مقترحات البحث الأشكال والخرائط الصور المحتويات

مقاتل من الصحراء

الحرب الجويّة وَصواريخ سكود (تابع)

          كانت صواريخ سكود هي السلاح الوحيد، في ترسانة صدّام التي سبّبت إزعاجاً كبيراً لقوات التحالف. وهي صواريخ باليستية أرض - أرض، سوفيتية الصنع، تُستخدَم أساساً ضد الأهداف المساحية (أهداف ذات مساحة واسعة). ومن المفارقات الغريبة لتلك الحرب، أن أسلحة التحالف السحرية ذات التقنية المتقدمِّة، لم تفلِح في التصدي لذلك السلاح ذي التقنية العتيقة.

          يبلغ مدى صواريخ سكود الأساسية 300 كيلومتر تقريباً، غير أن المهندسين العسكريين العراقيين أدخلوا تعديلات عليها، إبَّان الحرب العراقية - الإيرانية. فأنتجوا منها نوعين محلِّيين أبعد مدى، هما الحسين والعباس، بلغ مداهما 600 و 860 كيلومتراً على التوالي. وتمكَّن المهندسون من زيادة المدى، بزيادة وزن الوقود الصاروخي وتقليل وزن الرأس الحربي، مما خَفّض من فعاليته، وقَلّل من دقته. إذ بلغ "الخطأ المحتَمَل في المسافة" (منطقة الانتشار) 3000 متر. لذا، فإن هذه الصواريخ لم تكن من الناحية الفعلية سوى أسلحة إرهابية، تُستخدَم ضد المراكز السكانية أكثر من استخدامها ضد الأهداف العسكرية.

          أطلق صدّام نحو 200 صاروخ، من نوع الحسين، على المدن الإيرانية أثناء الحرب العراقية - الإيرانية. وتسبب هذا القصف بهجرة أعداد كبيرة من سكان طهران إلى الريف. وأطلقت إيران، بدورها، صواريخ سكود على بغداد ولكن أعدادها كانت أقل، وكذلك مداها. وكان العالم العربي يراقب "حرب المدن" تلك، التي جرت في المرحلة الأخيرة من الحرب العراقية - الإيرانية، بقدْر كبير من الخوف والقلق. وكنت أتساءل: كيف سيكون رد فعل سكاننا، الذين لم يمرّوا بتجربة حرب قط، تجاه هجمات عشوائية مماثِلة بالصواريخ؟

          زرت، عام 1967، مصنع ريثيون في الولايات المتحدة، حيث كانت صواريخ sam-d، وهي الأنموذج الأول لصواريخ باتريوت، قيد التصنيع والتطوير للتعامل مع الطائرات التي تحلِّق على ارتفاعات متوسطة وعالية، وللتصدي للصواريخ الباليستية، مثل سكود. وبعد أكثر من عشر سنوات، وأثناء الحرب العراقية - الإيرانية، اتصلنا بشركة ريثيونس مرة ثانية لكي نعرف المزيد عن تطوير نظام باتريوت. ولكن المملكة لم تُزوَّد بهذا النظام إلاّ عندما أَقدم صدّام على غزو الكويت إذ سارعت الولايات المتحدة إلى إرسال بطاريات باتريوت إلى المملكة في الفترة ما بين شهر أغسطس و شهر ديسمبر عام 1990 بهدف حماية منشآتنا الحيوية، مثل مصافي البترول والمطارات والموانئ ومراكز القيادة.

          لم أكن شديد القلق في شأن صواريخ سكود، إذ كنت أعرف أنها لا تسبب خسائر مادية كبيرة، لعدم دقتها، ولأن رؤوسها تحمل مواد متفجرة خفيفة الوزن. كما كنت أُدرك أن صداماً لن يجرؤ على استخدام هذه الصواريخ برؤوس حربية كيماوية أو بيولوجية، خشية أن يُعَرِّض نفسه لانتقام لا قِبَلَ له به. فاستخدام الأسلحة الكيماوية ضد الأكراد العزَّل شيء، واستخدامها ضد القوات الأمريكية شيء آخر مختلف تماماً.

          كان ما يشغلني، حقيقة، هو احتمال أن يسعى صدّام عندما تبدأ الحرب، إلى استخدام صواريخ سكود ضد إسرائيل ( وهو سلاحه الوحيد الذي يمكِنه اختراق الدفاعات الجوية الإسرائيلية ). ويكون هدفه من ذلك تحويل الأنظار عن عدوانه على جارته العربية إلى حرب عربية - إسرائيلية شاملة. ولَمَّا كانت هذه الإستراتيجية واضحة ومحتَمَلة، فقد أَوْلَيْناها قدراً كبيراً من الاهتمام والدراسة. وكان علينا أن نُعِدّ أنفسنا لمواجَهة أسوأ الاحتمالات. ومن جانب المملكة، تم اتخاذ قرار بأَلاَّ ندَع أياً من أفعال صدّام يثنينا عن عزمنا على تحرير الكويت فتحرير الكويت كان هدفنا الأساسي من الحرب. فإذا حاول صدّام تشتيت الانتباه بمهاجمة إسرائيل فإننّا سنمضي في حملتنا كما خُطِّط لها، إذ الحرب ليست جهازاً يُفْتح ويُغْلق حسب أهوائنا، فإذا بَدَأْتَ فلا خيار أمامك إلاّ أن تستمر فيها حتى نهايتها، لأنك إن توقفتَ عَرَّضتَ نفسك لهلاك محقَّق.

          أطلق العراق في الساعات الأولى من يوم يناير 1999، وهو اليوم الثاني للحرب، سبعة صواريخ سكود على تل أبيب وحيفا، جُرح جراءها سبعة أشخاص جروحاً طفيفة. وفي اليوم التالي، سقطت أربعة صواريخ سكود أخرى، أُطلِقت من غربي العراق على تل أبيب أو بالقرب منها. ثم جاء، بعد ذلك، دور المملكة، فأُطلِق 20 صاروخ سكود على الرياض والظهران، من جنوبي العراق في الأيام 20، 21، 22، 23 من يناير. كما تلت ذلك هجمات عراقية على كل من المملكة وإسرائيل، ولكن حدَّة تلك الهجمات أخذت تنحَسِر تدريجيّاً، وكان آخر الهجمات يوم 26 فبراير. وبلغ إجمالي صواريخ سكود التي أطلقها العراق أثناء الحرب 88 صاروخاً، منها 42 على إسرائيل و 43 على المملكة وثلاثة على البحرين.

          وعلى الرغم من أن هجمات سكود كانت أمراً متوقعاً، إلاّ أن تأثيرها النفسي لم يكن في الحسبان. فصواريخ سكود سلاح قديم، ظهر للمرة الأولى في الشرق الأوسط عام 1973، حين زَوّد السوفيت مصر بها قبل بداية حرب أكتوبر 1973. وعلى كل حال، لم يكن لهذا السلاح دور في تلك الحرب، سوى أنه ذُكِرَ في هامش التاريخ العسكري. ففي اللحظة التي أعلن فيها الرئيس السادات وقف إطلاق النار، كانت ثلاثة من صواريخ سكود مُعَدّة للإطلاق، ولم يكن في المستطاع وقف عملية إطلاقها. سقطت الصواريخ الثلاثة على المواقع الإسرائيلية في منطقة الدفرسوار، غرب قناة السويس، بعد خمس دقائق من بدء سريان وقف إطلاق النار.

          شَنّت إسرائيل عبر تاريخها العدواني غارات عدة بالقنابل والقذائف على عدد كبير من المدن والقرى العربية في مصر وسوريا والأردن ولبنان، وكذلك في تونس والعراق وما تبقَّى من فلسطين. وباستثناء بعض صواريخ كاتيوشا التي كانت تُطلَق على المستوطنات الحدودية الإسرائيلية، لم تتعرض مراكز إسرائيل السكانية لأي هجوم من قَبْل. وأظهرت هجمات سكود العراقية أن إسرائيل لا تمتلك دفاعات فعالة ضد الصواريخ الباليستية. إذ هُرِع سكانها إلى المخابئ المعزولة خوفاً من أن تكون تلك الصواريخ مسلحة برؤوس كيماوية (غازات سامة). كان قادة إسرائيل العسكريون يتحرَّقون رغبة في الانتقام من العراق لإطلاق صواريخهم، ولكن الضغط الأمريكي مَنَعَهم من ذلك.

          مارست إسرائيل ضغطاً كبيراً على واشنطن كي توقف خطر صواريخ سكود، مما دفع واشنطن بدورها إلى الضغط على شوارتزكوف وهورنر لاتخاذ التدابير اللازمة. وهكذا، بدأ تحويل جزء من الطلعات الجوية، نحو 25 - 30% من إجمالي الطلعات، لاصطياد صواريخ سكود في غربي العراق مما أرْبك خطط هورنر للحملة الجوية الإستراتيجية. وكانت عملية اصطياد صواريخ سكود أقلّ العمليات نجاحاً، وأكثرها إحباطاً.

          وأصبحت بذلك مجموعة من الصواريخ البدائية، التي لم تكن تهديداً بقدْر ما كانت إزعاجاً، مثار أزمة سياسية وعسكرية، وسبباً لكثير من التوتر بين واشنطن والقادة العسكريين الأمريكيين في الميدان. فحتى ذلك الحين، وخلافاً لما حدث في حرب فيتنام تبنَّى القادة السياسيون الأمريكيون سياسة "عدم التدخل" في مجريات الحرب، تاركين للقادة العسكريين مهمة اتخاذ القرارات العملياتية وتنفيذها. لكن واشنطن بدأت تُصِرّ على إعطاء عملية اصطياد صواريخ سكود الأولوية القصوى، متخطية تقديرات هورنر، الذي لم يرَ في هذه الصواريخ سوى أنها "مصدر إزعاج" فقط.

          كنت، بدوري، أرغب في أن يُعطي التحالف الأولوية للتعامل مع صواريخ سكود العراقية، ليس بسبب آثارها العسكرية، بل لتأثيرها السلبي المحتمل في الروح المعنوية للمواطنين. ولكن تصميم واشنطن على تخصيص القدْر الأكبر من الحملة الجوية لاصطياد صواريخ سكود كان لسبب آخر. فلم أكن الوحيد الذي يشك في أن موقف واشنطن لم يكن سوى رد فعل لتهديدات إسرائيل باستخدام سلاحها النووي ضد العراق إذا لم تُوقَف الهجمات الصاروخية عليها.

          ومن هنا، كانت صواريخ سكود، في رأيي، هي السبب الذي دفع إسرائيل إلى التحدث صراحةً عن قنبلتها النووية، وإخراجها من القمقم واستخدامها أداة للضغط على حليفها القوي. كما فعلت إسرائيل ذلك من قبل، عندما اجتاح المصريون والسوريون دفاعاتها منذ 20 عاماً في بداية حرب أكتوبر 1973. ويتبيَّن بجلاء، أن الأسلحة النووية تصلح أداة للضغط على الأصدقاء قدْر صلاحِها أداة لإرهاب الأعداء.

          وقبل بدء عملية عاصفة الصحراء، كانت المملكة والولايات المتحدة الأمريكية قد بذلتا جهوداً كبيرة في اتخاذ التدابير المكثّفة للدفاع عن المملكة. فتم نشْر 21 بطارية باتريوت، تتكون مما لا يقلّ عن 132 قاعدة إطلاق في المواقع الحيوية. وكان أول اختبار فعلي لنظام باتريوت في الليالي الأربع (المتتالية من 20 حتى 23 يناير)، حين أُطلق 20 صاروخاً في اتجاهنا، كما سبق أن ذكرت.

          ولا غرابة في أن تلك الهجمات حركت فينا دوافع الرّد، فوضعْنا قوة صواريخنا الإستراتيجية في وضع الاستعداد وتم توجيهها نحو المواقع العراقية الرئيسية. وكان نائبي العميد الركن إبراهيم دخيل العتيبي مكلفاً بقيادة تلك القوة، في هذه الفترة، وهو يتميز بالانضباط العالي والتفاني في العمل. فكانت تلك هي اللحظة المناسبة لاستخدام صواريخنا الإستراتيجية أرض - أرض، الصينية الصنع. كنّا نشعر بضرورة الرد بقوة، دفاعاً عن النفس، وردعاً لصدّام عن تنفيذ أية هجمات أخرى بصواريخ سكود. وهكذا، أصدرت أوامري بتجميع عناصر الصواريخ المختلفة في المواقع المناسبة، وتنفيذ جميع مراحل التجهيز للإطلاق، عدا ملء الصاروخ بالوقود السائل. فهذا الوقود لا يُضخ إلاّ في المرحلة الأخيرة، إذ لا يمكن بعد ضخِّه إيقاف عملية الإطلاق بسهولة. انتظرت من سمو الأمير سلطان أن ينقل لي أمر الملك بالإطلاق. ولكن بعد ساعات من الترقب، قرر الملك ألاّ يُصعِّد الصراع. وكان قراره حكيماً، إذ أصبح في وسعنا الاحتفاظ بالصواريخ في جعبتنا كآخر حلِّ نلجأ إليه. وتجلَّت حكمة الملك وتقديره للمسؤولية في هذا الأمر، إذ لم يشأ أن يسبب خسائر في الأرواح بين المواطنين العراقيين الأبرياء، ولا شك أنه اعتبر حملة التحالف الجوية، التي كانت قائمة على قدم وساق، رداً كافياً ضد العراق.

          ولا أدَّعي أن السعوديين كانوا يتعاملون مع هجمات سكود بهدوء مثالي، ولكني سُررت عندما لاحظت أن دوافع الفضول لديهم تغلَّبَت على غريزة الخوف بعد الهجمات القليلة الأولى. إذ أخذ كثير من المواطنين السعوديين والمقيمين يستمتعون بمشاهدة مباريات الصواريخ بين باتريوت وسكود. وكان فندق "حياة ريجينسي"، المقابل لمبنى وزارة الدفاع، هو مقر مراسلي وسائل الإعلام العالمية أثناء الأزمة. وفوق سطحه، أمضى عدد كبير من المراسلين والمصوّرين الليل، حيث كان في وسعهم رؤية المطار القديم بوضوح، وهو المكان الذي كانت تنطلق منه صواريخ باتريوت. وقد قيل لي إنه في المرة الأولى التي انطلقت فيها صفارات الإنذار، أسرع المراسلون إلى ارتداء الملابس الواقية، وهرِعُوا يتدافعون إلى الطابق الأسفل من المبنى. إذ لم يكن أحد يعرف هل كانت صواريخ سكود تحمل رؤوساً شديدة الانفجار أم رؤوساً كيماوية أم بيولوجية أم حتى رؤوساً نووية ؟ ولكن ما أسرع ما عاد الجميع إلى السطح ليراقبوا المباراة الصاخبة المتعددة الألوان بين صواريخ باتريوت وسكود، بعد ظهور حقيقة صواريخ سكود، وأنها لم تكن تحمل سوى رؤوس متفجرة ضعيفة التأثير.

          صُمّم صاروخ باتريوت، في بداية إنتاجه، ليكون نظاماً مضادّاً للطائرات. ثم أُضيف إليه ، بعد ذلك، قُدرة اعتراض الصواريخ الباليستية، وكان جاهزاً للاختبار في الوقت الذي أقدم فيه صدّام على غزو الكويت وفي ذلك الوقت، لم يكن لدى الولايات المتحدة سوى عدد قليل من صواريخ باتريوت pac-2 أُنتجت لغرض الاختبار. ولكن شركة ريثيون انكبَّت على إنتاج الصاروخ على مدار الساعة في الفترة ما بين غزو الكويت وبدء الحرب.

          وعلى الرغم من أن نظام باتريوت كان سلاحاً جديداً، ويعاني عدداً غير قليل من الصعوبات، إلاّ أن أداءه العام في المملكة يُعَدّ ناجحاً. كانت المشكلة غير المتوقَّعة التي واجهها النظام هي التعامل مع صواريخ "سكود" المعدَّلة، التي قام العراقيون بتعديلها لزيادة مداها. إذ كانت تلك الصواريخ التي تنقصها الدقة، تطير في مسارات غير منتظمة ( لم تتوقعها أجهزة الحاسب لنظام باتريوت )، وتتفكك أحياناً في الجو مما يجعل اعتراضها أمراً صعباً. وكان سقوط الحطام من هذه الصواريخ، يخدع صواريخ باتريوت التي تنطلق آلياً نحو أجزاء الحطام وتصطدم بها. وبلغ عدد صواريخ باتريوت التي أُطلِقت في الليلة الأولى في مدينة الرياض 33 صاروخاً. ومن المفارقات، أن صواريخ باتريوت كان يمكِنها التعامل بدقة مع صواريخ سكود الأصلية، السوفيتية الصنع، أفضل من تعاملها مع صواريخ سكود المعدَّلة. وحدث أن أفلَتَ أحد هذه الصواريخ، أو جزء من حطامه، من وابل صواريخ باتريوت وسقط فوق مدرسة تبعد بضع مئات من الأمتار عن فندق شيراتون بالرياض ، وهي المدرسة التي يدرس فيها ابني. ولحسن الحظ، أن الهجوم وقع ليلاً، ولم يسفر عن خسائر في الأرواح.

          بانتهاء الحرب، جرت مناقشات عدة لتقييم أداء صواريخ باتريوت، وتحديد نسبة نجاحها في اعتراض صواريخ "سكود". فلم يكن أداء نظام باتريوت في إسرائيل مُرْضياً، إذ ظهر دان شمرون رئيس الأركان الإسرائيلي ،على شاشة التليفزيون أثناء الحرب، وذهب إلى حد القول أن نجاح نظام باتريوت ليس سوى "أكذوبة". ويبدو لي أن هذا النظام لم ينجـح في إسرائيل ؛ لأن الإسرائيليين كانوا مصمِّمين على أن تكون لهم اليد العليا في استخدامه. كانوا يريدون توجيه البطاريات بأنفسهم، وتشغيل النظام يدوياً. وربما كان الأفضل لو تركوا النظام يعمل آلياً، تحت سيطرة أفراد الأطقم الأمريكية المدرَّبين الذين أرسلتهم واشنطن.

          وثمة سبب آخر لفشل نظام باتريوت في إسرائيل هو أن ذلك النظام لم يكن مصمَّماً لحماية المناطق السكانية الكبيرة (دفاع منطقة)، بل كان مصمَّماً للدفاع عن نقاط محددة (دفاع نقطة)، مثل القواعد الجوية والمنشآت البترولية ومراكز القيادة. وقد استخدمناه في المملكة على هذا الأساس. ولو كانت صواريخ سكود تلك تحمل رؤوساً كيماوية لشَكّلت مشكلة خطيرة لنا، إذ إن اعتراضها كان سيتسبب بانتشار الغازات السامة فوق مساحات شاسعة. وعلى كل حال، فإن إسقاط صاروخ سكود أو سقوط جزء منه فوق منطقة سكنية، ربما أوقع أضراراً بالغةً. ولكن الفريق هورنر أظهر ثقة بالغة بنظام باتريوت، عندما ترك أسراب طائرات الإنذار المبكر الثمينة في قاعدة الرياض الجوية، في مرمى صواريخ سكود العراقية، بينما كان من الممكن أن ينقلها جنوباً حيث تكون في أمان تام.

          إلاّ أن ثمة حادثة أليمة وقعت، والحرب تقترب من نهايتها، أظهرت بجلاء خطر صواريخ سكود. ففي يوم 25 فبراير، أصاب صاروخ عراقي ثكنة للجنود الأمريكيين في الظهران، فقُتل 28 فرداً، وجُرح مائة آخرون. وكانت تلك أكبر ضربة تمكَّن العراق من توجيهها إلى التحالف خلال الحرب كلها. كان القتلى 26 رجلاً وامرأتين يعملون ضمن وحدات احتياطية للإمداد والتموين، تم استدعاؤهم لإدارة وحدات تحلية المياه. ووصلوا إلى المملكة قبل ذلك بأسبوع واحد، وكان مقرراً أن يدخلوا العراق خلْف قوات التحالف لحفْر الآبار وتنقية المياه. ولمَّا كانت الشاحنات التي تحمل قوارير المياه كافية للإيفاء بحاجة قوات التحالف إلى المياه، فإنه لم تعد هناك حاجة إلى وحدات تنقية المياه. ومن المصادفات أن يكـون الضحايا الثماني والعشرون ، من مدن صغيرة في ولاية بنسلفانيا pennsylvania قرب مدينة تشارلروي charleroi، مسقط رأس الفريق باجونيس رئيس الإمداد والتموين للقوات الأمريكية.

          وعلى الرغم من ذلك الحدث الأليم، كان وجود نظام باتريوت في المملكة مبعث اطمئنان للمدنيين والعسكريين على السواء. فإضافة إلى قدْرته على إسقاط صواريخ سكود، كانت له آثار نفسية تُضارع آثاره العسكرية. كان سكود سلاح رعب وإرهاب وباتريوت سلاح أمن وطمأنينة.

سابق بداية الصفحة تالي