إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات سياسية عسكرية / الصراع في جنوبي السودان





موقع منطقة إبيي
المناطق الحدودية المختلف حولها

مناطق النفط جنوب السودان
أماكن معسكرات الفصائل
الموقع الجغرافي للسودان
التوزيع القبلي
التقسيم الإداري للسودان
التقسيم الإداري لجنوب السودان
تضاريس السودان
قناة جونجلي



المبحث التاسع

المبحث السابع عشر

تطور الصراع خلال العام 2004

أولاً: الصراع المسلح

كان من نتيجة الاتفاقات التي وقعها الطرفان عام 2003/2004، توقف أعمال القتال بين الشمال والجنوب؛ إلاّ أن الأمر لم يخلُ من بعض حوادث العنف والقتال ذات الطابع الانتقامي، بين أهل الجنوب أنفسهم.

بعد إعلان "لام كول" انفصاله عن الحركة الموالية للحكومة السودانية، والتي تعرف بالجبهة المتحدة للتحرير الشعبي، وعودته للجيش الشعبي، وقع نزاع بين الطرفين. فشنت ميليشيات الجبهة المتحدة الموالية للحكومة في 2 أبريل 2004، هجوماً في منطقة شيلوك أدى إلى مقتل مزارعَيْن. ورد الجيش الشعبي في 4 أبريل بهجوم على جزيرة طويلة أدى إلى مقتل (24) مدنياً.

ومع هدوء الموقف العسكري في الجنوب، انفجر الموقف غرب السودان في دارفور، وتصاعدت حدة أعمال القتال بين الحكومة السودانية ومتمردي دارفور. وقُدرت أعداد القتلى بالآلاف، تتفجر أزمة جديدة لتضع الحكومة في مأزق جديد.

ثانياً: تطور المفاوضات

وقعّت الحكومة السودانية والحركة الشعبية لتحرير السودان في نيفاشا، 7 يناير 2004، اتفاق تقاسم الثروة، يشمل الفترة السابقة للفترة الانتقالية، وكذلك الانتقالية.

وبعد قبول التحالف الوطني الديموقراطي المعارض، عضوية الحركة الشعبية لتحرير السودان في فبراير 2004، علقت الحكومة السودانية اتصالاتها بالتحالف.

استمرت المفاوضات بين الحكومة والحركة الشعبية بعد توقيع اتفاق تقاسم الثروة مدة 101 يوم، خلال شهر أبريل/ مايو، وبصعوبة بالغة ونفور من رؤساء اللجان التفاوضية، وبعد تأخير 9 ساعات عن التوقيت المحدد للتوقيع بسبب الخلافات، تم توقيع ثلاث اتفاقيات حول تقاسم السلطة، وحل النزاع في ولايتي جنوب كردفان والنيل الأزرق، وحل النزاع في منطقة أبيي. وكان التوقيع في نيفاشا، يوم 26 مايو 2004.

وفي حفل كبير بقصر الرئاسة الكيني، ووسط حضور عربي وإقليمي ودولي واسع، يتقدمه الرئيس الكيني وممثل الأمين العام للأمم المتحدة وأمين عام الجامعة العربية والمبعوث البريطاني للسلام ووزير الدولة للتنمية النرويجية، إضافة إلى وزير الخارجية المصري "أحمد ماهر" وعدد من وزراء خارجية دول منظمة الإيقاد، وممثلين أوروبيين وأفارقة، جرت مراسيم التوقيع على ما أُطلق عليه "إعلان نيروبي"، في نيروبي، 5 يونيه 2004، والذي تضمن توثيق الاتفاقيات الست التي توصل إليها "اتفاق مشاكوس لحق تقرير المصير، واتفاق الترتيبات الأمنية، واتفاق تقاسم الثروة، واتفاق تقاسم السلطة، واتفاق منطقة أبيي، واتفاق منطقتي جبال النوبة وجنوب النيل الأزرق".

اهتم المجتمع الدولي بعملية السلام في السودان وما حققته من خطوات متقدمة، بعد "إعلان نيروبي"، 5 يونيه 2004. وانتقلت الرؤية إلى الدخول في مرحلة التنفيذ. واتخذ مجلس الأمن قراره الرقم 1547، بتاريخ 11 يونيه 2004، لدعم عملية السلام، وإرساله بعثة سياسية متقدمة لمتابعة تنفيذ اتفاق الترتيبات الأمنية.

في إطار دعم الأمم المتحدة للعملية السلمية في جنوب السودان ودارفور، زار الأمين العام للأمم المتحدة الخرطوم في 29 يونيه 2004، والتقى الرئيس "عمر البشير" وشارك في قمة الاتحاد الأفريقي بأديس أبابا، في 6 يوليه 2004.

وفي أكتوبر 2004، استؤنفت المفاوضات بين الحكومة والحركة الشعبية في نيروبي، حول آليات تقاسم السلطة والترتيبات الأمنية.

عندما طالت الفترة الزمنية للمفاوضات النهائية، على نحو تجاوز التوقعات المبدئية، اتجهت الأطراف الدولية، خاصة الولايات المتحدة الأمريكية، نحو تكثيف ضغوطها على طرفي التفاوض، ما اضطرهما إلى إبرام ما عُرف بـ "إعلان نيروبي"، الذي جرى التوقيع عليه في 19 نوفمبر 2004، وتعهد فيه الطرفان بالوصول إلى اتفاق سلام نهائي بحلول 31 ديسمبر 2004.

وتضمن "إعلان نيروبي" الإعلان عن اختتام مفاوضات الإيقاد بشأن السلام في السودان، من قِبل الحكومة السودانية والحركة الشعبية، في نيروبي، في 19 نوفمبر 2004.

وخلال الفترة نفسها، وفي سابقة لم تحدث منذ 14 عام، غادر مجلس الأمن مقره في نيويورك، وبدعم أمريكي وأوروبي، ليعقد اجتماعاً تاريخياً واستثنائياً في 18 نوفمبر 2004 في نيروبي، لإعطاء دفعة لاستكمال المفاوضات. وأصدر قراره الرقم 1574/ نوفمبر 2004، بالتزام الأطراف التوقيع على اتفاق السلام الشامل في موعد غايته 31 ديسمبر 2004.

ونتيجة للضغوط الأمريكية والدولية، وقِّعت ثلاث بروتوكولات في نيفاشا، في 31 ديسمبر 2004؛ الأول خاص بآليات تطبيق بروتوكول تقاسم السلطة، بتاريخ 26 مايو 2004؛ والثاني خاص بآليات تطبيق وقف دائم لإطلاق النار والترتيبات الأمنية. أما الثالث فهو خاص بآليات تطبيق البروتوكولات والاتفاقيات التي وقعت بين الحكومة والحركة الشعبية.

ثالثاً: الاتفاقيات المؤثرة على مسيرة السلام خلال هذه الفترة

1. اتفاق تقاسم الثروة (نيفاشا، 7 يناير 2004)

نص الاتفاق على الأتي:

·    تأسيس لجنة الأراضي الوطنية، ولجنة أراضي جنوب السودان، ولجان أراضي الدولة، ولجنة بترول وطنية لإدارة الموارد البترولية.

·    تقاسم العائدات النفطية من الحقول الجنوبية بين الحكومة والحركة الشعبية، وذلك بعد منح نسبة 2% إلى الولايات التي سوف يستخرج النفط منها، مع عدم تمتع حكومة جنوب السودان بسلطة التفاوض على عقود النفط، التي أبرمتها الحكومة السودانية قبل اتفاق السلام الشامل.

·    تخصيص نصف العائدات غير النفطية، مثل الضرائب والجمارك وضرائب الدخل الشخصية وضرائب الأعمال، والتي تُجمع من الجنوب عن طريق الحكومة الوطنية، أو حكومة الجنوب، أو حكومة الولايات التابعة لحكومة الجنوب، وذلك تحت إشراف لجنة مشتركة من الجانبين.

·    وضع نظام مصرفي ثنائي، بحيث يكون النظام إسلامياً في الشمال وتُمنع الفائدة بموجبه، ونظاماً مصرفياً عادياً في الجنوب ولا يتبع الشريعة الإسلامية. وعلى هذا الأساس فإن النظام البنكي المزدوج سوف يؤدي إلى تقديم البنوك العامة خدمتين مختلفتين. كما يفتح البنك المركزي السوداني فرعاً له في بنك جنوب السودان.

·    الاعتراف بعملتين منفصلتين في الشمال والجنوب، حتى يُصمم البنك المركزي عملة جديدة تعكس التنوع الثقافي للسودان.

·    إقامة صناديق وطنية وجنوبية لإعادة الإعمار والتنمية، إلى جانب صندوقين متوافقين من صناديق الائتمان المتعددة للمانحين.

·    رفع مستوى التنمية في الجنوب إلى مستواها في الشمال.

(اُنظر ملحق نص اتفاق تقاسم الثروة بين الحكومة السودانية والحركة الشعبية لتحرير السودان، نيفاشا، 7 يناير 2004)

2. اتفاق تقاسم السلطة (نيفاشا، 26 مايو 2004)

نص الاتفاق على الآتي:

·    يكون في السودان حكومتان؛ الأولى حكومة وطنية بتمثيل من كلا الطرفين في الشمال والجنوب، والثانية حكومة منفصلة لجنوب السودان، ويجب على دستور جنوب السودان ودستور الولايات أن يمتثلا للدستور الوطني المؤقت.

·    تشكيل حكومة وحدة وطنية، تعمل بنظام لا مركزي من شأنه أن يمنح سلطة أكبر للولايات الفردية.

·    تقسيم الوظائف في حكومات الدولة بنسبة (70 : 30) لصالح حزب التجمع الوطني في الولايات الشمالية (نسبة 20% للأحزاب الشمالية الأخرى، ونسبة 10% لصالح الحركة الشعبية). وبنسبة (70 : 30) لصالح الحركة الشعبية في الولايات الجنوبية (15% لصالح الأحزاب الجنوبية الأخرى، ونسبة 15% لصالح حزب التجمع الوطني). ويكون التقسيم في ولايات أبيي والنيل الأزرق وجبال النوبة بنسبة 55% لحزب التجمع الوطني ونسبة 45% للحركة الشعبية.

·    تكون السلطة التنفيذية من الرئاسة ومجلس الوزراء، ويعيّن الرئيس نائبين له، ويكون النائب الأول للرئيس هو رئيس الحركة الشعبية.

·    إقامة سلطة تشريعية وطنية ذات مجلسين، أحدهما قومي والثاني مجلس ولايات يتضمن ممثلين اثنين عن كل ولاية، وتوزّع مقاعد المجلس القومي بنسب محددة (حزب التجمع الوطني 52%، والحركة الشعبية 28%، والأحزاب الشمالية الأخرى 14%، والأحزاب الجنوبية الأخرى 6%).

·    تجّرى الانتخابات بنهاية السنة الثالثة للفترة الانتقالية ـ يوليه 2009.

(اُنظر ملحق نص اتفاق تقاسم السلطة بين الحكومة السودانية والحركة الشعبية، نيفاشا، 26 مايو 2004).

3. اتفاق حل النزاع في ولايتي كردفان الجنوبية، والنيل الأزرق الجنوبية (نيفاشا، 26 مايو 2004)

نص الاتفاق على:

·    تمثيل الولايتين على المستوى الوطني بالنسبة والتناسب مع حجم سكانهما. وعلى المستوى الداخلي يُشكل حزب التجمع الوطني نسبة 55% والحركة الشعبية نسبة 45% من السلطة التنفيذية والسلطة التشريعية للولاية.

·    يكون الحاكم في إحدى الولايتين من الحكومة، وفي الولاية الأخرى من الحركة الشعبية، ولا يتولى أحدهما حكم الولايتين في وقت واحد، وتخصيص منصب نائب الحاكم من الحزب الذي لا يشغل منصب الحاكم.

·    تُقيَّم الاتفاقية في العام الرابع من المرحلة الانتقالية، من خلال مفوضتين أحدهما تكونها اللجنة التشريعية المنتخبة للولاية، والأخرى تُنشؤها مؤسسة الرئاسة. وإذا وافق المواطنون على هذه الاتفاقية من خلال برلمانهم في أي من الولايتين، تكون بذلك تسوية نهائية للصراع السياسي في الولاية. أما في حالة تقرير البرلمان في أي ولاية تصحيح أي خلل في الترتيبات، فيمكنه الشروع في المفاوضات مع الحكومة.

·    أقر الاتفاق أن حدود ولاية جنوب كردفان وجبال النوبة هي ذات الحدود لمحافظة جنوب كردفان السابقة، عندما قُسِّمت كردفان الكبرى إلى محافظتين. كما أقرّ الاحتفاظ بحدود ولاية النيل الأزرق الحالية.

·    توزع نسبة 2% من بترول ولاية كردفان الجنوبية المستحق للولاية بين عنصري الولاية، وسيتم تقسيم الحصة التي تبلغ 2% من بترول منطقة أبيي المستحق للولاية بالتساوي بين جزئي الولاية، وستحقق نسبة 2% التي تشكل حصة منطقة المسيرية في بترول منطقة أبيي الفائدة لجزء من ولاية كردفان الغربية.

(انظر ملحق حسم النزاع في ولايتي جنوب كردفان/ جبال النوبة والنيل الأزرق، نيفاشا، كينيا ، في 26 مايو  2004).

4. اتفاق حل النزاع في أبيي (نيفاشا، 26 مايو 2004)

نص الاتفاق على:

·    تحصل منطقة أبيي على وضعية إدارية خاصة خلال الفترة الانتقالية، بعد تعريف المناطق التابعة لأبيي بواسطة لجنة حدود أبيي.

·    تحصل منطقة أبيي على تمثيل في السلطة التشريعية لولايتي كردفان الجنوبية وداراب، وبنهاية الفترة الانتقالية، التي مدتها ست سنوات، يُستفتى أهالي منطقة أبيي للاختيار بين الاحتفاظ بالوضعية الإدارية الخاصة في الشمال، أو يصبحوا جزءاً من ولاية بحر الغزال (داراب).

·    صافي عائدات النفط لمنطقة أبيي يوزع على ست حصص، تحصل منها الحكومة الوطنية على 50%، وحكومة جنوب السودان على 42%، ومنطقة بحر الغزال (داراب) على 2%، وغرب كردفان على 2%، والجهات المحلية في المسيرية على 2%.

(اُنظر ملحق حسم نزاع أبيي، نيفاشا ، كينيا ، في 26 مايو  2004).

5. آليات تطبيق الاتفاقيات

وقِّعت في نيفاشا، 31 ديسمبر 2004، ثلاثة بروتوكولات تتضمن آليات تطبيق الاتفاقيات الأساسية، وهي تُعَدّ مكملة لها لتطبيق السلام الشامل. ويشمل أحدهم ثلاثة بروتوكولات، أي بإجمالي خمسة بروتوكولات.

أ. آليات تطبيق وقف إطلاق النار والترتيبات الأمنية

(1) إلغاء حالة الطوارئ المفروضة على السودان منذ عام 1999، في جميع المناطق الخاضعة لوقف إطلاق النار.

(2) إطلاق سراح أسرى الحرب في غضون 30 يوماً من توقيع اتفاق السلام الشامل.

(3) تموّل الحكومة الوطنية القوات المسلحة السودانية والقوات المشتركة؛ بينما تموّل حكومة جنوب السودان قوات الجيش الشعبي لتحرير السودان من مصادرها المحلية والأجنبية، والسعي إلى الحصول على مساعدات دولية، على أن تحوّل الإيرادات المالية عبر بنك جنوب السودان، وتُدار وفقاً لاتفاق تقاسم الثروة.

(4) تُراجع السلطة التشريعية القومية المنتخبة خلال الفترة الانتقالية تمويل القوات المسلحة القومية.

(5) تحديد مهام القوات المسلحة والوحدات المشتركة وتخفيضها على مراحل.

(6) تشكيل مجلس دفاع مشترك وتحديد مهامه، ليضطلع بمهمة التنسيق بين الطرفين.

(7) تحديد مراحل انسحاب الجيش السوداني من الجنوب.

(8) تنظيم وتسليح وتدريب وتمركز القوات المشتركة.

(اُنظر ملحق نص اتفاق آلية وقف إطلاق النار والترتيبات الأمنية وآليات التطبيق، نيفاشا ، في 31 ديسمبر 2004).

ب. اتفاق آليات تطبيق بروتوكول مشاكوس واقتسام السلطة

(1) الإعداد للاستفتاء (إصدار قانون انتخابات ـ تشكيل مفوضية للانتخابات ـ تسجيل الناخبين).

(2) تنظيم عودة اللاجئين والمهاجرين وإعادة دمجهم في المجتمع.

(3) إصدار قانون الأحزاب.

(4) تنظيم عمل السلطات الإدارية والتنفيذية والتشريعية والقضائية.

(5) تشكيل مفوضيات قومية للخدمة المدنية وأخرى للأمن القومي.

(6) توزيع السلطات والمسؤوليات.

(7) المصالحة الوطنية.

(اُنظر ملحق نص اتفاق تنفيذ بروتوكول مشاكوس واقتسام السلطة، 31 ديسمبر 2004).

رابعاً: آليات تطبيق البروتوكولات والاتفاقيات التي وقِّعت سابقاً

    ويتضمن ثلاث اتفاقيات

1. وسائل تنفيذ الاتفاق الإطاري لاقتسام الثروة

أ. تنظيم عملية ملكية الأرض وإدارة الموارد البترولية.

ب. الإجراءات العملية لتوزيع إيرادات البترول والموارد غير البترولية، وتشكيل مفوضية عليا لمراقبة الإيرادات المالية.

ج. المعاملات المالية وتمويل الفترة الانتقالية، والنظم البنكية والعملة.

د. تنظيم عمل صناديق إعادة الإعمار.

(اُنظر ملحق نص اتفاق وسائل الاتفاق الإطاري لاقتسام الثروة، نيفاشا، 31 ديسمبر 2004).

2. وسائل تنفيذ حل نزاع أبيي

أ. تنظيم الإدارة في الإقليم (إدارياً ومالياً).

ب. إجراءات تنظيم الاستفتاء.

ج. المصالحة الوطنية.

(اُنظر ملحق وسائل تنفيذ بروتوكول حل نزاع أبيي، نيفاشا، كينيا، 31 ديسمبر 2004)

3. وسائل تنفيذ حل النزاع في ولايتي جنوب كردفان والنيل الأزرق

أ. تنظيم الإدارة في الإقليم (تشريعياً وإدارياً وقضائياً ومالياً)، والترتيبات الأمنية.

ب. إجراءات تنظيم ما قبل الانتخابات.

ج. تشكيل مفوضية لأراضي الولاية.

(اُنظر ملحق وسائل تنفيذ بروتوكول حل النزاع في ولايتي جنوب كردفان والنيل الأزرق، نيفاشا، كينيا، 31 ديسمبر 2004).

خامساً: تقييم الاتفاقيات الموقَّعة

بعد الانتهاء من توقيع الاتفاقيات الستة وآليات تنفيذها، ثار جدل حول تقييم الاتفاقيات بين مؤيد و معارض، واختلفت الآراء حول سلبيات الاتفاق وإيجابياته، وذلك في ضوء الآتي:

1. الرأي الأول

وضع اتفاق السلام حداً للحرب الأهلية في الجنوب المستعرة منذ عام 1983، وأدت إلى مقتل مليوني سوداني، وتشريد حوالي (4) مليون آخرين، منهم (2) مليون نازح في الخرطوم وحولها.

أُسس الاتفاق على الشراكة السياسية بين الشمال والجنوب، ولتكون أساساً للشراكة مع جميع أطراف المعارضة السودانية.

وضع الاتفاق أساساً للتحول الديموقراطي وبناء ثقافة السلام، وأن تُحل النزاعات عبر الوسائل السلمية، وأن اللجوء للعنف من المحرمات الوطنية.

أوجد الاتفاق نموذجاً للتعايش في ظل اختلاف الأيديولوجيات والعقائد والقوميات داخل الوطن الواحد، وأن هذا النموذج يمكن تطبيقه مع البلاد العربية والأفريقية التي تعاني من التعددية.

كما أن وقف الحرب في الجنوب وفر موارد مالية للحكومة السودانية والحركة الشعبية، يمكن استغلالها في التنمية وإعادة الإعمار في الشمال والجنوب. كما أنه وفرّ فرصة للحكومة لتهدئة الأوضاع في شرق السودان، ومواجهة تصاعد أزمة دارفور.

نجح الاتفاق برعاية دول ومنظمات إقليمية ودولية، خاصة الولايات المتحدة الأمريكية، ما يوفر له فرص النجاح مستقبلاً، ويضع المشاركين في موقف الالتزام بالاتفاق وعدم السعي إلى هدمه.

2. الرأي الآخر

أَسس الاتفاق لنظام كونفدرالي في الجنوب وقابل للانفصال مستقبلاً، وأن هذا الوضع وفر فرصة لأقاليم أخرى لتطالب بالمعاملة نفسها، الأمر الذي قد يؤدي إلى تقسيم السودان إلى 4 – 5 مناطق كونفيدرالية، في ظل حكومة مركزية ضعيفة.

حُصر الاتفاق في طرفين أساسيين هما الحكومة والحركة الشعبية؛ فالنظام الحاكم هو الوريث المباشر للجبهة الوطنية الإسلامية وهي الحزب الإسلامي، والذي حصل على 7% من الأصوات في آخر انتخابات عام 1986. كما أن الحركة الشعبية تمثل 30% من أصوات الناخبين في الجنوب. وعلى ذلك فإن موقعي الاتفاقية لا يمثلون مجمل الشعب السوداني، كما أن الحركة الشعبية تعتمد على إقامة تحالفات مستقبلية مع المعارضة الشمالية، وفي شرق وغرب السودان، لإقامة نظام سوداني جديد.

كما أن اتفاق تقاسم السلطة قد يفجر الأوضاع الأمنية مستقبلاً، نظراً لتقاسم الوظائف والمجلس التشريعي بنسب تضم الحكومة السودانية والحركة الشعبية والمعارضة الشمالية والفصائل الجنوبية الأخرى، إلا أن الأمر لم يشمل قضايا الشرق والغرب.

عدم توافر كوادر قيادية جنوبية بالعدد الكافي لتلبية المشاركة السياسية والاقتصادية والعسكرية مع الشمال، أو العمل المستقل في الجنوب.

أعطى الاتفاق صلاحيات واسعة للجنوب في التعامل الخارجي دبلوماسياً واقتصادياً ومالياً، ما يدعم نزعة الانفصال لدى الجنوبيين، ومن هنا جاء الاهتمام الجنوبي بمناطق الثروة النفطية.

نزع الاتفاق سلطات الحكومة الوطنية من الجنوب بعدم وجود قوات سودانية على الحدود الجنوبية، والاعتماد على قوات مشتركة محدودة وجيش جنوب السودان، الأمر الذي يخل بالتوازن العسكري في الجنوب ويمثل تهديداً للأمن القومي السوداني.

لم تشمل الاتفاقيات أي خطط لإعادة إعمار الجنوب وتنميته خلال المرحلة الانتقالية، الأمر الذي يؤثر على المواطن الجنوبي في عدم شعوره بتحسن أحواله المعيشية بعد الاتفاق. وقد يؤدي ذلك إلى زيادة الرغبة في الانفصال أو العودة إلى حمل السلاح. كما أن الوضع قد يقود الجنوب إلى التبعية للخارج والتحالف مع أي قوى خارجية تشاركه في إعادة الإعمار، خاصة أن الاعتماد على التمويل الخارجي لإعداد وتدريب وتسليح جيش جنوب السودان، يجعله عرضة أكيدة للتبعية الخارجية.

غموض اتفاقيات المناطق المهمشة، خاصة منطقة أبيي الغنية بالنفط، يعطي كل طرف فرصة للتفسيرات الخاصة لصالحه، ما يجعلها منطقة ساخنة ومعرضة للخلاف مستقبلاً.

سادساً: الأوضاع داخل السودان

كان لزيارة وفد بارز من الحركة الشعبية إلى الخرطوم، ديسمبر 2003، أثره على سير المفاوضات وعقد الاتفاقيات خلال عام 2004، والتي جاءت بدعوة من الرئيس البشير وبوساطة ليبية. ورافق وفد الحركة فريق أمني من المخابرات الأمريكية على طائرة ليبية من طرابلس، الأمر الذي حول صورة الحركة من جماعة عسكرية إلى جماعة سياسية.

تصاعد الأحداث في إقليم دارفور واهتمام المجتمع الدولي بالقضية، وبدء تداول مصطلح "الإبادة الجماعية" في دارفور، ووضع الحكومة السودانية تحت ضغوط المجتمع الدولي. كما أطلت قضية شرق السودان من جديد، حيث طالب أبناء الشرق بالتعامل مع قضيتهم مثل قضية جنوب السودان، وأنشأوا تحالفاً سياسياً عسكرياً مع المعارضة في دارفور، لمواجهة الحكومة السودانية وإسقاطها.

بعد توقيع إعلان نيروبي، 5 يونيه 2004، بدأت المعارضة الشمالية والجنوبية في إعلان موقفها من الاتفاقيات، فالمعارضة الشمالية في الداخل والخارج عبرت عن موافقتها على الاتفاقيات بعد تعديل النسب في توزيع السلطة والثروة، لزيادة دورها في المشاركة السياسية، إلا أن أمر المعارضة في مجمله لم يؤثر على سير المفاوضات حتى توقيع اتفاقيات ديسمبر 2004.

أما على صعيد القوى الجنوبية المستقلة عن الحركة الشعبية، فقد أعلنت تحفظها على الاتفاقيات خلال المفاوضات وبعدها. كما حاولت مقاومة واقع التهميش في العملية التفاوضية لمشاركة الحركة الشعبية في الحياة السياسية، إلا أنها ـ في النهاية ـ لم تتمكن من مناوأة الحركة الشعبية، أو حتى سحب الاعتراف بها.

أما على المسار الداخلي للحركة الشعبية، فقد تردد وجود خلافات حادة بين زعيم الحركة "جون قرنق" ونائبه "سلفاكير"، القائد العسكري الرئيسي في الحركة، في نوفمبر 2004، وأن الخلافات حول بعض القضايا الإستراتيجية والمناصب العليا، إلاّ أن الخلاف تم احتواؤه، وأعلنت الحركة عن تشكيل ثلاث لجان، الأولى عسكرية برئاسة "سلفاكير"، وأخرى مدنية برئاسة "رياك مشار"، وثالثة إدارية برئاسة "جيمس واني إيفا"، وشددت الحركة على وحدتها.

أعلنت الحكومة السودانية، في سبتمبر 2004، عن محاولة لقلب نظام الحكم بواسطة أنصار "حسن الترابي" زعيم المؤتمر الوطني الشعبي المعارض، وتعرض الترابي للاحتجاز مع عدد كبير من أنصاره، وجرت محاكمة (28) منهم وإدانتهم، وفرضت حالة الطوارئ في الخرطوم وحولها. ونُشير هنا أن الترابي سبق اعتقاله وأُفرج عنه في 13 أكتوبر 2003، وتكرر الاعتقال في مارس/ أبريل 2004، وفي إطار الهجوم على الحكومة، كان هناك تصريح لنائب حسن الترابي في يوليه 2004، اتهم فيه الرئيس البشير بالإشراف والتورط في محاولة اغتيال الرئيس المصري حسني مبارك عام 1995.

سابعاً: الموقف الإقليمي

1. مصر

أخذ السودان موقفاً بارزاً ضمن أولويات السياسة المصرية خلال عام 2004، حيث اعتمد على التخفيف من ضغوط المجتمع الدولي وقرارات مجلس الأمن على الحكومة السودانية بشأن أزمة دارفور، والتنسيق مع الأطراف الدولية لعدم فرض عقوبات على السودان، ومع الأطراف العربية لبلورة موقف داعم للسودان في اجتماع القمة العربية، ومع الاتحاد الأفريقي في أديس أبابا، في يوليه 2004، لدعم الجهود الأفريقية، ومع الدول الإقليمية في قمة سرت بليبيا، أكتوبر 2004، لتأكيد أهلية النطاق الإقليمي، التي جاءت في أعقاب قرار مجلس الأمن لتكوين لجنة تحقيق دولية عن الأوضاع في دارفور، سبتمبر 2004.

تحركت الدبلوماسية المصرية لإقناع الولايات المتحدة الأمريكية عدم استخدام أسلوب فرض العقوبات والضغط على النظام في الخرطوم؛ لأن ذلك يؤدي إلى تقويض الاستقرار في السودان وينعكس سلباً على المنطقة والمصالح الدولية بها، وهو أمر تم تداوله مع وزير الخارجية الأمريكي "كولن باول" في القاهرة، نهاية يوليه 2004.

ولعبت مصر دور رئيسياً في الوساطة بين الحكومة السودانية والمعارضة. فعُقدت في القاهرة جولتان من المفاوضات في أغسطس وأكتوبر 2004، واجتماع آخر في سبتمبر 2004 بالقاهرة، حضره "تشارلز سنادير" مبعوث الإدارة الأمريكية للسلام في السودان، و"محمد عثمان الميرغني" رئيس التجمع الوطني المعارض، وعدد من المسؤولين المصريين. وحرصت القاهرة في جولات التفاوض على عدم التدخل المباشر في المفاوضات، إلاّ بالقدر الذي يسهُم في دفعها.

كما استقبلت القاهرة "جون قرنق"، زعيم الحركة الشعبية، قادماً من واشنطن، واستمعت لرؤيته بوضع اتفاق نيفاشا كأساس للتفاوض، وأن أي منابر تفاوضية أخرى من شأنها توسيع مساحة المناورة للحكومة السودانية. وقد وافقت القاهرة على هذا الأمر.

اتجهت القاهرة إلى إحياء التكامل مع الخرطوم بعد زيارة الرئيس "عمر البشير" إلى القاهرة، في 18 يناير 2004. فاتفق على إصدار قانون للحريات الأربع (التملك، والتنقل، والعمل، والإقامة)، ووقع عدد من البروتوكولات، أبرزها الأمني والإعلامي، والدفع بعملية الاستثمار وتطوير البنية الأساسية، خاصة في جنوب السودان.

بيد أن عملية الدفع نحو التكامل لم تتمكن من تجاوز القيود والصعوبات؛ فقانون الحريات الأربع لم تستطع مصر تطبيقه كاملاً بسبب زيادة الهجرة السودانية إلى مصر، نتيجة عدم الاستقرار الداخلي وتداعيات هذه القضية على الحالة الاقتصادية المصرية.

كما أن الخرطوم لم تنفذ التزاماتها بشأن عودة عمل فرع جامعة القاهرة في الخرطوم. كما تعطل إنشاء فرع جامعة الإسكندرية في جنوب السودان بسبب التجاذب السياسي بين الحكومة والحركة الشعبية، بعد مطالبة الحركة بأن تكون الجامعة في رومبيك، بوصفها عاصمة الجنوب، وليس مدينة جوبا العاصمة التاريخية، والتي تقع ضمن مناطق نفوذ قبائل منافسة للدينكا.

كما تعثرت المشروعات الزراعية المشتركة ومشروعات قطاع الأعمال، إلاّ من بعض المشروعات العقارية وإنشاء الطرق، وعدد محدد من المستشفيات، ومحطات الكهرباء، ومحطات تحلية المياه، في جنوب السودان.

وجهت بعض المصادر السودانية اتهاماً إلى مصر بالقصور في التعامل مع القضية السودانية، وأن سياستها تعتمد على رد الفعل، بسبب غياب الإستراتيجية المصرية في التعامل مع عمقها الجنوبي، وأن ما تقوم به مصر لا يرقى إلى وزنها ومكانتها.

2. كينيا

لعبت نيروبي دوراً فاعلاً في نجاح مفاوضات نيفاشا، حيث استضافت جميع جولات التفاوض، ودور الوساطة للدفع بالمفاوضات إلى تحقيق تقدم على طريق السلام.

وعلى الرغم من انحياز كينيا أحياناً إلى جانب الحركة الشعبية، بسبب الروابط الأفريقية المشتركة ورفضها إقامة نظام إسلامي في جنوب السودان، إلاّ أنها كانت مقبولة إلى حد بعيد من الحكومة السودانية للعمل كوسيط بين أطراف التفاوض، لأنها تمثل الدولة الإقليمية الوحيدة التي لم يكن لها صراع مع الحكومة السودانية.

3. إريتريا

اتسمت هذه الفترة بتصاعد الخلافات الإريترية السودانية. وقد وجهت الحكومة السودانية اتهامات عنيفة لإريتريا بشأن دعمها السياسي والعسكري للجماعات المعارضة في دارفور وشرق السودان والتجمع الديموقراطي المعارض. وتقدم السودان بشكوى رسمية ضد إريتريا في مجلس الأمن، في يناير 2004. كما وجه الرئيس البشير اتهاماً رسمياً آخر إلى إريتريا في سبتمبر 2004، بزعزعة الأمن في السودان.

كما وجه الرئيس الإريتري "أسياسي أفورقي" اتهاماً للرئيس السوداني بالتدخل في شؤون بلاده الداخلية ودعمه حركة الجهاد الإسلامي الإريترية المعارضة، في محاولة لتصدير الثورة الإسلامية والإطاحة بنظام حكمه. وأشار إلى حشود عسكرية سودانية في المنطقة الحدودية تُحضِّر لعمل عسكري ضد إريتريا.

ويعزى بعض المراقبين العداء بين السودان وإريتريا إلى الأطماع الإريترية في الأراضي السودانية الخصبة في مناطق البجة، خاصة دلتا الفاشي وطوكر وربما كسلا، وسعي الحكومة الإريترية إلى إقامة منطقة عازلة وتصفية المعارضة الإريترية منها، إضافة إلى تخوف إريتريا من حركات المعارضة الإريترية الإسلامية، التي تدعمها الحكومة السودانية.

4. إثيوبيا

على الرغم من وجود هواجس أمنية متبادلة بين السودان وإثيوبيا، واتهامات متبادلة بشأن التدخل في الشؤون الداخلية، وتأمين الحدود المشتركة، إلاّ أن المرحلة شهدت تطوراً في العلاقات السياسية والاقتصادية والعسكرية المشتركة.

جاء تحسن العلاقات الإثيوبية السودانية على حساب تصاعد النزاع الحدودي بين إثيوبيا وإريتريا، التي تقدمت بخطة لحل النزاع بالطرق الدبلوماسية في سبتمبر2004، وحصول إثيوبيا على الدعم الأمريكي والمجتمع الإقليمي والدولي، في موقفها من النزاع الحدودي مع إريتريا، مع تراجع مكانة إريتريا مع واشنطن والمجتمع الدولي.

انعكس تحسن العلاقات السودانية الإثيوبية بشكل سلبي على الحركة الشعبية، بعد خسارتها لحليف إستراتيجي داعم لحربها مع الشمال، ما شكل ضغطاً على الحركة الشعبية في جولاتها التفاوضية.

5. جامعة الدول العربية

تركز دور الجامعة العربية خلال هذه الفترة في متابعة تطورات الموقف السياسي ومحاولة التوفيق بين الحكومة السودانية والمعارضة، إلاّ أن الحركة السياسية كانت بعيدة عن الإيجابية بشكل عام.

واستكمالاً لدورها التنموي من خلال الدول وصناديق التمويل والاستثمار العربية، تمكنت الجامعة العربية من توفير 1.8 مليار دولار لتنمية السودان وجنوبه، في فبراير 2004، إلاّ أن ما حصلت عليه السودان لا يتجاوز نصف هذا الدعم لدرجة توقف بعض المشاريع في مجال الطرق والبنية التحتية.

6. منظمة الإيقاد

يُعَدّ النجاح الذي حققته منظمة الإيقاد في حل مشكلة جنوب السودان، نموذجاً لأهمية الحلول الإقليمية عند التعامل مع قضايا المنطقة، إلا أنه ينبغي أن نتحفظ، إلى حد ما، حول التمسك بهذا النموذج كقاعدة دائمة للحلول الإقليمية؛ فالمنظمة هي أفريقية بالأساس، وتميل إلى دعم القضايا الأفريقية، كما أن المتابع لدورها في الجولات التفاوضية يجد أنها في معظم المقترحات كانت معبرة عن وجهة النظر الأمريكية، وواقعة تحت الضغوط الأمريكية.

نجحت منظمة الإيقاد في توقيع الاتفاقيات الست بين الحكومة السودانية والحركة الشعبية في نيروبي، يونيه 2004. ونتيجة لطول فترة المفاوضات حول آليات تنفيذ الاتفاقيات الموقعة، والتي كانت تمثل الجزء النهائي من اتفاق السلام الشامل، وارتباطاً بميزانية سكرتارية منظمة الإيقاد المقررة من الدول المانحة، انتهى دور المنظمة في المفاوضات، 19 نوفمبر 2004، حيث تولت الأمم المتحدة والأطراف المشاركة، خاصة الولايات المتحدة الأمريكية، الضغط على الأطراف لتوقيع اتفاقيات آليات التنفيذ في 31 ديسمبر 2004.

سابعاً: الموقف الدولي

1. الولايات المتحدة الأمريكية

ارتكزت السّياسة الأمريكية في التعامل مع قضية جنوب السودان على مجموعة من العوامل، أولها الاعتماد الكلي على دراسات وتقارير مركز الدراسات الإستراتيجية والدولية بواشنطن لرسم السياسة الأمريكية في السودان. والملاحظ هنا أن التقرير السابق الذي أعده المركز عام 2001 عن السودان، عبّر عن السياسة الأمريكية وما تم الاتفاق عليه حتى عام 2003.

وفي يناير 2004، أعد المركز تقريراً آخر، تنفيذاً لقرار الكونجرس الأمريكي لإعداد توصيات لوزير الخارجية الأمريكية، حيث تطابقت التوصيات مع السياسة الأمريكية في السودان خلال عام 2004.

والعبرة هنا بدوائر صنع القرار ونظام عمل مراكز البحث؛ ففريق عمل المركز الأمريكي، الذي أعد التقرير، كان من أربعة شخصيات متخصصة في الشأن الأفريقي. فقد أجرى بحوثاً ومقابلات في واشنطن، وزار الخرطوم وكينيا لمدة ثلاثة أسابيع، حيث أجرى لقاءات متعددة في الخرطوم وفي مناطق أعالي النيل وبحر الغزال والاستوائية في الجنوب وفي جبال النوبة، ورمبيك معقل الحركة الشعبية، وأبيي وملكال في مناطق إنتاج النفط. وزار الوفد نيروبي وأجرى لقاءات مع مئات الشخصيات السودانية والأجانب، ومن الحكومة السودانية والحركة الشعبية والأحزاب المعارضة في الشمال، ورجال أعمال وجماعات حقوق إنسان، ومنظمات المجتمع المدني، وزعماء محليين وتجار ولاجئين سودانيين.

الأمر الآخر، يعزى إلى الضغوط العنيفة من الولايات المتحدة الأمريكية وتحديد بعد زمني للتفاوض، الأمر الذي خلق أجواء دائمة من التوتر والارتباك وسط لجان التفاوض، وساد إحساس عام لدى المراقبين بأن الضغوط والاستعجال أديا إلى التوصل إلى نصوص غامضة بها ثغرات عديدة يمكن تفسيرها لاحقاً من جانب كل طرف طبقاً لمصالحه، إضافة إلى أن خلاصة الاتفاقات جاءت معبرة عن السياسة الأمريكية ورغبة الأطراف في الخروج من مأزق الضغوط للتوقيع، وغير معبرة عن إرادة كل طرف.

والأمر الثالث في انفراد الجانب الأمريكي بتحريك العملية والقضايا التفاوضية، والانحياز النسبي إلى الحركة الشعبية، ما أدى إلى تجاوز البعد العربي، خاصة المصري، صاحبة المصلحة المباشرة المعنية تماماً بما يجري في السودان.

وظفت الولايات المتحدة الأمريكية العديد من القضايا للضغط على الحكومة السودانية للتخلي، عن خلافاتها التفاوضية في جنوب السودان. فعلى مسار قضية دارفور، استصدرت عدداً من قرارات مجلس الأمن في محاولة لتدويل القضية، وزيارة "كولن باول" وزير الخارجية الأمريكي للمنطقة، في يونيه 2004، وإصدار قرار من الكونجرس الأمريكي بتجديد العقوبات على السودان في نوفمبر 2004، على الرغم من رفع السودان من قائمة الدول الداعمة للإرهاب في مايو 2004.

2. الأمم المتحدة

في إطار توزيع الأدوار، رعت منظمة الإيقاد مفاوضات السلام في جنوب السودان. وأما الوضع في دارفور فكان برعاية الأمم المتحدة، مع استمرار المشاركة مع الإيقاد.

ولتكثيف جهود السلام، واستغلال زخم التقدم بعد توقيع اتفاق تقاسم السلطة والثروة والمناطق المهمشة خلال عام 2004، أنشأ مجلس الأمن بمقتضى القرار الرقم 1547 المؤرخ في 11 يونيه 2004، بعثة سياسية متقدمة في السودان UNAMIS لتسهيل الاتصال بالأطراف المعنية، والإعداد لبدء عملية دعم السلام.

وبعد أيام قليلة عين الأمين العام، "يان برونك" ممثلاً خاصاً له في السودان ورئيساً للبعثة لدعم عملية صنع السلام في الجنوب، ويدخل فيها المشاركة في الوساطة مع الاتحاد الأفريقي بشأن الصراع في دارفور.

وفي إطار إعطاء زخم أكبر للعملية السلمية، زار الأمين العام الخرطوم، في 29 يونيه 2004، والتقى الرئيس البشير وبحث معه تقدم المفاوضات في الجنوب، واتفقا على بيان مشترك للأمم المتحدة والحكومة السودانية ركزّ على مسألة دارفور، وصدر البيان في 3 يوليه 2004.

كما حضر الأمين العام قمة الاتحاد الأفريقي في أديس أبابا، في 6 يوليه 2004، الخاصة بدعوة الدول الأفريقية للمشاركة في حل أزمة السودان والقضايا الإقليمية.

وبتحرك أمريكي للضغط على سير العملية التفاوضية، اجتمع مجلس الأمن في نيروبي في 18 نوفمبر 2004، لإعطاء دفعة قوية لإنجاز المفاوضات، أو في قول آخر، تهديد وترهيب أطراف التفاوض، وأصدر قراره الرقم 1574، نوفمبر 2004، بشأن التزام الأطراف من أجل ضمان التوقيع على اتفاق السلام الشامل في 31 ديسمبر 2004.

وفي إطار موازٍ للضغط على الحكومة السودانية، أصدر مجلس الأمن القرار الرقم 1556، بتاريخ 30 يوليه 2004، والقرار الرقم 1564 بتاريخ 18 سبتمبر 2004، بشأن دارفور، إلاّ أنه حقق في الوقت نفسه ضغطاً غير مباشر على الحكومة، وصعّب موقفها التفاوضي مع الجنوب. واللافت هنا أن القرارين بعد صدورهما لم يختلفاً كثيراً عن النصوص التي اقترحتها الولايات المتحدة الأمريكية على مجلس الأمن قبل إصدارهما.

أشار التقرير السنوي لمفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين إلى وجود 572 ألف لاجئ سوداني في الدول المجاورة لجنوب السودان؛ منهم 223 ألف لاجئ في أوغندا. وقد شجّع الموقف الأمني في الجنوب خلال عام 2004 إلى تزايد وتيرة عودة المرحلين داخلياً إلى أماكن إقامتهم الأصلية، وكذلك عودة 300 ألف لاجئ طوعاً خلال العام، خاصة إلى منطقة جبال النوبة التي بدأت فيها عملية التسوية.

ومن ناحية أخرى، يأوي السودان حوالي 327 ألف لاجئ من إريتريا وإثيوبيا وتشاد وأوغندا والصومال والكونجو الديموقراطية، منهم 150 ألف لاجئ يعيشون في معسكرات اللاجئين في السودان، وحاصلين على صفة لاجئ. ودون غيرهم فهم مشردون.