إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات علمية / اللغات





لغة الإشارة
التابوت "دورة الثبات"
الحيّات في الصليب
الفصائل اللغوية
جدول اللغة الأُوغاريتية
رسم الهلال "شهر"
رسم الفصول في الهلال
عين حورس




مقدمة

رابعاً: اللغات الموجودة في العالم

    لقد أبان العلماء أن هناك حوالي 3000 لغة منطوقة في العالم اليوم. ولا تدخل اللهجات في إطار هذا العدد، وهي أشكال محلية للغة. وهناك لغات كثيرة تتكلمها مجموعات صغيرة، مكونة من بضع مئات أو آلاف من البشر. كما توجد أكثر من مائة لغة، يتكلم بكل منها مليون أو أكثر من الناس. ومن بين هذه اللغات، توجد 19 لغة يتكلم بكل منها ما يربو على 50 مليون نسمة وهي: العربية، والبنجالية، والصينية، والإنجليزية، والفرنسية، والألمانية، والهندية، والإيطالية، واليابانية، والكورية، والملاوية - الإندونيسية، والماراثية، والبرتغالية، والبنجابية، والروسية، والأسبانية، والتاميلية، والتيلوجية، والأوردية. وتجمع الهندية والأوردية أحياناً تحت اسم الهندستانية. ويستخدم الناس في كثير من بلدان العالم بعضاً من هذه اللغات الرئيسية بما في ذلك العربية، والإنجليزية، والفرنسية، والأسبانية، والبرتغالية، بينما لا تُستخدم لغات رئيسية أخرى، سوى في المناطق الخاصة بها.

    من الضروري ألا ننظر أثناء التحديد، إلى عدد المتكلمين بهذه اللغة أو تلك، فهناك لهجات يتكلم بها مئات الألوف، بل الملايين، كما أن هناك لغات مستقلة يتكلمها بضعة آلاف، أو عدد يقل عن الألف من البشر، فهناك لغات لا يتكلم بها إلا قبائل صغيرة جداً. كقبائل أفريقيا، والبولينيز، وهنود أمريكا، وبعض قرى داغستان Dagestan في جبال القوقاز. وهناك لغات تتكلم بها قوميات معينة، كالبولونية، والتشيكية. كما توجد لغات تتكلم بها قوميات مختلفة كاللغة البرتغالية، التي يتكلمون بها في البرتغال والبرازيل والفرنسية في فرنسا وبلجيكا وسويسرا والإنجليزية في إنجلترا والولايات المتحدة الأمريكية والألمانية في ألمانيا والنمسا وسويسرا والأسبانية في أسبانيا وفي عشرين جمهورية أخرى، من جمهوريات أمريكا اللاتينية. وهناك لغات دولية تطبع بها مواد العلاقات الدولية، كما هو الأمر في الأمم المتحدة، ولجنة السلام الدولية، وما إلى ذلك، وهذه اللغات هي: العربية، والإنجليزية، والأسبانية، والروسية، والفرنسية، والصينية.

    كما أن هناك لغات تعتبر ميتة، إذا ما قورنت باللغات الحاضرة إلا أنها مع ذلك تستعمل في حدود ضيقة، كاللاتينية، التي تستعمل في الكنيسة كمصدر للمصطلحات العلمية، وتتشابه معها في ذلك اليونانية القديمة.

    وإلى جانب ذلك نجد لغات كانت معروفة، منذ عهود قديمة جداً، إلا أن علم اللغات لم يتوصل إليها إلا في القرن العشرين، مثل: لغات غرب الصين (اللغة التاهارية)، واللغة الحبشية، واللغات القديمة في آسيا الصغرى، والتي اندثرت قبل الميلاد بقرون كثيرة لكنها لم تكشف إلا بعد حل رموز نصوصها من جانب علماء الآثار في القرن العشرين.

    كما توجد لغات، بدأ تدوينها منذ أربعمائة أو خمسمائة سنة، مثل اللغة اللاتيفية، والألبانية. هذا بالإضافة إلى أن معظم لغات العالم، بقيت غير مكتوبة حتى القرن العشرين، بل إن معظم لغات أفريقيا وأستراليا وبولينزيا وغابات أمريكا ما تزال غير مدونة حتى الآن.

    وقد حاول العلماء أن يصنفوا اللغات، التي تم اكتشافها، وفحصها، ومعرفة علاقات بعضها ببعض، وأشهر النظريات في هذا السبيل هي نظرية ماكس موللرMax Muller، التي ترجع جميع اللغات الإنسانية، إلى ثلاث فصائل هي:

1. الفصيلة الهندية ـ الأوروبية.

2. الفصيلة الحامية السامية.

3. الفصيلة الطورانية.

    والمقصود بكلمة (فصيلة): مجموعة من اللغات التي تتشابه في عناصر قديمة، ولكنها تختلف في بقية العناصر القابلة للتطور، والعناصر القديمة هي:

1. الضمائر.

2. الأعداد.

3. أسماء الإشارة، وأسماء الموصول.

4. الاشتراك في معاني نسبة كبيرة من الكلمات، ذات الدلالات القديمة، كالأرض والسماء، وألقاب الأسرة، كالأب والأم، والأخ، والابن.

5. أدوات الربط بين أجزاء الجملة.

6. الاشتراك العام في كيفية تركيب الجمل.

    فهذه العناصر إنما عدت قديمة لأنه ليس من السهل أن تتطور، بل هي أشبه بالمواد المتحجرة، تتداولها ألسنة الأفراد، دون أن تحاول أن تحدث بها أدنى تغيير، أو يكون ذلك التغيير في حدود ضيقة جداً بحيث يبقى دائماً في الكلمة عنصر ثابت لا يتغير، على حين تتعرض سائر العناصر اللغوية، كالأسماء والأفعال، والأعلام، لتغييرات بالغة الكثرة والتأثير، حتى تتباين مواد اللغة عن مواد جارتها أو أختها، فتتشعب اللغة الواحدة، إلى لغات مختلفة، لا يربط بينها سوى العناصر القديمة المتبقية على الرغم من التطور.

    وحسبنا أن ننظر إلى أسماء الأعداد، في اللغات الثلاث (الأسبانية والإيطالية والفرنسية) لندرك قدر ما تفيدنا هذه العناصر القديمة، في تشخيص التطور اللغوي، ومداه داخل لغات الفصيلة الواحدة (أُنظر جدول أسماء الأعداد في اللغات الثلاث "الأسبانية والإيطالية والفرنسية")، (أُنظر شكل الفصائل اللغوية):

1. الفصيلة الهندية ـ الأوروبية

    تحتوي هذه الفصيلة على ثماني طوائف من اللغات، يزيد مجموع ما بها من لغات حية على 96 لغة. وهذه الطوائف الثماني هي:

أ. اللغات الهندية ـ الإيرانية أو اللغات الآرية

وتشمل شعبتين:

الأولى:    هي، اللغات الهندية القديمة (السنسكريتية والبراكريتية )، واللغات الهندية الحديثة.

والثانية:   هي، شعبة اللغات الإيرانية (الفارسية القديمة، والأفستية، البهلوية، والزند ـ أفستية، والفارسية الحديثة، والكردية، والأستية، وهي لغة سكان القوقاز الأوسط، والأفغانية أو البشتو.. وهلم جرا).

ب. مجموعة اللغات الأرمينية.

ج. مجموعة اللغات الإغريقية

(1) وتشمل اللغات اليونانية القديمة، وأشهرها: الأيونية، والاتيكية، والدورية.

(2) وتشمل اللغات اليونانية التي تكونت في القرون السابقة للميلاد، وقامت على أنقاض اللغات القديمة. وتشمل كذلك اللغة اليونانية في العصر الحاضر (أُنظر ملحق اللغة اليونانية).

د. مجموعة اللغات الألبانية.

هـ. مجموعة اللغات الإيطالية

(1) وتشمل اللغات الأسكية، واللاتينية، واللغات المتفرعة عن اللاتينية.

(2) أمَّا اللاتينية فقد كانت اللغة الرسمية في الإمبراطورية الرومانية، خلال القرن الخامس قبل الميلاد. وقد تواصل استعمالها كلغة أدبية، وعلمية، في العصور الوسطى، وهي لغة الكنيسة الكاثوليكية، ومن الجدير بالذكر، أنها إلى جانب اليونانية منهل من أهم مناهل المصطلحات، بالنسبة للعلوم الحديثة (أُنظر ملحق اللغة اللاتينية) وقد تفرع عنها كل من:

(أ) الإيطالية: تشكلت اللغة الإيطالية على أساس اللهجات التوسكانية، وخاصة لهجة فلورنسا، تلك اللهجات المتكونة من تزاوج اللاتينية الشعبية بلغات السكان المختلطين في إيطاليا العصور الوسطى، تكتب باللاتينية، وهي أول اللغات الرئيسية في إيطاليا (أُنظر ملحق اللغة الإيطالية).

(ب) الفرنسية: تكونت في القرن السادس عشر على أساس لهجة ايل دي فرانس، ولهجة باريس. أما اللهجات الفرنسية، فكانت قد تكونت في بداية العصور الوسطى من تزاوج اللاتينية الشعبية (الفولجارية)، التي كان يتكلم بها الغزاة الرومان، ولغة الغال المغلوبين -الغالية تكتب باللاتينية، وتعود أول آثارها إلى القرن التاسع. تكونت الفرنسية القديمة بين القرنين التاسع والخامس عشر وتكونت الحديثة في القرن السادس عشر. وقد اكتسبت هذه اللغة شهرتها العالمية قبل غيرها من لغات أوروبا (أُنظر ملحق اللغة الفرنسية).

(ج) الأسبانية: وقد تكونت نتيجة لتزاوج اللاتينية الشعبية بلغة مقاطعة أيبيريا. وتكتب باللاتينية (أُنظر ملحق اللغة الأسبانية).

(د) البرتغالية (أُنظر ملحق اللغة البرتغالية)

(هـ) لغة رومانيا.

(و) مجموعة اللغات الكلتية

    وقد غلبت عليها الآن اللغات الفرنسية والإنجليزية والأسبانية، ولكن بقيت بعض أشكال منها، في كثير من اللهجات المحلية، بإيرلندا، وويلز، وغرب فرنسا.

(ز) مجموعة اللغات الجرمانية

    وتشمل اللغة الجوتية (وهي لغة قبائل الجوت ، وهو شعب قديم كان يسكن جرمانيا الشرقية). ولغات أيرلندا والدانمارك، والسويد، والنرويج وهولندا، واللغة الفلامنية (لغة مناطق الفلاندرز ببلجيكا) والإنجليزية (السكسونية، والحديثة)، والألمانية.

    فأمّا الإنجليزية الحديثة: فقد تشكلت على أنقاض إنجليزية العصور الوسطى، فكان تشكلها منذ القرن السادس عشر، وتكتب بالحروف اللاتينية (دون تغيير). والإنجليزية واحدة من اللغات العالمية المهمة (أُنظر ملحق اللغة الإنجليزية).

    وأمّا الألمانية، بلهجتيها الرئيسيتين: الشمالية والجنوبية. فقد كان ظهورها بشكلها الحديث في القرن السادس عشر، وهي واحدة من أهم لغات العالم (أُنظر ملحق اللغة الألمانية).

(ح) مجموعة اللغات البلطيقية ـ السلافية

    وتشمل الروسية (أُنظر ملحق اللغة الروسية) والسلافية القديمة، والبولونية، والتشيكية، والصربية ـ الكرواتية، والبلغارية الحديثة، والليتوانية، والبروسية القديمة.

    ومن ذلك يظهر لنا أن اللغات الهندية ـ الأوروبية، هي أكثر اللغات الإنسانية انتشاراً، إذ يتكلم بها الآن ما يقارب ألفين وأربعمائة مليون نسمة أي حوالي نصف سكان العالم، وهم جميع سكان أوروبا، والأمريكتين واستراليا، وجنوب أفريقيا، ماعدا بعض جماعات قليلة بأوروبا تتكلم لغات أخرى، وكذلك يتكلم بها أعداد كبيرة من سكان آسيا (الهند إيران أفغانستان كردستان، القوقاز الأوسط، أرمينيا.. وغيرها).

    والشعوب الناطقة بهذه الفصيلة (الهندية ـ الأوروبية) هي أرقى الشعوب حضارة في العصر الحاضر، وأعظمها نشاطاً، وأكثرها إنتاجاً في مختلف فروع الحياة.

    ويرجع الفضل في انتشار هذه الفصيلة، إلى عوامل كثيرة، أهمها الغزو والاستعمار. فعلى أثر غزو الآريين للهند، انتشرت لغاتهم في هذه البلاد، وقضت على لغات السكان الأصليين. وعلى أثر استعمار الأوروبيين للأمريكتين، واستراليا، وجنوب أفريقيا، انتقلت إلى هذه المناطق اللغات الإنجليزية والأسبانية والفرنسية.

    وتمتاز هذه الفصيلة بكثرة شعوبها، واتساع هوة الخلاف بين أفرادها. فقد انقسمت أولاً إلى الطوائف الثماني السابق ذكرها، وانقسمت كل طائفة إلى شعبة، وكل شعبة إلى عدد كبير من اللغات؛ وكثرت وجوه الخلاف بينها، وتضاءلت وجوه الشبه، حتى إن بعضها ليبدو غريبا عن بعضها الآخر.

    ويرجع السبب في هذا إلى عوامل كثيرة، أهمها اختلاف البيئات، التي انتشرت فيها هذه الفصيلة، واختلاف ظروف تلك البيئات الاجتماعية.

2. الفصيلة الحامية السامية

    وتشتمل على مجموعتين من اللغات، هما السامية، والحامية.

    فأمّا اللغات السامية: فمصطلح حديث وهي منسوبة إلى سام أحد أبناء نوح u. وأول من أطلق هذا المصطلح هو شلوتسر عام 1781م عندما كان يبحث عن تسمية مشتركة للعبريين، والعرب، والأحباش، الذين ظهر في لغاتهم تشابه وصلات قربى.

    ويرى أحد الدارسين المعاصرين، في تمسك المستشرقين بهذا المصطلح، نزعة توراتية، تسعى إلى ادعاء السامية وقصرها على اليهود، مجاراة لهم في اعتقادهم، بتصدرهم الشعوب السامية التي كادوا أن ينفردوا من دونها بهذا الاسم.

وتشمل اللغات السامية:

أ. اللغات السامية الشمالية: ومنها الأكادية، أو الآشورية البابلية، واللغات الكنعانية (العبرية والفينيقية)، واللغات الآرامية.

ب. اللغات السامية الجنوبية: وتشتمل على العربية، واليمنية القديمة، واللغات الحبشية السامية[9].

وأمّا اللغات الحامية: فهي نسبة إلى حام بن نوح u. ومنطقة انتشارها قديماً مصر والشمال الأفريقي، وتضم ثلاث طوائف:

(1) اللغات المصرية:

    وقد اشتهرت في مصر منذ حوالي 3000 ق.م، وتشمل المصرية القديمة، "الهيروغليفية"، وقد اقتصر استخدامها على الكهنة(أُنظر ملحق اللغة الهيروغليفية "المصرية القديمة")، والديموطيقية: وهي تطور من الهيروغليفية، وقد ظلت سائدة حتى انتشار المسيحية، والقبطية: وهي لغة المصريين منذ استقرار المسيحية في مصر

(2) الحامية الشرقية (الكوشية):

    تشمل الركن الشرقي في أفريقيا، ما عدا المناطق التي انتشرت فيها اللغات الحبشية السامية، ومن فروعها:العفر، والجالا، والصومالية، والبدجا، وغيرها.

(3) الحامية الشمالية:

    وهي اللغات التي تشمل أفريقيا (من سيوة إلى المحيط الأطلسي) أي جزء من غرب مصر ليبيا وتونس والجزائر والمغرب والصحراء، والجزر المتاخمة لها.

من هذا يظهر أن المنطقة التي كانت تتكلم لغات من الفصيلة الحامية - السامية أصغر، بكثير من المنطقة التي تشغلها اللغات الهندية ـ الأوروبية، فمنطقتها لا تتجاوز عشرين مليون كيلومترٍ مربعٍ، وهذه المساحة تحتوي على صحراوات واسعة، ولا يكاد يتجاوز عدد الناطقين بها مائتي مليون، أي نحو عشر سكان أوروبا وحدها.

    ومن الملاحظ على لغات هذه الفصيلة، أن بعضها قد تغلب على بعض، حين احتدم الصراع بين هذه اللغات، فقد انتصرت الآرامية على الأكادية في أوائل القرن الرابع قبل الميلاد، وانتصرت على العبرية في أواخر القرن الرابع نفسه، ثم تلتها الفينيقية بآسيا في القرن الأول قبل الميلاد.

    وأمّا العربية، فمن المعروف أن لهجة قريش قد سادت على بقية اللهجات العربية، لما لقريش من هيبة دينية واجتماعية ومركز اقتصادي.

    فهذه اللهجة كانت تنظم بها القصائد، وتتفاوض بها الوفود، بل كانت هي اللغة العربية المشتركة، التي كان يتعلمها كل العرب، دون أن يمنع ذلك العربي من أن يتكلم بلهجته الخاصة، فقد كان يلجأ إلى اللغة المشتركة (لغة قريش)، حين يقف موقفاً يتطلب منه الحديث إلى خليط من أبناء القبائل المختلفة، في ناد أدبي، أو محفل للتقاضي، أو سوق للتجارة. أما حين يعود إلى موطنه، فإنه يعود إلى لهجته المحلية، يتعامل بها مع مواطنيه.

    وقد كان توحد اللهجات العربية، على المستوى الأدبي، في صورة اللغة المشتركة (لغة أو لهجة، أو لسان قريش) مقدمة لنزول القرآن الكريم، بتلك اللغة المختارة الصافية. فلما نزل بها القرآن الكريم زاد من قوتها وسلطانها، واتسع نفوذها.

3. الفصيلة الطورانية:

    وتشمل اللغات الآسيوية والأوروبية، التي لا تدخل تحت فصيلة من الفصيلتين السابقتين، كالتركية ـ وكانت تسمى بالعثمانية، وقد بقيت عدة قرون تكتب بالعربية، ثم انتقلت إلى اللاتينية من عام 1928 ـ والتركمانية، والمغولية، والمنشورية، والفينيقية.

    وهذه اللغات ليست فصيلة بالمعنى الصحيح لهذه الكلمة، أي مجموعة ترجع إلى أصول واحدة، ويجمع بين أفرادها صلات تشابه وقرابة، بل هي أمشاج من لغات، لا يؤلف بينها إلاّ صفة سلبية، وهي عدم دخولها في إحدى الفصيلتين السابقتين. ولذا عدل المحدثون من علماء اللغة، عن استعمال كلمة "اللغات الطورانية"، وعمدوا إلى تقسيمها إلى فصائل، يجمع بين أفراد كل منها صلات تشابه، وقرابة لغوية، فتتفق في أصول الكلمات، وقواعد البنية، وتركيب الجمل، وتتكون من الأمم الناطقة بها، مجموعة إنسانية متميزة، ترجع إلى أصول شعبية واحدة أو متقاربة، ويؤلف بينها طائفة من الروابط الجغرافية، والتاريخية، والاجتماعية.

وقد قسمها العلماء إلى تسع عشرة طائفة، هي:

أ. اللغات الصينية التبتية:

وهي أول لغة في العالم نسبة لعدد المتكلمين بها. وتتشعب اللغة الصينية الشعبية، إلى عدد من المجموعات اللهجية التي تختلف عن بعضها البعض اختلافاً كبيراً، خاصة من ناحية اللفظ، بينما تتحدد على أساس جغرافي. فقد تكونت اللغة الأدبية، على أساس اللهجة الشمالية (الماندارينية)، وكانت في السابق لهجة بكين - العاصمة. وكانت الفبينيان هي اللغة الأدبية للصين خلال آلاف السنين، وهي لغة الفئة المكتبية - الإقطاعية. ثم أخذت اللغة الأدبية الدارجة -البانجوا بمزاحمة تلك اللغة. ومنذ منتصف القرن العشرين صارت البونتخوا[10] اللغة الصينية الوحيدة (وهي على أساس لهجة بكين الشمالية). واللغة الصينية غنية بآثارها المعروفة، بدءاً من القرن الخامس عشر ق.م.، بيد أن طابعها الهيروغليفي يجعل من الصعب دراسة تاريخها. ومنذ سنة 1913 بدأ الصينيون باستعمال خط مقطعي لفظي (إلى جانب الكتابة الهيروغليفية) يسمى: تشجوان -تسزيمو، وقد صيغ على أساس من الكتابة الوطنية، لتسهيل لفظ الهيروغليفيات، من قبل اللهجات المختلفة. واستنبط العلماء بعد ذلك أكثر من مائة مشروع شخصي لإصلاح الكتابة الصينية. وكان أوفرها حظاً المشروع القائم على أساس الأبجدية اللاتينية (اُنظر ملحق اللغة الصينية).

ب. مجموعة اللغات اليابانية (اُنظر ملحق اللغة اليابانية).

ج. مجموعة اللغات الكورية.

د. لغة الأينو: في جزر تابعة الآن لروسيا.

هـ. اللغات الأسترالية الآسيوية: في الجزء الجنوبي من الهند

و. اللغات الدرافيدية: وهي التامولية والكانارية وغيرهما.

ز. اللغات القوقازية: الشمالية غير السامية، وغير الهندية ـ الأوروبية. وتشمل السامورية والأرتسية والأديغية.

ح. اللغات القوقازية الوسطى: وتشمل الجيورجية واللازية.

ط. اللغات الآسيوية القديمة: مثل السومرية.

ي. اللغات التركية والمغولية والمنشورية.

ك. اللغات الفينية والأجرية والسامويدية: ويتكلم بهذه اللغات سكان الحوض الأوسط لنهر الفولجا.

ل. لغات الباسك: في منطقة جبال البرانس الغربية على الأطراف الأسبانية والفرنسية.

م. اللغات الهيبر بورية في سيبريا، وما إليها.

ن. اللغات المالابية -البولينزية في جزر المحيطين، الهندي والهادي، في مدغشقر، وإندونيسيا والفلبين، وجاوة، وسومطرة، وتاهيتي، وغينيا الجديدة، والجزر المجاورة لها.

س. لغات سكان أستراليا الأصليين.

ع. اللهجات الأمريكية، التي يتكلم بها سكان أمريكا الشمالية، والجنوبية الأصليون (الهنود الحمر ومن إليهم) وكان يبلغ عددهم حينما اكتشفت أمريكا نحو 40 مليوناً، ثم أخذ عددهم يتناقص شيئاً فشيئاً. وقد كان لتخلخل السكان في هذه المنطقة أثر كبير في تعدد لهجاتها، فقد بلغت 123 شعبة.

ف. لهجات السودان وغانا:

    وهي لهجات تتحدث بها جماعات كثيرة من زنوج السودان وسكان غانا، وهي تنقسم إلى 435 لهجة ترجع إلى ست عشرة شعبة، منها:

(1) الشعبة النيلية التشادية، في المنطقة المحصورة بين أسوان شمالاً وفاشودة جنوباً، وتشتمل على ثلاثين لهجة من أشهرها لهجات النوبة.

(2) وشعبة اللهجات النيلية - الأبيسينية.

(3) وشعبة اللهجات النيلية - الاستوائية.

(4) وشعبة لهجات كردفان.

(5) وشعبة لهجات الكونغو.

ص. اللغات البنطوية:

    ويتكلم بها سكان القسم الجنوبي من أفريقيا، في منطقة واسعة على شكل مثلث، ينطبق رأسه على رأس الرجاء الصالح.

ق. لغات البوشيمان والهوتنتوت والنيجريين:

في الغابات الاستوائية الأفريقية، والمناطق الصحراوية ومنطقة الكاب.

ولمّا كانت هذه الفصائل التسع عشرة، ممثلة للقسم البدائي، أو الذي وقف نموه من لغات بني الإنسان، فإن أهميتها النسبية أقل بكثير من أهمية الفصيلتين السابقتين، (الهندية ـ الأوروبية؛ والحامية ـ السامية)؛ وقد حاولت جمعية اللغة بباريس، أن تعرض في كتابها "لغات العالم" بحثاً موجزاً في هذه الفصائل التسع عشرة، فاستغرق بحثها هذا نحو ستمائة صفحة من القطع الكبير، واشترك في تحريره مجموعة من كبار الأخصائيين في هذه اللغات.

خامساً: ضرورة تعلم الإنسان لغة أجنبية

هل من الضروري أن يتعلم الإنسان لغة أجنبية؟

هناك أسباب مهمة كثيرة، لتعلم لغة أجنبية، ومنها ما يلي:

1. يزيد تعلم اللغة الأجنبية إمكانية التحدث مع أناس كثيرين. وكمثال على ذلك، إذا كنت تتكلم العربية فقط فيمكنك التخاطب مع أكثر من 120 مليون شخص من متحدثي اللغة العربية، وإذا تعلمت الإنجليزية فيمكنك حينئذ التخاطب مع أكثر من 400 مليون شخص. وعندما تتعلم الأسبانية أيضاً، يمكنك التحدث مع الـ 297 مليون شخص من الناطقين بالأسبانية، في أمريكا اللاتينية، وأسبانيا ومناطق أخرى من العالم.

2. بتعلم اللغات الأخرى، تُكْتسب المعارف حول عادات شعوب أخرى وتقاليدها وأساليب حياتها. فعند تعلمك اللغة الفرنسية، على سبيل المثال، تتعرف على الكيفية التي يعيش ويتصرف ويفكر بها الشعب الفرنسي.

3. تساعد اللغة الأجنبية على زيادة معرفتك بلغتك الأم. فمثلاً، عندما يدرس الناطقون بالفارسية، اللغة العربية يزداد فهمهم لكثير من آلاف الكلمات الفارسية، ذات الجذور العربية.

4. يساعد تعلم اللغة الأجنبية على توسيع ذخيرتك من المعلومات العامة، ويمكن أن يكون بمثابة مفتاح يفتح لك آفاقاً جديدة من المعرفة. فإذا تعلمت اللغة الألمانية مثلاً، أصبحت قادراً على قراءة الكتب المكتوبة بالألمانية، حول أي موضوع ترغب في دراسته.

5. يشمل تعلم أية لغة أربع مهارات مختلفة وهي:

أ. المحادثة.

ب. الفهم.

ج. القراءة.

د. الكتابة.

وعندما تفهم لغة أجنبية، وتجعل ما تعبر عنه، بالكلام أو الكتابة، مفهوماً، تكون قد برعت في هذه اللغة.

6. أضف إلى هذه الفوائد، القول المشهور "من تعلم لغة قوم أمن مكرهم".

7. طرق الدراسة

    لا توجد لغة سهلة أو صعبة بذاتها. وتعتمد سهولة أية لغة أو صعوبتها على عمر الشخص الذي يتعلمها. فقبل سن العاشرة، تكون جميع اللغات متساوية في السهولة، حيث يتم تعلمها بطريقة المحادثة الطبيعية (الاستماع والمحاكاة). وبعد سن العاشرة، فإن عادتنا اللغوية تكون متكيفة مع لغتنا الأم. ومنذ ذلك الحين، يصبح تعلم لغة أخرى سهلاً، بالقدر الذي تكون فيه مشابهة للغتنا الأصلية، ويصبح صعباً بالقدر الذي تختلف فيه تلك اللغة، عن لغتنا الأصلية. وبناءً على ذلك، فإنه من المرغوب فيه، تعلُم اللغة الأجنبية في سن مبكرة قدر الإمكان. لذا نجد أن بعض الأطفال، يبدأون في تعلم لغة أجنبية في المدرسة الابتدائية. على أن علماء التربية، يؤكدون على أهمية إعطاء تعلم لغة البلاد الأصلية المجال في التعليم الابتدائي وعدم مزاحمة اللغة الأولى بلغة أخرى في هذه المرحلة. ومع ذلك، فإنه يمكن للطلاب تعلم اللغات الأجنبية، بعد سن العاشرة، بإحدى الطريقتين التاليتين أو بكلتيهما: طريقة القواعد، وطريقة المحادثة.

أ. طريقة القواعد اللغوية

    فيها يتعلم الطلاب القواعد العامة للغة، وتطبيقها على أوضاع معينة؛ ففي درس لقواعد اللغة الفرنسية، على سبيل المثال، يمكن التركيز على الاستخدام الصحيح للجنس، من حيث التذكير والتأنيث. ويتعلم الطلاب أن الكتاب اسم مذكر والمسطرة اسم مؤنث. وبهذه الطريقة، يتعلم الطلاب قواعد اللغة، وفي الوقت ذاته تزداد ذخيرتهم من المفردات.

ب. طريقة المحادثة

    وفيها يحاول الطلاب، محاكاة العملية التي يتعلم بها الأطفال صغار اللغة. فيستمع الطلاب إلى المعلم، ثم يقلدون الأصوات، والكلمات، والجمل. إن طريقتي القواعد اللغوية، والمحادثة التطبيقية فعّالتان. ويبدو أن الطريقة المثلى للأطفال كبار السن، والبالغين، هي دمج الطريقتين المذكورتين معاً.

8. معينات الدراسة، استخدم طلاب اللغة منذ مئات السنين كتب قواعد اللغة وكتب التمارين والمعاجم. وتشتمل معينات الدراسة الحديثة وبالأخص للغة المحادثة على:

أ. تسجيلات صوتية مع الكتيبات المصاحبة لها.

ب. أجهزة تسجيل سمعية تتيح للطلاب الاستماع للمادة اللغوية، وتكرار ذلك، ومسح ما يكررونه ثم المحاولة مرة أخرى.

ج. أشرطة فيديو، والدوائر التلفازية المغلقة التي تتيح للطلاب مراقبة حركات أفواههم ومقارنتها بحركات متكلم ما.

د. أجهزة الحاسوب التي تصحح ترجمات الطلاب للكلمات، والعبارات على شاشة عرض بالفيديو.

    ولا توفر وسائل الدراسة اللغوية هذه، تعليماً وتدريباً فحسب، بل تعليماً ذاتياً أيضاً، حيث يمكن استخدامها من دون معلم. إحداهما بالأخرى، سواء في ذلك أتغلبت إحداهما على الأخرى، أم بقيت كل واحدة منهما بجوار أختها.


 



[1] جول فيرن (1828 - 1905): كاتب فرنسي. يُعد زعيماً من زعماء الرواية العلمية Science fiction. وقد اشتهر برواياته، التي تنبأ فيها ببعض الإنجازات العلمية، التي تحققت، بعد وفاته، كالرحلة إلى القمر وغيرها. من أشهر آثاره: "من الأرض إلى القمر" (1865) و "عشرون ألف فرسخ تحت سطح البحار" (1869 - 1870)، و"حول العالم في ثمانين يوماً" (1873).

[2] دي سوسير (1857 - 1913): عالم لغوي سويسري. عدّه كثير من الباحثين مؤسس علم اللغة الحديث. عُني بدراسة اللغة الهندية ـ الأوروبية، وقال إن اللغة يجب أن تعتبر ظاهرة اجتماعية. أشهر آثاره: "بحث في الألسُنيّة العامة" (وقد نُشر عام 1916، بعد وفاته).

[3] الانكشارية : فرقة مختارة من فرق الجيش العثماني. أُنشئت في القرن الرابع عشر، في عهد السلطان مراد الأول. وكان نواتها الأَسرى، والرهائن من فتيان الأسرى. بلغت أوج مكانتها العسكرية في القرنين الخامس عشر والسادس عشر حتى أصبحت قوة سياسية يُحسب لها حساب. قضى عليها السلطان محمود الثاني، بعد أن دبّ إليها الفساد، في مذبحة أعدّها لها، عام 1826. وكلمة "الإنكشاريـة" محرّفة عن اللفظة التركية yeniceri ، التي تعني "الجند الجديد".

[4] موليير (1622 - 1673): كاتب مسرحي، وممثل فرنسي. اسمه الحقيقي جان تيست بوكلان، وموليير اسم شهرته. يُعدّ أعظم كاتب كوميدي فرنسي. من أشهر مسرحياته: "طرطوف" (1664)، و"مُبغض البشر" (1666)، و"البخيل" (1668) و"النسوة المتعالمات" (1672) .

[5] راسين ، جان باتيست (1639 - 1699): شاعر مسرحي فرنسي. يُعدّ أحد أعظم المسرحيين الكلاسيكيين في تاريخ الأدب كله. صوّر الحب، في مآسيه، قوة مدمرة، تقضي على شخصية المحب، وتدفعه إلى ارتكاب الجرائم، ومن ثم تورده موارد التهلكة. من أشهر آثاره "أندروماك" (1667)، و"إيفيجينيا" (1675)، و"فيدرا" (1677).

[6] فولتير (1694 - 1778): كاتب وفيلسوف فرنسي، اسمه الأصلي فرانسوا ماري آروويه، وفولتير اسم شهرته. عُرف بنقده الساخر، ودعوته إلى الإصلاح، ودفاعه عن الحرية والمساواة وكرامة الإنسان. من أشهر آثاره: "رسائل فلسفية" (1734)، و"زاديغ" أو "صادق" (1747) وقد نقلها إلى العربية الدكتور طه حسين، تحت اسم "القَدَر"، و"كانديد" (أو الساذج) (1759)، و "المعجم الفلسفي" (1764).

[7] لامارتين ، ألفونس دو (1790 - 1869): شاعر وسياسي فرنسي. يُعدّ أحد أكبر شعراء المدرسة الرومانسية الفرنسية. خاض غمار السياسة، فتولى رئاسة الحكومة المؤقتة، بعد ثورة 1848. من أشهر أعماله "تأملات شعرية" (1820)، و"جوسلين" (1836)، و"سقوط ملاك" (1838).

[8] هرم اللغات العالمية في القرن الواحد والعشرين اللغات الكبرى الصينية، الهندية/ الأوردية/ العربية اللغات الإقليمية (لغات الكتل التجارية الرئيسية) العربية، المالاوية، الصينية، الإنجليزية، الروسية، الأسبانية اللغات القومية حوالي 90 لغة تخدم أكثر من 220 دولة اللغات المحلية لغات العالم الباقية، التي يقدَّر عددها بنحو 1000 لغة بعضها يستخدم رسمياً وبعضها مهدد بالانقراض شباب العالم العربي سيصبحون، في القرن المقبل، ثالث أكبر قوة شابة في العالم. وتحتل العربية المرتبة الثالثة في تسلسل اللغات، التي يتحدث بها شباب العالم. ويأتي ترتيب العربية بعد الصينية والهندية/ الأوردية، وقبل جميع اللغات العالمية الأخرى، بما فيها الإنجليزية.

[9] جدير بالذكر، أن هناك من الفقهاء من يرى، أن اللغة العربية، لا تنتمي إلى الفصيلة السامية، بل هي والسامية والحامية تنتمي إلى الفصيلة الهندية ـ الأوروبية.

[10] ذُكرت في بعض المراجع "بوتونغوا".