مقترحات البحث الأشكال والخرائط الصور المحتويات

مقاتل من الصحراء

قراءة في فكرِ صدّام (تابع)

         إذا أردنا أن نفهم الدوافع وراء غزو صدّام الكويت. فلا بد من الانطلاق من نقطة أساسية، هي أن العراق كان معارضاً دائماً لقبول الكويت دولة مستقلة واحترام سيادتها. كما نعرف أن صداماً، شأنه شأن كثير من العراقيين، يعتقد بأن للعراق حقوقاً تاريخية في الكويت ترتكز إلى أنها كانت جزءاً من ولاية البصرة أثناء الحكم العثماني. ولا يتسع المقام، هنا، للبحث في حقيقة هذا الادعاء، وحسبنا أن نقول إن ثمة خبراء محايدين عكفوا على دراسة هذه القضية، وتوصلوا إلى نتيجة مفادها أن الادعاءات العراقية لا أساس لها من الصحة .

         بيد أن صدّاماً خانته الذاكرة أو تناسى، وهو يعيد إحياء ادعاءاته عام 1990، أن زميله السابق اللواء أحمد حسن البكر، رئيس الوزراء البعثي الذي أصبح بعد ذلك رئيس الجمهورية العراقية، تخلّى في أكتوبر عام 1963 عن ادعاء العراق ملكية الكويت واعترف باستقلالها وسيادتها ووافق على عضويتها في الجامعة العربية والأمم المتحدة. ولا يخفَى على أحدٍ أن مبدأ المطالبة بالأراضي، بناءً على ما كان سائداً أيام الحكم العثماني، مبدأ لا يمكن الأخذ به من الناحية الواقعية في الوقت الحاضر. فلو كان الأمر كذلك، فما الذي يمنع تركيا مثلاً من المطالبة بأجزاء واسعة من العالم العربي، تلك الأجزاء التي كانت خاضعة للسلاطين العثمانيين على مدى قرون من الزمن؟

         والسبب الآخر الذي يكمن وراء عداء صدّام للكويت، هو ضيق منفذ العراق إلى الخليج. فالحدود العراقية-الكويتية التي رسمها البريطانيون في العشرينات، لم تعطِ العراق من الساحل سوى شريط قصير لا يتجاوز طوله خمسين كيلومتراً، بينما نالت الكويت شريطاً ساحلياً يبلغ طوله أربعة أمثال ما حصل عليه العراق. إضافة إلى ذلك، ثمة جزيرتان كويتيتان هما وربة وبوبيان تسدّان على العراق طريقه إلى الخليج من ميناء أم قصر العراقي. وظلت الحاجة إلى ضمان منفذ أكثر أمناً، والسيطرة على هاتين الجزيرتين، همّاً شاغلاً لمختلف أنظمة الحكم التي تعاقبت على العراق.

         لكنّ هذا الإجحاف من وجهة نظر العراق مهْما اعتقد بعض الناس بصحته، لا يبرر في أي حال من الأحوال، غزو صدّام الكويت. فلجوء صدّام إلى القوة قضى على كل تعاطف مع قضيته، مهْما كان ضئيلاً.

         ومن ادعاءات صدّام أنه لم يحصل على المكافأة التي يستحقها نظير تصديه لآية الله الخميني! إذ قال إن العراقيين قد بذلوا دماءهم طوال ثمانية أعوام من الحرب على إيران، للدفاع عن البوابة الشرقية للعالم العربي. وإن هذه الدماء التي بذلت، تجعل العراق مستحقاً للمكافأة السياسية والإستراتيجية والمالية من الدول العربية المجاورة. ويزعم صدّام أن العراق لم يكن في حربه على إيران يدافع عن أمنه فحسب، بل كان يدافع عن أمن دول الخليج بصفة عامة. ونسي صدّام في زعمه هذا، أنه هو الذي مزّق بتهوره اتفاقية الجزائر التي وقعها مع الشاه عام 1975، وشن هجومه على إيران، فَجَرَّ بذلك المنطقة كلها إلى أتون حرب دامت نحو عقدٍ من الزمان. وهي حربٌ عرّضت دول الخليج لخطر داهم، بينما يَعُد صدّام تأييدها له ودعمها المالي لاقتصاده من المسلّمات، وأن لا فضل لها فيه ولا منَّة.

         وعلى الرغم من ذلك كله، فما أن وضعت الحرب أوزارها، حتى طالب صدّام بالمزيد. أراد من جيرانه العرب الاعتراف بصدارة العراق في الخليج، وأن يحصل على منفذ أكبر إلى الخليج لنشر أسطوله البحري من أجل الدفاع عن الأمن العربي كله، على حد زعمه. كما أراد إعفاءه من الديون التي تراكمت عليه جرّاء الحرب، إضافة إلى منحه قروضاً جديدة. ولم يقف صدّام عند ذلك الحد، بل أخذ يلوّح بمطامع أخرى تتجاوز حدود الخليج. كان يطمح أن يصبح الناطق الأول باسم العرب لدى أمريكا، أي أن يكون الرجل الذي تستطيع واشنطن أن تسوي معه مشاكل المنطقة، بما فيها المشكلة الفلسطينية. وبعبارة أخرى، كان يطمح للهيمنة على المنطقة بكاملها والتفوق على الرئيس جمال عبد الناصر الذي كان يتمتع بشعبية كبيرة، قائداً وبطلاً عربياً.

         لكن هذه الطموحات والمطالب الصَّدَّامية، لم تكن واقعية ولا مقبولة؛ لأنها تنتهك مصالح الآخرين. وازداد الرفض الخليجي لها حدّة، حين تعنَّت صدّام في الإصرار على المطالبة بها مشفوعة بالتهديدات. ولا ننكر أن العالم شعر بشيء من الارتياح إلى مساعدته العراق على احتواء إيران، ولكنه لم يشعر بالرضا عندما بدأ صدّام يفصح عن مطامعه. وكلما زاد صدّام من حدة ضغوطه وتهديداته وإثارته للقلاقل، تراجع جيرانه أكثر فأكثر عن مجاراة رغباته. ومجمل القول إن صداماً، بأساليبه الوحشية غير المقبولة، خسر التأييد لقضيته، التي لم تكن تستند، على كل حال، إلى أسس قوية.

         لم يسافر صدّام كثيراً خارج بلاده، ولم يكتسب بصيرة نافذة يعي من خلالها كيف تُعالج الأمور في العالم من طريق المعاملات الشخصية مع رؤساء الدول الأجنبية. فقد حكم العراق في جو من العنف والدسائس. وكما أسلفت، لم يكن أحد ممن يحيطون به يجرؤ على تقديم المشورة الصادقة إليه. ( لعل موت شقيق زوجته عدنان خير الله وزير الدفاع في حادث تحطم طائرة عمودية عام 1988، حَرَمَه من الرجل الوحيد الذي كانت لديه الجرأة على تقديم المشورة الخالصة إليه ).

         أدى تصاعد القلق في الغرب عامة ودول الخليج خاصة إزاء مواقف صدّام في السنة التي سبقت غزو الكويت إلى حدّة إحساسه بأنه ظُلِم. ولعله شعر في قرارة نفسه أنه عوقب بدلاً من أن يكافأ، كما كـان يتوقع، وأن العالم بات يحاصره من كل الجهات. فضلاً عن خشيته أن تتعرض بلاده لهجوم عسكري إسرائيلي. ويُعزى تفاقم إحساسه بالظلم إلى ديون الحرب التي أثقلت كاهله، والهجوم الذي كان يتعرض له من وسائل الإعلام الغربية، ومعارضة الدول والشركات تزويده بالأسلحة والتقنية المتقدمة أو منحه قروضاً، كما كان يحدث في السابق. وأرجِّح أن تلك كانت صورة العالم التي رآها صدّام في فترة من عامي 1989 - 1990.

         ويبدو أن صداماً لم يستوعب حقيقة أساسية مؤداها أن مشاعر العداء، التي ظهرت ضده كانت نتيجة طبيعية لتصريحاته ومواقفه. فقد لاحظت، كما لاحظ الكثيرون، تغيراً ملحوظاً في تصرّفات صدّام ومواقفه خلال مؤتمر القمة العربية، الذي عقد في بغداد في نهاية شهر مايو عام 1990. تابعت أحداث المؤتمر على شاشة التليفزيون، وفي الجلسة الافتتاحية بدا واضحاً أن صداماً يتصرّف وكأنه السيد، ويخاطب الزعماء العرب وكأنهم مرءوسون له! كان متعالياً شاعراً بالتفوق، وكان واضحاً أنه لا يعدّ الملوك والرؤساء المجتمعين أنداداً له. قفزت إلى ذهني صورته حين زار جدة بعد استيلاء الإيرانيين على شبه جزيرة الفاو، في الطرف الجنوبي من العراق في شهر فبراير عام 1986، وهي خطوة إستراتيجية كانت تنذر باحتلال البصرة بدا صدّام في ذلك اليوم، وهو يسير إلى جانب الملك فهد، مطأطئ الرأس، مقوس الكتفين، كسير النفس. جاء يلتمس المزيد من المساعدات.

         لكن مظهره المتغطرس في مؤتمر عام 1990 نمَّ على حقيقة شعوره. كان مفعماً بالحقد والخيلاء والتصميم على الانتقام، ويعاني إحساساً عميقاً بالظلم. ويُعدّ عدته، بلا شك، كي يأخذ بالقوة ما يعدّه حقاً من حقوقه المشروعة. ومع أنه لم يكن في استطاعة أحد التنبؤ بما قد يُقْدِم عليه في المستقبل، إلاّ أن سلوكه وتصرفاته في ذلك المؤتمر كانا مدعاة للحذر والقلق، حتى أصبحا محور حديثنا. وقد سببت لنا بالفعل كثيراً من القلق آنذاك. وفي المملكة بدأت مخاوفنا وشكوكنا في نوايا صدّام تتبلور منذ انعقاد تلك القمة.

         حدثت، وقبل ذلك كله، أمور أخرى تدعو إلى القلق. منها، على سبيل المثال، الإعلان عن تشكيل مجلس التعاون العربي الذي ضمّ كلاًّ من العراق والأردن ومصرواليمن الشمالي، كما كان يُطلق عليه آنذاك، في عام 1989. وبدا لنا، كما قلت من قبل، أن مجلس التعاون العربي لم يكن سوى رد إستراتيجي على مجلس التعاون لدول الخليج العربية الذي شكلته المملكة بالاشتراك مع جاراتها دول الخليج الخمس في بداية الحرب العراقية-الإيرانية، كإجراء للدفاع عن النفس، واستُبعد العراق من الاشتراك فيه.

         وقد تأسَّس مجلس التعاون العربي دون أن يستشار الملك فهد في شأنه، أو حتى يُخطر به! وقبل الإعلان عن تشكيل المجلس بيوم واحد، زار الملك حسين الملك فهداً في الظهران، ولم يذكر شيئا عن الموضوع قبل مواصلة سفره إلى بغداد. وإن كان المجلس قد أُعطي، في بادئ الأمر، صبغة تجمعٍ اقتصادي، إلاّ أننا نعتقد أن ثمة دوافع أخرى كانت وراءه. فنظرة عابرة إلى الخريطة تبيِّن لِمَ بدا لنا ذلك المجلس وكأنه عملية تطويق للمملكة. ولكن، على كلٍّ، كان وجود مصر بين دول المجلس يُشعرنا بالطمأنينة؛ لأننا واثقون أن مصر لن تخطو خطوة من شأنها إلحاق الضرر بمصالحنا. ومع أن اليمن لم يكن في خطته أن يكون عضواً في هذا المجلس، في بادئ الأمر، إلاّ أن الملك حسيناً، كما علمنا بعد ذلك، قام بدور أساسي في إقناعه بالانضمام إليه. وعلى الرغم من كل الشكوك التي ساورتنا آنذاك، فإننا لم نوجِّه أي انتقاد إلى تشكيل المجلس.

          إلاّ أن قَلَقَنا إزاء مجلس التعاون العربي، ما لبث أن تعاظم عندما علمنا أن العراق يضغط لإعطاء المجلس بُعداً عسكرياً، يجعله يبدو كأنه تطويق معاد للمملكة. وفي اجتماع قادة مجلس التعاون العربي في عَمّان في شهر فبراير من عام 1990 للاحتفال بالذكرى الأولى لهذا التجمع، انتقد صدّام كلاًّ من الولايات المتحدة وإسرائيل انتقاداً عنيفاً. وأذكر أنه طالب بصفة خاصة بانسحاب البحرية الأمريكية من الخليج، مع أن تلك السفن الأمريكية كان لها دور حاسم لمصلحته في المراحل الأخيرة من حربه على إيران. ( كان للتدمير الذي ألحقته السفن الحربية الأمريكية بمنصتي نفط وببارجة إيرانية وزورق صواريخ في شهر أبريل عام 1988 أثر كبير، بلا ريب، في اتخاذ إيران قراراً بقبول وقف إطلاق النار في شهر يوليه من تلك السنة ). وفي تقديري أن خطاب صدّام ذاك كان فارغاً وغير مقنع وأدى إلى نتائج سياسية سلبية؛ إذ أثار الرأي العام في الغرب ضد العرب.

         كما أشرت سابقاً، ازدادت مخاوفنا نتيجة سلوك صدّام في مؤتمر القمة العربي، الذي عقد في بغداد في شهر مايو عام 1990 . ومن الواضح أنه أراد أن تكون تلك القمة تأكيداً لسيادته الإقليمية. وهي القمة التي رأى، عدوه القديم، الرئيس السوري حافظ الأسد أن من الحكمة أن يبقى بعيداً عنها. ومع أن السبب الرئيسي لانعقاد مؤتمر القمة ذاك هو الاحتجاج على الهجرة الجماعية لليهود السوفيت إلى إسرائيل، إلاّ أن ثمة موضوعات مختلفة تماماً ظهرت أثناء المؤتمر، وعُدَّت بمثابة مؤشرات، كما تبين فيما بعد، تنبئ بما سيحدث مستقبلاً.

         من تلك المؤشرات التي ظهرت أثناء المؤتمر، التهمة التي وجَّهها صدّام إلى بعض الدول العربية. اتهم الكويت والإمارات العربية المتحدة صراحة، بأنهما تشنان حرباً اقتصادية على العراق بزيادة إنتاجهما النفطي، مما يؤدي إلى خفض أسعار النفط. وواصل اتهامه قائلاً: "إن العراق خسر مليارات الدولارات نتيجة لذلك". وهذا أول دليل على أن صداماً كان يعاني أزمة اقتصادية حادة. ففي النصف الأول من عام 1990، هبط سعر برميل النفط بنسبة 30%، أي من 21 دولاراً في شهر يناير إلى 14 دولاراً فقط في نهاية الفترة. وكان صدّام في أمسّ الحاجة إلى عائدات النفط ليعيد بناء اقتصاده الذي أرهقته الحرب، كما كان عاجزاً، في الوقت نفسه، عن الحصول على قروض جديدة من الهيئات الدولية، إذ بلغت ديونه المتراكمة 70 ملياراً من الدولارات. ولعله، بسبب هذه الضغوط الاقتصادية، رأى في انهيار أسعار النفط مؤامرة حيكت ضده!

         في ربيع عام 1990، أيقن صدّام أنه على حافة الإفلاس. ويعتقد المراقبون أن زيارة رئيس الوزراء اليوغوسلافي إلى بغداد كانت العامل الحاسم في زيادة هذا الإحساس وتعميقه، أو كما يقول المثل كانت بمثابة القشة التي قصمت ظهر البعير. فعندما كان طه ياسين رمضان، نائب الرئيس العراقي، في رفقته وهو في طريقه إلى المطار، طلب منه قروضاً مالية جديدة، إلاّ أن رئيس الوزراء اليوغوسلافي لم يبدِ استعداداً لإجابة الطلب. وزاد الأمر سوءاً حين أدلى بتصريح لوكالة الأنباء اليوغوسلافية تانيوج tanjug، عند وصوله إلى بلاده، ذكر فيه أنه أخبر العراقيين بأن يوغوسلافيا قدمت كل ما تستطيع لمساعدتهم أثناء حربهم على إيران، وأنها الآن في حاجة إلى استيفاء ديونها. ويبدو أن تلك النكسة ركزت انتباه صدّام على الأزمة المالية الخانقة التي كان يعانيها العراق، لا سيما أنه عجز عن الحصول على القروض المتوسطة الأجل التي سعى إليها لدى الأوروبيين أو اليابانيين أو بنك الاستيراد والتصدير الأمريكي. كان يفتقر إلى المال اللازم لتنفيذ عدد من المشاريع الملحّة حين بدأ الدائنون يلحُّون في المطالبة بديونهم. ولإنقاذ الموقف، أرسل صدّام رئيس وزرائه سعدون حماديّ إلى الكويت ليطلب مبلغ 10 مليارات من الدولارات فوراً. وحسب علمي، عرض الكويتيون عليه مبلغ 500 مليون دولار فقط، مما جعله يَعُد هذا العرض إهانة لا تغتفر.

         شكّل تضخم حجم الجيش العراقي، بسبب الحرب على إيران، هاجساً خطيراً آخر لصدام. فتسريح أعداد غفيرة من الجنود قد يؤدّي إلى اضطرابات اجتماعية خطيرة، كالتي حدثت قبل عام في العراق حين لقي مئات العمال المصريين هناك حتفهم على أيدي جنود عراقيين غاضبين، اعتقدوا أن المصريين استولوا على أعمالهم ووظائفهم. وفي مثل تلك الظروف، وجد صدّام أن في مصلحته إبقاء جنوده مشغولين في مغامرة خارجية أخرى.

         وفي مذكرة رسمية بعث بها صدّام إلى الجامعة العربية في منتصف شهر يوليه، أعاد تهديده الكويت ودولة الإمارات العربية المتحدة كما كرر تلك الاتهامات في خطاب ألقاه في 17 يوليه، وهو الخطاب الذي نبّهني إلى المسار الخطير الذي بدأت تسلكه الأحداث. كانت الكويت هي محور هجومه الأول، فاتهمها بإغراق السوق النفطية، وسرقة ما قيمته 2.4 مليارات من الدولارات من حقل الرميلة الشمالي، الذي يقع على الحدود العراقية- الكويتية. كما اتهمها بالتآمر مع الإمبريالية والصهيونية ضد المنجزات العلمية والتقنية العراقية. وصرح قائلاً: " بدلاً من مكافأة العراق فإنهم يغمدون خناجرهم المسمومة في ظهورنا". ولعل في هذه العبارة دليلاً قاطعاً على عمق إحساسه بالاضطهاد. كما قرعت كلماته تلك أجراس الإنذار في المملكة.

         تسببت تصريحات صدّام الحادة ضد جيرانه العرب، والتهديد الذي أطلقه في أبريل عام 1990 "بإحراق نصف إسرائيل" إن هي أقدمت على مهاجمة العراق أو أي بلد عربي آخر، بزيادة حدة التوتر في المنطقة. ( لكن بعد هذا التهديد العنيف، زار بغداد مسؤول عربي كبير أعرفه معرفة جيدة، فدُهش حين قال له صدّام " أرجو أن تنقل إلى الولايات المتحدة أن التصريح الذي صدر عَنّا هو للاستهلاك المحلي فقط. وليست لدينا النيّة أبداً لإلحاق الضرر بإسرائيل !". وكانت هذه الكلمات كافية لإثبات عدم ترابط أفكاره، وتناقض تصريحاته مع نواياه ). لكن العالم الخارجي أخذ تصريحات صدّام العنيفة مأخذ الجدّ. كما وجدت وسائل الإعلام سبباً قوياً لاتهامه بأنه رجل غير متزن وخطير. وانتهزت إسرائيل ومؤيدوها الفرصة لتأليب الرأي العام العالمي ضده. وربما يرى بعض الناس أن جزءاً من الحملة الدعائية التي شُنت على العراق كانت تتعمد استفزاز صدّام كي يقدِم على خطوة حمقاء تكون حجة للقضاء عليه. وإلى هذا الحدّ يمكن القول إنه ربما كانت هناك مؤامرة ضده. ولكن على الرغم من هذه الاستفزازات، كان لصدام الحرية الكاملة في اتخاذ أيّ إجراء يراه مناسباً. فهو نفسه الذي اتخذ الخطوة القاتلة وغزا الكويت. ومن هذا المنطلق يصعب القول إن صداماً وقع ضحية مؤامرة دُبرت ضده، كما يعتقد بعض الناس حتى اليوم. لم يكن صدّام ضحية أحد! بل ضحية أخطائه الشخصية وتهوره الحاد ومزاجه العنيف.

سابق بداية الصفحة تالي