إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / العراق والكويت، الجذور ... الغزو ... التحرير / تطور الأوضاع السياسية، الدولية والإقليمية والعربية، في ضوء تصاعد الأزمة









مقدمة

المبحث الرابع

تطور الأوضاع السياسية، في ضوء تصاعد الأزمة، بدءاً من 21 أغسطس

أولاً: جهود دبلوماسية عربية

في 21 أغسطس، وجّه الرئيس حسني مبارك نداء إلى الرئيس العراقي، صدام حسين، ناشده فيه، أن يتخذ القرار بانسحاب القوات العراقية من أرض الكويت، لكي تعود الأوضاع إلى ما كانت عليه. وردّ الرئيس العراقي على هذا النداء، برسالة مفتوحة، وجّهها الرئيس حسني مبارك، وبثّها التليفزيون العراقي، مساء 23 أغسطس 1990، دعاه فيها إلى الوقوف معه (أُنظر وثيقة نداء من الرئيس حسني مبارك إلى الرئيس العراقي، صدام حسين يناشده الانسحاب من الكويت 21 أغسطس 1990) و(أُنظر وثيقة نص رسالة الرئيس صدام حسين المفتوحة رداً على نداء الرئيس حسني مبارك يوم الخميس، 23 أغسطس 1990).

وأجرى الملك حسين، يوم الخميس، 23 أغسطس 1990، محادثات، في صنعاء، مع الرئيس اليمني علي عبدالله صالح. وأذيع، رسمياً، أن العاهل الأردني والرئيس اليمني، "ناقشا التطورات الأخيرة في أزمة الخليج، وسُبُل حلها بالطرق السلمية، في إطار الأسْرة العربية، وبما يجنّب المنطقة خطر الانفجار العسكري، كذلك ". كما صرح مصدر أردني مسؤول، بأن الأردن، يرى "ضرورة اتخاذ خطوات سريعة، تعالج القضايا الأكثر خطراً، أولاً، ومن ثم، القضايا الأخرى، التي يمكن أن تتحمل الانتظار".

وفي 24 أغسطس 1990، استقبل الرئيس صدام حسين وزير خارجية الجزائر، سيد أحمد الغزالي، الذي أبلغه رسالة شفهية من الرئيس الجزائري، الشاذلي بن جديد. وقالت وكالة الأنباء العراقية، "إن الرئيس بن جديد، عبّر، في رسالته، عن تضامن الجزائر، شعباً وقيادة، مع العراق، في معركته الشريفة ضد العدوان الإمبريالي وحلفائه، هذه المعركة التي تجسد الطموح العربي، من أجْل العزة والرفعة. وعبّر السيد القائد، صدام حسين، عن تقدير العراق موقف الإخوة في الجزائر، شعباً وقيادة. وأكد أن التضامن الكفاحي، بين أقطار الأمّة العربية والجماهير العربية، كفيل بدحر كل المخططات الإمبريالية. وأن الشعب العربي، في كل جزء من الوطن العربي، قادر على تحمّل كل ما تتطلبه المواجَهة مع الإمبريالية، مهما كانت التضحيات. وأكد الرئيس القائد ثقته العميقة بانتصار الأمّة العربية وقواها الخيّرة، في هذه المعركة الشريفة".

كما استقبل الرئيس صدام حسين في اليوم عينه، وزير خارجية دولة فلسطين، فاروق قدومي، الذي أبلغه رسالة من رئيس دولته، ياسر عرفات. وقالت وكالة الأنباء العراقية، أنها "تضمنت تأكيد تضامن فلسطين، شعباً وقيادة، مع العراق، في مواجَهة العدوان الإمبريالي. وأكد السيد ياسر عرفات، في رسالته، أن المعركة العادلة، التي يخوضها العراق ضد أعداء الأمّة، تجسد تطلع العرب إلى عهد العزة والرفعة. كما أكد أن التصدي للعدوان الإمبريالي، لا ينفصل عن النضال من أجْل القضية الفلسطينية، وتحرير فلسطين والقدس الشريف من الاحتلال الصهيوني. وعبّر السيد الرئيس القائد، صدام حسين، عن تقديره لموقف فلسطين، شعباً وقيادة، داخل الأرض المحتلة وخارجها، من المعركة الشريفة، التي يخوضها العراق ضد العدوان الإمبريالي. وأكد الرئيس صدام حسين، أن التضامن بين الأقطار العربية والجماهير العربية، كفيل بهزيمة الإمبرياليين، ودحر مخططاتهم. وأن الأمّة العربية، في كل جزء من الوطن الكبير، قادرة على فرض المعركة القومية ضد الإمبريالية، بكل ما تتطلبه من مستلزمات ودعم وتضحيات. وأضاف أن هذه المعركة، لا تنفصل عن الكفاح من أجْل تحرير فلسطين والتي يقف فيها ضد الأمّة العربية، الإمبرياليون والصهاينة، في خندق واحد. وقد كشفت، في الوقت نفسه، تآمر المتآمرين على العراق وفلسطين وعلى الأمّة العربية. وأعرب القائد عن ثقته الأكيدة بانتصار الأمّة العربية وقواها الشريفة، في هذه المعركة العادلة".

ثانياً: التصعيد العسكري الأمريكي ـ البريطاني

وفي 23 أغسطس 1990، أعلن وزير الخارجية البريطاني، دوجلاس هيرد، في حديث إلى التليفزيون الأمريكي، أن بلاده، سوف ترسل المزيد من القوات إلى الخليج. كما أن وزير الدفاع توم كنج (Tom King)، أعلن أن بلاده، سوف ترسل سرباً من طائرات "تورنيدو"الهجومية، الجديدة، المعدَّة لمهام القصف بعيد المدى. وكانت كل طائرات "تورنيدو"البريطانية، في المنطقة، هي من النوع الدفاعي.

وكان من مظاهر التصعيد العسكري تعبئة ما يراوح بين 40 و65 ألف جندي احتياطي أمريكي، وإرسال أربع كاسحات ألغام إلى المنطقة، ووحدات أمريكية متميزة، ونشر طائرات F-117 "ستيلث"الأمريكية.

وفي 24 أغسطس 1990، رفعت القوات الأمريكية مستوى استعداداتها، شرقي المملكة، وزادت عمليات الاستطلاع شمالي الخليج.

ثالثاً: فرض الحظر على العراق

أصدر مجلس الأمن، القرار الرقم 665، في 25 أغسطس 1990، بالسماح لبعض الدول فرض الحظر بالقوة، حتى يلتزم العراق بتنفيذ القرار الخاص في هذا الشأن، الصادر في 6 أغسطس 1990. ووافق على القرار ثلاث عشرة دولة من أصل 15 دولة، أعضاء في مجلس الأمن، وامتنع اليمن وكوبا عن التصويت، وكانت الصين والاتحاد السوفيتي من الدول المؤيدة.

ويعلق "بوب ودوورد"على قرار مجلس الأمن، بقوله: "وفي يوم السبت، 25 أغسطس 1990، أصدر مجلس الأمن قراراً، يعطي أساطيل الولايات المتحدة الأمريكية وغيرها من البلدان، الحق في استخدام القوة في منع التجارة مع العراق. كانت هذه هي المرة الأولى، في 45 عاماً من حياة الأمم المتحدة، التي يرخص فيها لدول أعضاء فيها، وخارج مظلة قيادة الأمم المتحدة، بفرض الحصار الدولي. وكان هذا انتصاراً دبلوماسياً غير عادي للإدارة الأمريكية، بدّد قلق الرئيس جورج بوش في شأن قرار الأمم المتحدة".

وفي 24 أغسطس، أي قبْل يوم واحد من موافقة الاتحاد السوفيتي على القرار الرقم 665، الذي أباح استخدام ما يلزم من تدابير في تطبيق العقوبات الاقتصادية ضد العراق، أرسل جورباتشوف رسالة إلى صدام حسين، يحثّه فيها على انسحاب العراق الفوري من الكويت، والالتزام بالقرارات الدولية الصادرة عن الأمم المتحدة، وإلاّ اضطر الاتحاد السوفيتي إلى التصويت إلى جانب القرار. إلاّ أن العراق لم يبالِ بالدعوة السوفيتية، مما دفع موسكو إلى الموافقة على القرار الرقم 665، ولكن بعد تعديل فقرة في مشروع القرار، تتعلق باستخدام قوة عسكرية محدودة في أغراض تطبيق الحصار الاقتصادي، لتصبح: "اللجوء إلى الإجراءات المناسبة لكل ظرف من الظروف". وعلى الرغم من أن العبارة المضافة، لم تشِر، صراحة، إلى استخدام القوة العسكرية، إلاّ أنها في سياق تطورات الأزمة، عنت هذا الأمر، من طريق غير مباشر. ويعبّر هذا عن محاولة الاتحاد السوفيتي استخدام مشروع القرار، قبْل إقراره، في تحقيق تغيير كيفي في طبيعة الأزمة، عبْر تغيير الموقف العراقي نفسه. إلاّ أن تلك المحاولة لم تنجح، بسبب تمسك العراق بموقفه وأهدافه، مما أقنع السوفيت بالسير خطوة أخرى في عملية الحشد، السياسي والعسكري، في مواجَهة العراق، والتي كانت جارية على قدم وساق بقوة الدفع، الأمريكية والبريطانية. ومن ثم، كانت موافقة السوفيت على القرار الرقم 665.

ويمكن إرجاع الإصرار السوفيتي على عدم الإشارة الصريحة إلى استخدام القوة العسكرية، إلى عدد من الأسباب، أبرزها:

1.  إن توافد القوات، الغربية والأمريكية، إلى منطقة الخليج، قد أثار معارضة حادّة، داخل بعض المؤسسات السوفيتية، خاصة المؤسسة العسكرية، التي رأت أن الوجود العسكري المكثف، للغرب والولايات المتحدة الأمريكية، في منطقة الخليج، القريبة من الحدود الجنوبية للبلاد، من شأنه أن يعرض للخطر المصالح الأمنية المباشرة للاتحاد السوفيتي.

2.  إن الاتحاد السوفيتي، كان يرغب في تقرير مصير المسائل العسكرية، المتعلقة بالأزمة، من خلال الأمم المتحدة، وتحديداً، عبْر اللجنة العسكرية، التي تتكون من رؤساء أركان الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن.

3.  إن القيادة السوفيتية، ترغب في مواصلة منهج سلمي لحل الأزمة.

4.  إن اللغة السياسية الجديدة، التي يحرص عليها الرئيس جورباتشوف، ترفض استخدام القوة في حل المنازعات الدولية.

وإضافة إلى الأسباب السابقة، يمكن الإشارة، كذلك، إلى رغبة القيادة السوفيتية في إتاحة قدر من المناورة السياسية، يمكن استغلاله لاحقاً. ففي تلك الفترة المبكرة من الأزمة، وعلى الرغم من توافق الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة الأمريكية، على رفض الغزو العراقي، وما ترتب عليه من نتائج، إلاّ أن الاتحاد السوفيتي، حرص على إبراز تميّزه في معالجة الأزمة، الذي تجلى في المواقف التالية:

1.  التفسير الخاص للقرار الرقم 661، الذي فرض الحظر الاقتصادي على العراق. فبينما ذهبت الولايات المتحدة الأمريكية، ومعها بريطانيا، إلى حدّ استخدام القوة في فرض الحظر الاقتصادي، رأى الاتحاد السوفيتي أن الحظر الاقتصادي، يجب ألاّ يرتبط بإجراء عسكري، بل هو راجع إلى اقتناع الدول، بإرادتها الذاتية، بالامتناع عن الدخول في معاملات، تجارية أو مالية، مع العراق. واستشهد السوفيت بكافة السوابق الدولية، في هذا الصدد. كذلك، حدد السوفيت موقفهم من الحظر الاقتصادي، على أنه لا يتضمن أنشطة المستشارين العسكريين والخبراء المدنيين، والعلاقات القنصلية، وخطوط النقل، البرية والجوية. في الوقت الذي أصرت واشنطن على أن مفهومها للحظر، هو مفهوم شامل، يتضمن كل أنواع الاتصالات مع العراق. وأدى مثل هذه الخلافات إلى تأخير صدور القرار الرقم 665، عدة أيام.

2.  الموقف من استخدام القوة العسكرية، الذي آذن بالخلاف بين القوّتَين العظمَيَين، منذ الأيام الأولى لاندلاع الأزمة. فحين أرسلت الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وفرنسا، قوات إلى المنطقة، لحماية المملكة العربية السعودية؛ ومع بداية تكوّن حشد دولي غربي، في منطقة الخليج، وخليج عُمان، إلى جانب البحر الأبيض المتوسط والبحر الأحمر ـ حدد الاتحاد السوفيتي موقفه من إرسال قوة إلى المنطقة، على نحو مغاير للآمال الأمريكية، التي رحبت بمشاركة عسكرية سوفيتية، ولو محدودة. ورفض الموقف السوفيتي فكرة إرسال قوات عسكرية، إلاّ إذا صدر قرار، في شأن ذلك، عن مجلس الأمن، وعلى أن تخضع هذه القوات لسلطة مجلس الأمن. وربط السوفيت موقفهم بإحياء دور لجنة الأركان، التابعة للمجلس. في الوقت عينه، حذر السوفيت من تشكيل قوة متعددة الجنسيات، خارج إطار مجلس الأمن الدولي وسلطته.

3.  الموقف من قرار إغلاق السفارات العاملة في الكويت. ففي حين أصرت الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا، على عدم سحب دبلوماسييهما من الكويت؛ وعدّ أي محاولة عراقية لاستخدام القوة، ضد الدبلوماسيين الأمريكيين، تجاوزاً، يستدعي استخدام القوة المسلحة ـ اتخذ السوفيت موقفاً وسطاً، فأقروا بعدم شرعية ضم العراق الكويت، ورفضوا ما يترتب عليه من نتائج. إلاّ أنهـم وافقـوا علـى سحب بعثتهم الدبلوماسية من الكويت، محتجين لذلك بأن ظروف الاحتلال، لا تساعد البعثة على أداء مهامها.

4.  أسلوب الحل الأمثل. ففي الوقت الذي أصر الاتحاد السوفيتي على مشاركة عربية في حل الأزمة، وضرورة التركيز في تفادي الانفجار الشامل في المنطقة، إذا ما استُخدمت القوة العسكرية، كانت وجهة النظر الأمريكية، تضع الخيار العسكري في مرتبة أعلى من الخيارات، السلمية والدبلوماسية الأخرى، من دون أن تستبعد تلك الخيارات استبعاداً تاماً.

وفي 26 أغسطس 1990، أعلن الأمين العام للأمم المتحدة، خافيير بيريز دى كويلار، استعداده لبذل مساعيه الحميدة، من أجْل التوصل إلى حل سلمي لأزمة الخليج. ووافقت الإدارة الأمريكية على ذلك، وأيدت أي مسعى، يمكن أن يسهم في تحسين الوضع.

وفي 26 أغسطس 1990، كذلك، أجرى وزير الخارجية الفرنسي، رولان دوما (Roland Dumas)، محادثات مهمة، في موسكو، مع الرئيس ميخائيل جورباتشوف، ووزير الخارجية السوفيتية، شيفرنادزه. رحّب الجانبان، بعدها، في بيان مشترك، بقرار مجلس الأمن، الرقم 665، الذي يجيز استخدام القوة في فرض الحصار الاقتصادي على العراق. وأكد الجانبان، أن حل أزمة الخليج، يجب أن يكون على أساس الانسحاب العراقي من الكويت. وشددت موسكو على "أن أي طريق غير ذلك، يعني الكارثة ". وطالب الجانبان بوضع حدٍّ سريع "للوضع، الذي يشكل انتهاكاً فظاً للمبادئ الأساسية في العلاقات الدولية، وتطاولاً خطيراً على الأمن والسلام في العالم".

رابعاً: تصاعد المواجَهة الدبلوماسية

 وفي 27 أغسطس 1990، طردت الولايات المتحدة الأمريكية 36 موظفاً في البعثة العراقية الدبلوماسية في واشنطن. وقيّدت تحركات الدبلوماسيين الآخرين العاملين فيها، وحدّت من قدرتهم على الانتقال في حدود 25 ميلاً من مبنى السفارة. وصرح ناطق باسم وزارة الخارجية الأمريكية، بأن سبب القرار، "هو الأمر العراقي، غير القانوني، بإغلاق السفارة الأمريكية في الكويت، وكذلك، احتلال العراق الكويت وضمها، ومنع الرعايا الأجانب من السفر". وبذلك، ينخفض عدد الدبلوماسيين العراقيين في واشنطن، إلى 19 شخصاً من أصل 55 شخصاً.

وفي اليوم نفسه، أدلى مستشار الرئيس الأمريكي للأمن القومي، برينت سكوكروفت، بتصريح، قال فيه: "إن القوات العراقية، اقتحمت السفارة الصينية". ولكن لم يرِد تأكيد من بكين. وأكدت وزارة الخارجية الأمريكية احتجاز ثلاثة أشخاص، في العراق، كانوا ضمن قافلة من أُسَر الدبلوماسيين، سُمح لهم بالمغادرة. وأكد جون كيلي، مساعد وزير الخارجية الأمريكي لشؤون الشرق الأوسط، أن القوات العراقية، اعتقلت 50 مواطناً أمريكياً، في العراق، وعشرة آخرين، في الكويت. وأن بعض هؤلاء محتجزون في محطات لتوليد الكهرباء، وفي منشآت عسكرية. وأكدت فرنسا، أنها ستطرح على مجلس الأمن مشروع قرار، في شأن "انتهاك الحصانة الدبلوماسية للسفارات". كما أعلنت وزارة الخارجية البريطانية، أن عدد المحتجزين البريطانيين، ارتفع إلى 157 شخصاً. كما احتجت طوكيو على أن السلطات العراقية سمحت بسفر 19 يابانياً، بينما نقلت 20 يابانياً آخرين، من فندق الرشيد إلى جهة غير معلومة. كما أعلنت وزارة الخارجية النرويجية، أن الجيش العراقي يحاصر السفارة النرويجية.

وردّ العراق على طرد واشنطن الدبلوماسيين العراقيين، فأعلن أنه سيطرد عدداً من الدبلوماسيين الأمريكيين من بغداد.

وأكد ميشال روكار (Michel Rocard)، رئيس وزراء فرنسا، في 27 أغسطس 1990، أن القادة الفرنسيين، لن يتخاذلوا، إذا لم يكن هناك سبيل لمواجهة الإنذار العراقي، الذي لا يطاق. وقال إن بلاده مستعدة لخوض الحرب، إذا فشلت السُّبل الأخرى، لإنهاء أزمة الخليج.

وفي الوقت عينه، أمرت الحكومة العراقية السفن العراقية، التي تحمل نفطاً أو بضائع، ألاّ تقاوم اعتراض قِطع الأسطول الأمريكي طريقها، وألاّ تتحدى الحصار البحري المفروض عليها، حالياً. كما تضمنت الأوامر خضوع مَلاّحي هذه السفن العراقية لأي تفتيش.          

خامساً: إعلان الكويت المحافظة العراقية التاسعة عشرة، رسمياً

وفي يوم الثلاثاء، 28 أغسطس، أعلن العراق، أن الكويت صارت "المحافظة التاسعة عشرة "، بموجب مرسوم جمهوري، صدر في 26 أغسطس 1990، ويحمل الرقم 248، لسنة 1990، ونشر في الجرائد العراقية يوم 28 أغسطس 1990 . وأكدت وكالة الأنباء العراقية، أن الكويت باتت المحافظة التاسعة عشرة، في هيكل التقسيمات الإدارية للعراق. كما صدر مرسوم ثانٍ، يُلحِق بعض المناطق في الكويت بمحافظة البصرة العراقية. وباتت محافظة الكويت تضم أقضية كاظمة والجهراء والنداء (الأحمدي سابقاً)، ومركزها كاظمة (مدينة الكويت سابقاً). واستحدث قضاء صدامية المطلاع (كان يدعى المطلاع فقط سابقاً)، وناحية العبدلي، اللذان أُلحِقا بمحافظة البصرة. وكان العراق قد أعلن، في 8 أغسطس 1990، اندماج الكويت "دمجاً كاملاً، لا رجعة فيه"، بعد ستة أيام من الغزو (أنظر وثيقة المرسوم الجمهوري العراقي الرقم 248 بضم الكويت إلى العراق، وحسبانها المحافظة التاسعة عشرة الصادر في 26 أغسطس1990).

ومن الفور، بادر السفير محمد عبدالله أبو الحسن، المندوب الكويتي الدائم لدى الأمم المتحدة، إلى مقابلة الأمين العام للأمم المتحدة، خافيير بيريز دى كويلار، وسلّمه رسالة رسمية، من نائب رئيس مجلس الوزراء، وزير الخارجية الكويتي، صباح الأحمد جابر الصباح، طالباً تعميمها، كوثيقة من وثائق مجلس الأمن. وتضمنت هذه الرسالة اعتراض الكويت الرسمي على ما يعمد إليه النظام العراقي، من تغيير لمعالم الكويت: "لقد تناقلت وكالات الأنباء، صباح اليوم، القرار العراقي باعتبار الكويت محافظة من محافظات العراق، وتغيير اسم دولة الكويت. وأمام هذا التطور، وعلى ضوء التحرك، الذي تعتزمون القيام به، أودّ أن أشير لمعاليكم، إلى أن هذه الخطوة العراقية دليل آخر على رفض العراق الانصياع إلى قرار مجلس الأمن، رقم 660، لسنة 1990، الذي اعتبرتموه ضمن إطار تحرككم. كما أنه دليل آخر لتحدي العراق للقرار رقم 662، لسنة 1990، الذي يعتبر إعلان ضم الكويت لاغياً وباطلاً. وأن الخطوة المذكورة، تحمل في طياتها بذور نسف مهمتكم، حتى قبل أن تقدموا عليها..." (أُنظر وثيقة رسالة الممثل الدائم للكويت لدى الأمم المتحدة إلى الأمين العام للأمم المتحدة مرفقة برسالة من وزير خارجية الكويت 28 أغسطس 1990).

وأعرب بيريز دى كويلار عن استيائه، من توقيت إعلان العراق الكويت محافظة عراقية، وذلك قُبَيل توجُّهه إلى عمّان، للقاء وزير الخارجية العراقي، طارق عزيز، لقاء مباشراً. وقال: "إنني آسف، فعلاً، لاتخاذهم هذا القرار، بعد إعلاني الشروع في مهمتي".

سادساً: المبادرة الفلسطينية

وفي يوم الأربعاء، 29 أغسطس 1990، تلا نبيل رملاوي، ممثل الرئيس الفلسطيني، ياسر عرفات، في جنيف، خطاباً للرئيس، حدد فيه خمسة مبادئ، تستند إليها مبادرة منظمة التحرير الفلسطينية في تسوية الأزمة. وهي:

1. اضطلاع منظمة التحرير الفلسطينية بدور الوساطة في هذا النزاع؛ وهي ليست طرفاً فيه، كما أنها ليست مع هذا الطرف ضد ذاك.

2. حل كل المشاكل العالقة، في الشرق الأوسط، إنْ في الخليج أو الكويت أو فلسطين أو لبنان أو الجولان. وقد بدأ ذلك، بالفعل، حينما حصل الانسحاب بين إيران والعراق. وفي حال التوصل إلى حل، يمكن أن يطبق المبدأ نفسه على الوضع في فلسطين ولبنان والجولان والكويت.

3. مشكلة الوضع في الخليج، يجب أن تُحل في إطار عربي، عبر التفاوض، بالتوصل إلى حل يأخذ في الحسبان كافة جميع الأطراف ومصالحهم، ويحفظ كرامة الجميع، كما حصل في لبنان، مع اتفاقية الطائف.

4. وضع قوات دولية في الخليج تحت علَم الأمم المتحدة، وفي إطارها، من دون أي غموض.

5. وضع حدّ للعقوبات المفروضة على العراق، وتطبيقها على كل دولة، ترفض الانسحاب من الأراضي، التي تحتلها بالقوة.

سابعاً: محادثات دى كويلار وطارق عزيز

وفي يوم الجمعة، 31 أغسطس 1990، بدأ الأمين العام للأمم المتحدة، بيريز دى كويلار، ووزير الخارجية العراقي، طارق عزيز، في عمّان، جلسة محادثات، وصفها دى كويلار بأنها "مهمة ومفيدة "، وأعلن أن جولة ثانية، أصبحت ضرورية لاستكمال الحوار. وأنه يأمل التوصل إلى تقدُّم، في سياق المحادثات، في إيجاد حل سلمي للنزاع. وذكرت مصادر أردنية، أن الانطباعات الأولى عن جلسة الحوار، توحي بأن هناك مرونة لدى العراق، من جهة، واحتمال تجاوب الأمم المتحدة، بطريقة إيجابية، من ناحية أخرى. وأن وزير الخارجية العراقي، طارق عزيز، ركز في أن مجلس الأمن، يجب أن يعطي الأولوية لضرورة منع الحرب، من خلال وقف التصعيد والحشد العسكري[1].

وصرح طارق عزيز، في الأول من سبتمبر 1990، عقب انتهاء جلسة مباحثاته الثانية مع دى كويلار، بأن جميع الرعايا الأجانب، سوف يسمح لهم بالرحيل، إذا ما استطاع الأمين العام الحصول على ضمانات بعدم تعرّض العراق لضربة عسكرية من الغرب. واكتفى دى كويلار بالقول إن مباحثاته، كانت خطوة إلى الأمام. ولكنه نفى وجود خطط فورية لديه، للذهاب إلى بغداد، مقابلة الرئيس العراقي، صدام حسين.

وتبين أن الموضوع الرئيسي، الذي يريد أن يتحدث عنه الأمين العام للأمم المتحدة، هو موضوع "الرهائن"، أو "الضيوف"الغربيين في العراق. وانتهزها طارق عزيز فرصة، فأثار جوانب الأزمة كلها. ودارت مناقشات طويلة، في التاريخ والجغرافيا وموازين القوى العسكرية، لم تصل إلى نتيجة. وحاول الوزير العراقي أن يذكّر دى كويلار بمجد الأمم المتحدة السابق، فقال له: "إن العرب جميعاً، يتذكرون الموقف المشرّف للأمم المتحدة، أثناء أزمة السويس".          

وكان رد الأمين العام للمنظمة الدولية: "إن أزمة السويس، تختلف عن أزمة الخليج. كما أنني لست همرشولد". وكان يقصد داج همرشولد، سكرتير عام الأمم المتحدة، الذي قدم استقالته، يوم العدوان الثلاثي على مصر، في 29 أكتوبر 1956، احتجاجاً على قيام دولتَين من الأعضاء الدائمين في الأمم المتحدة، بمخالفة الميثاق.

وفي 2 سبتمبر 1990، أعلن بيريز دى كويلار فشل محادثاته مع وزير الخارجية العراقي، من أجْل قبول بغداد تطبيق قرارات مجلس الأمن. وعبّر عن "خيبة أمله "من موقف العراق، وقال: "كان بودّي، أن أعود إلى مجلس الأمن بتقدم حقيقي، بعد محادثات عمّان. غير أنني لا أستطيع أن أفعل ذلك، في الوقت الحاضر. إن الموقف متفجر وخطير، ولا يمكن احتمال الانتظار شهوراً أو سنوات. إن المشكلة الرئيسية، هي ضرورة انسحاب القوات العراقية من الكويت".

وعلّق عبدالله بشارة، الأمين العام لمجلس التعاون الخليجي، على فشل محادثات دى كويلار ـ طارق عزيز، بقوله "إن العالم كان يتوقع الفشل، الذي يدل على نية المناورة والتسويف، التي لجأ إليها النظام العراقي، لعدوانه على الكويت، وتحديه السافر لكل المواثيق، الإسلامية والعربية والدولية. وإن الأُسْرة الدولية مطالبة بإثبات مصداقيتها، ضد العدوان العراقي".

كما قال وزير الخارجية البريطاني، دوجلاس هيرد، في مؤتمر صحفي، عقده في مسقط، إن العراقيين، أضاعوا فرصة ثمينة، هي مبادرة دى كويلار. وإنه "لا تفاوض في الانسحاب والرهائن والشرعية. وإن هذه المبادرة، لم يفهمها العراقيون. إذ كانت فرصة كبيرة لإنقاذ ماء وجههم. وإن هذه الفرصة كانت تعطي بغداد مجالاً للتسوية. وفي يدهم ما يستطيعون أن يفاوضوا فيه. ولكن هذا الوضع، سينتهي بعد فترة من تطبيق الحصار، وظهور آثاره المؤكدة في العراق".

ثامناً: المبادرة اليمنية

أعلنت اليمن، في 31 أغسطس 1990، مبادرة أخرى، لحل الأزمة في الخليج، ومنع الانفجار العسكري. ونشرت الجرائد اليمنية النقاط الرئيسية للمبادرة، التي تتلخص في:

1. انسحاب العراق من الكويت، في ضوء انسحابات شاملة لكل احتلال غير شرعي في الأراضي العربية، وذلك وفق ترتيبات متزامنة، وليس طبق تسلسل زمني لكل الاحتلالات في المنطقة.

2. إرسال قوات إلى منطقة النزاع تحت علَم الأمم المتحدة. ويمكن الدول العربية المشاركة في هذه القوات، ولكن بصفة كونها قوات دولية تابعة للأمم المتحدة.

3. انسحاب قوات التدخل في المنطقة، سواء كانت أجنبية أو عربية.

4. بدء مفاوضات مباشرة، في إطار الجامعة العربية، للوصول إلى:

5. إبرام اتفاقات في شأن الحدود، بما في ذلك الجُزُر.

6. صياغة سياسة نفطية، وتحديد مستوى كميات الإنتاج والأسعار.

تاسعاً: المبادرة الليبية

وفي يوم الأحد، الثاني من سبتمبر 1990، تحدث العقيد معمر القذافي، أمام الدورة الطارئة لمؤتمر الشعب العام، وعرض مبادرة لحل الأزمة بين العراق والكويت، تتلخص في الآتي:

1. إحلال قوات دولية، تابعة للأمم المتحدة، محل القوات العراقية، الموجودة، حالياً، في الكويت، لتطمئـن الكـويت، عقب خروج القوات العراقية منها، بأنها لن تعود إليها في وقت آخر، وحتى لا تستغل القوات، الأمريكية والأطلسية، خروج القوات العراقية من الكويت، لتدخلها بدلاً منها. ويطمئن وجود قوات تابعة للأمم المتحدة، في الكويت والمملكة العربية السعودية وإمارات الخليج الأخرى التي لا تطمئن بوجود فراغ في الكويت.

2. انسحاب القوات الأطلسية من الخليج، وفك الحصار الاقتصادي عن العراق، مع انسحاب القوات العراقية من الكويت، على أن تحل قوات، عربية وإسلامية، محل القوات الأمريكية، في السعودية.

3. تمكين العراق من جزيرة بوبيان، لكي يكون له ساحل على الخليج، مع إعادة حقل الرميلة إليه.

4. النظام الداخلي في الكويت، متروك لشعبها، الذي يجب أن يحترَم، ويقرر نظامه بنفسه.

5. وضع سياسة نفطية عربية موحَّدة، لا يجوز لأحد مخالفتها، وإلاّ تحمّل مسؤوليتها، وعُدّ ردعه مشروعاً.

6. تسوَّى، خلال ذلك، مسألة الديون والتعويضات، لكل الأطراف المتضررة.

7. عقد قِمة عربية، في الجماهيرية العظمى، لإقرار مشروع الاتحاد العربي، الذي يحل كل هذه الإشكالات، ويخلُق مجلس رئاسة عربياً اتحادياً، من رؤساء الدول العربية، ومجلساً تنفيذياً اتحادياً، من رؤساء الحكومات العربية، ومجالس متخصصة، من وزراء الزراعة والصناعة والتعليم ... إلى آخره. ويخلُق مشروعات عربية وحدوية، كمشروعات النفط والحبوب والمياه والغاز والبحث العلمي… إلى آخره.

وأكد العقيد القذافي، أن هذه المبادرة، سيكون تنفيذها تحت إشراف الأمين العام للأمم المتحدة، والأمين العام لجامعة الدول العربية، موضحاً أنه "إذا وافق إخوتنا على هذا الطرح، فإنه بهذه المبادرة، يتحقق سلام للعالَم وللأمّة العربية، ونستفيد منه في إخراج سياسة النفط إلى مرحلة جديدة، خالية من الاستهتار والتبذير. وذلك يُعَدّ مكسباً كبيراً، يعود الفضل فيه إلى العراق، إذا رجعنا إلى ما كنا عليه. وإن كسبنا هذا العمل، سيجعلنا نستيقظ، ولن يكون هناك لعب في النفط، ويجنّبنا المواجَهة مع قوى همجية في العالَم" (أُنظر وثيقة نص المبادرة الليبية، التي أعلنها العقيد معمر القذافي أمام الدورة الطارئة لمؤتمر الشعب العام، في شأن أزمة الخليج يوم الأحد، 2 سبتمبر 1990).

عاشراً: محاولات أخرى للملك حسين

 بينما كان الرئيس الليبي، معمر القذافي، يطرح مبادرته، في ذكرى ثورة الفاتح من سبتمبر، كان الملك حسين مجتمعاً مع مارجريت تاتشر، رئيسة وزراء بريطانيا، التي لم تترك للملك فرصة، ليعرض ما جاء من أجله، وإنما بدأت، من الفور، بقولها: "لماذا تؤيد صدام حسين، وأنت تعرف أنه شرير؟". وردّ عليها الملك حسين: "إنني لا أؤيد أحداً. ولكني أحاول أن أبحث عن فرصة، لإنقاذ السلام في المنطقة". فأجابت مارجريت تاتشر، بحدّة: "ومن المسؤول؟ من البادئ؟". فقال الملك الأردني: "إنني أريد أن أتحدث معك بصراحة. إن عصر دبلوماسية مدافع الأسطول (Gun-Boot Diplomacy)، ينتمي إلى القرن التاسع عشر". وحالت مارجريت تاتشر دون استرسال الملك حسين، إذ قالت له: "اسمعني جيداً. إنك تقف وراء الطرف الخاسر. وأنا أريدك أن تعرف الحقيقة، قبْل أن يفوت الأوان".

وتوجّه الملك حسين، بعد ذلك، إلى باريس، للقاء الرئيس الفرنسي، فرنسوا ميتران، في قصر الإليزيه، في 3 سبتمبر 1990. كان الرئيس ميتران أكثر هدوءاً من الرئيس الأمريكي، ورئيسة وزراء بريطانيا. وقد استمع إلى الملك حسين بصبر، ثم قال له، "إن الأمريكيين والبريطانيين، يتحركون طبقاً لخطة واضحة أمامه ومعروفة. وهم قلقون على الإنسان والنفط. ولهذا القلق، من وجهة نظرهم، ومن وجهة نظره، كذلك، ما يبرره. وهم على استعداد للعمل العسكري، وليس يبقيهم في الانتظار، إلاّ استكمال استعدادهم. والسبيل الوحيد لإحراجهم، هو الانسحاب العراقي الفوري".

ثم سأل الرئيس ميتران: "أليس في استطاعة العرب أن يقوموا بدور؟ ثم، أين هو العنصر العربي في الأزمة؟". وشرح له الملك حسين ظرف العمل العربي، والمأزق الذي انتهى إليه مؤتمر القِمة العربي الأخير. وفي نهاية المقابلة، قال الرئيس الفرنسي: "إن فرنسا انضمت إلى التحالف، لأنها تريد أن تستعمل (المكابح) من الداخل. ولكن الشيء، الذي ينبغي أن يعرفه أصدقاؤنا العرب، هو أنه إذا لم يتمكنوا من إعطائنا موقفاً واضحاً، واحداً، فإن فرنسا، لا تستطيع أن تتحرك".

عاد الملك حسين إلى عمّان، في 6 سبتمبر 1990، يبحث عن وسيلة لتحريك العنصر العربي. وكلف شقيقه، وليّ العهد، الأمير الحسن بن طلال، برئاسة مجموعة مستشارين، تضع تصوراً لإمكانية عمل عربي، يمكن طرحه على الأطراف. وكان الاقتراح، الذي أمكن بلورته، هو أن يتوجّه عدد من الملوك والرؤساء العرب، بنداء إلى مجلس الأمن، كي يدعو كل أطراف الأزمة، ولا سيما العراق والولايات المتحدة الأمريكية، إلى تجميد خطط وإجراءات المواجَهة العسكرية وإجراءاتها، لمدة شهر، بقصد إعطاء التسوية السلمية لأزمة الخليج، فرصة، لوضع خطوط عريضة لحلها.

ثم اقترح فريق المستشارين، برئاسة الأمير الحسن، الخطوط العريضة التالية:

1. الانسحاب المتزامن للقوات العراقية من الكويت، والقوات الأجنبية من منطقة الخليج، وحلول قوات عربية محلهما.

2. رفع الحصار الاقتصادي عن العراق، مع إتمام كل خطوة من خطوات الانسحاب من الكويت.

3. يمكن أن تظل في جزيرتَي وربة وبوبيان، وفي منطقة حقل الرميلة، قوات عسكرية عراقية رمزية، إلى أن تسوَّى الأزمة تسوية نهائية.

ولم يكن أيٌّ من الأطراف مستعداً لسماع المقترحات الأردنية، فرُفِضت، من الفور. وكان التصور الأردني، آنئذٍ، أن استعداد الأطراف، قد يكون أكثر ملاءمة، بعد أن اتضح أن ثمن المواجَهة العسكرية المحتملة، قد يفوق ما يحتمله الطرفان. "فقد تبين، أن الحشد الحالي غير كافٍ لإجلاء العراق عن الكويت. وأن تحقيق هذا الهدف يحتاج إلى حشد أكبر، ونفقات أبهظ، يمكن أن تؤثر تأثيراً بالغاً في عجز الميزانية الأمريكية".

وكان الخطأ في التقدير الأردني، أن الولايات المتحدة الأمريكية، تنبهت له مبكراً، من اللحظة الأولى لنشوب الأزمة. وفي الوقت الذي كان فيه ريتشارد تشيني يطوف في منطقة الخليج، بحثاً عن مَواقع وقواعد للقوات الأمريكية، كان وزير الخارجية الأمريكي، جيمس بيكر، يطوف في المنطقة عينها، ساعياً إلى الحصول على التمويل اللازم، من خلال استجابة ما تطلبه واشنطن من الموارد المالية. كان هناك نوع من تقسيم العمل بين وزارتَي الدفاع والخارجية الأمريكيتَين: اختصت الأولى بالقوة وأدواتها، واختصت الثانية بالمال وتدبيره، وهو عصب الحرب.

حادي عشر: استقالة أمين عام جامعة الدول العربية

وفي 3 سبتمبر 1990، أعلنت الجامعة العربية، في تونس، أن الشاذلي القليبي، استقال من منصبه، كأمين عام لها. وذكرت مصادر الجامعة، أن الاستقالة جاءت احتجاجاً على قرارات قِمة القاهرة الأخيرة، التي ساندت الوجود الأمريكي في منطقة الخليج. وترددت أنباء في تونس، عن محاولة، جرت في المجلس الوزاري العربي الأخير، لتجاوز قرارات الجامعة ودستورها، والإسراع بنقل مقرها إلى القاهرة[2].

    وفي يوم الأربعاء، 5 سبتمبر 1990، عمّم الأمين العام للجامعة العربية بيان استقالته من منصبه، كأمين عام. واشتملت استقالته على النقاط التالية (أُنظر وثيقة نص بيان استقالة الشاذلي القليبي، الأمين العام للجامعة العربية يوم الأربعاء، 5 سبتمير 1990):

1. التزامه الصمت منذ الثاني من أغسطس 1990.

2. عدم إخلاله بواجبه القومي.

3. إجراؤه عديداً من الاتصالات، وإصداره عديداً من الرسائل، عربياً ودولياً، سراً وعلانية.

4. أمله أن تسفر جهوده عن حلٍّ سياسي، ينقذ وحدة الصف العربي.

5. تأكده أن العمل العربي مقبِل على انقسام خطير، لمدد طويلة، وقلقه على الأمن القومي العربي من أخطار تتهدده.

6. تأكده من إصرار جهات أجنبية على استعمال القوة، والقضاء على قوة عربية، في إمكانها أن تحدّ من أطماع إسرائيل.

7. عدم انحيازه إلى أي طرف عربي، فهو يؤيد حق الكويت، في دولتها، ويقف إلى جانب المملكة في دفاعها عن أمنها، ويدافع عن العراق في تعرضه لعدوان أجنبي جماعي.

8. إقراره بتراجع قضايا عربية مهمة، في سلم الأولويات، مثل قضية الشعب الفلسطيني، وقضية لبنان.

9. إصراره على الاستقالة، لأن أمل الحل السلمي، بات سراباً.  

ثاني عشر: المشروع التونسي للسلام

وفي 5 سبتمبر 1990، عرضت تونس مشروع سلام، من خمس نقاط. حمله مبعوثون تونسيون إلى بغداد وباريس وبكين. ويتلخص المشروع في الآتي:

1. انسحاب القوات العراقية من الكويت.

2. الإفراج عن الرهائن المحتجزين في العراق.

3. التزام قوات التحالف عدم مهاجمة العراق، أثناء الانسحاب.

4. احترام العراق سيادة الكويت، وقيام حكومة كويتية، تكون حرة تماماً في اختيار الوحدة مع العراق.

5. استبدال قوات عربية بالقوات، الغربية والعربية، التي نشرت في المنطقة.

ثالث عشر: العالَم ضد صدام حسين

وفي يوم الخميس، 6 سبتمبر 1990، أعلن الرئيس جورج بوش، أن الأحداث في الخليج، ما زالت تتطور، وأن أمام الولايات المتحدة الأمريكية "خيارات صعبة". وأكد أن بلاده "تقف ضد العدوان، ولن تقبَل به". وأن 22 دولة أخرى، أرسلت قواتها إلى الخليج. وأبدى ارتياحه لكون غالبية كبيرة من الدول العربية، تؤيد الجهود الأمريكية في المنطقة. وقال: "إن العالَم موحَّد من أجْل عودة الاستقرار والأمن في المنطقة. وإن المسألة، ليست كما صوّرها صدام حسين: أمريكا ضد العرب. وإنما هي العالَم ضد صدام حسين".

رابع عشر: قِمة هلسنكي

في ظل الظروف السابق الإشارة إليها، بين القوّتَين العظمَيَين، عقدت قِمة هلسنكي، في 9 سبتمبر 1990، لمناقشة أزمة الخليح، بناء على مبادرة الرئيس الأمريكي، جورج بوش، في المؤتمر الصحفي، الذي عقده في الأول من سبتمبر 1990.

وقد سبق القِمة تحركان مهمان. أولهما، هو محاولة أمين عام الأمم المتحدة، بيريز دى كويلار، إقناع العراق بالاستجابة لقرارات المنظمة الدولية، حين التقى طارق عزيز، وزير الخارجية العراقي، في العاصمة الأردنية، عمّان، يومَي 31 أغسطس والأول من سبتمبر 1990. وطغت على مباحثاتهما مسألة الإفراج عن الرعايا الغربيين، الذين احتجزهم العراق. ولم تثمر تلك المحاولة، وحمّل دى كويلار العراق مسؤولية فشلها. أمّا التحرك الثاني، فهو زيارة طارق عزيز الاتحاد السوفيتي، في 5 سبتمبر 1990، زيارة وصفت بأنها "مفاجئة ". ويبدو أنها كانت محاولة من العراق لإقناع السوفيت بتفهّم موقفه، إزاء عدم الانسحاب من الكويت. ولكنهم، أصرّوا على موقفهم، إزاء الانسحاب الكامل من الكويت، وعودتها دولة ذات سيادة.

وفي يوم الأربعاء، 5 سبتمبر 1990، وقبل انعقاد قمة هلسنكي، بعث أمير الكويت برسالتين إلى الرئيس الأمريكي، جورج بوش، والرئيس السوفيتي، ميخائيل جورباتشوف، يطالبهما بضرورة اتخاذ الإجراءات الحاسمة، التي من شأنها إرغام العراق المعتدي على التنفيذ الكامل لقرارات مجلس الأمن الدولي، من دون مماطلة أو تسويف. ورأى إن أي مبادرة سلمية، لعلاج الوضع المتفاقم في الخليج، أمست بلا أمل (أُنظر وثيقة نص رسالة الأمير جابر الأحمد الصباح، أمير دولة الكويت إلى الرئيس الأمريكي، جورج بوش قبْل انعقاد القمة الأمريكية ـ السوفيتية، في هلسنكي يوم الأربعاء، 5 سبتمبر1990) و(وثيقة نص رسالة الأمير جابر الأحمد الصباح، أمير دولة الكويت إلى الرئيس السوفيتي، ميخائيل جورباتشوف قبْل انعقاد القمة الأمريكية ـ السوفيتية، في هلسنكي يوم الأربعاء 5 سبتمبر1990).

وقال أمير الكويت، في رسالته إلى الرئيس الأمريكي: "ننتظر من هذا اللقاء الهام، موقفاً حاسماً، يعيد الحق إلى نصابه، ويدحر الظلم والعدوان... باتخاذ الإجراءات الحاسمة، التي من شأنها إرغام العراق المعتدي على التنفيذ الكامل لقرارات مجلس الأمن". وفي نهاية الرسالة، شكر الرئيس الأمريكي على اضطلاع بلده في مواجهة الاحتلال العراقي للكويت.

أمّا في رسالته إلى الرئيس السوفيتي، فقال أمير الكويت: "ننتظر من لقائكم التاريخي موقفاً حاسماً، يعيد الحق إلى نصابه، ويدحر قوى الظلم والعدوان. وذلك لا يكون إلا باتخاذ الإجراءات الفعالة، التي من شأنها أن ترغم العراق المعتدي، على احترام الإرادة الدولية، والتنفيذ الكامل لقرارات مجلس الأمن الدولي، دون مماطلة أو تسويف". وضمن رسالته، كذلك، تقديره لموقف الاتحاد السوفيتي، الإيجابي، والداعم لقرارات مجلس الأمن الدولي.

وقال الرئيس الأمريكي، جورج بوش، عشية التوجه إلى هلسنكي، لحضور قِمة "الوقت العصيب"، التي تجمعه إلى الرئيس ميخائيل جورباتشوف: "إن الرهان كبير. وإن نجاح اللقاء، يعني وضع حجر الزاوية لنظام دولي جديد، أكثر أمناً واستقراراً".

وواكبت قِمة الزعيمَين، الأمريكي والسوفيتي، مواقف تصعيدية. إذ أعلن الرئيس صدام حسين، في رسالة مفتوحة إليهما، يوم السبت، 8 سبتمبر 1990، أنه لا جدوى من محاولة إعادة الوضع، الذي كان قبْل اجتياح القوات العراقية الكويت. وحضّهما على تذكّر واجبهما الإنساني، لتجنّب الحرب في الخليج (أُنظر وثيقة نص الرسالة المفتوحة، التي وجهها الرئيس العراقي، صدام حسين إلى كلٍّ من الرئيسَين، الأمريكي جورج بوش، والسوفيتي ميخائيل جورباتشوف قبْل انعقاد قمة هلسنكي يوم السبت، 8 سبتمبر 1990).

    وأوضح الرئيس العراقي، في رسالته إليهما مراعاة النقاط التالية، قبل أن يتخذا أي قرار:

1. إن العراق لم يغز الولايات المتحدة أو الاتحاد السوفيتي.

2. إن العراق دولة تحب السلام، القائم على العدل.

3. إن الكويت جزء من العراق، فصله الاستعمار البريطاني.

4. إن قرارات مجلس الأمن الصادرة في حق العراق، تُعد من نتاج الحملة المفتعلة التي قادتها الولايات المتحدة، ولم يصدر مثلها في أحداث مشابهة، من قبل، مثل قضية شعب فلسطين وشعب الجولان.

5. أن يتخذا المواقف، التي تناسب مكانة بلديهما وثقلهما الإنساني.

ولم تكن التطورات، السابقة مباشرة على قمة هلسنكي، إيجابية، بالنسبة إلى الاتحاد السوفيتي ودوره الذي رسمه لنفسه، في تشجيع الحل السلمي، بسبب عدم استجابة العراق للجهود الدولية، بما فيها الجهود السوفيتية نفسها، فضلاً عن المناخ الدولي، المعبأ كراهية ضد العراق، بسبب مسألة احتجاز الرعايا الأجانب، وإعلان استخدامهم كدروع بشرية. ومع ذلك، فقد حاول الاتحاد السوفيتي استثمار حاجة الولايات المتحدة الأمريكية إلى التنسيق السياسي معه، للخروج بنتائج، تدعم أسلوبه، الداعي إلى استمرار الجهود السلمية، وإرجاء البت الفوري لمسألة استخدام القوة العسكرية ضد العراق، فضلاً عن محاولة الربط، غير المباشر، بين قضيتَي احتلال العراق الكويت وتسوية القضية الفلسطينية.

لقد آتت الجهود الدبلوماسية الدائبة، التي بذلها وزير الخارجية الأمريكي، جيمس بيكر، وجاراه فيها وزير الخارجية السوفيتي، إدوارد شيفرنادزه، ثمارها، بالحفاظ على تشجيع الاتحاد السوفيتي لجهود التحالف، في قِمة هلسنكي، التي عقدت في 9 سبتمبر 1990؛ إذ أُعلن، ضمناً، اتفاق الرئيسين، جورج بوش وميخائيل جورباتشوف، على حل وسط، يواصل، بموجبه، مبعوث الاتحاد السوفيتي إلى الشرق الأوسط السفير يفجيني بريماكوف (Yevegeny – Primacov)، اتصاله بالرئيس العراقي، صدام حسين، مقابل تأييد جورباتشوف، أو على الأقل عدم معارضته، لأي أعمال عسكرية، تعمد إليها الولايات المتحدة الأمريكية.

وجاء البيان المشترك لِقِمة هلسنكي، مؤيداً للتسوية السلمية، ومؤكداً أنه في حالة فشل الحلول الدبلوماسية، فإن الطرفَين على استعداد للنظر في اتخاذ مبادرات أخرى، بما يتماشى وميثاق الأمم المتحدة. وقد اشتمل البيان على الآتي (أُنظر وثيقة نص البيان الأمريكي ـ السوفيتي المشترك الصادر عن قمة هلنسكي في شأن أزمة الكويت يوم الأحد 9 سبتمبر 1990):

1. قناعتهما، بأن العدوان العراقـي، لا يحتَمَل.

2. تأكيد البيان المشترك لوزيرَي خارجية البلدين، في 3 أغسطس 1990، وتأييد قرارات مجلس الأمن. ودعوة حكومة العراق إلى الانسحاب، غير المشروط، من الكويت، وعودة حكومة الكويت الشرعية، وإطلاق جميع الرهائن المحتجزين في العراق والكويت.

3. دعوة الجماعة الدولية، بأسرها، إلى الالتزام بالعقوبات، التي قررتها الأمم المتحدة.

4. تفضيل حل الأزمة حلاً سلمياً. وإذا لم يتيسر، تتخذ خطوات إضافية، تتسق مع ميثاق الأمم المتحدة.

5. العمل، مع دول المنطقة وخارجها، على تطوير بنيان أمن إقليمي، وإجراءات لإحلال السلام والاستقرار. وحل جميع النزاعات المتبقية في الشرق الأوسط والخليج.

ويمكن القول إن بيان قِمة هلسنكي، أكد قدراً كبيراً من الاتفاق بين القوّتيَن العظمَيَين، في تلك الفترة، ليس إزاء أزمة العدوان العراقي على الكويت فقط، وإنما إزاء قضايا أخرى جوهرية في المنطقة، كذلك. وفيما يتعلق بالعدوان العراقي، فقد أظهر البيان ما يمكن وصفه بتأكيد مبدأ عدم مكافأة العدوان، وعدم السماح بابتلاع دولةٍ كبيرة دولةً صغيرة. وفي الوقت عينه، العمل على حل الأزمة حلاًّ سلمياً. إلاّ أنه في حالة الفشل، فإن الطرفَين، سيجدان أنفسهما مضطرَين إلى النظر في ما وصفاه بأنه إجراءات أخرى، وهي عبارة عنت، ضمناً، اللجوء إلى حل عسكري، وإباحة استخدام القوة المسلحة في إنهاء العدوان العراقي.

وعُدّت هذه الصيغة انتصاراً للرؤية السوفيتية، المنادية، آنئذٍ، بضرورة استخدام كافة وسائل التسوية السياسية، والعمل على استنفادها، قبْل التفكير في اللجوء إلى استخدام القوة العسكرية. ولقد وضح في البيان نوع من الربط الزمني المتعاقب، بين إنهاء العدوان العراقي والعمل على حل القضايا الأخرى في المنطقة. وهو ربط يختلف مضمونه عمّا دعا إليه العراق، آنذاك، من ضرورة حل القضايا في المنطقة، بطريقة الحل المتزامن، مع إعطائه أولوية للأقْدم زمناً من المشاكل والقضايا. وقد جاء هذا الربط المتعاقب حتى على الرغم من التفسير الأمريكي الخاص، الذي نفى أي علاقة لِما ورَد في بيان هلسنكي بأي توجهات مستقبلية، لحل القضايا الشائكة في المنطقة، ومن بينها القضية الفلسطينية.

أوضحت المبادئ، الواردة في بيان هلسنكي، حاجة القوّتَين إلى إيجاد القواسم المشتركة، في موقفيهما إزاء الأزمة في الخليج، وسياستيهما المستقبلية في المنطقة العربية. كما كشفت عن الرغبة الأمريكية في استمرار التشاور والتنسيق مع الاتحاد السوفيتي، لكونه حجر الزاوية في عملية الحشد الدولي، السياسي ـ والعسكري، ضد العراق. كذلك يمكن أن تُعَدّ قِمة هلسنكي واحداً من الرموز الدالة على التغيرات الأساسية، التي أسفر عنها انتهاء الحرب الباردة، واختفاء المظاهر التقليدية للصراع بين القوّتَين العظمَيَين. ولئن ركزت قِمة هلسنكي في عملية احتواء العدوان العراقي على الكويت، فإنها تضمنت موضوعات أخرى، منها كيفية التغلب على المصاعب الاقتصادية، التي يواجهها الاتحاد السوفيتي. وثمة تحليلات، ربطت بين حاجة موسكو إلى الدعم الاقتصادي الغربي، ولا سيما الأمريكي، وبين استمرار تأييدها الموقف الأمريكي، والتعاون المشترك على إنهاء حالة الاحتلال للكويت.



[1] كان من المفروض أن يجري لقاء بيريز دي كويلار وطارق عزيز في نيويورك، ولكن الولايات المتحدة الأمريكية رفضت منح تأشيرة دخول لنائب رئيس الوزراء ووزير خارجية العراق، وأبدى دي كويلار استعداده للقاء طارق عزيز في أي مكان غير بغداد. ووقع الاختيار على عمّان.

[2] تجدر الإشارة إلى أن الشاذلي القليبي (64 عاماً في ذلك الوقت) تولى منصب الأمين العام للجامعة العربية منذ يونيه 1979 عندما نقل مقرها من القاهرة إلى تونس.