مقترحات البحث الأشكال والخرائط الصور المحتويات

مقاتل من الصحراء

إدارة التحالـــف - القسم الثاني (تابع)

          كانت عملية إيواء طائرات التحالف، في حد ذاتها، مشكلة بالغة التعقيد. وما كان ممكناً أن تتم هذه العملية، لولا البنْية الأساسية الرائعة لبلادنا، والمهارة الإدارية العالية التي يتمتع بها رجال قواتنا الجوية. فقد عانت قواعدنا الجوية ضغطاً هائلا، مع وصول آلاف الطائرات إلى المملكة من الدول المتحالفة، عدا الطائرات العمودية والطائرات الرابضة على الحاملات، والقاذفات البعيدة المدى. لذا، صدرت الأوامر إلى القوات الجوية الملكية السعودية برفع درجات الاستعداد لقواعدها إلى الدرجة القصوى. ونظراً إلى أن هذه القواعد لم تكن كافية لاستيعاب هذا الكمِّ الهائل من الطائرات، بدأ ضباط أركاني البحث عن مطارات غير مستخدمة مثل مطار الأحساء، شرقي الرياض، الذي جرى تحديثه بسرعة فائقة، وخُصّص، كما سأروي في الفصل القادم، للقوات الفرنسية. وفي الخرج، جنوبي الرياض، استطعنا استخدام قاعدة جوية جديدة، كانت في طور الإنشاء، لإيواء الطائرات الأمريكية القادمة من عَمّان ومن الولايات المتحدة نفسها. وفي تبوك، انضمت طائرات التورنيدو البريطانية إلى طائرات f-15c الأمريكية، وإلى بعض من طائراتنا. ولم أجِد ما يدعو إلى القلق في هذا الشأن؛ لأن أخي الأمير فهداً، أمير المنطقة، كان يعالج كل المشاكل التي تواجهها القوات الصديقة في منطقته، بطريقة تدعو إلى الإعجاب.

          تم استخدام مطاريْ القصيم و حائل من جانب قواتنا الجوية، ومطار جدّة من قِبَل طائرات التزوُّد بالوقود الأمريكية، والقاذفات b-52. كذلك، كانت الطائرات الأمريكية والفرنسية تستخدم مطار الملك خالد في الرياض. أمّا قاعدة الرياض الجوية، فَخُصّصَت للطائرات الأمريكية والبريطانية والفرنسية والسعودية، سواء طائرات التزوُّد بالوقود، أو طائرات الإنذار المبكر ( أواكس )، أو طائرات النقل. وفي مدينة الملك خالد العسكرية، كانت هناك الطائرات العمودية الفرنسية، وطائرات الإسناد الجوي القريب، وطائرات التدريب الأمريكية. كذلك، وُضِعت الطائرات الأمريكية صائدة الدبابات من نوع a-10 في مطار القيصومة. وأكثر من ذلك كله، إذ تم إعداد مهابط للطائرات العمودية في مناطق العمليات الأمامية، كما أجرى ضباط أركاني عمليات مسْح في الصحراء لتحديد الأماكن الصالحة لإنشاء مهابط ترابية لطائرات c-130 لإسناد قواتنا أثناء الحرب البرية.

          أراد الفريق هورنر إنشاء قاعدة في المملكة لطائراته b-52، لكن كلاَّ منّا كان يدرك تماماً الصورة السلبية التي يحملها الناس لهذه القاذفات الضخمة، وهي صورة تعود إلى أيام الحرب الباردة. وكانت هذه الطائرات الأمريكية تنطلق من دييجو جارسيا diego garcia في المحيط الهندي، ومن مورون moron في أسبانيا ، ومن قواعدها في المملكة المتحدة وفي واقع الأمر، فإن أول طائرة اشتركت في حرب الخليج كانت من نوع b-52، إذ أقلعت من لويزيانا ووصلت إلى منطقة القتال في اليوم التالي. وأطلقت تلك الطائرة صواريخ كروز التي كان لها دور كبير في إبطال فاعلية أنظمة الدفاع الجوي العراقية. ولَمّا كانت تلك الطائرات المنطلقة من مثل هذه القواعد البعيدة تستغرق ساعات حتى تصل إلى العراق فقد أوضح هورنر أن في استطاعته مضاعفة الاستفادة منها لو تم إيواؤها في المملكة. وتوصَّلنا إلى اتفاق يقضي بأنه عقِب أول غارة تقوم بها طائرات b-52 القادمة من قواعدها البعيدة ستهبط في جدّة، حيث تقلِع منها وتهبط طوال الحرب. وفي اليوم التالي لانتهاء الحرب، تعود هذه الطائرات إلى قواعدها. وهذا ما حدث بالفعل. وتم تحرير اتفاقية بهذا المعنى ووقّعنا عليها.

          والحق يقال، لم يكن واجبنا فقط خلال الحرب هو إحراز نصر على صدّام فقد كان ذلك أسهل جزء في المهمة، نظراً إلى القوة الساحقة للتحالف. فحرب الخليج هى من الحروب القليلة في التاريخ التي كانت نتيجتها معروفة سلفاً. ( أثار اهتمامي، حقاً، كتاب عن حرب الخليج كتبه فريق من الضباط الأمريكيين، وتولى نشْره مكتب رئيس أركان الجيش الأمريكي عام 1993، تحت عنوان "نصرٌ مؤكدٌ ").

          كان من أكبر التحديات التي واجهتْنا، من وجهة نظري، هو التأكد من أن أعضاء التحالف يعملون معاً في تناسق تام دون احتكاك أو نزاع. فقد كان إخفاقنا في ذلك، هو ما يعوِّل عليه صدّام لذا، فكلّما نشأت مشكلة كنت أقول: "لا تحاولوا حلّها، بل أخبروني بها فقط". وأعتقد أن دوراً من أهم أدواري في تلك الحرب تمثّل في الإبقاء على جميع تلك الدول داخل إطار التحالف دون حدوث مشاكل حقيقية بينها. وهذا ما أعنيه بـ "إدارة التحالف".

سابق بداية الصفحة تالي