إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات سياسية عسكرية / الصراع في جنوبي السودان





موقع منطقة إبيي
المناطق الحدودية المختلف حولها

مناطق النفط جنوب السودان
أماكن معسكرات الفصائل
الموقع الجغرافي للسودان
التوزيع القبلي
التقسيم الإداري للسودان
التقسيم الإداري لجنوب السودان
تضاريس السودان
قناة جونجلي



المبحث العاشر

المبحث الثامن عشر

تطور الأحداث الداخلية في السودان (2005 حتى منتصف 2007)

أولاً: الموقف الأمني

كان من نتيجة توقيع اتفاق السلام الشامل، 9 يناير 2005، تحول حالة الصراع المسلح بين الشمال والجنوب إلى حالة سلام تخللها أعمال عنف وشغب محدودة، إلا أنها لم تمثل خرقاً لاتفاق السلام.

على أثر مقتل "جون قرنق" زعيم الحركة الشعبية، في 30 يوليه 2005، وتسرب شائعات عن تورط جهات رسمية في مقتله، وقعت اشتباكات بين ميليشيات تابعة للقوات الحكومية وأخرى من الحركة الشعبية لتحرير السودان، استمرت ثلاثة أيام، قرب مدينة "ملكال"، ثالث أكبر مدن الجنوب، راح ضحيتها 130 فرداً وتدمير العديد من الممتلكات العامة والخاصة. وقد تبين لاحقاً أن حادث طائرة "قرنق" وقع نتيجة عيوب فنية طارئة.

وخلال هذه الفترة نفسها تزامنت اشتباكات أخرى في الخرطوم، بين قوات الشرطة الحكومية ضد جنوبيين راح ضحيتها (8) أفراد. وبدأ نشوب توتر بين حزب المؤتمر الوطني الحاكم والحركة الشعبية، شريكه في الحكم.

اندلعت اشتباكات عنيفة بين طلاب جامعة جوبا بالخرطوم وقوات الأمن الحكومية، في 11 فبراير 2006، على خلفية استمرار تأجيل إعادة الجامعة إلى جنوب السودان بعد نقلها في أواخر الثمانينيات إلى الخرطوم. ولجأت قوات الأمن إلى الاستخدام المفرط للقوة، ما نتج عنه عدداً من القتلى والمصابين الجنوبيين، واعتقال 200 طالب جنوبي.

كذلك أطلقت عناصر من الحركة الشعبية، في 20 سبتمبر 2006 النار على تظاهرة طلابية بجامعة بحر الغزال، ما أدى إلى مقتل وإصابة عدد من الطلاب. وفي يناير 2007 احتلت عناصر منسوبة إلى الحركة الشعبية بعض مناطق في أبيي جنوب السودان، وأعلنت تبعيتها إلى حكومة جنوب السودان وليس ولاية جنوب كردفان، ما أدى إلى تصاعد الخلافات بين قبيلة المسيرية والدينكا في المنطقة.

واتهمت حكومة جنوب السودان "جماعة جيش الرب" الأوغندية باستمرارها في عمليات قتل الأبرياء في جنوب السودان، والتي كان آخرها خلال شهر أكتوبر 2006، وعملية أخرى في يناير 2007، حيث قتلت وأصابت 56 فرداً في العمليتين على الطريق بين مدينتي "جوبا" و"نمولي"، الواقعة على الحدود الأوغندية، ما أدى إلى تعليق عودة اللاجئين من أوغندا.

وفي تصعيد إعلامي منذ 5 ديسمبر 2006 حتى فبراير 2007، طالب "سلفاكير" النائب الأول للرئيس ورئيس حكومة جنوب السودان، من الحكومة السودانية سحب الميليشيات وقوات الدفاع الشعبي والشرطة الشعبية التابعين لها في الجنوب؛ لأن وجودهم يعد إخلالاً باتفاق الترتيبات الأمنية الملحق باتفاق السلام الشامل.

كما وقعت صدامات طلابية عنيفة في جامعة "النيلين" بالخرطوم، في 8 فبراير 2007، بين مؤيدي الحزب الحاكم، ومجموعة تعرف باسم "الجبهة الجنوبية الحديثة" المحسوبة على الحركة الشعبية، أدت إلى مقتل وإصابة (10) طلاب جنوبيين. وقد تكرر هذا الحادث بعد أسبوع من الحادث الأول.

وفي 18 أغسطس 2007، تصاعدت حدة التوتر في ولاية البحيرات جنوب السودان، عقب مواجهات قبلية تحمل طابعاً سياسياً، أدت إلى مقتل 7 أفراد وإصابة 12 آخرين.

أما على جبهة شرق السودان، فقد شهد عام 2005 استمراراً لأعمال العنف، حيث قتلت قوات الأمن السودانية (20) فرداً وخلفت مئات الجرحى أثناء عملياتها الهادفة سحق مظاهرة لعناصر البجا المعارضة في ميناء بور سودان، في يناير 2005. كما دمّر مسلحون من البجا ثلاثة معسكرات تابعة للقوات الحكومية قرب بلدة "طوكر"، القريبة من البحر الأحمر، في أبريل 2005.

ومنذ العام 2006، عادت حالة الهدوء إلى شرق السودان، بعد توقيع اتفاق سلام يونيه/ أكتوبر 2006.

وعلى جبهة دارفور، استمرت حالة العنف بين الحكومة السودانية وعناصر المعارضة، على الرغم من توقيع اتفاق سلام مع بعض جماعات المعارضة في دارفور، خلال العام 2005/2006.

ثانياً: تطور المفاوضات وتنفيذ اتفاق السلام

في حدث مميز يمثل نقطة تحول في تاريخ السودان، وقعّت الحكومة السودانية، وممثلها نائب الرئيس "علي عثمان محمد طه"، والحركة الشعبية لتحرير السودان، ومثلها "جون قرنق"، اتفاق السّلام الشامل في نيفاشا/ كينيا، في 9 يناير 2005، لتنتهي بذلك حالة الصراع المسلح بين الشمال والجنوب.

أقرّ مجلس الأمن في قراره الرقم 1590، بتاريخ 24 مارس 2005، تشكيل بعثة الأمم المتحدة في السودان، والتي تشكلت من قوة قوامها (10) آلاف فرد، منهم (715) شرطياً مدنياً، للعمل في جنوب السودان ومناطق النزاعات الأخرى

ووقعت الحكومة السودانية والتجمع الوطني الديموقراطي المعارض اتفاق القاهرة، في 18 يونيه 2005، والذي يقضي بمشاركة أحزاب التجمع الوطني في تقاسم السلطة.

وفي احتفال رسمي كبير حضره الأمين العام للأمم المتحدة في الخرطوم، في 9 يوليه 2005، أدى "جون قرنق" قسم نائب رئيس جمهورية السودان، بينما شغل "علي عثمان محمد طه" منصب النائب الثاني لرئيس الدولة، بينما وقع الرئيس "عمر البشير" على الدستور السوداني الجديد.

وعقب مقتل "جون قرنق" في حادث طائرة عمودية خلال عودته إلى جنوب السودان قادماً من أوغندا، في 30 يوليه 2005، تولى "سلفاكير ميرديت"، بعد ثلاثة أيام من الحادث، منصبا نائب رئيس الجمهورية ورئيس الحركة الشعبية. وعلى صعيد متصل في أغسطس 2005، نُصِّبت اللجنة التشريعية المؤقتة لجنوب السودان رسمياً في جوبا.

وفي تطور متسارع لتنفيذ اتفاق السلام لتقاسم السلطة، أُعلن عن تشكيل أول حكومة وحدة وطنية في السودان، في سبتمبر 2005. كما أعلن "سلفاكير" عن تشكيل أول مجلس وزراء لحكومة جنوب السودان المستقلة، في أكتوبر 2005، وإقراره للدستور الجديد لجنوب السودان، نوفمبر 2005.

وعلى مسار متوازٍ خلال عام 2005 وحتى عام 2007، شاركت الحركة الشعبية الحكومة السودانية في الجولات التفاوضية لحل أزمة دارفور وأزمة شرق السودان، بوصفها شريكاً في السلطة. كما شاركت في التوقيع على جميع الاتفاقيات التي أُبرمت مع المعارضة، في غربي السودان وشرقيه.

وقعّت الحركة الشعبية مع الحكومة السودانية إعلان المبادئ لحل النزاع في دارفور، بأبوجا، في 5 يوليه 2005، واتفاق سلام دارفور، بأبوجا في 5 يوليه 2006، واتفاق سلام شرق السودان، بأسمرة في 14 أكتوبر 2006.

وخلال عام 2006 وحتى النصف الأول من عام 2007، تصاعدت حدة الخلاف بين الشمال والجنوب في اتهامات متبادلة حول تنفيذ اتفاق السلام الشامل. ومع أن الخلافات لم تتعد التراشق الإعلامي، إلاّ أن الأمر كشف استمرار عدم ثقة الحركة الشعبية في الحكومة السودانية، والذي عبّر عنه "سلفاكير" في تصريح له بأن زعماء الحركة يخشون من القبض عليهم واعتقالهم، في حالة ذهابهم إلى الخرطوم.

أزمة أكتوبر 2007

مع استمرار الخلافات بين الشمال والجنوب حول تنفيذ اتفاق السلام الشامل، وما تردد عن منح الحكومة السودانية إحدى شركات النفط الأجنبية حق امتياز استكشاف النفط في منطقة جنوبية مختلف عليها، وعلى أثر تصاعد تيار متشدد داخل الحركة الشعبية، عَقَد المكتب السياسي للحركة اجتماعاً طارئاً، في الفترة من 4 – 11 أكتوبر 2007، ضم زعماء الحركة وعدداً من زعماء القبائل والشخصيات المهمة في الجنوب. واتخذ العديد من القرارات، وكان أبرزها:

1. تعليق مشاركة الحركة الشعبية في الحكومة المركزية بالخرطوم وسحب وزرائها ومستشاريها في السلطة. والمطالبة بحل القضايا العالقة بين الشمال والجنوب، وأبرزها قضية أبيي والحدود بين الشمال والجنوب والمناطق المتنازع عليها وقضية شفافية عوائد النفط، وعدم استكمال انسحاب الجيش السوداني من الجنوب، والمقدر عددهم بحوالي 12 ألف جندي شمالي. وأعطت الحركة مهلة حتى 9 يناير 2008 لتنفيذ مطالبها، وهددت بالانسحاب من اتفاق السلام والعودة للحرب.

2. دعوة المجتمع الدولي إلى التدخل حتى لا ينهار اتفاق السلام. وطالبت الحركة بعقد مؤتمر دولي بإشراف فرنسي لبحث آليات تنفيذ اتفاق السلام.

3. إجراء إصلاحات داخل الحركة الشعبية، وتعيين ثلاثة نواب جدد لرئيس الحركة، ونائبين للأمين العام، وتغيير بعض قيادات الأقاليم، والتأكيد على مطالب سابقة للحركة بتغيير وزرائها في الحكومة المركزية.

4. وضع برنامج سياسي جديد للحركة، يتم إقراره في اجتماع المجلس الوطني للحركة، خلال الربع الأول من عام 2008.

على أثر انسحاب الحركة الشعبية من الحكومة المركزية، اتخذ الرئيس "عمر البشير" قراراً بالمصادقة على أسماء الوزراء الجنوبيين المقترحين بواسطة الحركة الشعبية. واجتمع بالرئيس "سلفاكير"، قائد الحركة الشعبية، في 19 أكتوبر 2007 لحل القضايا العالقة، ولم يسفر الاجتماع عن أي تقدم.

أعلنت الحكومة السودانية، رداً على مطالب الحركة الشعبية، أنها تلقت 3 مليار دولار من عائدات النفط منذ عام 2005 حتى عام 2007 لتمويل مشروعات التنمية، وأن القوات الشمالية انسحبت من 87.4% من جنوب السودان، والمتبقي مرتب شط بتأمين حقول النفط، وأن الخلافات الحدودية وقضية أبيي مرتبطة بعمل مفوضية ترسيم الحدود في اتفاق السلام.

وأعلنت مصادر شمالية أن قرار الحركة الشعبية، هو تحرك تكتيكي ناتج عن انقسامات بين زعماء الحركة، وأن هناك مجموعة داخل الحركة تسعى لإنهاء المشاركة مع الشمال، وتعمل بضغوط أجنبية خارجية لإضعاف حكومة الإنقاذ ومشروعها السياسي. وأشارت إلى وجود عناصر من اللوبي الأمريكي المناهض للسودان في جوبا، تشرف على تحركات الحركة الشعبية.

واللافت في الأزمة هو تنسيق الحركة الشعبية مع بعض فصائل التمرد في دارفور، والتي لم توقع اتفاق أبوجا، واجتماعهم المشترك في جوبا عاصمة الجنوب، في 16 أكتوبر، لتنسيق المواقف، الأمر الذي أدى بتلك الفصائل للمطالبة بحق تقرير المصير لانفصال إقليم دارفور عن السودان لأول مرة. كما أنها رفضت المشاركة في مؤتمر سلام دارفور في ليبيا ـ سرت ـ (27-28 أكتوبر)، بسبب عدم شرعية الحكومة السودانية بعد انسحاب وزراء الجنوب منها.

اتهمت الحكومة السودانية الجيش الشعبي بنشر وحشد قوات عسكرية قوامها 630 جندياً في مناطق بين إقليم النيل الأبيض والنيل الأزرق في إقليم بحر الغزال، اعتباراً من 21 أكتوبر، وهي مناطق قريبة من الحدود بين الشمال والجنوب. وعلى الجانب الآخر اتهمت الحركة الشعبية الحكومة السودانية بحشد قواتها العسكرية في مناطق قريبة من الحدود مع جنوب السودان.

ثالثاً: مضمون الاتفاقيات المؤثرة على مسيرة السلام

1. اتفاق السلام الشامل، نيفاشا 9 يناير 2005

لم يتعد اتفاق نيفاشا، 9 يناير 2005، الناحية الإجرائية لتوثيق جميع الاتفاقيات السّابقة وتجميعها في وثيقة واحدة، أُطلق عليها "اتفاقية السلام الشامل" (انظر ملحق اتفاق السلام الشامل، نيفاشا، كينيا، 9 يناير 2005 (النص باللغة العربية)، أو ملحق اتفاق السلام الشامل، نيفاشا، كينيا، 9 يناير 2005 (النص باللغة الإنجليزية)، حيث تضمنت ستة فصول وملاحق كالآتي:

استهلال اتفاقية السلام الشامل، الموقعة بين حكومة السودان والحركة الشعبية، نيفاشا، 9 يناير 2005

الفصل الأول: اتفاق مشاكوس، والذي وقِّع في 20 يوليه 2002 (اُنظر ملحق نص اتفاق تنفيذ بروتوكول مشاكوس واقتسام السلطة، 31 ديسمبر 2004).

الفصل الثاني: اتفاق تقاسم السلطة، والذي وقِّع في 26 مايو 2004 (اُنظر ملحق نص اتفاق تقاسم السلطة بين الحكومة السودانية والحركة الشعبية، نيفاشا، 26 مايو 2004).

الفصل الثالث: اتفاق تقاسم الثروة، والذي وقِّع في 7 يناير 2004 (اُنظر ملحق نص اتفاق تقاسم الثروة بين الحكومة السودانية والحركة الشعبية لتحرير السودان، نيفاشا، 7 يناير 2004).

الفصل الرابع: اتفاق حسم النزاع في أبيي، والذي وقِّع في 26 مايو 2004 (اُنظر ملحق حسم نزاع أبيي، نيفاشا ، كينيا ، في 26 مايو 2004).

الفصل الخامس: اتفاق حسم النزاع في ولايتي جنوب كردفان والنيل الأزرق، والذي وقِّع في 26 مايو 2004 (اُنظر ملحق حسم النزاع في ولايتي جنوب كردفان/ جبال النوبة والنيل الأزرق، نيفاشا، كينيا ، في 26 مايو  2004).

الفصل السادس: اتفاق الترتيبات الأمنية، والذي وقِّع في 25 سبتمبر 2003 (اُنظر ملحق نص اتفاق الترتيبات الأمنية للفترة الانتقالية بين الحكومة السودانية والحركة الشعبية لتحرير السودان، نيفاشا، 25 سبتمبر 2003).

ملحق: آلية وتفاصيل التنفيذ للاتفاقيات الست ووقف تنفيذ إطلاق النار والترتيبات الأمنية.

(اُنظر ملحق نص اتفاق آلية وقف إطلاق النار والترتيبات الأمنية وآليات التطبيق، نيفاشا ، في 31 ديسمبر 2004) و(ملحق نص اتفاق تنفيذ بروتوكول مشاكوس واقتسام السلطة، 31 ديسمبر 2004) و(ملحق نص اتفاق وسائل الاتفاق الإطاري لاقتسام الثروة، نيفاشا، 31 ديسمبر 2004) و(ملحق وسائل تنفيذ بروتوكول حل نزاع أبيي، نيفاشا، كينيا، 31 ديسمبر 2004) و(ملحق وسائل تنفيذ بروتوكول حل النزاع في ولايتي جنوب كردفان والنيل الأزرق، نيفاشا، كينيا، 31 ديسمبر 2004)

2. اتفاق القاهرة بين الحكومة السودانية والتجمع الوطني الديموقراطي، القاهرة، 18 يونيه 2005

جاء اتفاق القاهرة كمحصلة لأربع جولات تفاوضية في القاهرة في: أغسطس وأكتوبر 2004، ويناير وإبريل 2005، كما كان تأكيداً لاتفاق جدة ديسمبر 2003، وإعلان القاهرة 16 يناير 2005، والتزاماً باتفاق السلام الشامل مع الحركة الشعبية الموقع في 9 يناير 2005.

تضمن اتفاق القاهرة، في 18 يونيه 2005، إعلان القاهرة في 16 يناير 2005، واتفاق القاهرة يناير 2005، وشمل إقامة نظام ديموقراطي تعددي وإقامة نظام فيدرالي، وإصدار قانون جديد للانتخابات لتحقيق المشاركة السياسية. كما تناول عدداً من القضايا التشريعية، خاصة دستور الدولة واستقلال القضاء، ورفع المظالم عن المتضررين، ومعالجة القضايا الاقتصادية.

كما تضمن الاتفاق ملحقاً خاصاً بآلية تنفيذ الاتفاق، وملحقاً آخر خاصاً بتوفيق أوضاع الميليشيات المسلحة التابعة للتجمع الوطني الديموقراطي، وملحقاً ثالثاً بتوقيت سريان الاتفاق. ونشير هنا أن الملحق الخاص بسريان الاتفاق وقِّع بالقاهرة في 20 يونيه 2005، ووقع عليه "جون قرنق"، زعيم الحركة الشعبية، بعد تجميد الفقرة الخاصة بنسب مشاركة التجمع الديموقراطي في السلطة إلى ما بعد إقرار الدستور الوطني.

(اُنظر ملحق إعلان القاهرة عن المباحثات بين حكومة السودان والتجمع الوطني الديمقراطي)

3. الدستور السوداني الوطني الجديد، 9 يوليه 2005

بعد تشكيل لجنة مفوضية الدستور، والتي شارك فيها أعضاء من حزب المؤتمر الوطني الحاكم والحركة الشعبية والتجمع الوطني الديموقراطي، تم الاتفاق على الهيكل العام للدستور، في ظل ظروف محلية ودولية بالغة التعقيد تهدد أمن السودان ووحدته وسلامته.

من أبرز ملامح الدستور تأكيده على تقاسم الثروة والسلطة بين الشمال والجنوب، وترسيمه لمبادئ المواطنة بين أبناء السودان، وتكريسه للتعددية الثقافية واللغوية والعرقية والدينية للمواطنين.

تبنى الدستور الحكم الديموقراطي اللامركزي، والإشارة لوجود دستور انتقالي آخر في جنوب السودان، وإجراء استفتاء بعد ست سنوات في الجنوب، على خيار بقاء الوحدة مع الشمال أو الانفصال عنه.

تبنى الدستور في مادته الحادية والعشرين مبدأ المصالحة الوطنية لتحقيق التوافق الوطني والتعايش السلمي بين جميع السودانيين، كما نصت مواد الدستور على تحقيقه الحكم الرشيد عن طريق الديموقراطية والشفافية والمحاسبة.

كما ركّز الدستور في بابه الثاني على حقوق الإنسان بمفهومها العالمي، وأن الحقوق والحريات المنصوص عليها في الاتفاقيات الدولية الخاصة بحقوق الإنسان هي جزء من الدستور السوداني.

رابعاً: السودان بعد أربعة أعوام من اتفاق السلام

1. شمال السودان

أ. المسار السياسي

نُفّذ الكثير من بنود اتفاق السلام فيما يخص اقتسام السلطة، وشاركت فيه جميع القوى السياسية السودانية، عدا ما أُطلق عليه "التحالف الوطني المعارض"، الذي يضم حزب الأمة بزعامة "الصادق المهدي"، وحزب المؤتمر الشعبي بزعامة "حسن الترابي"، وبعض الأحزاب الناصرية والبعثية الصغيرة؛ إضافة إلى بعض قوى المعارضة في دارفور وشرق السودان.

بات هناك دستور وطني انتقالي، وحكومة وحدة وطنية، وهيئة تشريعية قومية، ومفوضية قومية للانتخابات تتولى إعداد سجلات الناخبين وتشرف على الانتخابات القادمة (يوليه 2009)، ومفوضية لحقوق الإنسان، ومشاركة في المناصب التنفيذية والقضائية، وإلغاء حالة الطوارئ، عدا مناطق النزاع.

كما أطلقت حرية الرأي والتعبير (إلى حد ما)، حيث صرح وزير الإعلام السوداني أن الحكومة اتجهت إلى تحرير الإذاعة والتليفزيون، ومنحت رخصاً لإذاعات خاصة، وتبحث منحها لمحطات تليفزيونية خاصة، وصولاً إلى إلغاء وزارة الإعلام. وقال إن الحكومة لا تملك أياً من الصحف السودانية، وهي 18 صحيفة يومية و7 متخصصة.

عزز اتفاق القاهرة، 18 يونيه 2005، من مشاركة القوى السياسية المعارضة، "على الرغم من عدم شموليته" في تقاسم السلطة والمشاركة في العملية السياسية، ودفع بعض الأحزاب الصغيرة المعارضة إلى الانضواء تحت سقف اتفاق السلام الشامل.

كما أن تطبيع العلاقات السودانية الإريترية، ديسمبر 2005، دفع إلى توقيع اتفاق شرق السودان، أكتوبر 2006، مع جبهة الشرق، التي تضم مؤتمر البجا وجبهة الأسود الحرة ومشاركتهم في العملية السياسية.

وكانت سياسة الحكومة تعتمد على اختراق حركات المعارضة وشق صفوفها، لإضعافها وتحويل اتجاه بعض جماعاتها إلى الحكومة. وقد تمكنت من عقد اتفاق مع أحد فصائل حركة تحرير السودان في دارفور، ويتزعمها "ميني أركو ميناوي" في مايو 2006، وعينته مساعداً لرئيس الجمهورية في أغسطس 2006.

كما أعلن في 15 يوليه 2007، عن اتفاق سلام بين الحكومة السودانية وحركة العدل والمساواة برئاسة "إبراهيم يحيى عوض" بالقاهرة، إلاّ أن الحركة أعلنت نفيها، وأن إبراهيم عوض يعبر عن شخصه فقط في الاتفاق. وخلاصة الأمر أن الوقت يدفع بعدد من الفصائل والأحزاب المعارضة للمشاركة في العملية السياسية، الأمر الذي يعزز اتفاق السلام الشامل.

وعلى الجانب الآخر، عبرّت المعارضة السودانية عن رفضها لنظام حكومة الإنقاذ في العديد من المظاهرات الكبرى بالخرطوم، وأخرى في مناطق البجا شرق السودان. وفي شكل آخر تعددت محاولات الانقلاب ضد نظام الحكم.

وكانت آخر تلك المحاولات، التي أعلنت عنها الحكومة السودانية، في 13 يوليه 2007، بعد اعتقال "مبارك الفاضل" رئيس حزب الأمة/ الإصلاح والتغير المعارض، والذي عمل سابقاً كمستشار للرئيس السوداني، ومعه (15) من العسكريين بالجيش السوداني، ووزير السياحة السّابق "عبدالجليل الباشا". وأعلن الرئيس "عمر البشير" عن تورط الولايات المتحدة الأمريكية في هذا الانقلاب لزعزعة استقرار السودان.

ومما يشير إلى عدم استقرار الأوضاع الداخلية بالسودان، أن عملية المشاركة السياسية لم تكتمل مع جميع القوى السياسية، حيث اتهمها بعضهم بأنها شكلية، وبعيدة عن المشاركة في اتخاذ القرار.

وفي إطار الشّراكة بين الشمال والجنوب، عُقد الاجتماع المشترك الأول بين المؤتمر الوطني والمكتب السياسي الانتقالي للحركة الشعبية في الخرطوم، في الفترة من 27 – 29 مايو 2006، وحضره الرئيس "عمر البشير" والفريق "سلفاكير" لمناقشة تنفيذ اتفاق السلام، والوضع الأمني، والشراكة من حيث المفهوم والآليات، والعلاقة مع القوى السياسية الأخرى، والقضايا الداخلية، مثل دارفور وشرق السودان، والعلاقات الإقليمية والدولية.

وتم الاتفاق حول العديد من القضايا الواردة، وتشكيل لجان مشتركة تجتمع شهرياً لمتابعة ما تم تنفيذه؛ إلاّ أن تطور العلاقة أشار إلى عدم تحسنها على مسار القضايا المختلف عليها.

وعلى الرغم مما حققه اتفاق السلام من إنجازات ميدانية، إلا أنّ هناك قضايا عالقة تهدد بتفجر الموقف بين الشمال والجنوب إذا لم يتم حلها بشكل مرضٍ للطرفين، ومن هذه القضايا ترسيم الحدود بين الشمال والجنوب، وتوزيع عائدات النفط، ومنطقة أبيي.

فالحكومة السودانية وعدت بالانتهاء من عملية ترسيم الحدود، وإعادة عائدات النفط التي تخص الجنوبيين بأثر رجعي، على الرغم من عدم اعتراف الحكومة بتقرير لجنة ترسيم الحدود، وتقريرها بوضع منطقة أبيي ضمن حدود الجنوب. كما أن لجنة مجموعة الأزمات الدولية رأت موقف الحكومة من أبيي انتهاكاً لاتفاق السلام.

ب. المسار الاقتصادي

كان من نتيجة وقف الحرب في جنوب وشرق السودان، انتعاش الاقتصاد السوداني نتيجة لتحوله من "اقتصاد حرب" إلى "اقتصاد سلم" نسبي، ارتباطاً باستمرار حالة الحرب غرب السودان. وقد قدرت التكلفة اليومية لحرب الجنوب بمليون دولار يومياً.

أشارت الأرقام الاقتصادية إلى ارتفاع الناتج القومي؛ فبعد أن كان 76 مليار دولار عام 2004، أصبح 97.5 مليار دولار عام 2006، وارتفع متوسط دخل الفرد سنوياً من 1900 دولار عام 2004، ليصل إلى 2400 دولار عام 2006.

كما ارتفع معدل النمو من 6.4% عام 2004 ليصل إلى 9.6% عام 2006، وانخفض معدل التضخم من 9% عام 2004 إلى 7% عام 2006. وعلى الرغم من استمرار الحكومة في المحافظة على نسبة الإنفاق العسكري 3% من إجمالي الناتج المحلي، إلا أن قيمة الإنفاق ارتفعت من 587 مليون دولار عام 2004، لتكون 765 مليون دولار عام 2006، وقدرتها المصادر الجنوبية بأكثر من مليار دولار.

كما انخفضت الديون الخارجية من 21 مليار دولار عام 2004 لتصل إلى 15.1 مليار دولار عام 2006. وأشارت العديد من المصادر إلى وجود نهضة عمرانية لم يشهدها السودان ـ خاصة في الخرطوم ـ من قبل، وأن هناك نشاطاً متسارعاً للشركات الأجنبية للاستثمار في السودان، خاصة الصين وماليزيا وبعض الدول العربية.

كما ارتفع إنتاج الدولة من النفط بشكل ملحوظ، فبعد أن كان 96.5 مليون برميل سنوياً ويحقق عائداً بقيمة 2.5 مليار دولار عام 2003، ارتفع عام 2004 إلى 105.1 مليون برميل سنوياً، وحقق عائداً بقيمة 3.8 مليار دولار. ويسهم دخل النفط بحوالي 50% من الإيرادات العامة للدولة.

ج. المسار العسكري

سُحبت القوات السودانية العاملة في جنوب السودان، وكان آخر فوج غادر في 9 يوليه 2007، عدا بعض الوحدات المكلفة بتأمين آبار النفط في المناطق المتنازع عليها.

وعقب سحب الجيش السوداني من شرق السودان، بعد تطبيع العلاقات السودانية الإريترية، تفرغ الجيش السوداني للعمل في دارفور، إضافة إلى مهام أخرى مرتبطة بإجراءات تأمين الجبهة الداخلية.

واهتمت الحكومة السودانية بإعداد وتطوير القوات المسلحة السودانية، بعد توافر مصادر مالية من زيادة إنتاج النفط.

وطبقاً لاتفاق الترتيبات الأمنية، شُكِّل مجلس دفاع مشترك وقوات مشتركة وطنية، تعمل في شمال السودان وجنوبه، مع استمرار وجود بعض المشاكل على مستوى آلية التنفيذ، وانضمام 30 ألف فرد من الميليشيات المسلحة في الجنوب إلى الجيش السوداني. وجرى ترقية 300 ضابط منهم برتب تراوح بين الرائد واللواء، وجاري بحث موقف 10 ألاف عنصر من الميليشيات الجنوبية.

2. جنوب السودان

أ. المسار السياسي

حصل جنوب السودان لأول مرة في تاريخه على نظام سياسي كونفدرالي مستقل، وبات له دستور وهيئة تشريعية وحكومة إقليمية مستقلة، ونظام قضائي وسلطة تنفيذية للأقاليم من أهل الجنوب؛ إضافة إلى مشاركتهم في النظام السياسي القومي للدولة.

وكان من أبرز أهداف الحركة الشعبية بعد توقيع اتفاق السلام، التركيز على التنمية السياسية والتحول من حركة عسكرية إلى حركة سياسية. وقد حققت إنجازات ملموسة خلال هذه الفترة، على الرغم من المصاعب والتحديات المختلفة على هذا المسار.

أشارت معظم التقارير حتى عام 2007، أن الحركة الشعبية مازالت تعاني ضعفاً في بنيتها الحزبية السياسية، وتفتقر إلى البنية التنظيمية وآلية صنع القرار، وعدم وضوح برنامجها السياسي، حيث عُدّلت هياكل الحركة إلى مؤسسات تنفيذية وتشريعية وقضائية، على الرغم من عدم اكتمالها، وإنشاء مكاتب للتخطيط ووضع الميزانية الحكومية. كما أنشأت الحركة وحدات خاصة لحشد الرأي العام الداخلي والخارجي لعمليات التنمية، وفَتحت مكاتب لها في الخرطوم وفي 10 محافظات سودانية، و(17) مكتب تمثيل دبلوماسي خارجي، أبرزها في واشنطن. كما يوجد 37 قنصلية أجنبية في جوبا. وجرى استخراج جوازات سفر جديدة خاصة بمواطني جنوب السودان. ونشطت الحركة في مجال المجتمع المدني في جنوب السودان لاستقطاب الرأي العام المؤيد والمعارض، كما رفعت حالة الطوارئ في الجنوب في 14 أكتوبر 2006.

اتخذت الحركة خطوات جادة نحو المصالحة الجنوبية الجنوبية، وأجرت حواراً جنوبياً مع فصائل المعارضة، وعينت مسؤولاً بارزاً لتولي ملف الحوار. وعقدت العديد من الجولات الحوارية للشراكة السياسية، شارك فيها حزب المؤتمر الوطني الحاكم بوصفه أحد منابر القوى السياسية في الجنوب، إضافة إلى تنسيق نقل دوره السياسي إلى الحركة الشعبية.

وشارك في الحوار القوى الجنوبية المتحالفة مع الحكومة، مثل جبهة الإنقاذ الديموقراطية، وقوات دفاع جنوب السودان، وقوات حركة جنوب السودان، وقوات حركة استقلال جنوب السودان، وقوات السلام/ لواء السلام، وقوات السلطان عبدالباقي كول، وميليشيا المورلي، وقوات المنداري، وقوات دفاع الاستوائية، وقوات الفيصل المتحد.

كما شارك في الحوار قوى جنوبية أخرى معارضة للحركة الشعبية من المثقفين والسياسيين السابقين، والذين لهم تحالفات وأحزاب وتجمعات سياسية، إلاّ أنها افتقدت إلى الثقل السياسي والعسكري. ونُشير هنا إلى أن معظم الحوارات كانت بمشاركة أمريكية وكندية وأوروبية ومجلس كنائس السودان الجديد، إلاّ أن معظم هذه الحوارات تعثرت بسبب تشدد الحركة الشعبية في التمسك بسيطرتها على النظام السياسي الجنوبي.

تمكنت الحركة الشعبية من دمج مجموعات جنوبية مسلحة في الحركة الشعبية، بعد مفاوضات أثمرت عن إعلان "جوبا" في 8 يناير 2006، حيث شملت مجموعات تابعة لقوات دفاع جنوب السودان، القريبة من حكومة الخرطوم، والتي قررت تحولها للعمل السياسي في 23 سبتمبر 2007، وانضمامها إلى 3 أحزاب سياسية جنوبية، منها الحزب الديموقراطي في جنوب السودان.

وفي يوليه 2007، كان البدأ في عملية واسعة لنزع سلاح الميليشيات في شرق الاستوائية، بعد رحيل ميليشيات جيش الرب الأوغندية، الذين انتقلوا إلى مناطق تجمع على الحدود مع أوغندا والكونغو الديموقراطية، بعد محادثات سلام بإشراف الأمم المتحدة عُقدت في جوبا جنوب السودان.

كل ذلك تزامن مع الحوارات داخل الحركة الشعبية لإعادة ترتيب أوضاعها الداخلية، والتي شارك فيها قادة الجيش الشعبي وزعماء القبائل والسلاطين وقيادات المجتمع المدني.

وخلال شهر أكتوبر 2007، تردد وجود خلافات وانقسامات داخل الحركة الشعبية، بسبب انفراد بعض الزعماء بالقرار وعدم حسم القضايا الخلافية مع الشمال، وانتشار ظاهرة الفساد المالي والإداري وتوزيع المناصب القيادية بشكل غير عادل. وعلى أثر ذلك اجتمع المكتب السياسي للحركة في جوبا، من 4 – 11 أكتوبر 2007، وأقر تعديل وإضافة عدد من المناصب القيادية في الحركة ورؤساء الأقاليم.

تعاني الحركة الشعبية من نقص السيادة الشرعية على الجنوب، بسبب غياب الإجماع القبلي والجماهيري على دور الحركة في الجنوب، بسبب تهميش قوى المعارضة في العملية السياسية، واحتكار قبيلة الدينكا المواقع الرئيسية والقيادية، واستحواذها على نسبة 28% من التمثيل في الحكومة المركزية، ونسبة 28% من مقاعد البرلمان الوطني، واستأثارها لنفسها بنسبة 70% من حكومة الجنوب، والنسبة نفسها في المجلس التشريعي الجنوبي، بينما أعطت 15% لبقية القوى السياسية الجنوبية.

وكان في الأحداث البارزة لجوء وهروب أعداد من قادة الحركة الشعبية إلى الولايات المتحدة الأمريكية وكينيا بسبب تهميشهم في العملية السياسية، وانحراف برنامج الحركة الشعبية، بعد مقتل "جون قرنق"؛ وكان سبب بعضهم دواعٍ أمنية بسبب قضايا فساد مالٍ وإداري، مثل حالة وزير النقل والطرق والكباري، ووزير المالية في حكومة جنوب السودان، ورئيس هيئة أركان الجيش الشعبي، خلال عام 2006/2007.

وعلى الرغم من نجاح الحركة الشعبية في تكوين الهياكل التنظيمية للنظام الجنوبي، إلاّ أنها غير كاملة بسبب افتقارها للكوادر المؤهلة، إضافة إلى وجود خلافات متعددة مع الشمال، أو مع قوى المعارضة في الجنوب، أو بين قبيلة الدينكا والنوير، وداخل قبيلة الدينكا الحاكمة بين دينكابور ودينكا أقار ودينكا نقوك ودينكا الرنك. واستئثار دينكابور بكل شيء، إضافة إلى وجود تنافس بين المؤسسة العسكرية والمؤسسة السياسية داخل الحركة الشعبية.

ب. المسار الاقتصادي

اهتمت الحركة الشعبية بتفعيل دور التنمية الاقتصادية، لإقامة نظام اقتصادي وبنية تحتية للإقليم، الذي غاب عنه الاهتمام الاقتصادي والبنيوي منذ عام 1983.

فعلى صعيد النقل والمواصلات أُنجز جزء من خطة شبكة طرق برية، داخل كل ولاية وبين الولايات. كما حصلت الحركة على قرض من الحكومة الألمانية لتمويل بناء خط سكة حديد يربط جنوب السودان مع كينيا وأوغندا ومع شرق أفريقيا، لضمان عوائد النفط الجنوبي، وتنفذه إحدى شركات المقاولات الألمانية. وأشار بعض المحللين أن الهدف من هذا المشروع هو ربط جنوب السودان تنموياً مع شرق أفريقيا تمهيداً للانفصال.

كما بُني مطار في رومبيك بإشراف الأمم المتحدة لخدمة عمليات الإغاثة. وتخطط الحركة لبناء عدة مطارات مدنية، وإعادة تشغيل الخط الملاحي النهري الذي يربط جوبا وملكال وكوستي بطول 1436 كم.

وفي مجال الاتصالات، بُنيت شبكة مواصلات أرضية في بعض الولايات، وأُدخلت خدمة الهاتف المحمول في رومبيك التي يعدونها عاصمة الجنوب. كما اُستخدم رمز لخدمة الهاتف يختلف عن الرمز المستخدم في السودان.

كما أُنشأ عدد من محطات الطاقة الكهربائية، ومحطات مياه الشرب، وعدد من المدارس، وأُدخلت خدمة البريد للمناطق الريفية، إلاّ أنها ليست بالحجم المطلوب، لتغطية 50% من الإقليم.

وباشرت الحركة عملية التنمية الزراعية، باستخدام عوائد النفط، وتوجهت إلى العمل بالنهج العلمي البحثي في زراعة المحاصيل الزراعية، وبناء السدود والقناطر لتنظيم عمليات تدفق المياه من الأنهار، وري المحاصيل بشكل علمي ومحسوب. واستقدمت خبرات أجنبية متخصصة في هذه المجالات.

أما في المجال النفطي، فإن الحركة تتحرك داخلياً وخارجياً للسيطرة على مناطق النفط، وأبرمت عقد تنقيب للنفط مع شركة النيل الأبيض للنفط المحدودة البريطانية. وأدى ذلك إلى أزمة مع الحكومة السودانية بسبب أن حيز منطقة التنقيب، الذي مُنح للشركة البريطانية، هو بالأساس كان ممنوحاً لشركة توتال الفرنسية، التي تمتلك حق التنقيب والاستخراج من هذه المنطقة، ولكنها توقفت عن العمل بسبب الحرب الأهلية. إلا أن الشركة البريطانية انسحبت في النهاية بسبب تعقيدات الأزمة.

وتدرس الحركة مدّ خط أنابيب لنقل النفط الجنوبي إلى ميناء مومباسا الكيني، بدلاً من الاعتماد على خط أنابيب الشمال الذي يصل إلى ميناء بور سودان. ويقع الخط الجديد داخل نطاق الولايات الجنوبية، الأمر الذي يدعم حجة إعداد الحركة وسعيها نحو اقتصاد منفصل عن الشمال.

وخلاصة القول، أن ثمة جهوداً جنوبية للنهوض باقتصاد جنوب السودان، إلاّ أن هذه الجهود غطت 30 – 40% من احتياج الإقليم، وأن ما يعوقه ضعف المنح والمساعدات ومتطلبات الإعمار يفوق كثيراً حجم وإمكانيات الحركة الشعبية.

كشفت أحداث السيول والفيضان في جنوب السودان، في يوليه 2007، عجز حكومة جنوب السودان عن مواجهة الكارثة على المستوى الإداري والاقتصادي والإنساني، وأن الاقتصاد الجنوبي يعاني نقصاً حاداً في البنية التحتية.

وفي تصريح لمندوب الحركة الشعبية عند مشاركته في ندوة بعنوان: "الأوضاع السياسية في السودان"، والتي نظمتها مؤسسة الأهرام بالقاهرة، 11 يوليه 2007، أشار إلى "حاجة الجنوب للدعم العربي لإعادة إعمار جنوب السودان، ومن دون هذا الدعم سوف يكون الانفصال، وسوف يؤيدنا المجتمع الدولي".

ج. المسار الاجتماعي والثقافي

تسعى الحركة الشعبية إلى حل أزمة تاريخية يعيشها أهل الجنوب، وهي أزمة الهوية للتجمعات السكانية؛ فالقبيلة هي الوحدة الاجتماعية الرئيسية في الجنوب، والولاء الأساسي للمواطن هو للقبيلة ويأتي بعدها الدولة والدين والعرق.

ونتيجة لأزمة هوية، نشأت حالة شبه انعزالية في حياة القبائل. وإذا قدّرنا أن بالجنوب (80) قبيلة، وكل قبيلة لها ميليشياتها المسلحة، وتلعب دوراً في الصراع القبلي، فيكون التحدي أمام الحركة الشعبية كيف تفرض سيطرتها على تلك القبائل لبناء الإقليم وتنظيمه.

إن التعددية العرقية واللغوية والدينية تمثل إحدى المشاكل الاجتماعية في جنوب السودان، والديانات الوثنية القبلية هي الأكثر شيوعاً مع اختلافها بين كل قبيلة وأخرى، على الرغم من النشاط الواسع للبعثات التبشيرية المسيحية في جنوب السودان. وتشير بعض الإحصائيات إلى أن 70% من السكان يعتنقون ديانات وثنية مختلفة، و20% مسيحيون، و10% مسلمون. وفي تقدير آخر أن المسلمين 18%، والمسيحيين 17%، والباقين من ديانات وثنية مختلفة.

ونشير هنا أن الديانات لا تمثل أهمية كبيرة في حياة الجنوبيين، وأن العامل الاقتصادي والمعيشي هو الأكثر أهمية، حيث توجد أسر جنوبية أبناؤها يعتنقون الإسلام والمسيحية والوثنية في الأسرة نفسها، من دون أن يكون لذلك أثر على حياتهم الاجتماعية. وديانتهم، غالباً، ترتبط بالمكان الذي تلقوا العلم فيه، عند صغرهم، والخدمات الصحية والمعونة الإنسانية.

كما تسعى الحكومة الجنوبية بالتعاون مع الأمم المتحدة والدول المانحة، لحل مشكلة الألغام، التي بلغت 2 مليون لغم، التي خلفتها الحرب في جنوب السودان. وكذلك حل مشكلة اللاجئين حيث أشارت تقارير مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين إلى عودة (300) ألف لاجئ طوعياً من الدول المجاورة، من إجمالي 572 ألف لاجئ في نهاية عام 2006. إلاّ أن الميليشيات فرضت على العائدين رسوماً وإتاوات غير قانونية، كما أشارت تقارير الأمم المتحدة بأن 22% من اللاجئين في الخارج يرغبون في البقاء بأماكن إقامتهم الحالية، حتى نهاية الفترة الانتقالية عام 2011، بسبب نشاط الميليشيات المسلحة وتردي الحالة المعيشية.

أثار المجتمع الدولي قضية إنسانية مرتبطة بتجارة البشر في جنوب السودان ودارفور، حيث تقوم الميليشيات المسلحة في الجنوب، ومنها جيش الرب، بخطف النساء والأطفال وبيعهم في سوق العبيد، لاستخدامهم كعمالة خدمية، وتجنيد الأطفال في الميليشيات المسلحة، خاصة جيش الرب، والنساء في تجارة الجنس، كما يُباع هؤلاء في الدول المجاورة، مثل أوغندا أو الكونغو الديموقراطية.

حمّل المجتمع الدولي الميليشيات في الجنوب والجيش السوداني، مسؤولية هذه الظاهرة، وباتت سبة على جنوب السودان. وتسعى الحكومة الجنوبية للقضاء عليها.

د. المسار العسكري والأمني

كان من أولويات الحركة الشعبية بعد توقيع اتفاق السلام، إعادة تنظيم وتسليح وتدريب الجيش الشعبي. ورددت بعض المصادر السودانية، أن الحركة الشعبية حصلت على حوافز مختلفة للتوقيع على اتفاق السلام، منها حوافز مرتبطة بتطوير الجيش الشعبي الجنوبي.

وجاء هذا الاهتمام بسبب عدم الثقة في نظام الرئيس عمر البشير، واستعداد الحركة لأي نزاعات مسلحة محتملة مع الشمال، أو مع القوى المعارضة في الجنوب، إضافة إلى استكمال فرض سيطرة الحركة على جميع أراضي الجنوب السوداني، خاصة المناطق التي لا توجد للحركة سيطرة عليها.

أعادت الحركة تنظيم الجيش الشعبي ليكون جيشاً نظامياً، ووفّرت له معدات وأسلحة جديدة، لم يُرصد حجمها أو نوعها. وتوسّعت في تدريب كوادرها العسكرية في الولايات المتحدة الأمريكية وكندا وبعض دول أوروبا وإسرائيل وكينيا وإريتريا. كما خصصت الحركة 40% من ميزانيتها للإنفاق العسكري، بما يعادل 500 مليون دولار.

سحبت الحركة الشعبية قواتها بشكل نهائي من شرق السودان عام 2005، من مناطق تدريب همشكوريب، ورساي الجديدة، وكوتنيب، إضافة إلى جميع قواتها خارج حدود جنوب السودان المتفق عليه.

وأشار تقرير لمجموعة الأزمات الدولية، في 31 مارس 2006، أن الجيش الشعبي يواجه صعوبات خطيرة ليكون جيشاً نظامياً مهنياً، نظراً لاستمرار سيطرة فكرة الميليشيات على القادة العسكريين. كما يعاني الجيش من أزمة عدم دفع المرتبات بشكل منتظم وكامل، وأن الجيش يتطلب إعادة تنظيم ووضع إستراتيجية عسكرية له.

وجه "سلفاكير"، رئيس حكومة جنوب السودان، انتقادات متعددة لحكومة الخرطوم خلال عام 2006/2007، وكان آخرها منتصف يونيه 2007، حين دمّرت القوات الحكومية المواقع التي انسحبت منها في الجنوب، ووطّنت حشوداً بشرية تابعة للشمال بين منطقتي جنوب النيل الأزرق وأعالي النيل، لتغير التركيبة السكانية للتأثير على الانتخابات الرئاسية والبرلمانية 9 يوليه 2009. كما دعم الجيش الحكومي الميليشيات المسلحة الموالية لها وعناصر جيش الرب الأوغندي المعارض، ما يؤدي إلى الاستقرار الأمني في الجنوب، ويمثل انتهاكاً لاتفاق الترتيبات الأمنية؛ إضافة إلى أن المشاركة الجنوبية في الأجهزة القومية شكلية بشكل عام، لأنها جاءت بصلاحيات محدودة.

كما وجهّت حكومة الشمال اتهامات أخرى لحكومة الجنوب بعدم سيطرتها على الحدود، ونشاطها في عمليات تهريب للسلع والسيارات عبر الحدود، ما يحرم الدولة من عائدات الجمارك، والسماح لعملاء إسرائيليين بالتسلل إلى جنوب السودان تحت مظلة الاستثمار.

كما أن الحكومة السودانية تدعم قبائل المسيرية، بينما تدعم الحكومة الجنوبية قبائل الدينكا في منطقة أبيي المتنازع عليها، ما يهدد باندلاع حرب أهلية جديدة بالمنطقة.

وتواجه حكومة الجنوب قضية أمنية سياسية تهدد أمن واستقرار الإقليم، ولم تتمكن حكومة الجنوب من حلها، حيث يوجد في الجنوب (28) جماعة مسلحة، منها (13) جماعة متحالفة مع الحكومة في الشمال، وحذرت من أنها ستواصل القتال إذا تُمثّل في الجيش والشرطة والأجهزة الأمنية. ورفضت تلك الجماعات انتشار الجيش ومقاتلي الحركة الشعبية في المناطق التي تسيطر عليها.

كما تطالب تلك الجماعات بحصة عادلة في القوات الوطنية المشتركة، تصل إلى 3000 عنصر من إجمالي 24 ألف عنصر للقوة المشتركة، على أن تُخصم حصتها من نصيب الحكومة والحركة الشعبية؛ إضافة إلى المطالبة بمعاملة المُسرّحين منهم كنظائرهم في القوات المسلحة والحركة الشعبية.

إلا أن الحركة الشعبية رفضت هذه المطالب؛ لأنها ترى أن قرار مجلس الأمن الرقم 1590 لسنة 2005، الذي صدر تحت الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة يتيح للقوات الدولية فرض السلام بالقوة وفرض العقوبات.

خامساً: النفط مصدر أزمات السودان

خلال العقود السابقة تعرضت السودان إلى العديد من الأزمات والحروب الأهلية، وكان مصدرها الصراعات العرقية والدينية أحياناً، وعملية الشراكة السياسية، أحياناً أخرى. وبعد الاكتشافات النفطية في السودان تحولت مصادر الصراع حول السيطرة على النفط.

ظهرت مصادر الصراع حول النفط بين الشمال والجنوب السوداني في مرحلة ما قبل وبعد اتفاق السلام الشامل، بين الحكومة السودانية والحركة الشعبية. وبعد أن كان الصراع حرباً أهلية، تحول إلى صراع سياسي للسيطرة على مناطق إنتاج النفط.

وعلى افتراض حل النزاع بين الشمال والجنوب حول مناطق النفط، نجد أن هناك صراعاً كامناً، جنوبي جنوبي بين القبائل الجنوبية حول النفط.

أما وجهة النظر الإستراتيجية، فتشير إلى وجود صراع أمريكي صيني حول توسيع النفوذ في القارة الأفريقية، للاستفادة من ثرواتها الطبيعية وأولها النفط، للحاجة الملحة إليه خلال المرحلة القادمة، والسودان جزء مهم من القارة الأفريقية.

ولذلك نجد أن السودان تحول إلى منطقة صراع نفوذ بين الولايات المتحدة الأمريكية والصين، للسيطرة على ثرواته الطبيعية وإنتاجه النفطي. ومع أن الصراع بين الولايات المتحدة والصين هو صراع سياسي، إلاّ أن الشعب السوداني هو ضحية هذا الصراع. (اُنظر خريطة مناطق النفط في جنوب السودان)

1. تطور إنتاج النفط في السودان

أ. المرحلة الأولى: الفترة 1959 – 1976

بدأ الاهتمام بالثروة النفطية في السودان عام 1959، وبدأ العمل الفعلي عام 1960، في منطقة ساحل البحر الأحمر بواسطة شركة "أجيب" الإيطالية، ثم انضمت إليها شركة "شيفرون" الأمريكية، التي ركزت على منطقة جنوب سواكن على شاطئ البحر الأحمر وداخل المياه الإقليمية. وحتى عام 1976 تبين للشركتين صعوبة إنتاج النفط على أسس تجارية، وأن حجم الاستثمار لا يعادل العائد المتوقع.

ب. المرحلة الثانية: الفترة 1977 – 1988

انتقلت الشركات العاملة نفسها للعمل وسط وجنوب السودان في مناطق جنوب كردفان ومنطقة النيل الأزرق. ونتيجة عمليات المسح، تم التأكد من وجود مخزون نفطي يُقدر بحوالي 300 مليون برميل.

كما بدأت شركة "شيفرون" في إنشاء خط أنابيب يربط منطقة الوحدة بميناء
بورسودان على البحر الأحمر. وصممت مصفاة بسعة (10) آلاف برميل لتصفية الخام المحلي في منطقة الوحدة، وعلى أن تنقل المنتجات البيضاء إلى غرب السودان بالسكك الحديدية، وإلى الجنوب بالسفن عن طريق نهر النيل.

توقفت أعمال شركة "شيفرون" نتيجة عمليات الاعتداء المسلح من الحركة الشعبية في منطقة الوحدة وما حولها، وذلك في عهد الرئيس "نميري".

حاولت الحكومات السودانية المتعاقبة دعوة شركة "شيفرون" لاستئناف نشاطها في السودان، إلاّ أنها رفضت. ولم تُنقِّب أي شركة أخرى، شرقية أو غربية، في السودان، مع احتفاظ شركة "شيفرون" بحقوقها القانونية في منطقة التراخيص.

ج. المرحلة الثالثة: الفترة 1989 – 1995

حاولت حكومة الإنقاذ الوطني، برئاسة "عمر البشير"، عام 1989، إغراء شركة "شيفرون" للعودة للعمل في السودان، أو إسقاط التراخيص الممنوحة إليها، إلى أن تمكنت من إسقاط التراخيص وسحب الامتياز من شركة "شيفرون" عام 1992، وذلك بعد تسوية بين شركة "شيفرون" وشركة "كونكروب" الكندية، حصلت بموجبها الشركة الكندية على حق الامتياز.

أجرت شركة "كونكروب" الكندية مزيداً من المسح الجيولوجي، وحفرت بعض الآبار، الأمر الذي ساعد في زيادة تقدير المخزون النفطي في السودان، وشجع شركات أخرى للدخول في مجال التنقيب، مثل شركة "رومينول" الرومانية.

شرعت الحكومة السودانية بجهود ذاتية في استغلال الآبار، التي خلفتها شركة "شيفرون". وتمكنت من إنتاج 2000 برميل في اليوم.

حاولت الحكومة السودانية دعوة الشركات الأجنبية للعمل في السودان، إلا أنها لم تحرز نجاحاً بسبب عزلتها على المستوى الإقليمي والدولي، نتيجة لتداعيات موقفها من الغزو العراقي للكويت، وتزايد الاتهامات الدولية لها بإيواء عدد من الجماعات الإرهابية.

فرض هذا الواقع على السودان أن تتعامل مع شركة صغيرة حديثة المنشأ وضعيفة التمويل والخبرة، وهي شركة "ستيت" الكندية، والتي حصلت على حق الامتياز في منطقة الوحدة عام 1993.

كان من نتيجة ضعف شركة "ستيت" المالي، اندماجها مع شركة أخرى صغيرة تسمى "أراكيس"، وأصبحت شركة ستيت فرعاً لها في السودان.

وخلال الفترة نفسها مُنحت شركة (IPC) الكندية امتيازاً في منطقة البحر الأحمر، إلا أنها تعثرت نتيجة للتكلفة التجارية. كما مُنحت شركة (CNPC) الصينية امتيازاً جنوب كردفان مربع (6)، وحققت نجاحاً محدوداً. كما مُنحت شركة الخليج/ قطر مع شركات سودانية امتيازاً لتطوير حقول النيل الأزرق في مربع (3)، وأنتجت 3000 برميل يومياً.

د. المرحلة الرابعة: الفترة 1996 – 2006

تطورت قدرة الشركات السابقة على الإنجاز بعد دخول شركة "غناوة" في الامتياز. كما منحت الحكومة كونسورتيوم، من الشركات العالمية، وتضم (IPC) الكندية، (OMV) النمساوية، وبتروناس الماليزية في نهاية عام 1996 امتيازاً في منطقة جنوب الوحدة المربع (5 أ).

ونتيجة لذلك بدأت مرحلة الإنتاج المتقدم، مع تشييد مصفاة بالقرب من الخرطوم للتسويق المحلي وتحقيق الاكتفاء الذاتي، وربطها بخط أنابيب عبر مدينة الأبيض.

أُنشأ "كونسورتيوم" دولي ذا قدرة مالية عالية للعمل في السودان. وتضم الشركة الصينية الوطنية للنفط 40%، وشركة بتروناس الماليزية 30% وشركة ستيت الكندية صاحبة الامتياز 25%، وشركة سودابيت السودانية التابعة للدولة 5%.

كما دخلت في الاستثمار شركات أخرى من السويد وقطر وإيران والنمسا. وخلفت شركة "تاليسمان" الكندية شركة "ستيت"، بعد شرائها جميع أصولها عام 1998، إلاّ أنها انسحبت من العمل خلال عام 2003 نتيجة للضغوط الأمريكية.

وحصلت الشركة الصينية الوطنية على حق إنشاء مصفاة بترول الخرطوم وأكملت المصفاة عاام 2000. ووصل إنتاج المصفاة عام 2005 إلى 100 ألف برميل في اليوم، وتُنتج بوتجاز وبنزين وجازولين ووقود طائرات.

كما تطورت مصفاة الأبيض لتنتج 15 ألف برميل في اليوم عام 2005. كما شُكِّل "كونسورتيوم" آخر من الشركات العاملة لتكوين شركة تشغيل تختص بالاستكشافات والإنتاج ومد خط أنابيب، سُميت "شركة ا لنيل الكبرى للعمليات النفطية" (GNPOC)، وطرحت مشروع تطوير خط أنابيب الوحدة/ بور سودان بطول 1610 كم، وكان الانتهاء منه عام 1999.

وتواصل العمل في مجال النقل والتكرير؛ وتطورت مصفاة الخرطوم ليرتفع إنتاجها إلى 300 برميل يومياً، ومدّ خط أنابيب من مصفاة الخرطوم إلى بور سودان بطول 741 كم، وبدأ تشغيله عام 2005 بواسطة شراكة سودانية هندية.

وذكر وزير الطاقة السوداني في افتتاح تشغيل خط الأنابيب، ديسمبر 2005، أن بالسودان ثلاثة خطوط لنقل النفط، والعمل جارٍ في خطين آخرين، منهم ثلاثة لنقل النفط الخام وخطين لنقل المشتقات.

وبذلك نرى أن إنتاج النفط في السودان كان متصاعداً بدرجة سريعة. فبعد أن كان 20.7 مليون برميل عام 1999، ارتفع عام 2001 ليصل إلى 73.2 مليون، وفي عام 2003 وصل إلى 96.5 مليون برميل، وعام 2004 وصل إلى 105.1 مليون برميل.

ونشير هنا إلى تحسن عقود النفط السودانية مع الشريك الأجنبي. فبعد أن كانت الحكومة السودانية تحصل على 40% من إنتاجها النفطي والشريك الأجنبي على 60% من الإنتاج عام 2000، باتت الحكومة السودانية تحصل على 71.3% و28.7% للشريك الأجنبي عام 2004.

وفي مجمل الأحوال كانت الحكومة السودانية تخصص 20% من إنتاجها النفطي للاستهلاك المحلي، لتحقيق الاكتفاء الذاتي، وتصدر 80% من إنتاجها إلى السوق العالمي.

وبعد توسيع عمليات الاستكشاف، ارتفع الاحتياطي النفطي السوداني المؤكد إلى 700 مليون برميل وإجمالي الاحتياطي بنحو 5 مليار برميل، طبقاً للمصادر السودانية عام 2005؛ بينما أشارت المصادر الأمريكية إلى أنه يبلغ 1.6 مليار برميل نفط، إضافة إلى 85 مليار متر مكعب احتياطي غاز طبيعي، وذلك طبقاً لتقديرات عام 2006.

2. النفط في الاقتصاد السوداني

لعب النفط دور أساسياً في تحسين الاقتصاد السوداني منذ عام 1999. فبعد أن كان السودان دولة مستوردة للنفط، تنفق حوالي 350 – 400 مليون دولار سنوياً لاستيراده قبل عام 1999، باتت دولة مصدرة للنفط.

أشارت الإحصائيات إلى أن دخل النفط في الاقتصاد السوداني أدى إلى تغير هيكلي في بنيته، إذ أسهم بنحو 50% من الإيرادات العامة، وباقي الميزانية من إيرادات الضرائب التقليدية.

ففي عام 2001 أسهم النفط بنسبة 41% من الإيرادات العامة، وارتفع إلى نسبة 42.2% عام 2002، وإلى نسبة 48.1% عام 2004، ما حول الهيكل الاقتصادي من دولة زراعية إلى دولة نفطية.

عدلت عائدات الصادرات النفطية من الميزان التجاري السوداني، فهي لم تتعد قبل عام 1999 سقف 700 مليون دولار في السنة، إلا أنها ارتفعت إلى 1.7 مليار دولار عام 2001، وإلى 2.5 مليار دولار عام 2003، وإلى 3.8 مليار دولار عام 2004، وقدَّرتها المصادر الأمريكية عام 2006 بنحو 2.99 مليار دولار عائدات نفط، إضافة إلى 4.51 مليار دولار عائدات غاز طبيعي، أي بإجمالي 7.5 مليار دولار عام 2006.

وطبقاً لاتفاق السلام الشامل، حصلت حكومة الإقليم الجنوبي على حوالي 700 مليون دولار نهاية عام 2005، استخدمته في الميزانية العامة للإقليم، خاصة لإعادة الإعمار وإعادة تطوير وتسليح الجيش الجنوبي.

وأشارت بعض تقارير عام 2004، أن الحكومة السودانية استخدمت نصف عائدات النفط لزيادة قدرتها العسكرية، وعقدت صفقات سلاح مع روسيا وبلاروسيا وبولندا، ودعمت منها الميليشيات الحليفة لها جنوب السودان، إضافة إلى دفع أموال لكسب بعض التحالفات، مع زعماء وقبائل الجنوب.

كما استخدمت الحكومة السودانية إنتاج النفط لكسب تحالفات إقليمية، مع إثيوبيا وكينيا.

3. الصراع حول النفط

أ. الصراع الأمريكي الصيني

يمكن وصف الصراع الدولي على السودان، بصراع النفوذ، حول بسط السيطرة عليه سياسياً واقتصادياً وأمنياً، بوصفه جزءاً من القارة الأفريقية وموقعه الجيوبولوتيكي في قلب القارة.

نتيجة لتنامي الاقتصاد العالمي، زاد اهتمام المجتمع الدولي بمناطق الثروة الطبيعية في أنحاء العالم. ونتيجة لاشتعال منطقة الشرق الأوسط وتحولها إلى منطقة أزمات وعدم استقرار، الأمر الذي يهدد استمرار تدفق النفط وعدم استقرار الاقتصاد العالمي، بدأ المجتمع الدولي في البحث عن مناطق بديلة، كان أهمها القارة الأفريقية لِما بها من ثروات مكتشفة، واحتياطات واعدة غير مكتشفة.

وأشارت تقديرات عام 2006، أن الإنتاج العالمي للنفط يبلغ 84.3 مليون برميل يومياً، منها 26 مليون برميل من الدول العربية. أما القارة الأفريقية فتنتج 3.9 مليون برميل يومياً، وهي تزيد من إنتاجها بنسبة 6% سنوياً، بسبب نشاط عملية البحث والاستكشاف ووجود احتياطات نفطية تقدر بنسبة 11% من الاحتياطي، ومتوقع أن يرتفع إنتاج القارة الأفريقية عام 2010 إلى 8 مليون برميل يومياً.

تحصل الصين على 25% من احتياجاتها النفطية من القارة الأفريقية، بينما تحصل الولايات المتحدة الأمريكية على 16.1% من احتياجاتها النفطية من القارة الأفريقية.

وعلى الرغم من اهتمام الدول الأوروبية واليابان والهند وبعض الدول الأسيوية بالقارة الأفريقية، إلا أن الاهتمام الأمريكي والصيني كان هو الأكثر تنافساً حول السيطرة على الموارد الطبيعية بالقارة، وربما احتكارها مستقبلاً.

وتحول التنافس الأمريكي الصيني إلى صراع سياسي، ووضع كل منهما إستراتيجيته الخاصة للسيطرة على اقتصاديات القارة، والعمل على إزاحة الآخر منها. ونجحت الإستراتيجية الأمريكية والصينية في خلق وجود متنوع بالعديد من دول القارة، وربما جميعها.

ولأن السودان جزء من القارة، تحولت الدولة إلى مسرح عمليات تنافسي Competitiveness بين الولايات المتحدة الأمريكية والصين. وهي جزء من إستراتيجيتهم في القارة الأفريقية. إلا أن موازين القوى للدولتين ترجح الجانب الأمريكي.

فالولايات المتحدة الأمريكية تحمل إستراتيجيتها أهداف سياسية واقتصادية وأمنية. أما الصين فلم يظهر في إستراتيجيتها، حتى الآن، غير الأهداف الاقتصادية؛ إضافة إلى وجود عوامل تحكمها في العلاقة مع الولايات المتحدة الأمريكية، خاصة عدم تصعيد المواجهة وانحيازها إلى التفاوض وحل النزاعات بالطرق السلمية.

وفي بعض حالات العلاقة بين الدولتين، رضخت الصين للتشدد الأمريكي حول بعض القضايا السودانية، مثل صدور قرار مجلس الأمن الرقم 1590 لعام 2005، لعمل القوات الدولية في جنوب السودان تحت الفصل السابع. أي بما يعني أن الصراع الأمريكي الصيني حول السودان له خط أحمر للصين بعدم تصعيد المواجهة.

(1) جوهر الإستراتيجية الأمريكية

لم تركز الإدارة الأمريكية اهتمامها بالسودان إلاّ بعد أحداث سبتمبر 2001. وأعلنت أهدافها في مكافحة الإرهاب والتحول الديموقراطي وحقوق الإنسان، ولا تزال تضع السودان على القائمة الأمريكية للدول، التي ترعى الإرهاب.

إلا أن المتابع للدور الأمريكي في السودان يجد أن أهدافه هو تغيير النظام السوداني، أو على أقل تقدير، تعديل سلوكه، لتحويل السودان إلى دولة حليفة للولايات المتحدة الأمريكية.

كما تسعى الولايات المتحدة الأمريكية إلى تفتيت وتجزئة السودان إلى أقاليم كونفيدرالية مهيئة للانفصال السياسي مستقبلاً، حيث ارتكزت سياستها لحل مشكلة جنوب السودان منذ عام 2001، على مبدأ "دولة واحدة بنظامين"، وحققت ذلك في اتفاق السلام الشامل 2004/2005، وتسعى لتحقيق ذلك في دارفور.

إن تجزئة السودان إلى أقاليم كونفيدرالية حليفة للولايات المتحدة الأمريكية يحقق أهدافاً اقتصادية، للاستفادة من ثروات النفط والمعادن في جنوب وغرب السودان، خاصة بعد إنتاج النفط على نحو كبير، واحتمال وجود احتياطات نفطية واعدة في تلك الأقاليم.

ومن الأهداف الأمريكية في المنطقة منع ظهور، أو وجود منافسين لها بما  يهدد مصالحها الإقليمية، خاصة المارد الصيني الصاعد، والمنافس للقوى العظمى الأحادية التي تسيطر على العالم.

ونشير هنا إلى تعرض الصين لانتقادات وضغوط دبلوماسية أمريكية وتهديدات من منظمات المجتمع المدني، وأخرى اقتصادية للضغط على الصين حول دورها في السودان، واتهامها بدعم النظام السوداني سياسياً واقتصادياً وعسكرياً، على الرغم من انتهاكه للديموقراطية وحقوق الإنسان ودعمه للإرهاب وارتكابه جرائم حرب.

ومن الأهداف الأمريكية، تحقيق وجود أمني لها حتى ولو كان محدوداً، لاستكمال حلقة وجودها الإقليمي في جيبوتي والصومال وكينيا وأوغندا والكونغو الديموقراطية وتشاد، من طريق قوات فرنسية صديقة.

ويمكن تحقيق هذا الهدف بعد تجزئة السودان إلى أقاليم يسهل التعامل معها في تحقيق الوجود الأمني، حتى ولو كان رمزياً.

(2) جوهر الإستراتيجية الصينية

الإستراتيجية الصينية في السودان هي جزء من إستراتيجيتها في أفريقيا، ولا تُخفي الصين أهدافها الاقتصادية في أفريقيا بشكل عام، والسودان بصفة خاصة.

تمثل الدول الأفريقية أهمية خاصة في الشراكة التجارية مع الصين، خاصة أنجولا وجنوب أفريقيا والكونجو وغينيا والجابون ونيجيريا والجزائر والمغرب وتشاد والسودان. ووصل حجم تجارتها مع هذه الدول إلى 11.1 مليار دولار عام 2004، ويأتي السودان في المرتبة الثالثة بعد جنوب أفريقيا وأنجولا، حيث كان حجم التجارة الصينية مع السودان عام 2004 هو 1.678 مليار دولار.

تقبل الإستراتيجية الصينية بسوق المنافسة وليس المواجهة، وتقبل بوجود أمريكي في السوق الصينية. وتترك السوق هو الذي يحدد عملية العرض والطلب، في إطار اعتماد الصين على سياسة تسويق ناجحة وعرض منتجات رخيصة، تتناسب مع حاجة السوق الأفريقي ومستواه المعيشي.

يتركز الاهتمام الصيني في السودان على استيراد نفطه ومنع احتكاره بواسطة الولايات المتحدة الأمريكية، أو أي قوى دولية أخرى؛ إضافة إلى خلق سوق تجاري للمنتجات والخدمات الصينية في السودان.

وتحافظ الصين على مصالحها الاقتصادية بالسودان، بدعم النظام السياسي على المستوى الدبلوماسي والاقتصادي والعسكري ما أمكنها ذلك؟ وهو دعم غير مطلق، ولا تضع الصين جمهورية السودان في مكانة الحليف الإستراتيجي.

ومن هنا يبرز الدور الصيني في مجلس الأمن لدعم السودان. وتستخدم الصين المناورات الدبلوماسية مع الولايات المتحدة الأمريكية والسودان لمنع تصعيد المواجهة بينهما، وفي الوقت نفسه تحافظ على مصالحها الاقتصادية في السودان.

ب. الصراع الشمالي الجنوبي حول النفط

تشهد العلاقات بين الشمال والجنوب، خلال المرحلة الانتقالية، خلافات حادة حول السيطرة على مصادر النفط. وقد ترتب عليها خلافات أخرى حول الحدود بين الشمال والجنوب، حيث يسعى كل طرف إلى تعديل الحدود الفاصلة لضمان وجود مصادر النفط داخل حدوده، خاصة في محافظة الوحدة والتي تشمل المربعات (1، 2، 4) في الخريطة المرفقة.

وفما يجري الآن يبدو أن الحدود بين الشمال والجنوب، باتت متحركة طبقاً للحقول النفطية المكتشفة، حيث لم تُرسّم الحدود رسمياً حتى الآن. كما أن لجنة ترسيم الحدود وضعت في تقريرها المبدئي منطقة أبيي الغنية بالنفط داخل حدود جنوب السودان، ورفضت حكومة الشمال هذا الرأي. ويجري الآن استكمال اللجنة لتقريرها النهائي، بعد تجميعها وثائق رسمية تاريخية عن المناطق المتنازع عليها.

خلال مرحلة تشكيل حكومة الوحدة الوطنية عام 2005، أصر حزب المؤتمر الحاكم على تولي حقيبة وزارة الطاقة والتعدين، الأمر الذي فجَّر خلافاً بين الشمال والجنوب، لا سيما أن حزب المؤتمر حصل على حقائب الدفاع والداخلية والمالية.

وعندما حصلت حكومة الجنوب على 700 مليون دولار نهاية عام 2005، من عوائد النفط، اتهمت حكومة الجنوب الخرطوم بعدم الشفافية وإخفائها للإنتاج الحقيقي من النفط.

ومازالت الميليشيات المسلحة التابعة للحركة الشعبية، وأخرى التابعة للحكومة السودانية مرابطة في مناطق آبار النفط المتنازع عليها على الحدود الفاصلة بين الشمال والجنوب، ما يهدد بانفجار الموقف الأمني، على الرغم من وجود كتيبة من القوات السودانية المشتركة وعناصر من قوة السلام الدولي.

كما أن تعليق تبعية مناطق النفط وترسيم الحدود خلال المرحلة الانتقالية، قد يؤدي إلى اختيار أهل الجنوب خيار الانفصال في استفتاء عام 2011، من أجل الحصول على جميع عائدات النفط بنسبة 100%، بدلاً من نسبة 42% التي ينبغي أن يحصلوا عليها الآن طبقاً لاتفاق تقاسم الثروة.

ج. الصراع الجنوبي الجنوبي حول النفط

على الطرف الجنوبي ثمة خلافات جنوبية/ جنوبية في محافظة الوحدة، المركز الرئيسي لإنتاج النفط، والتي تقطنها قبيلة المسيرية العربية وقبيلة دينكا نقوك، التابعة للحركة الشعبية.

وحسب تعداد عام 1956، فإن المسيرية يشكلون 102 ألف نسمة، بينما دينكا نقوك 38.500 ألف نسمة، وتناقص هذا التعداد مع مرور السنوات بسبب الجفاف والحرب والصراعات القبلية، وفي تعداد عام 1983 بلغ تعداد المقيمين في المنطقة 30 ألف نسمة من القبيلتين، وتناقص هذا الرقم حتى وصل إلى خمسة آلاف نسمة.

والخلاف بين القبيلتين هو خلاف تاريخي وصراع قبلي حول الماء والمراعي والهجرة البينية، وكل منهما يدعي أحقيته في السيطرة على السلطة وثروة المنطقة. وترفض المسيرية مشاركة قبائل أخرى لها في ثروة نفط المنطقة، وتتهم الحكومة السودانية والحركة الشعبية بتهميشها في مرحلة المفاوضات وفي اتفاق السلام وفي المرحلة الانتقالية الحالية، على الرغم من أنهم أصحاب المشكلة الحقيقيين.

لم تشرك حكومة جنوب السودان قبيلة المسيرية في حواراتها الجنوبية لتحقيق المصالحة في الجوب، وتطالب بضم منطقة أبيي إلى مديرية بحر الغزال الجنوبية بقرار إداري، كما نُقِلت تبعيتها من قبل بقرار إداري إلى مديرية كردفان الشمالية قبل عام 1930؛ بينما ترى الحكومة السودانية أن منطقة أبيي كانت تابعة إدارياً للشمال منذ عام 1905، طبقاً للوثائق البريطانية.

ونتيجة للخلافات حول أبيي خلال التفاوض، أقر اتفاق حسم النزاع في أبيي في 26 مايو 2004، أن ينطبق عليها وضع أقاليم الجنوب، وترحيل المشكلة إلى نهاية المرحلة الانتقالية وخضوع المنطقة للاستفتاء على حق تقرير المصير عام 2011.

طرح جنوب السودان عدة خيارات من قِبل التهديد، تشمل اللجوء إلى تحكيم أمريكي لتنفيذ بروتوكول أببي، أو وضع الإقليم تحت الإدارة الأمريكية، والخيار الأخير هو اللجوء إلى المحكمة الدولية. ويأتي ذلك في ظروف استمرار عمل لجنة ترسيم الحدود، التي ينتهي عملها بالتقرير النهائي في يونيه 2008. ويستند جنوب السودان على التقرير الأولي للجنة الترسيم، الذي أشار إلى تبعية منطقة أبيي إلى جنوب السودان.

وهذا يعني تصعيد الصراع بين قبائل المسيرية والدينكا، وهو الأكثر دموية من الصراع الشمالي الجنوبي، ما لم يتم حل المشكلة بشكل مرضٍ للطرفين.