين الشطرين، فيما يتعلق بالتنقيب عن المعادن.

هـ. إقامة مختبر مركزي، لأغراض التنقيب عن المعادن.

ثانياً: في قطاع المواصلات:

أ. إنشاء شركة يمنية مشتركة، للنقل البري.

ب. إنشاء شركة يمنية مشتركة، للنقل البحري.

ثالثاً: في قطاع المصارف والإحصاء والسياحة:

أ. زيادة دور الجهاز المصرفي، لخدمة التبادل التجاري، بين الشطرين، وتكليف البنوك المركزية متابعة ذلك.

ب. توحيد الإحصائيات بين الشطرين.

ج. الاستفادة من الشركات، السياحية العربية، والأجنبية.

15. بيان قمة صنعاء في 13 يونيه 1980:

اجتمع علي ناصر محمد، الرئيس الجنوبي، مع علي عبدالله صالح، الرئيس الشمالي، في صنعاء. فسادت قضايا الاقتصاد، والتجارة، والأمن، والنواحي الثقافية، المناقشات، التي دارت بين الرئيسين. وتعهد علي ناصر محمد، في هذا اللقاء، بتخفيض العون الجنوبي، للجبهة الوطنية الديموقراطية في الشمال، التي جاء رد فعلها، على هذا الالتزام، بضم مقاتليها على الحدود، إلى الجمهورية العربية اليمنية. وبدءاً من صيف ذلك العام، حتى ديسمبر، اشتبكت قوات الجيش النظامي لليمن الشمالي، والقوات القبلية، التابعة للجبهة الإسلامية، ضد اتباع الجبهة الوطنية الديموقراطية وأنصارها، في سلسلة من المواجهات المسلحة.

وفي 19 أغسطس 1981، انضمت اليمن الجنوبية إلى زميلاتها من حليفات السوفييت حيث وقع علي ناصر محمد، والرئيس الليبي العقيد معمر القذافي، والرئيس الإثيوبي منجستو مريام، معاهدة تعاون في المجالات السياسية، والاقتصادية، والعسكرية. وجاءت أولى ردود الفعل على هذه المعاهدة من وزارة الخارجية المصرية، حيث اعتبرت أن موسكو تعمل على تطويق شمال شرقي أفريقيا.

16. لقاء قمة تعز في سبتمبر 1981:

استند لقاء قمة تعز، إلى ما تمخضت عنه اللقاءات والمشاورات المستمرة، بين قيادتي شطري اليمن، من اتفاق قمة صنعاء، في 13 يونيه 1980، وتعجيل خطوات تحقيق الوحدة، والاتفاق على تشكيل هيئات وحدودية. وانتقد البيان، الوجود الأمريكي في المنطقة، بعد أن تفاوضت الولايات المتحدة الأمريكية، بشأن الحصول على تسهيلات في المنطقة، مع سلطنة عُمان، وردت اليمن، بإعادة تنشيط مساندتها، لما يسمى بالجبهة الشعبية لتحرير عُمان، واتفق على مشروع دستور موحد. وفي 30 ديسمبر 1981، انتهت اللجنة الدستورية المشتركة من إعداد مشروع دستور دولة الوحدة، وتم إقراره والتوقيع عليه. وفي خلال عام 1982، حدثت اشتباكات بين قوات الشطرين، حول أجزاء من محافظة شبوه الغنية بالنفط.

وفي نوفمبر 1982، و"بوساطة الكويت"، وقعت اليمن الجنوبية مع سلطنة عُمان، اتفاقاً ينهي 15 عاماً من القطيعة بينهما. وفي الأشهر الأولى من عام 1983، تحركت اليمن الجنوبية على جبهة دول الصمود والتحدي. فزار ياسر عرفات عدن، كما قام علي ناصر محمد بزيارات إلى ليبيا، والجزائر، وسوريا.

17. لقاء صنعاء في الفترة من 15 إلى 20 أغسطس 1983:

التقى الرئيسان، علي عبدالله صالح، وعلي ناصر محمد، واستعرضا ما حققته لجان الوحدة، تنفيذاً لاتفاقياتهما المبرمة بين الشطرين. وأعرب الرئيسان، عن ارتياحهما لما تم تحقيقه من خطوات، خاصة ما قامت به المؤسسات التجارية المشتركة، في مجالات السياحة والنقل، وما تم تحقيقه خلال دورة المجلس اليمني الأعلى، وفي مقدمتها الوحدة، والتقدم والتطور الاجتماعي والاقتصادي.

18. لقاء قمة عدن في الفترة 15 ـ 17 فبراير 1984:

التقى الرئيسان، علي عبدالله صالح، وعلي ناصر محمد، واتفقا على متابعة الجهود، من أجل الوحدة بين الجمهوريتين، وتعزيز استقرار اليمن بشطريه، من خلال اللجان المشتركة، أو بالتعاون المباشر بين المؤسسات، والوزارات، والأجهزة المركزية الأخرى، في الجمهوريتين، وتسهيل انتقال المواطنين، بين الشطرين، بالبطاقة الشخصية.        

وبعد استعراض مجالات التنسيق، بين الطرفين، على صعيد السياسة الخارجية، أعلن الرئيسان ارتياحهما، لاستمرار تمسك الجمهوريتين بسياسة عدم الانحياز، وتأييدهما لكافة الجهود، التي تبذل في سبيل تقوية حركة عدم الانحياز، وشمول دورها في كافة المجالات الدولية، خاصة في ميدان الحفاظ على السلام، وتخفيف التوتر في العلاقات الدولية.

وثمة نقطتان أساسيتان في علاقات اليمن الشمالية الخارجية، الأولى توقيع بروتوكولين ماليين مع فرنسا، أثناء زيارة علي صالح لباريس في أبريل 1984، والثانية توقيع معاهدة صداقة وتعاون مع الاتحاد السوفيتي، أثناء زيارة علي صالح لموسكو في أكتوبر 1984.

19. عام 1984، زار علي عبدالله صالح "جمهورية اليمن الديموقراطية"، تخوفاً من الوضع المتفجر بين شطري اليمن، إثر اكتشاف النفط بكميات تجارية، على الحدود بين الشطرين.

20. لقاء صنعاء في 29 ديسمبر 1985:

في إطار التمهيد، لانعقاد اللجنة الوزارية المشتركة، بين الشطرين، لمناقشة مختلف القضايا والأنشطة الوحدوية المشتركة، كان لقاء صنعاء، استكمالاً لمناقشة الموضوعات بجداول أعمالها، وكذلك إعداد مشروع البيان الصحفي، عن نتائج اجتماع الدورة الثالثة للجنة الوزارية المشتركة، التي عقدت في صنعاء 10 ـ 12 ديسمبر 1985، وإعداد الترتيبات لدورتها التالية. وقد أصدرت اللجنة الوزارية المشتركة، عدة قرارات وتوصيات.

21. في 13 يناير 1986، تفجرت الأزمة داخل الحزب الاشتراكي في عدن، في شكل حرب أهلية، وتصفيات حزبية دموية، ذهب ضحيتها ما لا يقل عن عشرة آلاف مواطن، وحصدت أكثر من قائد سياسي بارز، منهم عبدالفتاح إسماعيل، الذي كان قد عاد من روسيا عام 1985، ويخسر علي ناصر محمد السلطة، ويفر إلى الخارج. وينزح عدد كبير من السياسيين، والعسكريين، والمواطنين، إلى الشطر الشمالي، ويتولى الحكم مجموعة علي سالم البيض وأبو بكر العطاس، وسالم صالح محمد.

وقد أدى ذلك إلى تداعي المؤسسات الاقتصادية، وعانى اليمن الجنوبي أزمة اقتصادية خانقة نتيجة تقلص الدعم السوفيتي عقب سياسة البروسترويكا[3]، كما لم يكن الوفاق داخل الحزب الاشتراكي في أحسن حالاته، مما جعل الحزب يشعر بأهمية خيار الوحدة، لإنقاذ ما يمكن إنقاذه.

22. وفي عام 1988، كانت أزمة النظام في اليمن الشمالي، قد بلغت مداها،في الجوانب الاقتصادية والسياسية، داخلياً، وإقليمياً، وانتشر القتال بين القبائل في مناطق متعددة، ولم تستطع الدولة، بسبب هويتها القبلية أن تؤثر فيها، فقد أحصيت في البلاد، في تلك الفترة، خمس وعشرون منطقة اقتتال قبلي، وبدا للنظام في اليمن الشمالي، أن الفرصة باتت سانحة، مع تفاقم الحكم في الجنوب، التعجيل في فرض الوحدة.

23. لقاء تعز أبريل 1988:

عقد لقاء القمة بين الرئيسين، وأكدا في هذا اللقاء، على أهمية المشروعات الاستثمارية المشتركة للثروات الطبيعية، بين الطرفين، في محافظتي مأرب الشمالية، وشبوة الجنوبية، خاصة النفط، وأن تستكمل الخطوط العملية الخاصة بتنفيذه.

24. اتفاقية صنعاء 4 مايو 1988:

تلاحقت مؤشرات بداية عصر الوحدة، حيث اتفقت قيادتا الشطرين، ممثلة في الرئيس علي عبدالله صالح، وعلي سالم البيض، على متابعة الخطوات الوحدوية، وإبرام اتفاقية للتكامل الاقتصادي بين الشطرين، وسحب قوات الطرفين من مناطق الحدود. ووقع الرئيسان على اتفاقية صنعاء (انظر ملحق اتفاقية صنعاء لمتابعة الخطوات الوحدوية بين شطري اليمن 3 - 4 مايو 1988م.)

25. قيام الوحدة اليمنية:

أ. بعد أن أبرم الرئيسان علي عبدالله صالح، وعلي سالم البيض، اتفاقية صنعاء، في 4 مايو 1988، لإنشاء مشروعات استثمارية مشتركة للثروة النفطية، في محافظتي شبوة ومأرب، واتفقا على سحب قوات الطرفين، من مناطق الحدود بين البلدين، تفادياً لأي مواجهة عسكرية، بين الشطرين. تلاحقت مؤشرات الوحدة، عندما اعتمدت في عدن، في 28 يونيه 1988، عدة قرارات خاصة بإلغاء جميع القيود، على تنقل الأفراد بين الشطرين عبر الحدود، وإلغاء الرسوم والضرائب المتعلقة بحركة مرور السيارات، والبضائع( انظر ملحق اتفاقية عدن بشأن تسهيل تنقل المواطنين بين الدولتين 28 يونيه 1988م.)، الأمر الذي بعث الحياة في جسد "لجنة التنظيم السياسي الموحد"، المنبثقة عن اتفاق طرابلس، بين صنعاء وعدن في عام1972.

ب. وفي 30 نوفمبر 1989، بدأت مفاوضات الوحدة بين الشطرين. وطُرحت خيارات الفيدرالية، والكونفدرالية، أو توحيد الوزارات تدريجياً، وتقدمت لجنة التنظيم السياسي الموحد، بأربع صيغ توحيدية، هي:

(1) دمج الحزبين الحاكمين، في شطري البلاد، وهما الحزب الاشتراكي "الجنوبي"، والمؤتمر الشعبي العام الشمالي.

(2) السماح بقيام أحزاب أخرى، إلى جانب الحزبين المذكورين.

(3) حل الحزبين الرئيسيين، في شطري البلاد، وإعداد الأرضية لبروز قوى سياسية جديدة.

(4) تأسيس جبهة عريضة، تضم التيارات السّياسية.

واستمرت المشاورات، بين الحزبين الحاكمين في الشّطرين، حتى شهر مايو 1990، حيث توصلا، إلى إقامة حكومة واحدة، في يمنٍ وحد، إلى جانب السماح بقيام أحزاب أخرى، وهذا ما تحقق في 22 مايو 1990، بالتوقيع على إعلان قيام الوحدة الاندماجية بين الشطرين، حيث فاجأ علي سالم البيض، الأمين العام للحزب الاشتراكي، القيادات الأخرى في الحزب، بالموافقة على الوحدة الاندماجية، أثناء وجود الرئيس علي عبدالله صالح، في عدن، ووقعا عليها. وأُعلنت دولة الوحدة( انظر ملحق نص اتفاق إعلان الجمهورية اليمنية وتنظيم الفترة الانتقالية في دولة الوحدة.)، على الرغم من معارضة عناصر عديدة في الحزب الاشتراكي.

وحُددت فترة انتقالية مدتها حوالي 30 شهراً، للوصول إلى حكومة اتحادية اندماجية واحدة.



[1]  البروليتاريا: هي طبقة العمال في الفكر الشيوعي. ويرى أصحاب هذا النهج إعطاء طبقة العمال الدور الأكبر في الحياة السياسية.

[2]  منظمة المقاومة الثورية: هي جبهة يدعمها النظام الحاكم في اليمن الجنوبي.

[3]  البروسترويكا: هي سياسة الإصلاحات من خلال نقد الذات، ولقد طبقت للمرة الأولى في الاتحاد السوفيتي سابقاً، في نهاية الثمانينات، بواسطة الرئيس جورباتشوف، تحت اسم سياسة المصارحة ` المكاشفة