مقترحات البحث الأشكال والخرائط الصور المحتويات

مقاتل من الصحراء

أهدافُ التحَالف العربي من الحَرب (تابع)

          شعر الملك فهد والرئيس مبارك بصدمة شديدة جرّاء عدوان صدّام على الكويت لا سيما بعد الجهود الجبارة التي بذلها كلاهما لِتهدئة الأوضاع. فبادرا، على الفور، إلى معارضته والوقوف في وجهه. وأصدر مجلس جامعة الدول العربية، بتشجيع منهما في الثالث من أغسطس، أقروا بإدانة العدوان العراقي، وطالب بانسحاب العراق من الكويت فورًا من دون قيد أو شرط. كما اتخذ المجلس الوزاري لدول مجلس التعاون الخليجي الموقف نفسه في السابع من أغسطس. وكما ذكرت في فصل سابق، أدرك الملك فهد، على الفور، خطورة التهديد الذي حاق بالمملكة، وعدم جدوى الاعتماد على ما يسمى بـ "الحل العربي" فبادر، على الفور، إلى جس نبض الولايات المتحدة وبريطانيا لمعرفة مدى التزام الدولتين بالدفاع عن أمن المملكة، مما أسفر عن زيارة ديك تشيني، وزير الدفاع الأمريكي، للمملكة في السادس من أغسطس، ووصول طلائع القوات الأمريكية بعد ذلك في أقل من 48 ساعة. وعندما ادَّعى صدّام أن "حكومة الكويت الحرة المؤقتة" هي التي استدعته وساعدته، تأكدت شكوك الملك فهد أنه لن ينسحب من الكويت حتى يقيم فيها حكومة عميلة له، تسير حسب أهوائه وتنفذ رغباته.

          في تلك الأثناء، كانت لدى الرئيس المصري أسباب خاصة جعلته ينقم على سلوك صدّام حسين، إذ أدرك أن صداماً لم يَصْدُقه القول حين وعده بعدم اللجوء إلى القوة، وإذا به يلجأ إليها. أحسّ الرئيس مبارك بالحرج والألم لعدم التزام صدّام بوعده، لأنه كان قد نقل هذا الوعد إلى الكويتيين والأمريكيين وإلينا أيضاً. قال المتحدث الرسمي العراقي، محاولاً تبرير إخلاف الوعد، إن الوعد الذي قطعه صدّام كان ساري المفعول حتى موعد اجتماع جدّة، إلاّ أن ذلك لم يكن ما فهِمه الرئيس المصري، أو ما أَطْلَعَ الآخرين عليه.

          وجد الرئيس المصري، أيضاً، أن المصالح المصرية سوف تتعرض للخطر، إذا سُمِح للعراق بالهيمنة على مسرح الشرق الأوسط. ولم يكن الرئيس مبارك مستعداً للمخاطرة وإتاحة الفرصة للعراق لإبعاد مصر عن منطقة الخليج، وهي المنطقة التي عَبّرت مصر دوماً عن اهتمامها الراسخ بها خلال الحرب العراقية-الإيرانية، وأسهمت في حمايتها. ومن البديهيات التي يدرسها الضباط في الأكاديميات العسكرية المصرية، أن أمن الخليج جزء لا يتجزأ من أمن مصر

          وهناك سبب آخر يَكْمن وراء استياء الرئيس المصري، هو مساهمة مصر مساهمة ضخمة في المجهود الحربي العراقي، إذ أرسلت مستشارين عسكريين وأسلحة، وما يقرب من مليون ونصف المليون من المصريين للعمل في الحقول، وفي مختلف قطاعات الاقتصاد، مما مكّن العراقيين من الانصراف إلى المجهود الحربي. لكن صداما لم يعترف علانية بهذه المساعدة أبداً. والأسوأ من ذلك، أنه سمح للعراقين بإساءة معاملة المصريين إلى أبعد الحدود.

          في فترة 1989 - 1990، وهي الفترة التي سبقت أزمة الخليج، طُرِدَ المصريون من العراق بأعداد كبيرة دون حصولهم على مستحقاتهم المالية، أو السماح لهم باصطحاب ممتلكاتهم الشخصية، وأجبروا على العودة إلى وطنهم في ظروف بالغة القسوة. إضافة إلى ذلك، لقي عدد منهم حتفه في ظروف غامضة، على أيدي مجرمين عراقيين مجهولين، وشحنت جثثهم إلى بلدهم مما أثار موجة من الاستياء الشديد في مصر ومن جملة الأسباب التي أدّت إلى هذه الأعمال الوحشية، أن الجنود العراقيين العائدين من جبهة القتال، بدأوا يطردون العمال المصريين من أعمالهم عنوة، اعتقاداً منهم بأن المصريين استولوا على وظائفهم. ولعل الحكومة العراقية وجدت مصلحة لها في إرهاب المصريين وحمْلهم على الهرب من العراق فأطلقت عليهم زُمراً من جنودها.

          أثارت المعاملة السيئة، التي لقيها العمال المصريون على أيدي العراقيين، الرأي العام المصري ضد العراق وسهلت للرئيس مبارك من الناحية السياسية، أن يضم مصر إلى التحالف المعادي لصدام.

          أمّا سوريا فكانت أكثر أعضاء التحالف خشية من سيطرة العراق وعدوانه. كان صدّام مصمِّماً على معاقبة منافسه القديم، الرئيس حافظ الأسد لوقوفه إلى جانب إيران خلال الحرب العراقية-الإيرانية- ولو سُمح لصدام بابتلاع الكويت لكان النظام السوري هدفه التالي دون تردد. وفي السنة السابقة لغزو الكويت حاول صدّام تقويض وضع سوريا في لبنان بإرسال الأموال والأسلحة إلى الزعيم الماروني العماد ميشيل عون، وإلى سمير جعْجع، "قائد القوات اللبنانية"، وهما من ألدّ أعداء سوريا وعلى كل حال، فقد كان الأسد وصدام في معركة مصيرية منذ ربع قرن تقريباً، أي منذ وقوع الانشقاق في حزب البعث عام 1966 . فكلاهما من أعضائه البارزين. ومع أن اشتراك الأسد في التحالف ضد صدّام أثار بعض الدهشة في الدوائر الغربية، إلاّ أنه كان أمراً متوقعاً.

          كان اشتراك الأسد في التحالف موضع ترحيب كبير لسببين أولاً، لأن سمعة الرئيس الأسد، زعيماً يؤمن بالقومية العربية، بذل نفسه لمقاومة الاعتداءات الإسرائيلية على الأراضي العربية، ساعدت على إضفاء صفة الشرعية على التحالف لدى الرأي العام العربي. ثانياً، لأن علاقات الرئيس الأسد الوطيدة مع إيران ساعدت على ضمان حيادها خلال أزمة الخليج وقد آتت هذه العلاقة ثمارها بعد ذلك، عندما عرض صدّام على إيران الصلح في منتصف أغسطس عام 1990. وخشينا أن يتحد العراق مع إيران ضدنا، إلاّ أن الأسد حصل على تعهدات من إيران، على ما يبدو، حين زار طهران بين 22 و 25 سبتمبر، بألاّ تُمَكِّن صداماً من الاستفادة من هذه الفرصة. وعندما أرسل صدّام قسماً كبيراً من قوته الجوية إلى إيران طلباً للنجاة، احتجزت إيران تلك الطائرات، ولم تُعِدْها إلى العراق حتى الآن.

سابق بداية الصفحة تالي