إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / العراق والكويت، الجذور ... الغزو ... التحرير / تطور الأوضاع السياسية، الدولية والإقليمية والعربية، في ضوء تصاعد الأزمة









مقدمة

المبحث الخامس

تطور الأوضاع السياسية، في ضوء تصاعد الأزمة، بدءاً من 10 سبتمبر

أولاً: المؤتمر الإسلامي العالمي

وفي يوم الإثنين، 10 سبتمبر 1990، بدأ المؤتمر الإسلامي العالمي، المنعقد في مكة، أعماله لبحث غزو العراق الكويت. وأكد الملك فهد بن عبدالعزيز، في كلمة، وجّهها إلى المؤتمر، قائلاً: "إن الأزمة الخطيرة في الخليج، التي تنذر بانفجار رهيب في المنطقة، لها سبب واحد، هو العدوان العراقي على أرض الكويت واستقلاله ومقدراته. وإذا كان سبب الأزمة واضحاً تماماً، فإن إنهاءها واضح تماماً أيضاً، وهو إزالة السبب، بانسحاب العراق من الكويت، بلا شروط، وعودة الشرعية. وإن المملكة العربية السعودية، لم تنفرد في إدانة العدوان العراقي على الكويت، بل نهض العالَم العربي، والعالم الإسلامي، والعالم كله، بمسؤولياته، فأدان العدوان وأهله، بوضوح. وإن المملكة العربية السعودية، عندما تأكدت من أن العراق يبيّت النية للعدوان عليها، بعد أن حشد الحشود الهائلة على حدودها، فإنها تحملت مسؤوليتها، الدينية والأمنية والتاريخية، وطلبت قوات مساندة، عربية وإسلامية وصديقة. وهو حق تبيحه لها مقاصد الشريعة الإسلامية، والمواثيق والأعراف الدولية".

كما وجّه أمير الكويت كلمة إلى المؤتمر، قائلاً: "إن ما حدث، هو سطوٌ همجي مسلح على دولة الكويت؛ ولم يكن، بأي حال من الأحوال، نزاعاً بين دولتَين على جزء من الأرض. لقد كان هذا قدر الكويت، التي كانت تتطلع، دائماً، إلى التعاون البناء مع الدول الإسلامية؛ فهي أول من طالب بإنشاء محكمة العدل الإسلامية، لحل النزاعات التي تنشأ بين الدول الإسلامية. وكان لها الفضل في حل كثير من الخلافات بين الدول، العربية والإسلامية، انطلاقاً من إيمانها الراسخ بضرورة تسوية المنازعات بين الدول الإسلامية، بالوسائل السلمية، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية لأي دولة، وهو ما نصت عليه رسالة الإسلام ومبادئ ميثاق منظمة المؤتمر الإسلامي" (أُنظر وثيقة نص كلمة الأمير جابر الأحمد الصباح، أمير دولة الكويت إلى المؤتمر الإسلامي العالمي المنعقد في مكة المكرمة، لبحث الأوضاع في الخليج العربي يوم الإثنين 10 سبتمبر 1990).

وأصدر المؤتمر الإسلامي العالمي، الذي عقد في مكة، في الفترة من 10 إلى 12 سبتمبر 1990، وثيقة، أكد فيها أن شريعة الإسلام، تتسع للإجراء الذي اتخذته السعودية، بطلب قوات، إسلامية وأجنبية، لمساندة قواتها الدفاعية على مواجَهة عدوان وشيك من القوات العراقية. وطالبت الوثيقة بانسحاب العراق من الكويت، لأن وجود قواته هناك منكر، يأباه الإسلام (اُنظر وثيقة نص وثيقة المؤتمر الإسلامي العالمي بمكة المكرمة المنعقد في مكة المكرمة يوم الأربعاء، 12 سبتمبر1990).

ثانياً: عودة العلاقات الدبلوماسية بين العراق وإيران

في 9 سبتمبر 1990، زار وزير الخارجية العراقي طهران، طالباً المساعدة وإمدادات غذائية، لمواجهة الحصار الدولي. وطلب من المسؤولين الإيرانيين التعاون مع العراق على مواجَهة اتفاق هلسنكي بين الرئيسَين الأمريكي والسوفيتي. فبدأت إيران بإرسال مواد، غذائية وطبية. وأكدت وكالات الأنباء وجود مباحثات عراقية ـ إيرانية، تتعلق بحل مشكلة عجز العراق عن تصدير نفطه، من طريق استخدام خط أنابيب النفط الإيراني إلى جزيرة "خرج"، ومنها إلى ميناء التصدير الإيراني في الخليج.

وأكمل الوزير العراقي زيارته طهران، بمقابلة الرئيس الإيراني هاشمي رفسنجاني، والاتفاق معه على إعادة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، والتي قطعت عام 1987، أي بعد سبع سنوات من بداية تحارُبهما.

وفي 12 سبتمبر 1990، أصدر مرشد الثورة في إيران، علي خامنئي، فتوى، تَعُدّ محاربة الأمريكيين في الخليج جهاداً في سبيل الله. وأكد أن الشعوب الإسلامية، لن تسمح للولايات المتحدة الأمريكية بإنشاء نظام، أمني ودفاعي، في المنطقة. وأشار إلى احتمال حدوث هجمات انتحارية على القوات الأمريكية في الخليج.

وقال علي خامنئي، وسط هتاف الجمهور، الذي ضم مجموعة من أبناء "شهداء الثورة الإيرانية": "إنه مما يبعث على الدهشة، أن الأمريكيين لا يعون الدروس!. لقد شاهدوا كيف يمكن أن يكون وجودهم معرضاً للخطر. فهل نسوا كيف أن حفنة من الشبان المؤمنين، تمكنوا، وحدهم، من اجتياحهم وطردهم من لبنان؟. إننا نعارض، بقوة، وجود أمريكا في المنطقة، وسياستها الجشعة الصفيقة".

ثالثاً: مبادرة صدام حسين النفطية

وفي يوم الإثنين، 10 سبتمبر 1990، طرح الرئيس صدام حسين، مبادرة جديدة، لتخفيف الأعباء عن دول العالم الثالث، التي تضرر اقتصادها، بسبب المواجَهة في الخليج. وقال إن العراق مستعد لأن يزود هذه الدول النفط العراقي، مجاناً. واشترط أن تقدِّم الدول المحتاجة طلباً، تحدد فيه الكمية المطلوبة، وأنواع النفط، وأن تتعهد بعدم إعادة بيعه. كما طلب منها أن تقدِّم وسيلة الشحن، لأن بلاده لا تستطيع، بسبب الحصار، إرسال النفط إلى طالبيه (أُنظر وثيقة المبادرة النفطية التي أعلنها الرئيس العراقي، صدام حسين، إلى العالم الثالث يوم الإثنين، 10 سبتمبر 1990).

رابعاً: طلب سحب الخبراء السوفيت

لم تكد قِمة هلسنكي تنهي أعمالها، حتى دعت لجنة الشؤون الدولية في برلمان جمهورية روسيا الاتحادية، في 11 سبتمبر 1990، مجلس السوفيت الأعلى (البرلمان)، إلى سحب الخبراء العسكريين السوفيت من العراق، وإنهاء العمل بمعاهدة التعاون والصداقة، الموقعة معه، عام 1972. وقد أبرزت تلك الدعوة أمرَين. أولهما، محاولة الضغط على العراق، من خلال التلويح بسحب الخبراء العسكريين. وثانيهما، أن هناك فريقاً، داخل الاتحاد السوفيتي، يتجه إلى اتخاذ خطوات حادّة، في مواجَهة العراق، في محاولة للتعبير عن الامتعاض من عدم استجابة بغداد للتوجهات السلمية السوفيتية لحل الأزمة، بعيداً عن استخدام الحل العسكري.

خامساً: رسائل إلى الشعبَين، العراقي والأمريكي

وشهد النصف الثاني من شهر سبتمبر 1990 تبادل رسائل، بين الرئيسَين بوش وصدام. رسالة الرئيس الأمريكي، جورج بوش، إلى الشعب العراقي، في 12 سبتمبر 1990، بثها التليفزيون العراقي، يوم الأحد، 16 سبتمبر 1990. وردّ الرئيس العراقي برسالة مماثلة إلى الشعب الأمريكي، بثها التليفزيون الأمريكي، يوم السبت، 22 سبتمبر 1990.

وعرض الرئيس بوش، في رسالته، إلى الشعب العراقي، النقاط التالية (أُنظر وثيقة الترجمة العربية لرسالة الرئيس الأمريكي، جورج بوش التي وجّهها إلى العراقيين، عبْر التليفزيون العراقي يوم الأحد، 16 سبتمبر 1990) و(والنص الإنجليزي للوثيقة):

1. إن الهدف من رسالته، ليس تبادل الاتهامات، أو تصعيد حرب الكلمات، إنما هو شرح موقف الولايات المتحدة والمجتمع الدولي، تجاه احتلال العراق للكويت.

2. لا يوجد خلاف بين الشعبين، الأمريكي والعراقي، ولكن الخلاف الأساسي هو معاداة الولايات المتحدة للغزو نفسه.

3. إن المجتمع الدولي، والأمة العربية، دانتا الغزو، منذ لحظته الأولى، وأرسلت 27 دولة قواتها إلى دول الخليج دفاعاً عنها. ويقف العراق، الآن، وحيداً معزولاً.

4. إن شعب العراق تحمل حرب ثماني سنوات طويلة، ضد إيران، ودفع ثمنها، من رفاهيته وتنميته.

5. إن القيادة العراقية أخطأت الحسابات، للمرة الثانية، ويواجه الشعب العراقي المأساة، التي لا دخل له فيها.

6. إن هناك أكاذيب، يجب ألاّ تنطلي على الشعب العراقي:

أ. قيل إن القوات العراقية دُعيت لدخول الكويت،وهذا ليس صحيحاً.

ب. قيل إن الأزمة صراع عراقي ـ أمريكي، وهذا ليس صحيحاً.

ج. قيل إن احتلال الكويت سوف يفيد الدول الفقيرة في العالم، وهذا ليس صحيحاً.

7. إن الولايات المتحدة ساعدت العراق، في الماضي، مساعدة تكلفت مليارات الدولارات، وما كانت الحرب العراقية ـ الإيرانية، لتنتهي، من دون المساندة الأمريكية، في الأمم المتحدة.

8. إن الاحتلال العراقي للكويت، سيجلب على الشعب العراقي، ويلات في جميع المجالات.

9. إن احتجاز الرهائن لن يؤثر في قدرة الولايات المتحدة على اتخاذ القرارات الملائمة.

10. القيادة العراقية لا تقدر قوة القوات المتحالفة. وأنه ليس هناك أي احتمال لفوز عراقي.

11. إن الحرب ليست حتمية، وما زالت هناك فرصة لإنهاء الأزمة بالوسائل السلمية. ولن يسمح العالم لهذا العدوان أن يستمر.

أمّا رسالة صدام حسين إلى الشعب الأمريكي فقد اشتملت على عدة نقاط، تتلخص في الآتي (أنظر وثيقة نص رسالة الرئيس العراقي، صدام حسين التي وجهها إلى الأمريكيين، عبْر التليفزيون الأمريكي رداً على رسالة الرئيس الأمريكي، جورج بوش يوم السبت، 22 سبتمبر 1990):

1. لم يكن الرئيس الأمريكي دقيقاً في قوله، إن الإدارة الأمريكية، ليست على خلاف مع شعب العراق. والدليل على ذلك أنه هو نفسه، قد اشترك في مؤامرة إيران ـ جيت، أو إيران كونترا، ضد العراق، عام 1986.

2. ارتفعت الأصوات بالدعوة إلى مقاطعة العراق، اقتصادياً وتقنياً وعلمياً، في الولايات المتحدة الأمريكية، والمملكة المتحدة، قبْل أن تظهر الأزمة الحالية في الخليج. وإن بعض إجراءات المقاطعة للعراق، قد اتُّخذت قبْل 2 أغسطس 1990.

3. صدر أكثر من 160 قراراً عن مجلس الأمن، و400 قرار عن الجمعية العامة للأمم المتحدة. وقد استخدمت الولايات المتحدة حق النقض (الفيتو)، ضد قرارات مجلس الأمن أكثر من 80 مرة، معظمها حول القضية الفلسطينية. ومع ذلك، لم يطبَّق على إسرائيل مثل الحصار الحالي على العراق، ولم يُتخذ مثل هذه الإجراءات ضد إسرائيل، حينما أعلنت، رسمياً ضم أراضٍ ومدن عربية إلى كيانها، بصورة نهائية.

4. إن إجراءات حشد الجيوش في المنطقة، وفرض الحصار الاقتصادي والمقاطعة الاقتصادية، سبقت أي إجراء رسمي من الهيئات الدولية.

5. ن الكويت هي الجزء الجنوبي من العراق، وقد اقتطعته بريطانيا، عام 1912، في أجواء الإعداد للحرب العالمية الأولى. وأصبحت مشيخة الكويت تحت الحماية البريطانية. وإن كل حكومات العراق، لم تعترف أبداً بهذا الإجراء اعترافاً دستورياً. وذكر ثلاث حوادث ليؤكد هذه الحقيقة:

أ. في عام 1938، عندما قرر المجلس التشريعي الكويتي، لمرتَين متتاليتَين، انضمام الكويت إلى العراق، لكونها جزءاً منه.

ب. وفي عام 1958، عندما طالب نوري السعيد، رئيس وزراء العراق، آنذاك، بإعادة الكويت المجتزأ إلى العراق.

ج. وفي عام 1961، عندما منحت بريطانيا الكويت صفة الدولة المستقلة، عارض العراق ذلك، وأصدر رئيس الوزراء العراقي، عبدالكريم قاسم، قراراً دستورياً، يُلحِق الكويت بالعراق.

6. إن حكومة الكويت، عمدت إلى توسيع أرض مشيختها، حتى وصلت إلى المطلاع. ثم ازدادت توسعاً، بضم عشرات الكيلومترات، بين عامَي 1963 والعام 1968. ثم توسعت في الأرض، مرة أخرى، وبدأت تستغل حقول النفط، جنوبي العراق، لتحفر فيها آباراً إضافية.

7. إن الرئيس صدام طرح، في 12 أغسطس 1990، مبادرة، تضمنت حلولاً لكل قضايا المنطقة، بما يحقق السلام الشامل، والدائم. ولكن الرئيس جورج بوش رفضها.

8. إن الإدارة الأمريكية، تضع الشعب الأمريكي كله في حرج شديد، وعلى حافة هاوية سحيقة، كما تضع الإنسانية جمعاء.

واختتم صدام حسين رسالته إلى الشعب الأمريكي، قائلاً: "وها أنا قد قلت كلمتي، نيابة عن القيادة في العراق، ونيابة عن كل الخيِّرين المؤمنين، من العرب والمسلمين. والله الموفق. والله أكبر".

سادساً: تصريح يؤدي إلى الاستقالة

وفي خضم الدبلوماسية الدولية، وحشد القوات الأمريكية في الخليج، لاستكمال عملية درع الصحراء، نشرت صحيفة "واشنطن بوست"الأمريكية، في 16 سبتمبر 1990، تصريحاً للجنرال "مايكل دوجان Michael J. Dugan"، رئيس أركان القوات الجوية الأمريكية، يفشي فيها أسرار عسكرية بالغة الخطورة تكشف خطة الهجوم الجوي للتحالف لضرب العراق، إذا ما اندلعت الحرب. إذ قال: "إن الخيار الأفضل في حالة اندلاع الصراع هو الإغارة على بغداد بالقنابل، على أن يكون الهدف الرئيسي هو صدام حسين وأسرته، وأن القوات الجوية الأمريكية سوف تعتمد على قاذفاتها ومقاتلاتها لإجبار العراق على الانسحاب من الكويت، وأن أهدافها تشمل: الدفاعات الجوية، ومواقع الصواريخ، والمصانع، ومحطات الكهرباء، والطرق والجسور، والسكك الحديدية".

وفي 17 سبتمبر، وفور سماع وزير الدفاع الأمريكي، ريتشارد تشيني، هذا النبأ التي تناقلته وكالات الأنباء، قرر من الفور، بعد موافقة الرئيس الأمريكي، إقالة الجنرال "مايكل دوجان"، بسبب إفشاءه خطة الهجوم الجوي الأمريكي في تصريحاته الخاصة، بعزم الولايات المتحدة قصف بغداد. وقد خلفه في هذا المنصب الجنرال "ميريل ماك بيك".

سابعاً: المساعي العربية الجديدة

وفي 18 سبتمبر 1990، بدأت مساعٍ عربية جديدة، لعقد قِمة رباعية، في الجزائر، خلال 24 ساعة، يحضرها الملك حسين، والملك الحسن الثاني، والرئيس الشاذلي بن جديد، والرئيس ياسر عرفات. وأفادت مصادر أردنية، أن اللقاء يأتي حصيلة للجهود الدبلوماسية الهادئة، التي بذلها الملك حسين والملك الحسن الثاني، وسلسلة الاتصالات التي اضطلع بها مبعوثون، أردنيون ومغاربة، في الأيام الأخيرة.

وأكد مضر بدران، رئيس الوزراء الأردني، في مقابلات صحفية، أنه اتضح للأردن بعد ما أُفشلت محاولاته، في البداية، لعقد قِمة مصغرة، في جدة ـ أن المطلوب، هو تنفيذ مخطط عربي لإنزال القوات الأجنبية، وليس انسحاب العراق من الكويت. وبيّن رئيس الوزراء الأردني، "أن الولايات المتحدة، باشرت في تنفيذ عملية "درع الصحراء"في الخليج، فور نشوب الأزمة، حيث وصلت القوات الأمريكية إلى منتصف الطريق، قبْل أن تأخذ موافقة المملكة العربية السعودية على العملية، في الوقت الذي تأكدنا فيه، أنه لم تكن للعراق أي نوايا عدوانية، ضد السعودية أو دول الخليج العربي".

وفي يوم الأربعاء، 19 سبتمبر 1990، وصل إلى الرباط الملك حسين، والرئيس الشاذلي بن جديد، وكان في استقبالهما الملك الحسن الثاني، وذلك تمهيداً لعقد قِمة ثلاثية، تحاول حل أزمة الخليج، وتبحث عن إمكانية عرض الأفكار على قِمة عربية، تعقد قريباً. وكان مقرراً أن يشارك رئيس الدولة الفلسطينية، ياسر عرفات، إلاّ أنه توجّه إلى صنعاء. ورجحت مصادر دبلوماسية، أن يتداول الزعماء الثلاثة مقترحات لتكريس حل عربي للأزمة، ينطلق من تحقيق انسحاب، عراقي وأجنبي، متزامن من المنطقة، لتجنّب خطر اندلاع الحرب.          

وقد عقد الزعماء الثلاثة اجتماعاً، قرروا فيه أنه لا بدّ من إجراء محاولة أخرى. واتفقوا على أن يذهب الملك حسين، نيابة عنهم، إلى بغداد، لمقابلة الرئيس صدام حسين، والتحدث إليه برأيهم. وعاد الملك حسين إلى عمّان. ثم رأى أن يكتب إلى الرئيس صدام حسين بما انتهى إليه الرأي، في قِمة الرباط. بدأ الملك حسين باستعراض خلفية الأزمة ومسارها، ثم قال في خطابه: "وبناء على هذا الفهم والتحليل، الذي شاطرني إياه جلالة الملك الحسن الثاني، وسيادة الرئيس الشاذلي بن جديد؛ وعلى ضوء تطور الأزمة، ووعينا الكامل على مضاعفاتها ومكتنفاتها، التي ذكرت؛ ومن منطق حرصنا الأكيد على المحافظة على سلامة العراق وما يمثّل ـ فقد كُلفت من قِبلهم بطرح السؤال التالي على سيادتكم، كبداية لجهد عربي جماعي مخلص، وكلنا أمل ورجاء بالتكرم بالإجابة السريعة علينا: ما هي طلبات العراق المحددة، والمعقولة، والمقبولة، من دولة الكويت، سواء بالنسبة إلى حدوده معها، وحاجته إلى ممر حر للمياه العميقة في الخليج، أو بالنسبة للديون والتعويضات المالية عن نفط حقل الرميلة، أو غير ذلك إن وجد؟ وبمعنى آخر: ما هي الطلبات العراقية، بحدودها المعقولة، والواقعية، والتي يمكن أن تلقى قبولاً لدى القادة العرب، كي أتبناها، مع جلالة الملك الحسن الثاني، والرئيس الشاذلي بن جديد، ونتحرك بها، لإقناع الطرف المعني بها، والقادة العرب الآخرين، سعياً للتوصل إلى حل عربي للمشكلة، قبْل فوات الأوان؟".

ثم أضاف الملك حسين عبارة، ظنّها مؤثرة في بغداد: "إنني لا أريد أن أصل إلى لحظة، أجد فيها نفسي مضطراً أن أقف أمام العالَم، وأقول إنه ليست هناك فرصة لحل عربي".

وحين وصل خطاب الملك حسين، إلى بغداد، كان مجلس قيادة الثورة منعقداً في سلسلة اجتماعات، خصصها لبحث مستجدات الأزمة، أدت إلى اقتناعه بأن الأزمة، تجاوزت كونها قضية بين العراق والكويت، وأن الطرف الآخر، في مواجهة العراق، قد أصبح الولايات المتحدة الأمريكية، وأن الحل العربي بات غير مطروح، على الأقل في الوقت الحاضر. وإذا كان هناك أمل عربي للعراق، في هذا الوقت، فهو ما أسماه بعض أعضاء مجلس قيادة الثورة "حركة الجماهير العربية "؛ فهي التي تستطيع أن تضغط على حكوماتها، لتتخذ مواقف جديدة، يمكن أن تؤثر في مسار الأزمة.

ويبدو أنه من هذا المنطق، اتخذ مجلس قيادة الثورة العراقي، في سلسلة جلساته، التي عقدها خلال الفترة من 20 إلى 23 سبتمبر 1990، سياسة، تنزع إلى توسيع رقعة المواجَهة. فأصدر بياناً، باسمه وباسم قيادة حزب "البعث "العراقي، يهدد، في حالة ضرب العراق، بالردّ على ذلك بقصف صاروخي شامل لكل منشآت النفط في الخليج، وليس في المملكة العربية السعودية فقط، بل بقصف أهداف في إسرائيل. وكان ذلك تصعيداً جديداً في الموقف، أمست معه مسألة نفط الخليج برمّته، هدفاً رئيسياً مباشراً في المعركة. وكذلك باتت إسرائيل فيها طرفاً رئيسياً مباشراً، ولعلها كانت كذلك، منذ البداية.

وفي 29 سبتمبر 1990، وصل وزير خارجية العراق، طارق عزيز، إلى عمّان، حاملاً رداً من الرئيس صدام حسين. ولم يكن الرد المكتوب هو الرسالة الحقيقية للملك؛ وإنما كان الأهم ما دار بين الاثنين من حديث، في قصر "الندوة"، في عمّان. وتشير دلائل كثيرة إلى أن وزير الخارجية العراقي، تحدث إلى الملك بمجمل ما توصلت إليه اجتماعات مجلس قيادة الثورة وقيادة حزب "البعث"، من قناعات. وأهمها أن الدول العربية، في الوقت الحاضر، ليست هي التي تملك زمام الموقف. واستطراداً، فإن البحث عن حل عربي، لا فائدة فيه، الآن، لأسباب كثيرة، أولها وآخرها، أن الأمر خرج من أيديها، منذ ساعات الأزمة الأولى، وأنه إذا أتيحت فرصة للحل، فلا بدّ أن تكون من مصدر آخر.

ثامناً: لقاء كويتي ـ أمريكي في واشنطن

استقبل الرئيس الأمريكي، جورج بوش، في يوم الجمعة، 28 سبتمبر 1990، أمير الكويت، الذي كان يزور الولايات المتحدة الأمريكية، للمرة الأولى، وانضم إليهما مستشار الأمن القومي، سكوكروفت، في الاجتماع، الذي استغرق ساعة. وعلى الرغم من أن الأمير لم يطلب، مباشرة، التدخل العسكري لتحرير بلاده، إلاّ أن سكوكروفت، حَدَسَ أن هذه هي رسالته المستترة. واصطحب الرئيس بوش أمير الكويت، بعد ذلك، للقاء أعضاء حكومته، ثم تناول الغداء معهم، في جناحه في البيت الأبيض. وبعد الظهر، التقى الأمير، على حدَة، تشيني، وزير الدفاع، وكولين باول، رئيس الأركان.

واشتملت كلمة الرئيس بوش خلال لقائه أمير الكويت، على النقاط التالية (أنظر وثيقة نص كلمة الرئيس الأمريكي، جورج بوش أثناء لقائه أمير الكويت، في واشنطن في 28 سبتمبر 1990):

1. الترحيب بأمير الكويت.

2. استعراض نتائج العدوان العراقي، من نهب وسلب، وسجن، وترهيب الشعب الكويتي، حتى القتل. ومحو دولة ذات سيادة.

3. تأكيد تصميم الولايات المتحدة الأمريكية على إنهاء العدوان، واستعادة الكويت حريتها، وضمان استقرار منطقة الخليج وأمنها.

4. الإشادة بدور حكومة الكويت وشعبها، وبطولة المقاومة الكويتية.

5. التطلع إلى زيارة الكويت، بعد تحريرها.

    وردّ أمير الكويت، على كلمة الرئيس بوش، بكلمة اشتملت على النقاط التالية (أنظر وثيقة نص كلمة الأمير جابر الأحمد الصباح، أمير دولة الكويت أثناء لقائه الرئيس الأمريكي، جورج بوش، في واشنطن في 28 سبتمبر1990):

1. توجيه الشكر إلى الرئيس بوش والشعب الأمريكي.

2. التطلع إلى وضع حد للعدوان المسلح كأداة من أدوات السياسة الخارجية لأي دولة.

3. الأمل في إنهاء الاحتلال العراقي، وتحقيق العدل والإنصاف.

4. التطلع إلى استقبال الرئيس بوش على أرض الكويت المحررة.

   وفيما بعد، قال الرئيس جورج بوش، إن الوقت ليس في مصلحة الكويت. فهي، بالتأكيد، لن تبقى، كبلد، إذا انتظروا إلى أن تؤتي العقوبات ثمارها. وبيّن كلٌّ من تشيني وباول، أن لقاء الأمير والرئيس بوش، وقصص التدمير الذي لحق بالكويت، التي تؤكدها تقارير الاستخبارات، قد تركوا أثراً ملموساً في الرئيس، الذي حمله انفعاله على القول: سيفشل العراق، وستبقى الكويت.

تاسعاً: تصاعد الأزمة، والأبواب الموصدة

وبنهاية شهر سبتمبر 1990، كانت القيادة العراقية قد اقتنعت بأن خيوط الأزمة، قد أفلتت من يد الدول العربية، لتمسك بها الولايات المتحدة الأمريكية، وتنسج منها ما خططت له. وكانت بغداد تتابع ما يجري حولها، مستشعرة أن أبواب الحل، تنغلق باباً بعد باب.

الباب العربي أصبح مغلقاً إغلاقاً تاماً؛ فالدول الفاعلة، في العالم العربي، اتخذت موقفها، مبكراً، ولم تكن، من وجهة نظر العراق، محايدة. والولايات المتحدة الأمريكية، لن تسمح بفتحه، مهما كانت الأسباب.

    وباب الأمم المتحدة مغلق، كذلك؛ ولم يكن العراق يتوقع ريحاً مواتية من الأمم المتحدة، ولكنه كان يظن أن الآراء، سوف تتوزع بما لا يسمح بصدور قرارات حاسمة. وكانت المفاجأة، أن واشنطن، سيطرت سيطرة تامة على أجواء الأمم المتحدة وضبطتها، وتلاحقت قراراتها، وكلها تدين العراق أو تحاصره، على نحو لم يسبق له مثيل في تاريخها.

والباب السوفيتي، كذلك، كان مغلقاً؛ فإضافة إلى المواقف الأولية من الأزمة، تبيّن لطارق عزيز، أثناء زيارته موسكو، في 5 سبتمبر 1990، أن إدوارد شيفرنادزه، وزير الخارجية السوفيتي، ينتهج النهج نفسه، الذي ينتهجه نظيره الأمريكي، جيمس بيكر. كانت بغداد تعرف، من مصادرها في العاصمة السوفيتية، أن هناك قلقاً شديداً في أوساط العسكريين السوفيت، الذين ضايقهم أن تنزل قوات أمريكية، بهذه الكثافة، في الخليج، وأن يتبدى استعدادها لعمليات عسكرية، في ساحة قريبة، إلى هذه الدرجة، من حدود الجمهوريات الجنوبية للاتحاد السوفيتي، ومعظم سكانها من المسلمين. كما كانت لهجة شيفرنادزه، باردة كالصقيع، ولم يكن يريد أن يسمع أو يناقش، إلاّ قضية واحدة، هي قضية الانسحاب بلا شروط. وحين حاول طارق عزيز، أن يلفت الاتحاد السوفيتي إلى أنه يغامر باستثمارات وأرصدة سياسية، وفّرها لنفسه، خلال أربعين سنة، في العالم العربي ـ كان ردّ شيفرنادزه: "إن الاتحاد السوفيتي، يتّبع، الآن، منهجاً جديداً في التفكير، يراعي مصالحه أولاً".

والباب الألماني ـ الياباني، كان، هو الآخر مغلقاً. وكان العراق يحسب أن حاجة ألمانيا واليابان إلى النفط، مع نزعتهما إلى الاستقلال، ولو بقدر، عن السياسية الأمريكية، يمكن أن يكونا ثغرة مفتوحة له في الجدار الغربي. لكن البلدَين كليهما، قدّرا، منذ البداية، أن هناك تصادماً كبيراً قادماً، وأن مفاتيح النفط، لسنوات متصلة، سوف تكون في يد واشنطن، أو في متناولها. وأن العراق لن يستطيع الاحتفاظ بالكويت، ومن ثم، فلن يكون تحت تصرفه إلاّ نفطه، وحده، على افتراض أنه ظل، بعد التصادم الكبير، تحت تصرفه.

أمّا الباب الفرنسي، فهو موارب؛ إذ إن فرنسا، تظهر استعدادها للحركة، إذا ظنت مقدماً أن قرار الانسحاب في يدها. وفي الوقت عينه، فإنها ليست على استعداد لأن تقدِّم ضماناً لِما بعد الانسحاب، خصوصاً ما يمكن أن تطلبه الولايات المتحدة الأمريكية، زيادة على الانسحاب وما بعده.

والباب الأمريكي، من زاوية الكونجرس، كان ينغلق درجة بعد درجة. وكانت بغداد تقيس على تجربة حرب فيتنام، ومعارضة الكونجرس والرأي العام، لاستمرارها، والضيق بوجهها اللاإنساني، وبما اقتضته من تضحيات بالدماء والأرواح. وربما شجع بغداد تصريحات بعض أعضاء الكونجرس. ومنها، على سبيل المثال، تصريح السناتور وليام كوهين: "إ ن الكويتيين، يريدون منّا، أن نحارب من أجْلهم، إلى آخر جندي أمريكي". وقد يكون ما شجعها، كذلك، بعض مقالات في الجرائد، أو مظاهرات في بعض الميادين. وكانت تلك كلها ظواهر مجتمع يعبر كلٌّ فيه عن نفسه، كما يحلو له، من دون أن يمثّل الاتجاه الغالب، في الكونجرس أو في الرأي العام.          

ولقد وصل الحرص على البحث عن باب مفتوح، إلى حدّ أن بغداد، طرقت الباب الإيراني نفسه، على الرغم مما جرى بين البلدَين، في عقد الثمانينات. وأعلن الرئيس صدام حسين استجابته، من طرف واحد، لكل طلبات إيران. كما بعث العراق إلى طهران برُسُل على مستوى عالٍ، بينهم وزير الخارجية، طارق عزيز. وأبدى الإيرانيون استعداداً للتعامل مع الموقف بمرونة؛ والمرونة، بطبيعتها، موقف، يحاول استغلال كل المواقف، ويرسم حركته وفق تقلباتها.