إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات وأحداث تاريخية / الدولة السعودية الثالثة (تأسيس المملكة العربية السعودية)






السعودية في الوقت الحالي



الدولة السعودية الثالثة

3. العلاقات السعودية ـ العراقية، في عهد الملك عبدالعزيز

الصلة بين قلب الجزيرة العربية والعراق، عميقة الجذور. فقد كان العراق أحد الأقطار العربية، التي تنزح إليها القبائل النجدية، عبر السنين. كما أنه كان أحد الأماكن، التي يتجه إليها النجديون، من تجار وغيرهم. وكان سكان جبل شمر، يستوردون منه بعض الأطعمة. إضافة إلى أن قوافل الحجاج، القادمة من العراق، كانت تمر بذلك الجبل، وتتمتع بحماية إمارته. وكانت الحدود السياسية، بين العراق ونجد ـ بالمعنى المتعارف عليه حديثاً ـ معدومة، وخاصة في عهد الدولة العثمانية. فلم يكن هناك عوائق، تعوق تنقل القبائل بينهما.

بيد أن تلك الظروف السائدة، قد تغيرت، بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى. فبعد هزيمة الدولة العثمانية، أصبح العراق تحت الانتداب البريطاني. فنصبت بريطانيا الأمير فيصل بن الشريف حسين، ملكاً على العراق، تحت وصايتها، وذلك سنة 1339هـ/ 1921م. وكانت علاقة والده، ملك الحجاز، حينذاك، بالملك عبدالعزيز، ليست على ما يرام. كما أن النزاع، قد تصاعد بين القبائل في الأراضي، التي كانت تابعة لنفوذ الملك عبدالعزيز، وتلك التي أصبحت تابعة لحكم العراق الجديد.

وفي سنة 1340هـ/ 1922م، تمكن الملك عبدالعزيز من الاستيلاء على جبل شمر، وإزالة إمارة رشيد منها. ففرت فئات من جبل شمر إلى العراق. وبدأت تشن الغارات على القبائل التابعة للملك عبدالعزيز. كما أن ملك العراق، فيصلاً، عين يوسف بك السعدون قائداً لفرقة الهجانة، على حدود العراق الجنوبية، وهو زعيم قبيلة المنتفق، الذي كان بينه وبين زعيم قبيلة الظفير، حمود بن سُويط، عداء قديم. ورحل حمود إلى الرياض، فرحب به الملك عبدالعزيز، وأعطاه الأمان. ولم يكن الملك عبدالعزيز راضياً عن حكومة العراق، لأن تعيين يوسف بك السعدون قائداً لفرقة الهجانة، لم يكن، على ما يظهر، للدفاع فقط.

أرسل الملك عبدالعزيز ابن سُويط لجمع الزكاة من أهل الظفير. وبدأ بتنفيذ أوامر الملك عبدالعزيز فيهم. فعصاه أبو ذراع، رئيس أحد فروع قبيلة الظفير، وتحالف مع أحد زعماء شمر، ابن طوالة، لشن غارات على أتباع الملك عبدالعزيز. وإضافة إلى ذلك، قامت الحكومة العراقية بمنع الذين أرادوا دفع الزكاة إلى الملك عبدالعزيز، من دفعها. فأمر فيصل الدويش بالتوجه إلى حفر الباطن، ليدافع عن القبائل التابعة له. ولاستمرار الغارات، التي شنها أبو ذراع، وابن طوالة، على العشائر النجدية، قام فيصل الدويش بالهجوم على ابن طوالة، وأتباعه، فألحق بهم أضراراً بالغة. وهب يوسف السعدون إلى نجدتهم. ولكن الدويش، وأتباعه، أنزلوا بهم خسائر فادحة، وغنموا أموالهم. فقامت الطائرات البريطانية بمهاجمة الدويش، وأتباعه من الإخوان، حتى انسحبوا إلى نجد.

ونتيجة لذلك التصعيد، على الحدود السعودية ـ العراقية، جرى اتصال بين الملك عبدالعزيز والمندوب السامي البريطاني في العراق، السير برسي كوكس، واتفقا على عقد مؤتمر في المحمرة، للنظر في المشكلات بين الملك عبدالعزيز والحكومة العراقية. وأبرمت اتفاقية المحمرة، التي رفضها الملك عبدالعزيز، لأن بعض فقراتها كانت مخالفة لما أوصى به من تعليمات إلى مندوبه في المؤتمر، أحمد بن عبدالله بن ثنيان آل سعود. (انظر ملحق اتفاقية المحمرة بين سلطنة نجد وتوابعها وبين مملكة العراق في 7 رمضان 1340هـ/5 مايو عام 1922م)

إلا أن حرص الملك عبدالعزيز، والمندوب السامي البريطاني، على حل المشكلة الحدودية، أدى إلى عقد مؤتمر العقير، في ربيع الثاني لسنة 1341هـ/2 ديسمبر 1922م. وحضره الملك عبدالعزيز، والسير برسي كوكس، ووفد عراقي، برئاسة صبيح نشأت. وانتهى المؤتمر بحل للمشكلات الحدودية، بين نجد والعراق. وتم الاتفاق على إيجاد منطقة محايدة بينهما، تُدعى العونية، ترعى فيها قبائلهما بحُرية، ولا يقيم كلٌّ منهما مخافر أو بنايات فيها.

ولكن الاتفاق، الذي تم التوصل إليه في العقير، لم يمنع رجال شمر نجد، المقيمين بالعراق، من القيام بغارات على قبائل وقوافل تجارية تابعة للملك عبدالعزيز. فاحتج الملك عبدالعزيز على ذلك. ولفت نظر كلٍّ من الحكومة العراقية، والمندوب السامي البريطاني، إلى مغبة ذلك. كما طالب بإرجاع ما نُهب من أتباعه. فدعت الحكومة البريطانية، بوساطة وكيلها في (بوشهر)، نوكس (S.G. Knox)، إلى عقد مؤتمر في الكويت؛ وكان الغرض منه، كما يقول الريحاني، هو البحث في الأمور التالية:

·    المواد الباقية بين نجد والعراق، ومن جملتها قبائل شمر، اللاجئون إلى العراق.

·    مسألة حدود نجد وشرق الأردن.

·    حل المشاكل التي بين نجد والحجاز ـ إذا شاء ابن سعود ـ.

وقد قال الوكيل البريطاني، في رسالته إلى الملك عبدالعزيز: "إن الحكومة البريطانية مستعدة، أن تعرض الأمر على الملك حسين. وإن غرضها من عقد هذا المؤتمر، هو إزالة سوء التفاهم، وحل جميع المشاكل، التي بين الممالك المتجاورة". وقد قبل الملك عبدالعزيز الدعوة، على شرط أن تكون مفاوضات الوفد النجدي مع كل وفد من وفود الحكومات الثلاث، على حدَة، فلا يتدخل مندوب حكومة ما في مفاوضات، تدور مع حكومة أخرى.

وقد قبلت الحكومة البريطانية هذا الشرط، كما قبلته كل من حكومة العراق، وحكومة شرق الأردن. وكانت حكومة الحجاز، قد رفضت إرسال مندوب عنها إلى المؤتمر، بحجة احتلال ابن سعود أراضي من مملكة الحجاز، مع أن الغرض الأول للمؤتمر، هو حل الخلاف بين نجد والحجاز.

وبدأ مؤتمر الكويت أعماله، في السابع من جمادى الأولى 1342هـ/17 ديسمبر 1923م، وكان برئاسة نوكس، المقيم السياسي البريطاني في الخليج سابقاً.

ورأس الوفد السعودي حمزة غوث. أمّا رئيس وفد العراق، فكان صبيح نشأت. وقد قدم كلٌّ من الوفدين مطالبه. وكانت مطالب الوفد السعودي:

·    إرجاع شمر نجد، الذين ينزلون العراق، إلى بلادهم.

·    رد ما نهبته تلك القبائل من أتباع الملك عبدالعزيز، بعد مؤتمر العقير.

·    طرد من لجأ إلى العراق من عشائر نجد، ممن اعتادوا الإجرام وقطع الطرق.

·    تقديم اعتذار عن اعتقال أحد موظفي نجد (صالح العذل).

·    اعتراف حكومة العراق برعوية ابن مجلاد.

أما مطالب الوفد العراقي فهي:

·    وضع اتفاقية بين العراق ونجد، تقضي بمنع غزو القبائل.

·    مخابرة سلطان نجد عشائره، النازلة أو التي تنزل العراق، بواسطة وكيله في بغداد. ومخابرة العراق عشائره، النازلة أو التي تنزل نجداً، بواسطة وكيله الذي يعينه.

·    عدم مخابرة سلطان نجد موظفي العراق وشيوخه مباشرة. وليس لحكومة العراق أن تخابر شيوخ نجد وموظفيها مباشرة.

·    عدم اجتياز قوات العراق أو نجد، الحدود، بقصد تعقب الجناة، إلا برضا الطرف الآخر.

·    عقد اتفاقات، تتعلق بإعادة المجرمين، الذين ثبتت جرائمهم غير السياسية، أمام محاكم معترف بها من الفريقَين.

·    تجرد أصحاب الرايات والأعلام من الشيوخ، الذين لهم صفة رسمية، من أعلامهم وراياتهم، خارج الحدود، متى أرادوا اجتيازها.

·    طلب سلطان نجد من عشائره، النازلة في العراق، تجريدات مسلحة، إذا احتاج الأمر. وهم أحرار في التلبية. وعلى من يلبي، أن يرحل، مع أهله، بكل هدوء، وتقوم حكومة العراق بمثل ذلك، في ما يخص عشائرها.

·    ندْب كلٍّ من الطرفَين مأموراً، يسمى مفتش الحدود، لموافاة حكومته بجميع المعلومات. ويكون مع كلٍّ منهما 20 تابعاً، على أن يقيم الفريقان في الحفر.

وعقد المؤتمر ثلاث دورات، بعد أن تأجل بسبب الجدل، الذي أثاره مندوب شرق الأردن. كاد يتم الاتفاق بين الوفد السعودي والوفد العراقي، لولا أن وفد العراق، اشترط ـ ساعة التوقيع ـ أن يضاف إلى المعاهدة مادة، تقضي أن المعاهدة، لا تكون نافذة، ما لم يتم الاتفاق مع حكومة الحجاز. ولكن الوفد السعودي، احتج ورفض ذلك الشرط، لمخالفته ما تم الاتفاق عليه. وأيد رئيس المؤتمر، نوكس، الوفد السعودي، بقوله إنه لا يرى أي حق لأهل العراق، وشرق الأردن، في الكلام عن الحجاز. وإن سلطان نجد، قد اشترط، في الأساس، عدم أحقية أي حكومة من الحكومات، أن تبحث في أمور تتعلق بحكومة أخرى، وهذا شرط قبلته بريطانيا، راعية المؤتمر. فتأجل المؤتمر إلى 9 جمادى الآخرة 1342هـ/18 يناير 1924م، لكي يشاور الوفدان حكومتَيهما. وقد عاد المؤتمر إلى الانعقاد، بعد موافقة العراق على إلغاء ما اشترطه. غير أن المفاوضات وصلت إلى طريق مسدود. فأُجلت المفاوضات، مرة أخرى، إلى أواخر فبراير 1924م. ثم استنأف أعماله، في 25 مارس 1924م.

واستمرت القبائل، في العراق، في شن الغارات على أتباع الملك عبدالعزيز. واضطربت الحدود النجدية ـ العراقية. فبعث الملك عبدالعزيز برسالة إلى رئيس المؤتمر، يخبره بذلك، ويطلب منه وضع حدٍّ لها، وعدم التعرض له، إن قام برد العدوان بنفسه. ولم يكن رد رئيس المؤتمر سريعاً. ونتيجة لذلك، قام فيصل الدويش بالانطلاق شمالاً، فهاجم فئات من القبائل، في أطراف العراق. وكان وفد العراق في طريقه إلى الكويت، فأمرته حكومته بالعودة إلى بغداد. وهذا أدى إلى فشل مؤتمر الكويت، وانتهاء أعماله، في رمضان 1342هـ/9 أبريل 1924م.

لكن تلك المشاكل بين القطرَين الشقيقَين، لم تدم طويلاً. فقد دعت بريطانيا الطرفَين، السعودي والعراقي، إلى اجتماع يضم وفدي البلدَين، لحسم أسباب الخلاف. وعقد الاجتماع في جدة، في 1344هـ/1926م. وتوصل الطرفان إلى (اتفاق بَحْرَة)، الواقعة على مقربة من جدة، (انظر ملحق اتفاقية بحرة بين نجد والعراق). ووقعه كل من الملك عبدالعزيز والمفوض البريطاني، جلبرت كلايتون، ومندوب الحكومة العراقية، السيد توفيق السويدي.

ولم تهدأ الحالة في مناطق الحدود، وظلت غير مستقرة، على الرغم من اتفاق بحرة. وكانت اتفاقية العقير (سابقاً)، التي عُقدت بين الطرفَين، في ربيع الثاني سنة 1341هـ/2 ديسمبر 1922م، قد نصت، في مادتها الثالثة، على عدم القيام بإنشاء الأبنية والمخافر، بالقرب من الحدود، خشية استفزاز رجال القبائل. لكن الحكومة العراقية، أنشأت مخفراً للشرطة، في منطقة (البُصيّة)، مما عده الملك عبدالعزيز مخالفاً لاتفاقية العقير. وقد أدى ذلك إلى حدوث مشكلات على حدود البلدَين خاصة أثناء تمرد الإخوان.

واحتجت الحكومة السعودية، لدى المندوب السامي البريطاني، على إنشاء هذا المخفر. وبناء على ذلك، وصل إلى جدة وفد بريطاني، برئاسة جلبرت كلايتون، وضم كورنواليس، مستشار وزارة الداخلية العراقية، والميجور جلوب باشا، ضابط الحدود في بادية العراق. ونزل الكندرة، في جدة، في ذي الحجة 1346هـ/ مايو 1928م. ودارت مباحثات حول الأمور التالية:

·    استعداد الحكومة العراقية لتقديم تأكيدات إلى الحكومة السعودية، تثبت حسن نياتها.

·    بحث مسألة المخفر، وقضايا الآبار.

·    تبادل الآراء، في شأن عقد معاهدة، تنص على تبادل المجرمين، وإعادة الشيوخ والعشائر، إذا ذهبوا من قطر إلى آخر، من دون إجازة.

ولم يتوصل الاجتماع إلى نتيجة. وعلقت أعماله، بسب انشغال الملك عبدالعزيز بموسم الحج لعام 1346هـ. واستأنف أعماله في ريبع الأول 1347هـ/ أغسطس 1928م، وجاء السيد توفيق السويدي، وزير المعارف العراقي، يحمل تفويضاً، ليبحث ويبت الأمور التالية:

·    عقد اتفاق لتبادل المجرمين.

·    عقد معاهدة حسن جوار.

·    تبادل المذكرات مع الحكومة السعودية، في مسألة إنشاء المخافر والآبار.

وعقب ذلك، سعى الإنجليز إلى ترتيب لقاء الملكَين، عبدالعزيز آل سعود، وفيصل بن الحسين، في عرض الخليج ، على ظهر البارجة البريطانية، لوبن، في 21 رمضان سنة 1348هـ/22 فبراير 1930م. بحضور المندوب السامي البريطاني السير فرنسيس همريز (Sir Francis Humphrys)، وحاشية العاهلَين. واستمر اللقاء ثلاثة أيام، نتج منه تعميق أواصر الألفة والمودة بين العاهلَين. واجتمع مندوبو الطرفين، في جلسات متعددة، مهدت لعقد اتفاقات مكة، في 20 ذي القعدة سنة 1349هـ/7 أبريل 1931م. وهي ثلاثة اتفاقات:

·    معاهدة صداقة وحسن جوار.

·    بروتوكول تحكيم.

·    اتفاق تبادل تسليم المجرمين.

وفي 10 محرم سنة 1355هـ /3 أبريل سنة 1936م، وقع الطرفان معاهدة أخوة عربية وتحالف. وانضم إليهما اليمن، في 19 جمادى الآخرة سنة 1356هـ/26 أغسطس 1937م (انظر ملحق معاهدة أخوّة عربية وتحالف، بين المملكة العربية السعودية وبين المملكة العراقية والمملكة اليمانية). وفي 19 ربيع الأول عام 1357هـ / 19 مايو 1938م، وقع كلٌّ من العراق والسعودية، ثلاث اتفاقيات، لتنظيم تابعية العشائر، وإدارة المنطقة المحايدة بين الطرفَين، وتنظيم شؤون الرعي وورود المياه (انظر ملحق إبرام اتفاقية المنطقة المحايدة، بين المملكة العربية السعودية والمملكة العراقية). وفي صفر 1359هـ/ أبريل سنة 1940م، وقع الطرفان محضر "روضة التنهات" (انظر ملحق بلاغ رسمي، رقم 52 الذي عالج بعض المخالفات، المتعلقة بشؤون العشائر والحدود.

وفي سنة 1945، انضم كلٌّ من العراق والمملكة العربية السعودية، إلى الجامعة العربية. وأصبحت الحكومتان تنسقان، داخل إطار الجامعة العربية. وحرصتا على تحسين علاقتهما، من خلال هذا الإطار.

4. العلاقات السعودية ـ الأردنية، في عهد الملك عبدالعزيز

كان شرق الأردن، في عهد الدولة العثمانية، تابعاً لولاية الشام. وبعد هزيمتها في الحرب العالمية الأولى، عُين الشريف فيصل بن الحسين ملكاً على سورية. وحينما احتلتها فرنسا، بعد معركة ميسلون سنة 1338هـ/1920م، أخرجت فيصل بن الحسين منها. وقد اشتعلت الثورة في سورية ضد الاحتلال الفرنسي، خاصة في حوران. فاستغلت بريطانيا ذلك الوضع لصالحها فعملت على سلخ شرق الأردن عن سورية. كما أنها أخذت في تشجيع قادة الأردن المحليين، على الاستقلال.

وفي سنة 1339هـ/ 1921م، قدم الأمير عبدالله بن الحسين، من الحجاز إلى شرق الأردن، وفي ذهنه الثأر لأخيه، فيصل، من الفرنسيين، الذين أخرجوه من سورية. فرحب به كثير من زعماء الأردن. ولكن وزير المستعمرات البريطانية، ونستون تشرشل، الذي كان موجوداً، حينذاك، في القدس، استدعاه إليها، في 26 مارس 1921م، وعرض عليه أن يصبح أميراً لشرق الأردن، تحت السيادة البريطانية. فقبل الأمير عبدالله ذلك العرض، وبخاصة أن زعماء شرق الأردن، قد ارتضوه أميراً لهم. ووصل عمان، في أبريل 1926م.

وفي ذلك الوقت، كان الصراع بين الأسرتَين، السعودية والهاشمية، قد احتدم، حول السيطرة على الحجاز، حيث عمل كل منهما على تحجيم قوة الأخرى، للسيطرة على الأماكن المقدسة. ولما أصبح الأمير عبدالله بن الحسين حاكماً في شرق الأردن، كان الصراع بين الأسرتَين قد تصاعد. وكان لهذا الأمير صلة وثيقة بما كان يحدث في الحجاز، إذ كان ساعد والده الأيمن، عسكرياً، في هذه المنطقة.

فقد كان قائداً لجيش والده، في معركة تُربة المشهورة، عام 1337هـ/ 1919م، حيث مُني بهزيمة كبيرة، على يد الإخوان.

وفي سنة 1340هـ/1922م، استطاع الملك عبدالعزيز الاستيلاء على حائل، فأزال إمارة آل رشيد، وأصبحت أملاكها تحت حكمه. وامتد، بذلك، نفوذه إلى الجوف وقريات الملح ووادي السرحان، وهي مناطق تجاور إمارة شرق الأردن، التي يحكمها الأمير عبدالله بن الحسين. ومن الطبيعي أن ينتهج هذا الأمير سياسة غير ودية، تجاه الملك عبدالعزيز، في تلك الفترة. فقام بتحريض فئات من قبائل شرق الأردن، على الهجوم على القوافل التجارية النجدية، المتجهة إلى الشام، أو الاعتداء على القبائل التابعة للملك عبدالعزيز. ورداً على ذلك، قام الإخوان بمهاجمة عشائر، في شرق الأردن، في أغسطس عام 1922م. لكن القبائل الأردنية، لم توقف أعمالها ضد أتباع الملك عبدالعزيز. فأغارت جماعة من بني صخر، على أطراف وادي السرحان، في صفر سنة 1341هـ/سبتمبر1922م. ونهبت قافلة تجارية لابن شريدة، وهو أحد كبار تجار أهل بريدة، وقتلته مع رجلَين ممن كانوا معه. وفي شهر ذي الحجة من ذلك العام / يوليه1923م، قُتل، في عمان، رمياً بالرصاص، أحد عشر رجلاً، من أهل الجوف، سبق أن أسرهم الشريف شاكر. وفي ربيع العام التالي، أغار سليمان بن جازي، أحد شيوخ الحويطات، على قافلة تجارية نجدية، متجهة إلى سورية، فنهبها، وقتل ثمانية من أهلها.

على أن الحدث المهم في تاريخ العلاقات السعودية ـ الأردنية، في عهد الملك عبدالعزيز، هو إقدام الحكومة الأردنية على احتلال قريات الملح، التي أصبحت تابعة للملك عبدالعزيز. فقرر الملك عبدالعزيز استرجاعها. ولكن الحكومة البريطانية، طلبت من الملك عبدالعزيز التريث، وذلك محاولة منها لحل المشكلة، سلماً. يقول أمين الريحاني في ذلك: "إن ظاهر الخلاف، بين نجد وحكومة عمّان، هو الجوف وقريات الملح. فبعد مؤتمر العقير، عندما علم الأمير عبدالله بما كان من اتفاق، بين حكومة بريطانيا والسلطان عبدالعزيز بخصوص الحدود النجدية ـ العراقية، أرسل قوة، احتلت القريات. فهمّ السلطان عبدالعزيز بإخراج تلك القوة منها. ولجأ الأميرعبدالله إلى الحكومة البريطانية، التي طلبت، إذ ذاك، من ابن سعود، أن يتوقف عن الزحف إلى الجوف. ووعدت بتسوية المسألة بالوسائل السلمية. أما حادث الجوف هذا، فقد كان من الأسباب، التي عجلت بعقد مؤتمر الكويت".

فانعقد مؤتمر الكويت، في 7 جمادى الأولى سنة 1342هـ/17 ديسمبر سنة 1923م. وقد سبقت الإشارة إلى ما حدث بين الوفد السعودي والوفد العراقي. أما المفاوضات بين الوفد السعودي والوفد الأردني فقد بدأت في 15جمادى الأولى سنة 1342هـ/25 ديسمبر 1923م. وأثناء المحادثات، طلب وفد الأردن، أن تتخلى حكومة نجد عن الجوف وسكاكا ووادي السرحان، لحكومة الأمير عبدالله. وجادل رئيس الوفد، علي خلقي، "بأن الجوف وسكاكة وتوابعها، هي من الأراضي السورية، التي تبدأ حدودها من مدائن صالح، وتنتهي عند بوكمال، على نهر الفرات. وأن شرقي الأردن، كانت من سورية، فيجب أن يكون الجوف بأجمعه تحت إدارتها". وقد فند الوفد السعودي مطالب الوفد الأردني، "بأن الجوف وسكاكة ووادي السرحان بأجمعه، كانت تتبع التطورات في نجد. بينما تشكيلات الأردن الإدارية، لم تكن سوى أقضية تابعة للكرك والقدس. ولم يكن الجوف تابعاً لها، إدارياً أو سياسياً".

على أن التصريح الأخير، الذي صرحه رئيس وفد الأردن، أدى إلى فشل مؤتمر الكويت، إذ قال: "اسمحوا لي، أن أصرح لحضرتكم، بأنه إذا لم تتخل حكومة نجد عن الجوف ووادي السرحان بأجمعه، وعن الأراضي الحجازية التي احتلتها، أي تُربة والخرمة وحائط وحويط ووادي بيشة ووادي شهران وأقسام بلاد بني شهر وبللحمر، وتجعل تحديد الحدود بين الحجاز ونجد على أن يكون الحد الفاصل هو الصحراء القاحلة ـ فلا يمكن أن يحصل بيننا اتفاق". وعندها، تدخّل رئيس المؤتمر، نوكس، فقال: "لا يحق لوفد العراق، أو وفد شرق الأردن، أن يتكلم عن الحجاز؛ لأن سلطان نجد، حينما قبل أن يشترك في المؤتمر، اشترط شرطاً أساسياً، قبلناه. وهو أنه لا يحق لحكومة من الحكومات، أن تشترك في بحث ما يتعلق بالحكومات الأخرى".

وهكذا، توقفت المفاوضات بين نجد وشرق الأردن. كما توقفت، سابقاً، بين نجد والعراق. وسبب ذلك، هو الشرط الذي اشترطته كلٌّ من حكومة بغداد وحكومة عمان. فحالت السياسة الهاشمية دون الاتفاق مع الملك عبدالعزيز. وفشلت المفاوضات بين الطرفَين.

ويقول أمين الريحاني، إنه كتب إلى الملك عبدالعزيز، "ساعياً في سبيل الوفاق بين البلدَين، محبذاً عقد معاهدة نجدية ـ عراقية، أوسع نطاقاً مما سبقها، في العقير والمحمرة". فرد عليه الملك عبدالعزيز بما يلي: "أما ما ذكرته عن الاتفاق مع حكومة العراق، فقد كنت أرغب به، من صميم قلبي. ولكن حكومة العراق، لا تزال تعمل ضدنا، في تأليف العصابات من مجرمي العشائر، لمهاجمة رعايانا الآمنين، وقطع الطرق على القوافل. يعلم الله أن جُل مقصدي، هو أن أعيش بسلام مع جيراني، وأن نتحد كلنا على ما فيه خير العرب. ولكن الأشراف، لا يروقهم ذلك. فحسبنا الله".

وحينما فشل مؤتمر الكويت، صمم الملك عبدالعزيز على حسم الموقف، بينه وبين الملك حسين، بالقوة. واتخذ بعض الإجراءات ضد العراق وشرق الأردن، للتغطية والتمويه على حملته الأساسية ضد مملكة الحجاز.

فوجه إلى الأردن قوة من الإخوان، في صيف 1924م، توغلت في الأراضي الأردنية. فقامت الطائرات والمصفحات البريطانية، بقصف المقاتلين من الطرفَين. فقتلت أعداد كبيرة منهما (500 من الإخوان)، وأُسر ثلاثمائة من الإخوان، وانسحب باقيهم إلى الأراضي السعودية.

ولما كان الملك عبدالعزيز محاصراً لمدينة جدة سنة 1343هـ/ 1925م، أدركت الحكومة البريطانية تفوقه، وأن انتصاره أصبح مؤكداً، فخشيت أن يؤيد انتصاره في الحجاز إلى هجومه على العراق والأردن، اللذَين يخضعان لانتدابها، فوكلت إلى مندوبها، جلبرت كلايتون، أن يفاوض الملك عبدالعزيز، حول حل المشاكل الحدودية، بين نجد والأردن. ونجحت المفاوضات في عقد اتفاقية حدّة (أو حداء، بالقرب من بحرة)، بين نجد وشرق الأردن، في اليوم الذي أنجز فيه الموفد البريطاني معاهدة مماثلة، بين نجد والعراق (انظر ملحق اتفاقية حدّة (حداء)، بين مملكة الحجاز ونجد وملحقاتها وبين إمارة شرق الأردن).

وعلى الرغم من توقيع اتفاقية حدة (حداء)، فإن العلاقات بين الملك عبدالعزيز والأمير عبدالله بن الحسين، لم تكن على ما يرام؛ وذلك لأن الأمير عبدالله، حاول زعزعة الأمن في البلاد السعودية، إذ ساند حركة حامد بن رفادة، ودعم نشاط حزب الأحرار الحجازي، الذي كان مناوئاً للملك عبدالعزيز، خلال سنتَي 1350 ـ 1351هـ/ 1932م. وعندما نجح الملك عبدالعزيز في القضاء على حركة حامد بن رفادة، اقتنع بضرورة اتخاذ موقف حاسم، تجاه الأمير عبدالله بن الحسين. فقام، من الفور، بالاتصال بالحكومة البريطانية، وأنذرها من مغبة استمرار الأمير عبدالله في تشجيع مثل تلك الفتن. عندها، أدركت بريطانيا تصميم الملك عبدالعزيز على إنهاء ذلك الأسلوب. فقامت بالضغط على الأمير عبدالله، كما طلبت من أخيه، فيصل، أن يمارس ضغوطاً مماثلة، لاقناع أخيه بفائدة التفاوض مع الملك عبدالعزيز. وبعد مراسلات حول هذا الموضوع، قام الأمير عبدالله بن الحسين، بإرسال برقية إلى الملك عبدالعزيز، في 25 ذي القعدة 1351هـ/21 مارس 1933م، قال فيها:

"قد علمت، مع السرور، بانتهاء المخابرات الرسمية، في سبيل اعتراف متبادل، بين جلالتكم وبين حكومتنا. وإني أغتنم هذه الفرصة، فأقدم تحياتي لجلالتكم، ولأعرب عن أن هذه الخطوة، ستعد أساساً للعلاقات الودية والتعاون بين بلدَينا".

وقد رحب الملك عبدالعزيز بهذه الخطوة. فبعث ببرقية ودية إلى الأمير عبدالله بن الحسين، أبدى فيها استعداده لإقامة علاقات أخوية دائمة.

ونتيجة لذلك، قام وفد أردني، في 9 محرم 1352هـ/5 مايو 1933م، بزيارة المملكة العربية السعودية، وأطلع ملكها على استعداد الأردن لعقد معاهدة صداقة وحسن جوار.

ونتيجة لهذه الروح الأخوية، توصل الطرفان، في اجتماع، في مدينة القدس، في الخامس من ربيع الثاني سنة 1352هـ/27 يوليه سنة 1933م، إلى عقد معاهدة صداقة وحسن جوار،  وبرتوكول تحكيم. ووقعت ملاحق، في خصوص إعادة المنهوبات، ومذكرات في شأن تحرك العشائر.

وتعمقت العلاقات بين البلدَين، وبخاصة حينما انضمت السعودية والأردن إلى جامعة الدول العربية. وقام المسؤولون في البلدَين بتبادل الزيارات. فزار الأمير سعود بن عبدالعزيز عمان، في جمادى الآخرة 1355هـ/أغسطس 1936م. وزارها الأمير فيصل بن عبدالعزيز، في 31ديسمبر1946م، ولقي فيها كل ترحيب وإكرام. وفي 26 يونيه سنة 1948م، إبان أحداث فلسطين، قام الملك عبدالله بن الحسين بزيارة الرياض، وحل ضيفاً على الملك عبدالعزيز، الذي أكرمه.

وبعد اغتيال الملك عبدالله، في القدس، في 15 شوال 1370هـ/20 يوليه عام 1951م، خلفه ابنه، طلال بن عبدالله، الذي سعى إلى تنمية العلاقات السعودية ـ الأردنية. فقام بزيارة إلى الرياض في 9 صفر 1371هـ/10 نوفمبر 1953م، قبل خلعه من الحكم، سنة 1953م. وسار الملك حسين، الذي تولى الحكم في الأردن، في رمضان 1372هـ/مايو 1953م، بالعلاقات السعودية ـ الأردنية، نحو التكامل.

5. العلاقات السعودية ـ المصرية، في عهد الملك عبدالعزيز

ترجع العلاقات السعودية ـ المصرية إلى عهد الدولة السعودية الأولى، التي سيطرت على معظم شبه الجزيرة العربية، وامتد نفوذها، ليشمل بعض المناطق الخاضعة للإمبراطورية العثمانية. وإزاء هذا الوضع، أمرت الدولة العثمانية واليها على مصر، محمد علي باشا، بالقضاء على الدولة السعودية الأولى.

وقد وجد محمد علي باشا، في طلب الدولة العثمانية، فرصة لتحقيق أهدافه. فقام بإرسال قواته، بقيادة ابنه، طوسون، ومن بعده، ابنه، إبراهيم باشا، في حملتَين، إلى شبه الجزيرة العربية. وقد تمكنت القوات المصرية، بعد قتال مرير، من القضاء على الدولة السعودية الأولى، وتخريب عاصمتها، الدرعية، عام 1233هـ/1818م. وأبقى محمد علي قواته هناك، لفترة من الوقت. وحينما قامت الدولة السعودية الثانية، بقيادة الإمام تركي بن عبدالله، عام 1235هـ/1820م، ساعدت القوات المصرية على زعزعة حكمه. وفي عام1252هـ/1836م، قام محمد علي باشا بإرسال الأمير خالد بن سعود بن عبدالعزيز، الذي كان يقيم بمصر، منذ الأسر، إلى نجد، مع قوة، بقيادة إسماعيل بك للإطاحة بحكم الإمام فيصل بن تركي، جد الملك عبدالعزيز. ثم عزز هذه القوة بحملة، قادها خورشيد باشا، تمكنت من أسر الإمام فيصل بن تركي، وأبنائه، وشقيقه جلوي، في رمضان 1254هـ/ ديسمبر1838م، وأرسلوا إلى مصر. وبقوا فيها 5 سنوات، حتى تمكن الإمام فيصل من الهرب، والعودة إلى نجد، في عام 1259هـ/1843م. واضطرت القوات المصرية إلى الانسحاب من شبه الجزيرة العربية، بعد ضغوط الدول الأوروبية، في مؤتمر لندن، 1256هـ/1840م.

وحينما وضع الملك عبدالعزيز اللبنة الأولى، في بناء الدولة السعودية الحديثة، في عام 1319هـ/ 1902م، حرص على إيجاد علاقة قوية بمصر، التي قال عنها "إن مصر، هي قدوة وأمل جميع العرب". وبعد أن تمكن الملك عبدالعزيز من ضم الحجاز، اتخذ الملك فؤاد الأول، ملك مصر، حينذاك، موقفاً غير ودي. ويرجع ذلك إلى أن الملك عبدالعزيز، اعتذر عن عدم قبول وساطة الملك فؤاد، بينه وبين الملك علي بن الحسين، أثناء حصار القوات السعودية مدينة جدة. إذ أرسل الملك فؤاد إلى الملك عبدالعزيز، وفداً مصرياً، برئاسة الشيخ مصطفى المراغي، شيخ الأزهر، للقيام بمهمة الوساطة. وكان لاعتذار الملك عبدالعزيز عن عدم قبول الوساطة المصرية مبرراته؛ لأن قبوله تلك الوساطة، يعني التسليم، مبدئياً، باعتراض ملك مصر، وإمام اليمن، على توحيد الحجاز.

ويرى بعض المؤرخين، أن الاعتراض الضمني للملك فؤاد الأول، على ضم الحجاز إلى سلطة الملك عبدالعزيز، يعني رغبة ملك مصر في أن يصبح خليفة للمسلمين. وهذا أمر يتطلب من الشخص، الذي يتطلع إلى منصب الخلافة، أن يسيطر على الأماكن المقدسة، في الحجاز. وقد أرسل الملك عبدالعزيز كتاباً، في 10 ربيع الثاني 1344هـ/27 أكتوبر 1925م، إلى الملك فؤاد، يدعوه إلى الاشتراك في المؤتمر الإسلامي، الذي قرر إقامته للبحث في مصير الحجاز. وندب مستشاره، حافظ وهبه، وهو مصري، يعمل ضمن حاشيته، إلى الذهاب إلى مصر، ليعلن للحكومة المصرية، وللشعب المصري، أن أبواب الحجاز مفتحة في وجه الحجاج المصريين.

ولكن موضوع المحمل المصري، زاد من تعقيد الأمور، في العلاقات السعودية ـ المصرية. ففي موسم الحج، عام 1344هـ/1926م، وهو أول موسم للحج يتولاه الملك عبدالعزيز، بعد دخوله الحجاز، اعترض علماء نجد على مظاهر البدع، التي تصاحب محمل الحجاج المصريين. وأمر الملك عبدالعزيز، الذي كان يشرف على أمور الحجاج، بمنع الموسيقى والأبواق، وغيرها من المظاهر، التي كانت تصاحب ذلك المحمل، في يوم عرفات. ولما اعترض الإخوان المحمل المصري، أصدر قائد الحج المصري، محمود عزمي باشا، أوامره بإطلاق النار عليهم، فسقط من جراء ذلك، ما بين خمسة وعشرين إلى أربعين قتيلاً من الإخوان. وضج الحجاج، وكادت تقع فتنة بين المصريين والنجديين. وحافظ الملك عبدالعزيز، وابنه، الأمير فيصل، على رباطة جأشهما. وسويت المسألة بسلام، وأرسل قائد المحمل، ورجاله، سالمين، إلى مصر. وعلى الرغم من ذلك، عدّ الملك فؤاد هذا الأمر تحدياً شخصياً له. فأمر بمنع إرسال كسوة الكعبة المشرفة التي اعتادت مصر على إرسالها، في كل عام. كما أوقف صرف واردات الأوقاف، العائدة للحرمَين الشريفَين. فقامت السلطات السعودية بصناعة كسوة الكعبة، محلياً، معتمدة على خبرة بعض المسلمين، من الهنود، المقيمين بمكة المكرمة.

وكان الملك عبدالعزيز، قد أنشأ وكالة سياسية، لتمثيله في القاهرة، في عام 1925م. ورفض الملك فؤاد الاعتراف بها. كما رفض تحويلها إلى قنصلية عامة، تتمتع بالميزات، التي كانت تتمتع بها القنصلية المصرية العامة، في جدة. ولقد قام الأمير سعود بن عبدالعزيز بزيارة مصر بغرض الاستشفاء من مرض، ألم بعينَيه، عام 1926م. وكان الهدف منها تلطيف الأجواء بين البلدَين. وقضى فيها أكثر من شهر. وقوبل، هناك، بحفاوة بالغة، من الحكومة والشعب المصريَّين، والتقى الزعيم الوطني، سعد باشا زغلول، وغيره من رجالات مصر. وإذ لم يفلح الملك عبدالعزيز في إقناع الملك فؤاد بتغيير موقفه غير الودي، أمر، في عام 1929م، بإغلاق القنصلية المصرية، في جدة. وعاد القنصل المصري إلى بلاده. وبقيت مغلقة إلى أن توفي الملك فؤاد، في عام 1355هـ/أبريل 1936م.

وحينما أصبح الملك فاروق بن فؤاد، ملكاً على مصر،بعد وفاة والده، وقعت حكومة علي ماهر باشا أول معاهدة ودّ وصداقة بين البلدَين، في 16 صفر سنة 1355هـ/7 مايو 1936م. وأُعيد تبادل التمثيل الدبلوماسي بين البلدَين الشقيقَين. وتولىعبدالرحمن عزام إدارة المفوضية المصرية، في جدة. وتولى الشيخ فوزان السابق إدارة المفوضية السعودية، في القاهرة. وبدأت العلاقات السعودية ـ المصرية تتحسن. فزار الملك عبدالعزيز مصر زيارة غير رسمية، لمقابلة ونستون تشرشل، رئيس الوزراء البريطاني، عام 1945. وفي صفر سنة 1364هـ/24 يناير سنة 1945م، قام الملك فاروق بزيارة إلى المملكة العربية السعودية. وتقابل العاهلان بالقرب من جبل رضوى، الذي يشرف على مدينة ينبع. وشكر الملك المصري للملك عبدالعزيز تجاوبه مع مشروع الجامعة العربية.

وقد قام الملك عبدالعزيز برد الزيارة، في يوم 7 صفر سنة 1365هـ / 11 يناير سنة 1946م. فقوبل بحفاوة وإكرام، من الحكومة المصرية، والشعب المصري. ويقول الأستاذ أحمد عبدالغفور عطار: "قد سمعت الملك عبدالعزيز، وهو يشيد بمصر، وبالحفاوة البالغة، التي لقيها منها، شعباً وحكومة" وقد تبادل العاهلان الملك عبدالعزيز والملك فاروق برقيتَين. عبّر فيهما العاهلان عن سرورهما البالغ بذلك اللقاء، وما نتج منه من توثيق لأواصر المحبة والتعاون بين البلدَين. كما أذاع الملك عبدالعزيز كلمة، إلى شعبه، بعد عودته من مصر، حمد الله فيها على عودته إليهم، بيّن الحفاوة، التي لقيها من الملك فاروق والشعب المصري.

وحينما قامت الثورة في مصر، في 23 يوليه 1952م، حرص قائد الثورة، اللواء محمد نجيب، على كسب ودّ الملك عبدالعزيز وتأييده. فجاء وفد، برئاسته، ليشرح لجلالته أسباب الثورة وملابساتها، وتطلعاتها المستقبلية. وقد أظهر الملك عبدالعزيز تفهماً للوضع الجديد. ورأت حكومة المملكة العربية السعودية، أن ما حدث في مصر، هو شأن داخلي. وقد أيدت مطالب مصر الوطنية، في شأن جلاء القوات البريطانية عن الأراضي المصرية. ووقفت إلى جانب مصر، في الجامعة العربية وهيئة الأمم المتحدة.

6. علاقات المملكة العربية السعودية بسورية ولبنان، في عهد الملك عبدالعزيز

كانت سورية ولبنان، قد خضعتا للحكم الفرنسي، في عام 1920م. وقد وقف الملك عبدالعزيز مع نضال الشعبَين السوري واللبناني، في مقاومتهما للاستعمار الفرنسي. وكان يرى أن واجبه، القومي والديني، بوصفه ملكاً عربياً مسلماً، يملي عليه الوقوف إلى جانب سورية ولبنان. يقول المؤرخ أحمد عسة: "كان الملك عبدالعزيز، يرى في استقلال سورية وسيادتها وسلامتها، معواناً له في محافظته على سلامته، ومملكته، بالإضافة إلى قيامه بواجبه القومي والديني، كملك عربي مسلم، يعمل من أجل تحرير سورية العربية المسلمة، من الانتداب الفرنسي، ويعينها على نيل استقلالها وسيادتها".

ومما ساعد الملك عبدالعزيز على دعم مواقف الحركة الوطنية، التي كانت تتطالب باستقلال سورية، وجود بعض الشخصيات السورية، مثل يوسف ياسين، والمهندس خالد الحكيم وغيرهما، بالقرب منه، مما سهل عليه تعرف القضية السورية واللبنانية عن كثب. وكان من نتائج ذلك حصول القادة السوريين على الدعم المادي والمعنوي من قبل الملك عبدالعزيز، ووقوفه إلى جانب المطالب المشروعة للحركة الوطنية في كلٍّ من سورية ولبنان. وأنشأ الملك عبدالعزيز أول وكالة له في دمشق، عام 1923م، تحولت، فيما بعد، إلى قنصلية. فعند قيام الثورة في سورية، سنة 1925م، واشتداد نضال الثوار ضد الاستعمار الفرنسي، أيد الملك عبدالعزيز مطالب الثوار بالاستقلال، ودعم طموحات سورية إلى التحرر من السيادة الفرنسية. كما قام الملك عبدالعزيز باتصالات رسمية، مع دول الحلفاء، للضغط على فرنسا، لتعطي حق الاستقلال كلاًّ من سورية ولبنان. وبعد أن أعلنت الجمعية التأسيسية في سورية، النظام الجمهوري، والدستور السوري، عام 1928، وقف الملك عبدالعزيز مع رجال سورية، وأيد، في عام 1943، انتخاب شكري القوتلي، رئيساً للجمهورية. (انظر ملحق اتفاقية بين حكومة الحجاز ونجد وملحقاتها وبين حكومة الجمهورية الفرنساوية بالنيابة عن سورية ولبنان، في 29 جمادى الآخرة 1350هـ / 10 نوفمبر1931م).

ومن أوائل الشخصيات السورية، التي أقامت اتصالاً وثيقاً مع الملك عبدالعزيز، الشيخ محمد كامل القصاب، الذي عينه الملك مديراً للمعارف في المملكة العربية السعودية؛ والمهندس خالد الحكيم؛ والشيخ يوسف ياسين؛ والشيخ محمد بهجة البيطار، الذي تولى إدارة المعهد الإسلامي السعودي؛ وطبيب الملك الخاص، مدحت شيخ الأرض؛ والدكتور محمود حمدي، الذي تقلد منصب مدير الشؤون الصحية؛ والدكتور رشاد فرعون. وقد أدّت هذه الشخصيات دوراً كبيراً في التقارب السعودي ـ السوري. كما كان لها دور كبير في الكفاح من أجل الاستقلال السوري.

وحينما قابل الملك عبدالعزيز الرئيس الأمريكي، فرانكلين ديلانو روزفلت (Franklin Delano Roosevelt)، في البحيرات المرة، في قناة السويس، في 2 ربيع الأول سنة 1364هـ/15 فبراير 1945م، بحث معه موضوع استقلال سورية ولبنان. فقد شرح الملك عبدالعزيز للرئيس روزفلت، وطأة الانتداب الفرنسي، وما يعتقده من جدارتهما بالاستقلال والتحرر. فأجابه الرئيس الأمريكي، "بأن لديه كتاباً من الجنرال شارل ديجول (Charles de Gaulle)، باستقلال سورية ولبنان". وقال الرئيس، أيضاً: "إنه مستعد لبذل كل مجهود، في سبيل استقلالهما، إلا الحرب".

وكانت المملكة العربية السعودية، في مقدمة الحكومات، العربية والأجنبية، التي اعترفت باستقلال سورية ولبنان. وقد زار الزعيم السوري، شكري القوتلي، مكة المكرمة، سنة 1945م، ينشد مساعدة الملك عبدالعزيز لسورية على كفاحها لإجلاء فرنسا عن بلادها. كما اجتمع إلى الملك عبدالعزيز، في مصر، بعد انتهاء مقابلة الملك عبدالعزيز والرئيس الأمريكي، روزفلت.

وفي سنة 1945م، أصر الملك عبدالعزيز على ضرورة انتماء كلٍّ من سورية ولبنان إلى الجامعة العربية. وفي عام 1950م، قدم الملك عبدالعزيز قرضاً مالياً إلى سورية، بقيمة 6 ملايين دولار، على الرغم من إمكاناته المتواضعة، آنذاك. كما أنه تم إبرام اتفاقَين بين البلدَين، في 10 ربيع الثاني 1369هـ/29 يناير1950م، أحدهما تجاري، والآخر اقتصادي. وكان هذان الاتفاقان، يميلان إلى مصلحة الطرف السوري.

أما لبنان، فقد ساند الملك عبدالعزيز حقه المشروع في الاستقلال، مالياً وسياسياً، وذلك منذ إعلانه الاستقلال، سنة 1943م.

7. الملك عبدالعزيز والقضية الفلسطينية

لم تحظ قضية عربية باهتمام الملك عبدالعزيز، مثلما حظيت به قضية فلسطين. فقد أولاها اهتمامه الشخصي، وعنايته الفائقة. فكان، دائماً، يرفض أي تنازل تجاه قضية فلسطين. وحينما أرادت بريطانيا، أن تحصل من الملك عبدالعزيز، على اعتراف بمركز لها في فلسطين، مقابل إلغاء معاهدة القطيف، لسنة 1915م، وإحلال اتفاقية جدة محلها ـ رفض الملك عبدالعزيز ذلك. وتوقفت بذلك المحادثات حول هذا الشأن، إلى أن تنازلت بريطانيا عن مطلبها، فعُقدت بين الطرفَين معاهدة جدة سنة 1927م. وحينما قام نفر من اليهود بإلقاء القنابل على المصلين، يوم الجمعة، في المسجد الأقصى، في ربيع الأول سنة 1348هـ/ أغسطس 1929م، كتب الملك عبدالعزيز كتاباً إلى ملك بريطانيا، يستنكر فيه هذا الحادث، ويعرب فيه عن سوء الأثر، الذي أحدثه الاعتداء في نفسه ونفوس شعبه، ويناشده المحافظة على شعار الدين، ومعاقبة الآثمين، ومنع تكرار مثل ذلك.

ولم يتوقف الملك عبدالعزيز عند ذلك، بل واصل جهوده مع الحكومة البريطانية، بأحاديث مباشرة، بينه وبين وزرائها المفوضين في جدة، وبوساطة وزير خارجيته، وممثل حكومته في لندن، مبيناً في كل موقف، أن السياسة التي انتهجتها بريطانيا، في ذلك البلد العربي المقدس، تتنافى مع الصداقة، التي تنشدها بريطانيا مع المسلمين والعرب، وتخالف عهودها ومواثيقها، ولا تتفق مع الحق والعدل.

ولما نشبت الثورة في فلسطين، سنة 1355هـ/1936م، رأى الملك عبدالعزيز، أن يقوم بمساع مشتركة، مع الحكومات العربية، التي يمكن أن تشارك في ذلك، لعمل الممكن لخدمة فلسطين، ولمساعدة أهلها على موقفهم الحاضر الدقيق، ولفسح المجال للعرب، لجعل قضية فلسطين قضية عربية عامة.

كما سارع الملك عبدالعزيز إلى مد الثوار بالعون المادي. ففي 25 ربيع الأول سنة 1355هـ/ يونيه 1936م، أبرق إلى وزارة الخارجية، ووزارة المالية، السعوديتَين، في جدة، لترسلا إلى الثوار في فلسطين المساعدات، من الأرزاق والمؤن، وأن تهيئا للشعب السعودي سبل القيام بمثل هذه المساعدات.

وقد أبرق ـ رحمه الله ـ إلى وزيره المفوض، في لندن، في الشهر نفسه، ليتصل بوزارة الخارجية البريطانية، أو ينقل إليها شعوره الشديد، وتأثره البالغ، بما وصلت إليه الحال في فلسطين، وأن تتدارك الموقف، بما يضمن للعرب حقوقهم.

وفي 9 ربيع الثاني 1355هـ / يونيه 1936م، أبرق إلى وزيره، في لندن، ليسعى، باسمه، لدى المراجع البريطانية العليا، إلى الإفراج عن المعتقلين والمحكوم عليهم، ووقف الهجرة، تمهيداً للدخول في مباحثات لحل المشكلة. كما أبرق إلى ملوك العرب وأمرائهم، يقترح تعاون الحكومات العربية على مفاتحة الإنجليز، كتلة واحدة في شأن فلسطين.

وفي منتصف شوال سنة 1355هـ/يناير 1937م، جاء إلى الرياض وفد اللجنة العربية العليا في فلسطين. وقد زودهم الملك عبدالعزيز بتوصياته وآرائه. كما بعث معهم خطاباً إلى تلك اللجنة، قال فيه: "لقد رأينا، أن المصلحة، تقضى بالاتصال باللجنة الملكية البريطانية، والإدلاء إليها بمطالبكم العادلة؛ لأن ذلك أضمن، وأدعى لمساعدة أصدقائكم في حسن الدفاع عنكم. ونحب أن تكونوا على ثقة بأننا لا نألو جهداً، في سبيل مساعدتكم لإصلاح الحال، بقدر إمكاننا. وإنا لنرجو من الله، أن يوفقنا جميعاً، لما فيه الخير والسلام. 18 شوال 1355هـ/2 يناير 1937م.

وحينما أصدرت اللجنة الملكية البريطانية توصياتها بتقسيم فلسطين، في 7 يوليه 1937م، عارضت حكومة الملك عبدالعزيز ذلك التقسيم. ففي 25 جمادى الآخرة 1356هـ/3 سبتمبر 1937م، أصدر النائب العام للملك عبدالعزيز، إذناً بتأليف لجنة، في كل بلد من المملكة العربية السعودية، لترفع صوت الشعب السعودي في العالم، ولتمد الحركة الوطنية، في فلسطين، بما يتبرع به السعوديون، من عون ومساعدة.

وفي 12 شوال 1356هـ/ 17 ديسمبر 1937م، حضر ريدر بولارد، وزير بريطانيا المفوض في جدة، لمقابلة الملك عبدالعزيز، الذي قال هل: "لا يوجد عربي صادق، يوافق على التقسيم. وإذا قيل لكم، إن فرداً في بلد عربي ما، يوافق عليه، فثقوا أن أغلبية ذلك البلد، لن توافق". وحذر من أن تقوم السلطات البريطانية بعمل، يكون مضراً بعرب فلسطين.

وفي مقابلة ثانية مع السير بولارد، حضرها، أيضاً، الكولونيل هاملتون، قال الملك عبدالعزيز: "إن مشروع تقسيم فلسطين، يحسب، بحق، نكبة عظيمة على العرب والمسلمين. ولكنه نكبة مهددة لبريطانيا. فلا تغتر الحكومة البريطانية، ولا تسر على ضلال، فإنه لا يوجد مسلم، أو عربي، يستطيع أن يقنع عرب فلسطين، فضلاً عن العرب في سائر الأقطار، بالقبول بهذا".

وفي 3 صفر 1357هـ/5 أبريل 1938م، أرسل الأمير فيصل بن عبدالعزيز، بأمر من والده، الملك عبدالعزيز، برقية إلى الحكومة البريطانية، قال فيها إن جلالة الملك عبدالعزيز، يناشد الحكومة البريطانية، باسم الصداقة، التي تربطها بالعرب، ويناشدها، باسم العدل والإنصاف، الذي عرف به الشعب البريطاني، أن تعطف النظر على قضية فلسطين، بعين العدل والإنصاف. وأن تضع نفسها موضع هؤلاء الضعفاء، الذين يُراد تمزيق شملهم، وتقسيم بلادهم، وإحلال شعب أجنبي عنهم فيها، على الرغم منهم، ليذلهم بأنفسهم، ويهدد البلاد المجاورة لهم، كما يهدد السلام في الشرق العربي. وإن جلالته، يبدي، مرة أخرى، أن الحل الذي يراد به تقسيم فلسطين، وتقطيع أهلها، لن يحل مشكلة اليهود العالمية؛ لأن فلسطين، لن تستوعب اليهود المشتتين في العالم. وأن فلسطين، ستكون بؤرة للقلاقل والفتن، بما يتولد عن ذلك، من خصومات بين العرب وبريطانيا، لا تنتهي إلى الأبد".

إن المخطط الصهيوني في فلسطين، جرم دوليّ أسهمت فيه عناصر متعددة، منها بريطانيا وحكومة الولايات المتحدة الأمريكية. وإذا كان بعض الأوساط، قد بررت عطفها على اليهود بعوامل إنسانية، ودعاوى تاريخية، فإن قدرة الملك عبدالعزيز على تفنيد هذه الحجج، ودحض أسانيدها، عمل جليل، سوف يذكره التاريخ لهذا الرجل العظيم.

وعندما أقدمت الولايات المتحدة الأمريكية، على تأييد مخطط تقسيم فلسطين، قام الملك عبدالعزيز بالكتابة إلى الرئيس الأمريكي، في 7 شوال 1357هـ/ 29 نوفمبر 1938م، شارحاً له الظلم، الذي وقع على شعب فلسطين، والتعديات التي لحقت به، من جراء السماح للصهاينة باحتلال فلسطين، وطرد شعبها الآمن (انظر ملحق رسالة من الملك عبدالعزيز إلى الرئيس روزفلت بشأن القضية الفلسطينية، وملحق رسالة الرئيس الأمريكي، روزفلت، إلى الملك عبدالعزيز، وملحق رسالة من الملك عبدالعزيز إلى رئيس الوزراء البريطاني ونستون تشرشل).

وقد عدّت تلك الرسالة وثيقة تاريخية، تناقلته وسائل الإعلام، العربية والأجنبية، في ذلك الوقت.

وحينما قابل الملك عبدالعزيز الرئيس روزفلت، في البحيرات المرة، في قناة السويس، في 2 ربيع الأول 1364هـ/15 فبراير 1945م، دافع الملك عبدالعزيز عن قضية فلسطين، وبين حقوق الشعب الفلسطيني. ورفض أن تكون فلسطين أرضاً لليهود. كما رفض الهجرة اليهودية إليها. وطلب من الرئيس الأمريكي، أن يوطن اليهود في أوروبا، التي اضطهدتهم؛ لأنهم كانوا مواطنين أوروبيين. مما حمل روزفلت على القول، أمام الكونجرس الأمريكي: "لقد وعيت مسألة الجزيرة العربية، تلك المشكلة، بحذافيرها، مشكلة المسلمين، ومشكلة اليهود، وعيت عنها، في حديث دام خمس دقائق، مع ابن سعود، أكثر مما كنت أستطيع معرفته، بتبادل ثلاثين أو أربعين رسالة".

يتضح مما سبق، أن التزام الملك عبدالعزيز بقضية فلسطين، هو التزام ديني، وإنساني، وخلقي. فقد كان الملك عبدالعزيز أكثر الحكام العرب حماسة لهذه القضية، وأجرأهم على الدفاع عنها، في المحافل الدولية.

8. الملك عبدالعزيز والجامعة العربية

لقد كان الملك عبدالعزيز، يؤمن بالوحدة العربية، ويؤيد المساعي، التي تبذل لخدمة مصالح العرب العامة. وفي سيرته الكثير مما يؤيد ذلك. فحينما نشبت الحرب العالمية الأولى، نراه يرسل ثلاثة من رجاله، يحملون كتباً إلى أقرب أمراء العرب منه. وأبرزهم في شبه الجزيرة العربية، في ذلك الحين: ابن الصباح، في الكويت؛ وابن رشيد، في حائل؛ والشريف حسين، في مكة، مقترحاً الاجتماع بهم، للمذاكرة في ما قد يؤدي إلى اتفاق، ينقذ العرب من أهوال الحرب.

كما بعث بكتاب، قبل الحرب العالمية الأولى، إلى والي البصرة العثماني، يقترح فيه على الحكومة العثمانية، "أن تدعو رؤساء العرب إلى مؤتمر، يُعقد في بلد، لا سيادة لها فيه، ولا نفوذ، ليقروا أحد أمرين: إما أن تكون البلاد العربية كتلة سياسية واحدة، أو ولايات مرتبطاً بعضها ببعض، في ما هو عام، ومشترك، من المصالح".

وفي محرم سنة 1355هـ /أبريل 1936م، عقدت المملكة العربية السعودية مع مملكة العراق، معاهدة أخوة عربية وتحالف. وقد انضمت إليها المملكة اليمانية، في جمادى الآخرة 1356هـ/أغسطس 1937م (انظر ملحق معاهدة أخوّة عربية وتحالف، بين المملكة العربية السعودية وبين المملكة العراقية والمملكة اليمانية). وقد جاء في المعاهدة: "أنه يجوز لأية دولة عربية أخرى، مستقلة، أن تطلب الانضمام إلى هذه المعاهدة". وأن الدول الثلاث المتعاقدة، "سوف تتشاور فيما بينها، لتنفيذ الأغراض المختصة بالشؤون، الإسلامية والقومية العربية". وأن الممثلين، الدبلوماسيين والقنصليين، لكل من الدول الثلاث، "يجوز أن يقوموا بتمثيل مصالح الفريق الآخر، عندما يرغب".

وحينما اجتمع مندوبو الدول العربية، في الإسكندرية، في 20 شوال سنة 1363هـ/7 أكتوبر 1944، ونتج ذلك الاجتماع "بروتوكول الإسكندرية"، الذي وضع الأسس، التي قامت عليها الجامعة العربية ـ وافق الملك عبدالعزيز عليه، فأرسل رسالة إلى رئيس اللجنة التحضيرية، وهو رئيس وزراء مصر، وذلك في 19 محرم 1364/5 يناير 1945م، يبين له فيها رأي الحكومة السعودية، وهو "أن يقوم اجتماع كلمة العرب، على أسس قوية. ومن هذه الأسس، أن يعقد بين الدول العربية حلف، يرمي إلى تكافلها، وتعاونها، لسلامة كل منها، وسلامة مجموعتها. ويضمن حسن الجوار بينها. وأن تكون الحرب محرمة بين الدول العربية. وكل خلاف، يُحل بالتوسط أو بالتحكيم. وأن تتعاون الدول العربية على تسهيل معاملاتها وتجارتها، وتقوية اقتصادها، باعتبارها أمة واحدة، ذات مصلحة مشتركة. أما توحيد الثقافة، وتوحيد التشريع، فالحكومة العربية السعودية، تراه عملاً مشكوراً. غير أن ظروفها، ووجود الأماكن المقدسة فيها، يجعل لها وضعاً خاصاً. فهي ستمتنع عن تنفيذ أي مبدأ، في التعليم أو التشريع، يخالف قواعد الإسلام وأصوله".

ولدى زيارة الملك فاروق الأول، ملك مصر، الملك عبدالعزيز، واجتماعهما في رضوى قرب ينبع، تناقش العاهلان في موضوع الجامعة العربية. فأبدى الملك عبدالعزيز العزم على السير في تأسيس الجامعة العربية، وتقويتها إلى أبعد مدى. وفي الثامن من ربيع الآخر 1364هـ /22 مارس 1945م، احتفل في قصر الزعفران، في القاهرة، بتوقيع ميثاق جامعة الدول العربية، ووقعه، بالنيابة عن الحكومة السعودية، ممثلاها: يوسف ياسين، نائب وزير الخارجية، وخير الدين الزركلي، مستشار المفوضية السعودية في القاهرة.

وقد قامت سياسة المملكة العربية السعودية، بعد ذلك، على دعم الجامعة العربية، وتوثيق صلتها بها، والسير في سياستها الخارجية، على المنهج الذي تخطته الجامعة. ولم تبرم حكومة الملك عبدالعزيز، طوال حياته، أمراً ذا بال، له علاقة بالدول العربية، أو بإحداها، قبل الرجوع فيه إلى الجامعة العربية فيه.

كل ذلك يدل على حرص الملك عبدالعزيز على وحدة الأمة العربية. كما أنه يدل على أنه كان في طليعة الداعين والساعين إلى جمع كلمة العرب، وتوحيد خططهم، بما يصون مصالحهم.